×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة - خطورة الدعاوى الكيدية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4316

 

الْحَمْدُ للهِ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19]،  وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّين، أَمَّا بَعْد.

فَاتَّقُوا اَللَّه أَيُّهَا اَلنَّاسُ؛ عِبَادَ اَللَّهِ؛ أَنْعَمَ اَللَّهُ عَلَيْكُمْ فَخَلَقَكُمْ مِنْ عَدَمٍ، عَلَّمَكُمْ اَلْبَيَانَ وَفَصَاحَةَ اَللِّسَانِ؛ لِتُدْرِكُوا بِذَلِكَ مَصَالِحَ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، فَقَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى اَلْإِنْسَانِ بِمَا مَنَحَهُ: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ[البلد: 8- 10]، فَجَعَلَ لِلْإِنْسَانِ لِسَانًا نَاطِقًا بِمَصَالِحِهِ، وَجَعلَ لَهُ شَفَتَيْنِ يَضْبِطُ بِهِمَا نُطْقَهُ وَيُحْكِمُ بِهِمَا قَوْلَهُ، فَاتَّقَوْا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُم؛ فَإِنَّ حِفْظَ اَللِّسَانِ وَسَدَادَ اَلقَوْلِ رَأْسُ اَلخَيْرِ، وَمِفْتَاحُ كُلِّ فَضِيلَةٍ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70- 71].

أَيُّهَا اَلْإِنْسَانُ: إِنَّ مِمَّا وَهَبَهُ اَللَّهُ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ اَلْقُدْرَةَ عَلَى اَلْخُصُومَةِ وَالْبَيَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ[يس: 77]، وقال تعالى: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ[النحل: 4]، أَيْ مُخَاصِمٌ، مُفْصِحٌ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ بِالْخُصُومَةِ، وَالْخُصُومَةُ يَا عِبَادَ اَللَّهِ قَدْ تَكُونُ حَسَنَةً وَقَدْ تَكُونُ قَبِيحَةً، فَالحَسَنُ مِنِ اَلْخُصُومَةِ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ مَا كَانَ مُحِقًّا لِلْحَقِّ، مُظْهِرًا لَهُ، مُبْطِلاً لِلْبَاطِلِ، دَاحِضًا لَهُ.

وَقَدْ تَكُونُ اَلخُصُومَةُ قَبِيحَةً، وَالْقَبِيحُ مِنَ اَلخُصُومَةِ مَا كَانَ لِدَفْعِ اَلْحَقِّ وَإِحْقَاقِ اَلْبَاطِلِ، أَوْ إِعَانَةِ اَلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا[النساء: 105]، فَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُخَاصِمَ بِالْبَاطِلِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ اَلْخُصُومَاتِ بِالْبَاطِلِ اَلَّتِي ذَمَّهَا اَللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مَا زَيَّنَهُ اَلشَّيْطَانُ لِبَعْضِ اَلنَّاسِ فَتَوَرَّطُوا فِيهِ مِنْ اَلِاشْتِغَالِ بِالدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةِ اَلَّتِي يُقِيمُونَهَا عَلَى غَيْرِهِمْ مُطَالِبِينَ بِمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حَقُّ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، أَوْ عَرَضٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، سَوَاءً أَقَامُوهُ أَصَالَةً عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَمْ وِكَالَةً عَنْ غَيْرِهِم ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ اَلإِثْمِ اَلْمُبِينِ اَلَّذِي حَرَّمَهُ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ إِذْ كُلُّ خُصُومِةٍ فِي دَفْعِ حَقٍّ أَوْ إِثْبَاتٍ بَاطِلٍ، لَمَضَرَّةِ أَحَدٍ، أَوْ إِلْحَاقِ اَلضَّرَرِ بِهِ فَهِيَ دَعْوَىَ كَيْدِيَّةٌ، وَهِيَ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ، بِهِ يَحْصُلُ خَرَابُ اَلدُّنْيَا وَفَسَادُ اَلدِّينِ. عِبَادَ اَللَّهِ: بِالدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةِ وَالْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ تُرَوُجُ بَيْنَ اَلنَّاسِ سُوقُ اَلْعَدَاوَاتِ، تَفْسُدُ اَلْعَلَاقَاتُ، فَكَمْ مِنْ دَعْوَى كَيْدِيَّةٍ قَاتِلَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَ اَلْأَزْوَاجِ وَالْقَرَابَاتِ، أَوْ بَيْنَ اَلْجِيرَانِ وَأَصْحَابِ اَلتِّجَارَاتِ، أَوْ بَيْنَ العَامِلِينَ وَأَصْحَابِ اَلْأَعْمَالِ، فَأَثْمَرَتْ فَسَادًا فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ اَلصِّلَاتِ، فَحَلَّتْ اَلْقَطِيعَةُ مَكَانَ اَلصِّلَةِ، وَحَلَّتْ اَلْإِسَاءَةُ مَكَانَ اَلْإِحْسَانِ، وَخَبُثَتِ اَلطَّوِيَّةُ، وَأُرِيدَ اَلشَّرُّ مَكَانَ طَيِبِ اَلسَّرِيرَةِ وَمَحَبَّةِ اَلْخَيْرِ، فُقِدَتْ اَلثِّقَةُ، وَشُحِنَتْ اَلصُّدُورُ بِغِلٍّ وَحِقْدٍ، وَاخْتَفَىَ اَلْحَقُّ، وَظَهَرَ اَلظُّلْمُ، كَثُرَ اَلْجِدَالُ وَالخِصَامُ ، وَضَاعَ بَيْنَ اَلنَّاسِ اَلْمَعْرُوفُ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ مِمَّا ذَمَّهُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ اَلشِّرْكِ وَالْكُفْرِ أَنَّهُمْ أَهْلُ خُصُومَاتٍ بِالْبَاطِلِ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِبْطَالَ اَلْحَقِّ وَإِظْهَارِ اَلشَّرِّ، قال تعالى: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ[الكهف: 56]، وَقَالَ–صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخَفِّف عَنْهُ شِدَّةُ مَا لَقِيَ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وَافْتِرَائِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، قال: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ[الزخرف: 58]، أَيْ يَلْتَمِسُونَ اَلْخُصُومَةَ بِالْبَاطِلِ لِيَرُدُّوا مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ اَلْهُدَى وَدِينِ اَلْحَقِّ .

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ جَزَالَةَ اَلْبَيَانِ وَفَصَاحَةِ اَللِّسَانِ إِذَا كَانَتْ فِي زُورٍ وَبُهْتَانٍ، وَفِي دَعَاوَى كَيْدِيَّةٍ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا بُرْهَانَ كَانَتْ سَبَبًا لِدُخُولِ أَصْحَابِهَا اَلنَّارَ، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[البقرة: 204- 206]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اَلدَّعَاوَىَ اَلْكَيْدِيَّةَ دَعَاوَى فُجُورٍ فِي اَلْخُصُومَةِ، فَالْفُجُورُ فِي اَلْخُصُومَةِ مَيْلٌ عَنِ الحَقِّ، وَاحْتِيَالٌ فِي رَدِّهِ ، وَقَدْ جَعَلَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اَلْفُجُورَ فِي اَلْخُصُومَةِ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ اَلنِّفَاقِ، فَقَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانتْ فيه خَصلةٌ مِنهُنَّ كانتْ فيه خَصلةٌ من النفاقِ حتى يدَعَها: إذا اؤتُمنَ خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».[صحيح البخاري:ح34، ومسلم:ح58/106]

فَالْفُجُورُ فِي اَلْخُصُومَةِ هُوَ مَيْلٌ عَنِ اَلْحَقِّ، وَاحْتِيَالٌ فِي رَدِّهِ بِكُلِّ سَبِيلٍ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اَلدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةَ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اَللَّهِ تَعَالَى، وَبَغْيٌ عَلَى اَلْخَلقِ يُوجِبُ غَضَبَ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، فَفِي اَلصَّحِيحِ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَبْغَضُ الرِّجالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ»[صحيح البخاري:ح2457، ومسلم:ح2668/5] والألدُّ اَلْخَصِمُ هُوَ كُلُّ شَدِيدِ خُصُومَةٍ بِالْبَاطِلِ وَبِالزُّوُرِ وَالْبُهْتَانِ.

رَوَى اَلْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اَللَّهِ بن عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ – أَنَّ اَلنَّبِيَّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «من خاصمَ في باطلٍ وهوَ يعلمُهُ لم يزل في سَخَطِ اللَّهِ تعالى حتَّى ينزعَ»[سنن أبي داود:ح2458، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي] ، وَقَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: -« مِنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومِةٍ لَا يَدْرِي أَحَقٌّ هُوَ أم بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اَللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ » [ سُنَنَ اِبْنْ مَاجَهْ : ح 2320 ، وَقَالَ اَلْحَاكِمُ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ اَلْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَوَافَقَهُ اَلذَّهَبِيُّ ] - - - ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ اَلدَّعْوَى اَلْكَيْدِيَّةُ وَالْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ يُقِيمُهَا اَلْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ، أَوْ يُقِيمُهَا نِيَابَةً عَنْ غَيْرِهِ مُحَامَاةً أَوْ وَكالَةً، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي اَلْوَعِيدِ اَلَّذِي ذَكَرَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَجَارَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ مُوجِبَاتِ سُخْطِه، نَعُوذُ بِهِ مِنْ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ، وَنَسْأَلُهُ اَلتَّوْفِيقَ إِلَى اَلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.

أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيم.

الحمدُ للهِ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر: 19]، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد.

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، وَالْزَمُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنَبُوا نَهْيَهُ تَفُوزُوا بِرِضَاهُ، وَتَنْجُو مِنْ عَذَابِهِ وَسُخْطِهِ،﴿ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ [آل عمران:185]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَصْحَابَ اَلدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةِ وَأَهْلِ اَلْخُصُومَاتِ فِي شَرِّ حَالٍ وَسُوءِ مَآلٍ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ اَلدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةِ اَلْبَاطِلَةِ إِنَّ تَمَكَّنُوا بِزُخْرُفِ اَلْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ مِنْ دَمٍ، أَوْ عِرْضٍ، أَوْ مَالٍ فَقَدْ بَاءُوا بَالِخْسَارِ عَاجِلاً وَآجِلاً، فَإِنَّ اِنْتِصَارَ اَلْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ فِي دَعْوَى بَاطِلَةٍ كَيْدِيَّةٍ ظَالِمَةٍ، يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَإِنَّمَا يَقْتَطِعُ نَصِيبًا مِنْ اَلنَّارِ.

جَاءَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُمْ سَلَمَهْ أَنَّ اَلنَّبِيَّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: «إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». [صحيح البخاري: ح2680، ومسلم: ح1713/4]

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ حَلَفَ على يمينٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِئٍ مسلمٍ لقِيَ اللهَ يومَ القيامةِ وهو عليه غضبانُ». [صحيح البخاري:ح2356، ومسلم:ح138/220]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادُ اَللَّهِ؛ لَا فَرْقَ فِي هَذَا اَلْوَعِيدِ اَلشَّدِيدِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى اَلدَّعْوَى اَلْكَيْدِيَّةِ اَلظَّالِمَةِ اَلْبَاطِلَةِ اَلْكَاذِبَةِ أَخْذُ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، مِنْ دَمٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ عِرْضٍ.

فَفِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثٍ أَبِيٍّ أَمَامَهُ قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«لا يقتَطعُ رجلٌ حقَّ امرئٍ مسلِمٍ بيَمينِهِ إلَّا حرَّمَ اللَّهُ علَيهِ الجنَّةَ وأوجبَ لَهُ النَّارَ، فقالَ رجلٌ منَ القومِ: يا رسولَ اللَّهِ، وإن كانَ شيئًا يَسيرًا؟، قالَ: وإن كانَ سِواكًا من أَراكٍ».[صحيح مسلم:ح137/218]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَصْحَابَ اَلدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةِ لَا سَلَامَةَ لَهُمْ مِنْ اَلْإِثْمِ، حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَظْفَرُوا فِي خُصُومَتِهِمِ اَلْبَاطِلَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ اَلدُّنْيَا، فَإِنَّهُمْ آثِمُونَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ اَلَّتِي آذَوْا بِهَا غَيْرَهُمْ، قَالَ اَللَّهُ تَعَالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[الأحزاب: 58].

والآيةُ شاملةٌ لكُلِّ مَنْ آذىَ مُسلمًا بفعْلٍ أو قولٍ قبيحٍ، وببهتانٍ وَكَذَّبٍ، وَمِنْ ذَلِكَ اَلدَّعَاوَى اَلْبَاطِلَةُ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ عَاجِلِ عَاقِبَةَ اَلْمُعْتَدِينَ بِالدَّعَاوَى اَلْكَاذِبَةِ أَنْ يَعْذُرُوا، وَأَنْ يُؤَدِّبُوا بِمَا يَرْدَعَهُمْ وَيَزْجُرَهُمْ، وَيَكُفَّ شَرُّهُمْ عَنْ اَلنَّاسِ، وَلِمَنْ تَضَرَّرَ بِالدَّعْوَى اَلْكَيْدِيَّةِ أَنْ يُطَالِبَ بِتَعْوِيضٍ مَادِّيٍّ مُقَابِلَ مَا جَرَى مِنْ خَسَار.

قال ابن تيمية –رحمه الله-: (من غرم مالًا بسبب كذب عليه عند ولي الأمر فله تضمين الكاذب عليه بما غرم).[الفتاوى:5/420]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: اِتَّقَوْا اَلدَّعَاوَى اَلْكَيْدِيَّةُ وَالْخُصُومَاتُ؛ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهَا يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، فَالِانْتِصَارُ اَلْحَقِيقِيُّ هُوَ مَنْ يُقدِمُ عَلَى اَللَّهِ سَالِمًا مِنْ حُقُوقِ اَلْعِبَادِ.

رَوَى اَلتِّرْمِذِي عَنْ اَلزُّبَيْرْ، قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى، لَمَّا نَزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ[الزمر: 31]، قَالَ اَلزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا اَلْخُصُومَةُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ بَعْدَ اَلَّذِي كَانَ بَيْنَنَا فِي اَلدُّنْيَا ؟

فقال –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نعم­».

قال الزبيرُ: إن الأمر إذًا لشديد.[سنن الترمذي:ح3236، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]

عِبَادُ اَللَّهِ: قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ[الزمر: 31]، قال: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف القوي[تفسير الطبري21/287]

حَتَّى تَخْتَصِمَ اَلرُّوحَ مَعَ اَلْجَسَدِ، فَتَقُولُ اَلرُّوحُ لِلْجَسَدِ: أَنْتَ فَعَلَتْ، وَيَقُولَ اَلْجَسَدُ لِلرُّوحِ: أَنْتَ أَمَرَتْ. [رَوَاهُ اِبْنْ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ اَلرُّوحِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا ذَكَرهُ اِبْنُ كثَير فِي تَفْسِيرِهِ:7/98، وذكره السيوطي في الدر المنثور:7/227]

 اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، أَجْرُنَا مِنْ حُقُوقِ اَلْعِبَادِ، وَارْزُقْنَا اَلْعَدْلَ وَالْإِنْصَافَ، وَأَعَذْنَا مِنْ اَلزَّيْغِ وَالضَّلَالِ وَالْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

اَللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلَا تُعْنِ عَلَيْنَا، انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، آثِرْنَا وَلَا تُؤَثِّرُ عَلَيْنَا، اِهْدِنَا وَيُسْرَ اَلْهُدَى لَنَا، اِجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرِين، شَاكِرِينَ، رَاغِبِينَ، رَاهِبَيْنِ أُوَاهِينْ مُنِيبِينَ.

اَللَّهُمَّ تَقْبَل تَوْبَتَنَا، وَثَبَت حُجَّتَنَا، وَاغْفِرْ ذِلَّتَنَا، وَأَقِلَّ عَثْرَتَنَا، اَللَّهُمَّ أَمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلَحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْن.

اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَاكْتُبْ مِثلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ وُلَاة اَلْمُسْلِمِينَ، اَللَّهُمَّ أَلْهَمَنَا رُشْدُنَا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا، أَعَذِّنَا مِنْ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْن.

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف