إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمِنْ يُضَلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّين، أَمَّا بَعْد.
فَيَا أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: اتَّقَوُا اَللَّهَ، وَعَلَىَ اَللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنَّ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ كُلَّمَا قَوِي إِيمَانُ اَلْعَبْدِ بِاَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- كَانَ تَوَكُّلُهُ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى أَقْوَى، فَإِذَا ضَعُفَ اَلْإِيمَانُ ضَعُفَ اَلتَّوَكُّلُ، وَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ تَعَالَى اَلتَّوَكُّلَ شَرْطًا لِلإِيمَانِ، فَقَالَ -جَلَّ فِي عُلَاه-: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23].
أَيُّهَا اَلمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ اِنْتِفَاءَ اَلْإِيمَانِ يَكُونُ عِنْدَ اِنْتِفَاءِ اَلتَّوَكُّلِ، فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اَللَّهِ بِهِ يَجْتَمِعُ فِي قَلْبِ اَلْعَبْدِ اَلْإِيمَانُ، وَعَلَى قَدْرِ كَمَالِ اَلإِيمَانِ يَكُونُ تَوكُّل العَبْدِ عَلَى رَبِّهِ –جلَّ وعَلَا- ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51].
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى اَلنَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ وَوَعَدَ اَلْمُتَوَكِّلَ بِالْكِفَايَةِ، فَإِنَّ اَلْكِفَايَةَ مِنْ اَللَّهِ مَضْمُونَةٌ لمِنْ تَوكَّلَ عَلَيْهِ، قالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]، فَاَللَّهُ كَافٍ مَنْ يَصْدُقُ فِي اِعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَأْنٍ وَأَمَرٍ ، فِي جَلْبِ اَلْمَحْبُوبَاتِ، وَفِي دَفْعِ اَلْمَكْرُوهَاتِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ اَلتَّوَكُّلِ اَلصَّادِقِ وَبَيْنَ اَلْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، فَهَذَا نَبِيُّكُمْ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمَامُ المُُتَوَكِّلِينَ، هُوَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيِّدُ اَلْخَلقِ أَجْمَعِينَ كَانَ يَأْخُذُ بِالْأَسْبَابِ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُهُ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَخْذِ اَلْأَسْبَابِ اَلْوَاقِيَةِ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ مَا أَحْوَجَنَا وَنَحْنُ فِي ظِلِّ هَذِهِ اَلْجَائِحَةِ اَلَّتِي عَمَّتْ اَلْبَشَرَ (جَائِحَةُ كُورُونَا)، وَقَدْ عَمَّتْ وَانْتَشَرَتْ وَتَكَرَّرَتْ فِي حَيَاةِ اَلنَّاسِ، وَقَانَا اَللَّهُ شَرَّهَا، مَا أَحْوَجَنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ هَدْيَ اَلنَّبِيِّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اَلْوِقَايَةِ مِنْ اَلْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، فَإِنَّ اَلنَّبِيَّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ فِي شَأْنِ اَلدَّاءِ بِتَوَقِّيهِ وَتَجَنُّب أَسْبَابِ اَلْإِصَابَةِ مِنْهُ، وَتَجَنُّبَ أَسْبَابِ اَلْإِصَابَةِ بِهِ.
ففي الصحيح قال –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا يورِدُ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ» [صحيح البخاري:ح5771، ومسلم:ح2221/104]، وقال – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِرَّ من المجذومِ فِرارَك من الأسدِ» [صحيح البخاري:ح5707]، وقال في الطاعون: «فإذا وقَعَ بأرضٍ فلا تخرُجُوا منها فِرارًا، وإذا سَمعتُم بهِ في أرضٍ فلا تأتُوها» [صحيح البخاري:ح5730]، وَقَدْ تَرْجَمَ ذَلِكَ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِعْلِهِ وَبَيَّنَهُ بِعَمَلِهِ، فَفِي اَلصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اَلشَّرِيدِ بن سُوَيدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (وَفَدَ إِلَى اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمُ مِنْ ثَقِيفٍ جَاءُوا يُبَايِعُونَهُ، فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ كَانَ مَعَهُمْ رَجُلًا مَجْذُومًا أَيَّ بِهِ جُذَامٌ ) وَالْجُذَامِ مَرَضٌ يُصِيبُ اَلْإِنْسَانَ وَهُوَ مُعْدٍ، فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أوْ أرْسَلَ إليْهِ: «إنا قدْ بايعناكَ فارجعْ». [صحيح مسلم:ح2231/126]
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَخُذُوا بِالْأَسْبَابِ اَلْوَاقِيَةِ مِنْ اَلْأَضْرَارِ وَالشُّرُورِ، أَعَاذَنَا اَللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَبَلَاءٍ وَمَرَضٍ وَوَبَاءٍ.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمَدًا يُرْضِيه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ، فَبِتَقْوَى اَللَّه تُسْتَدفَعُ اَلْبَلِيَاتُ، وَتُسْتَجْلَبُ اَلْخَيْرَاتُ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اَللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِكُمْ تُفْلِحُوا، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 2- 3]، فمِنْ تقوىَ اللهِ التوكلُ عليهِ.
أَيُّهَا اَلمُؤْمِنُونَ: اِلْتَزَمُوا مَا تُصْدِرُهُ اَلْجِهَاتُ اَلْمَعْنِيَّةُ مِنْ تَوْجِيهَاتٍ وِقَائِيَّةٍ وَإِجْرَاءَاتٍ اِحْتِرَازِيَّةٍ، مِنْ تَبَاعُدَ جَسَدِيٍّ، وَلُبْسٍ لِلْكِمَامَاتِ، وَتَرْكِ اَلتَّجَمُّعَاتِ، وَالْعَمَلِ بِسَائِرِ اَلِاحْتِيَاطَاتِ وَالِاحْتِرَازَاتِ اَلَّتِي غَايَتُهَا وَغَرَضُهَا حِمَايَتَكُمْ وَوِقَايَةُ اَلْمُجْتَمَعِ مِنْ شَرِّ هَذَا اَلْوَبَاءِ، وَقَانَا اَللَّهُ وَالْبَشَرِيَّةَ شَرَّهُ.
وَلِنَحْرِصْ أَيُّهَا اَلمُؤْمِنُونَ عَلَى أَخْذِ اَلتَّوْجِيهَاتِ مِنْ مَصَادِرِهَا اَلْمَوْثُوقَةِ، وَلِنَحْذَرْ اَلْإِشَاعَاتِ اَلْمَرْجِفَةَ وَالأَخْبَارَ اَلزَّائِفَةَ، فَكَفَىَ بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحْدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: خُذُوا بِالْأَسْبَابِ اَلَّتِي جَعَلَهَا اَللَّهُ تَعَالَى سَبِيلاً لِتَحْصِيلِ اَلسَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْوِقَايَةِ مِنْ اَلْوَبَاءِ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وطاعةً لرسولِهِ –صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«لا يورِدْ ممرِضٌ على مصِحٍّ» [سبق]
وَطَاعَةً لِوُلَاةِ اَلْأَمْرِ اَلَّذِينَ أَمَرَكُمْ اَللَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، وَبِذَلِكَ يَكْتَمِلُ لَكُمْ اَلتَّقْوَى، وَتُكْفَوْنَ شَرًّا عَظِيمًا أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ سَلَّوْا اَللَّهَ اَلْعَافِيَةَ، سَلَّوْا اَللَّهَ اَلْعَافِيَةَ، سَلَّوْا اَللَّهُ اَلْعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اَلْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ اَلْعَافِيَةِ.
اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ اَلْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا وَبِلَادِنَا، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْن، اَللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا وَعَنِ اَلمُسْلِمِينَ اَلْوَبَاءَ، وَارْفَعْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ وَدَاءٍ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى اَلْبَرِّ وَالتَّقْوَى، قِنَا وَالْمُسْلِمِينَ شَرَّ كُلَّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلَّمَاتِ، اَلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَات يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسُنَا وَإِنَّ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرَحمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ اَلْخَاسِرِينَ، صَلَّوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلِّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.