×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : الصبر على أذى الناس

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:15473

 

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلِّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ اَلْمُخْتَارَ، صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70- 71]

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اَللَّهِ: اَلْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِطَبْعِهِ، هَكَذَا خَلَقَهُ اَللَّهُ تَعَالَى، لَا يُمْكِنُهُ اَلتَّفَرُّدُ بِعَيْشِهِ عَنْ اَلنَّاسِ، فَلَابُدَّ لَهُ مِنَ اِجْتِمَاعٍ بِغَيْرِهِ، وَلَابُدَّ لَهُ مِنْ مُخَالَطَةٍ لِبَنِي جِنْسَهِ، وَغَيرُ خَافٍ عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ اَلْمُخَالَطَاتِ يَصْحَبُهَا كَثِيرٌ مِنْ اَلْمُنَغِّصَاتِ، وَيُرَافِقَهَا أَكْدَارٌ لَا يَخْلُو مِنْهَا غَالِبُ عَلَاقَاتِ اَلنَّاسِ مَهْمَا اِخْتَلَفَتْ طَبِيعَةُ هَذِهِ اَلْعَلَاقَةِ، وَمَهْمَا تَنَوَّعَتْ صِفَاتُ تِلْكَ اَلْعَلَاقَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَاقَةً زَوْجِيَّةً، أَوْ رَحِمٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، أَوْ جِيرَةٍ، أَوْ صُحْبَةٍ، أَوْ عَقْدِ عَمَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْعَلَاقَاتِ وَالصِّلَاتِ بَيْنَ اَلنَّاسِ، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَنهُمْ[ص: 24] الَّلهُمَّ اجْعَلنَا مِنْهُم.

فَيَقَعُ فِي عَلَاقَاتِ اَلنَّاسِ، وَيَقَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ اَلخُلَطَاءِ؛ مِنْ اَلْأَزْوَاجِ وَالْأَهْلِ وَالْقَرَابَاتِ وَالْإِخْوَانِ وَالْجِيرَانِ, وَأَصْحَابُ اَلتِّجَارَاتِ يَقَعُ بَغِيٌ وَظُلْمٌ، يَقَعُ اِعْتِدَاءٌ وَجَوْرٌ، يَقَعُ بِطَبِيعَةِ اَلْحَالِ قُصُورٌ أَوْ تَقْصِيرٌ.

وَلَا عَجَبَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ سَلِمَ مِنْ أَذَى اَلنَّاسِ أَحَدٌ لِسِلِمَ مِنْهُمْ خِيَارُ اَلْخَلقِ اَلنَّبِيُّونَ، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ[الفرقان: 31].

عِبَادَ اَللَّهِ: إِنَّهُ لَا سَلَامَةَ لِأَحَدٍ مِنْ شُرُورِ مُخَالَطَةِ اَلنَّاسِ إِلَّا بِأَنْ يَتَحَلَّى اَلْإِنْسَانُ بِالصَّبْرِ، فَلَا يَطِيبُ عَيْشُ أَحَدٍ يُخَاطِبُ اَلنَّاسَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُخَالَطَةً دَائِمَةً أَوْ عَارِضَةً إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ أَذًى، أَوْ ظُلْمٍ، أَوْ بَغِيٍّ، سَوَاءُ كَانَ ذَلِكَ فِي اَلنَّفْسِ أَوْ اَلْمَالِ أَوْ اَلْعِرْضِ.

 وَالصَّبْرُ عَلَىَ أَذَىَ اَلنَّاسِ عَمَلٌ صَالِحٌ رَشِيدٌ، يَسْمُو بِهِ صَاحِبُهُ، وَيَرْتَقِي بِهِ فِي دَرَجَاتِ اَلْخَيْرِيَّةِ وَالْفَضْلِ وَدَرَجَاتِ اَلْإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ.

قَالَ النَّبيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيِهِ وسَلَّم-فيما رواه الترمذي: «المؤمنُ الذي يخالطُ الناسَ ويصبرُ على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطُ الناسَ ولا يصبرُ على أذاهم» [مسند أحمد:ح5022، وحسنه ابن حجر في الفتح:10/512 وصححه الألباني في الصحيحة:ح393]

فَبِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ تَنَالُ اَلْخَيْرِيَّةَ عَاجِلاً، بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالتَّمْكِينِ وَالظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ، وَفِي اَلْآخِرَةِ بِالْفَوْزِ بِالْمَثُوبَةِ وَالْأَجْرِ اَلْعَظِيمِ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: اِسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ وَاصْبِرُوا عَلَى كُلِّ مَا تَلْقَوْنَهُ مِمَّا تَكْرَهُونَ مِنْ وَلَدٍ وَوَالِدٍ، وَزَوْجَةٍ وَجَارٍ، وَقَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، مُعامِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اَللَّهُ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْإِنْسَانَ عَلَىَ اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنْ يَتَأَسَّى بِالصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ، فَهَذَا نَبِيُّنَا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أُوذِيَ فَقَالَ: « يرحمُ اللهُ موسىَ لقدْ أُوذِيَ بأَكْثَرَ مِنْ ذلكَ فَصَبَرَ»[صحيح البخاري:ح3150] وَأَخْبَرَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –

 عَنْ نَبِيِّ مِنْ اَلْأَنْبِيَاءِ ضَرْبَهُ قَوْمُهُ فَجَعَلَ يَقُول: «اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ جَرَى لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ قَوْمِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ : « اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ » . [صَحِيح اَلْبُخَارِي: ح3477]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْمَرْءَ عَلَىَ اَلصَّبْرِ عَلَىَ أَذَىَ اَلنَّاسِ أَنْ يَتَذَكَّرَ اَلْإِنْسَانُ أَنَّ ذُنُوبَهُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِتَسَلُّطِ اَلْأَعْدَاءِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ قَدْ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ نَفْسَهِ وَذُنُوبَهِ، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30]، وَيَدُلُّ ذَلِكَ أَنَّ مَا أَصَابَ اَلصَّحَابَةَ فِي يَوْمِ أُحَدٍ مِنْ تَسَلُّطِ أَعْدَائِهِمْ وَظَفَرِهمْ بهِمْ قَتْلاً وَإِصَابَةً وَأَذًى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ اَلرُّمَاةِ لِأَمْرِ اَلنَّبِيِّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ يُصِيبُنَا هَذَا وَفِينَا رَسُولُ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[آل عمران: 165].

فَيُسَلَّطُ عَلَى الإِنْسَانِ بِذَنْبِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: (لَا يَخَافنَّ عَبْدٌ إِلَّا ذَنْبَهُ) [مجموع الفتاوى:8/161]، فَمَتَى تَسَلَّطَ عَلَيْكَ أَحَدٌ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ اَلْأَذِيَّةِ فَبَادِرَ إِلَى اَلتَّوْبَةِ مِنَ اَلذُّنُوبِ، وَأَكْثِرْ مِنَ اَلِاسْتِغْفَارِ؛ فَإِنَّ اَللَّهَ يَدْفَعُ بِذَلِكَ عَنْكَ مِنْ اَلْأَذَى مَا لَيْسَ لَكَ عَلَى بَالٍ، فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنْ يَتَذَكَّرَ اَلْمَرْءُ أَنَّهُ إِنْ صَبَرَ عَلَى أَذَاهُمْ فَازَ بِمَعِيَّةِ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ الله تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 46] ، وَمَنْ كَانَ اَللَّهُ مَعَهُ دَفَعَ عَنْهُ اَلْأَذَى، وَنَصَرَهُ عَلَى مَنْ أَذَاهُ، فَالصَّابِرُ مَنْصُورٌ وَلَابُد.

 رَوَى اَلْإِمَامْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةِ -رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ: «أتى رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ: إنَّ لي قرابةً أَصِلُهُمْ ويقطعونِ، وأُحْسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليَّ، ويجهلونَ عليَّ وأحلمُ عنهم، قال: لئن كان كما تقولُ كأنما تُسِفُّهُمْ المَلَّ». [صحيح مسلم:ح2558/22]

أَيْ كَأَنَّمَا تُطْعِمهُمْ اَلرَّمَادَ اَلْحَارَّ، وَذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يَلْحَقَهُمْ مِنْ اَلْإِثْمِ بِذَلِكَ مَا يُشْبِهُ أَلَمَ اَلرَّمَادِ اَلْحَارِّ إِذَا أَكَلَهُ اَلْإِنْسَانُ، «وَلَا يَزَالُ»، ثُمَّ قَالَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ولا يزالُ معك من اللهِ ظهيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك»[صحيح مسلم:ح2558/22]

أَيْ مَا دُمْتَ عَلَى هَذِهِ اَلْحَالِ مِنْ مُقَابَلَةِ إِسَاءَتِهِمْ بِالْإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ تَقْصِيرٍ وَاعْتِدَاءٍ، وَلَا عَجَبَ فَإِنَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ فَقَدْ أَحَالَ ظَالِمَهُ عَلَى اَللَّه، فَكَانَ اَللَّهُ هُوَ اَلنَّاصِرُ لَهُ، فَشَتَّانَ بَيْن مَنْ نَاصِرُهُ اَللَّهُ وَمَنْ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعِيِنُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنْ يَعْلَمَ اَلْمُؤَمَّنُ اَلَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ أَذِيَّةُ اَلنَّاسِ أَنَّهُ بِالصَّبْرِ يَفُوزُ بِمَحَبَّةِ اَللَّهِ تَعَالَى، وقَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ[آل عمران: 146]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[آل عمران: 148].

 وَاَللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا بَلَّغَهُ مَنْزِلَةً سَامِيَةً، فَاسْتَمِعَ إِلَى نَتِيجَةِ مَحَبَّةِ اَللَّهِ لِعَبْدِهِ فِي اَلصَّحِيحِ، صَحِيحِ اَلْبُخَارِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يقولُ اللهُ تعالى: «فإذا أحبَبْتُه كُنتُ سَمْعَه الذي يَسمَعُ به، وبصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويَدَه التي يبطِشُ بها، ورِجْلَه التي يمشي بها».[صحيح البخاري:6502]

مَعِيَّةُ تَوْفِيقٍ وَتَسْدِيدٍ وَإِعَانَةٍ وَإِلْهَامٍ وَإِرْشَادٍ، «وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» [صحيح البخاري:6502]، وفي رواية:«وَلَئِن اسْتَنْصَرَنِي لَأَنَصُرَنَّه».[ أخرجها الطبراني في الكبير:ح7880 من حديثِ أبي أُمامةِ، وقال أبو حاتمٍ:حديثٌ منكرٌ جدا.علل ابن أبي حاتم:5/147]

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيد زَوْجَةٌ، زَوْجٌ، اِبْنٌ، اِبْنَةٌ، جَارٌ، صَاحِبٌ، مِمَّا يُعِينُ اَلْإِنْسَانَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَبْرَهُ عَلَى مَنْ أَذَاهُ يَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابًا مِنْ اَلْفَضَائِلِ مِنْ كَظْمِ اَلْغَيْظِ وَالْعَفْوِ عَنْ اَلنَّاسِ، وَقَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[آل عمران: 133] مَن هُم؟ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[آل عمران: 134].

فَلَا تَزَالُ حَسَنَاتُكَ مُتَزَايِدَةً مَا صَبَرْتَ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ، وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا سَبَبًا لِنَجَاتِكَ وَسَعَادَتِكَ، فَإِذَا لَمْ يَصْبِرْ وَانْتَقَمَ زَالَ عَنْهُ كُلُّ ذَلِكَ اَلْفَضْلُ وَتِلْكَ اَلْمَنَازِلُ وَالدَّرَجَاتُ.

اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمُ.

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أما بعد.

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقَوُا اَللَّهَ وَاصْبِرُوا؛ فَالصَّبْرُ جَمِيلُ العواقبِ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ ﴾[الزُّمَر:10] ، وَإِنْ مِنْ اَلصَّبْرِ اَلْمُؤَكَّدِ لِصَلَاحِ مَعَاشِ اَلنَّاسِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ أَذَاهُمْ، فَالْمُؤْمِنُ اَلَّذِي يُخَالِطُ اَلنَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرَ مِنْ اَلْمُؤَمَّنِ اَلَّذِي لَا يُخَالِطُ اَلنَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّمَا اَلصَّبْرُ بَالَتَصَبُّرِ، وَإِنَّمَا اَلحِلْمُ بَالَتَحَلُّمِ، وَالعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَمَنْ يَسْتَعِنْ يُعِنْهُ اَللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اَللَّهُ، فَتَصْبَّرُوا وَاحْتَسِبُوا اَلْأَجْرَ عِنْدَ اَللَّهِ، فَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى اَلْأَذَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَبْرَهُ يَرْتَقِي بِهِ إِلَى مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ، فَيُقَابِلُ إِسَاءَةَ اَلْمُسِيءِ بِالْإِحْسَانِ، وَيَدْفَعُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ اَللَّهُ – جَلَّ وَعَلَا-: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ[فصلت: 34- 35].

فَإِذَا دَفَعَ اَلْإِنْسَانُ اَلْإِسَاءَةَ بِالْإِحْسَانِ كَانَ صَابِرًا عَلَى أَذَى اَلْخَلقِ، فَتَنْقَلِبُ اَلْعَدَاوَاتُ إِلَى وِلَايَاتٍ، وَتَنْقَلِبُ اَلْبَغْضَاءُ إِلَى مَحَبَّةٍ، فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَا يُخَلِّفُ اَلْمِيعَادَ ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[فصلت: 34].

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ لَابُدَّ أَنْ يَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ اَلظُّلْمِ، قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَإِنَّ اَلنَّفْسَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ اَلْعَدْلِ اَلْوَاجِبِ لَهَا، لَا عِلْمًا وَلَا إِرَادَةً، بَلْ رُبَّمَا عَجَزَتْ عَنْ اَلِاقْتِصَارِ عَنْ اَلْحَقِّ؛ فَإِنَّ اَلْغَضَبَ يُخْرُجُ اَلْإِنْسَانَ إِلَى حَدٍّ لَا يَعْقِلُ فِيهِ مَا يَقُولُ وَمَا يَفْعَلُ، فَبَيْنَمَا هُوَ مَظْلُومٌ يَقَعُ فِي اَلِانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ، فَتَأْخُذُهُ اَلْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى ظَالِمٍ مَوْضِع لِمَقْتِ اَللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوبِتِهَ.

وَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهُ تَعَالَى أَقْسَام اَلنَّاسِ فِي مُقَابَلَةِ اَلْأَذَى، فَجَعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قال تعالى: ﴿وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ هَذَا هُوَ اَلْقِسْمُ اَلْأَوَّلُ، وَهُوَ مَنْ يُقَابِلُ اَلْإِسَاءَةَ بِمِثْلِهَا ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[الشورى: 40]، وَهَذَا هُوَ اَلْقِسْمُ اَلثَّانِي، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّبْرِ، فَأَجْرُهُ عَلَى اَللَّه، أَيْ فَعَظِيمٌ عَطَائَهُ وَجَزِيلٌ ثَوَابَهُ مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى، هَذَا اَلْقِسْمَ اَلثَّانِي، ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِين[الشورى: 40] هَذَا اَلْقِسْمَ اَلثَّالِثِ، وَهُوَ اَلْغَالِبُ فِي حَقِّ مَنْ اِنْتَقَمَ لِنَفْسِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[الشورى: 41- 42].

ثم ندب إلى الصبر فقال: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[الشورى: 43] اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذَلِكَ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ ! إِنَّ مِمَّا يُعيِنُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنْ يَحْتَسِبَ اَلْأَجْرَ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَنَالُهُ مِنْ اَلْأَذَى ، فَإِنَّ هَذَا اَلْأَذَى اَلَّذِي نَالَهُ سَيَكُونُ سَبَبًا لِتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِ ، وَرِفْعَةِدَرَجَاتِهِ ، فَإِذَا اِنْتَقَمَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ اَلْمَصَائِبُ وَتِلْكَ اَلْأَذِيَّةُ مُكَفِّرَةً لِسَيِّئَاتِهِ وَلَا رَافِعَةً لِدَرَجَاتِهِ.

أَيُّهَا اَلمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعِينُ اَلْمَرْءَ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى أَذَى اَلنَّاسِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ بِصَبْرِهِ يَنَالُ مِنَ اَللَّهِ عَوْنًا، وَيَكُونُ لَهُ مِنِ اَللَّهِ جُنْدٌ يَنْصُرُونَهُ عَلَى مَنْ عَادَاهُ، وَعَلَى مَنْ أَذَاهُ، فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اَلْحَدِيثِ اَلْإِلَهِيِّ «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب». [صحيح البخاري:ح6502]

وَكُلُّ مُسْلِمٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اَلْوِلَايَةِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ اَللَّهِ، وَقِيَامِهِ بِحَقِّهِ، فَمَنْ كَانَ اَللَّهُ تَعَالَى مَعَهُ مُحَارِبًا بِمَا يَكُون مِنْ قُوَّتِهِ وَجُنْدِهِ كَانَ مَنْصُورًا ظَافِرًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[آل عمران: 200].

اَللَّهُمَّ انْصُرْنَا وَلَا تَنْصُرْ عَلَيْنَا، اَللَّهُمَّ انصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اَللَّهُمَّ آثِرْنَا وَلَا تُؤثرْ عَلَيْنَا، اَللَّهُمَّ اِهْدِنَا وَيَسِّرِ اَلْهُدَى لَنَا، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرِينَ، شَاكِرِينَ، رَاغِبِينَ، رَاهِبَين ، أوَّاهِينَ مُنِيبِينَ، اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنَا، وَاغْفِرْ ذَلَّتَنَا، وَأَقِلْ عَثْرَتَنَا، وَلَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهَّابُ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ، اَللَّهُمَّ وَفِّق خَادِمَ اَلحَرَمَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبَرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ اِدْفَعْ عَنَّا وَعَنِ اَلمُسْلِمِينَ وَعَنْ بِلَادِنَا وَعَنْ بِلَادِ اَلْمُسْلِمِينَ كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اِرْفَعْ عَنَّا اَلْوَبَاءَ، وَأَنْزِل عَلَيْنَا كُلَّ رَحْمَةٍ وَبِرٍّ وَخَيْرٍ وَرَخَاءٍ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ اَلشَّاكِرِينَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

 صَلَّوُا عَلَى نَبِيِّكُم مُحَمَّدٍ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89955 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف