المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة، طابت أوقاتكم جميعا بكل خير، وأهلا وسهلا ومرحبا بكم، إلى بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج ماهر ناضرة، ومن استديو الهواء مصطفي الصحفي.
نحييكم أيها الكرام في هذه الحلقة المتجددة من برنامج "الدين والحياة" والتي نناقش فيها موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، نسلط الضوء عليها مما جاء في كتاب الله –جل وعلا-وفي سنة المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
مجموعة من الحلقات نناقش فيها هذه الموضوعات التي تهم المسلم في دينه ودنياه، من هذه الموضوعات ما سنتحدث به بمشيئة الله –تبارك وتعالى-في هذه الحلقة حول الهدي النبوي في الوقاية الصحية، سنتحدث عن مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية ألا وهو حفظ النفس، أيضًا سنتحدث عن أسوة النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- انطلاقًا من قول الله –تبارك وتعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21]، وأيضًا سنتحدث عن أوجه حفظ الصحة والوقاية الصحية في هدي نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
نرحب بضيفينا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، حياك الله فضيلة الشيخ، أهلا وسهلا.
الشيخ:حياكم الله، أهلا وسهلا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: أهلا وسهلًا، حياك الله فضيلة الشيخ نتحدث في هذه الحلقة مثل ما ذكرت عن الهدي النبوي
للوقاية الصحية.
فضيلة الشيخ! نريد أن نتحدث عن مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، والتي جاءت الشريعة الإسلامية بحفظها والعناية بها، ألا وهو حفظ النفس، نريد أن نتحدث عن حفظ النفس من وجهة نظر شريعتنا الإسلامية.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فلا يرتاب مطالع عالم بالشريعة أن الشريعة المطهرة وأن الشرائع جميعًا التي بعث الله تعالى بها المرسلين جاءت لتحقيق سعادة البشر ووقايتهم الشرور والأضرار العاجلة والآجلة، في الدنيا والآخرة، وهذه الشريعة المطهرة التي ختم الله تعالى بها الرسالات، وهو ما جاء به سيد المرسلين نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-جاءت في ذلك على أكمل وجه، فقد أكمل الله تعالى الدين لهذه الأمة ورضي وأتم، وجاء على نحو من الكمال والعدل والاعتدال ما ناسب البشرية عبر الزمان والمكان، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة: 3]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[البقرة: 143] فجاءت كاملة وافية في تحقيق سعادة البشر، وتحقيق ما من أجله خُلقوا، على وجه وسط يجمع به الناس بين ما يكون من مصالح معاشهم، وما يكون من إقامة دينهم الذي تصلح به دنياهم وأخراهم.
فجاءت الشريعة محقِّقة للمحافظة على المقاصد الضرورية والأصول التي لا غنى للبشرية عنها لسلامة المعاش، وصلاح المعاد وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ العقل.
هذه الضروريات الخمس، وهي المقاصد التي تدور عليها أحكام الشريعة وفرائض الدين، هي التي ينبغي أن يستحضرها الإنسان في كل ما يأتيه من الأعمال التي أمره الله تعالى بها، وفي ترك كل ما نهاه الله تعالى عنه، فإن ما أمره الله تعالى وما نهاه عنه يحقق السلامة له في دينه، السلامة في نفسه، السلامة له في عقله، السلامة له في ماله، السلامة له في عرضه، فما من شيء أمره الله تعالى به من الشرائع والفرائض والأحكام إلا والغاية منه والمقصد هو تحقيق واحد من هذه المقاصد الكبرى، والغايات العظمى، والضروريات التي لا تستقيم حياة الناس إلا بإقامتها والمحافظة عليها، منها حفظ النفس، وحفظ النفس ظاهر في كتاب الله –عز وجل-، وفي سنة رسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وما شرعه الله تعالى من الأحكام والأوامر؛ فإن حفظ النفس من الضروريات التي شرع الله تعالى جملة من الأحكام لتحقيق ذلك، فنهى الله تعالى عن إلحاق الضرر بالنفس، فقال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النساء: 29]، وقال: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[الأعراف: 31]، وأحل الله تعالى الميتة في حال الاضطرار من غير بغي ولا عدوان للحفاظ على النفس، فجعل أكل الميتة والمحرم لأجل حفظ النفس مأذونًا فيه مع ما فيه من الضرر، لكن ضرره في الموازنة مع ما يمكن أن يتحقق من مفسدة الهلاك جعلت مفسدةَ الهلاك راجحةً في التوقي والاجتناب، وبالتالي إذا تأملت هذه الشرائع المطهرة وجدتها في غاية الاتقان الذي يتحقق به حفظ النفس، وإقامتها على الجادة، ورعايتها لتحقيق الغاية العظمى من الوجود وهو عبادة الله –عز وجل-.
لأنه لا يمكن أن تتحقق الغاية من العبادة لله –عز وجل-(حفظ الدين) إلا بحفظ النفس، فإن النفس هي المطيَّة، وهي الموضع الذي يتحقق به العبودية لله –عز وجل-، ولهذا كانت الشريعة في غاية الحرص على المحافظة على النفس، فرتب الله تعالى على قتل النفس -وهو غاية ما يكون من الإضرار- العذابَ الأليم، ولم يرد في شيء من المعاصي دون الشرك، كما ورد في شأن قتل النفس، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾[النساء: 93].
كل هذا الوعيد لأجل أن تُكفَّ الأيدي عن الاعتداء على الأنفس، وليتجنب الإنسان التورط في سفك الدم الحرام، فإن ذلك مما يرتب الله تعالى عليه عظيم العقوبة في الآخرة، ويرتب عليه الشقاء في الدنيا والعقوبة في الدنيا أيضًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة: 179].
وجعل الدفاع عن النفس والمحافظة عليها من العدوان والاعتداء من طرق تحصيل الشهادة، فقال –صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيحين: «مَن قُتِل دونَ دمِه فهو شهيدٌ»[سنن الترمذي:ح1421، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، وهذا يبين عظيم المنزلة العالية التي يتبوأها هذا الأصل من أصول الشريعة ومن مقاصدها العظمى، فإن المحافظة عليه بدرء ما يكون من أوجه الاعتداء عليه يبلِّغ العبد مرتبة الشهادة «مَن قُتِل دونَ دمِه فهو شهيدٌ».[سبق]
ولذلك حرمت الشريعة على الإنسان أن يلحق بنفسه أي ضرر، ولو كان أدنى ما يكون من الضرر الذي يكون فيه التعدي على النفس، ولذلك كله صيانة لهذه النفس والنعمة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان والقدرات والأعضاء التي خلقها الله تعالى له، وسخرها للإنسان ليحقق العبودية لله –عز وجل-.
ومن حفظ النفس حفظ الصحة من الأسقام والأمراض والآفات والأوبئة والأدواء، فإن ذلك من حفظ النفس الذي جاءت الشريعة به، ودعت إليه، وحثت عليه.
ولما كان رسولنا –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-له السبق في كل خير وبرٍّ، فإنه قد مارس ذلك بنفسه –صلى الله عليه وسلم-، وسن من الأحكام والشرائع والآداب ما يحقق السلامة والوقاية للنفس من الأمراض والأسقام والآفات التي تفضي به إلى الهلاك.
ولهذا لم يأت في هدي أحد من الناس فيما يتعلق بالمحافظة على الصحة والسلامة والوقاية من الأضرار والآفات التي تفسد الأنفس وتلحقها الضرر كما جاء في هديه –صلى الله عليه وسلم-، فكان هديه أكمل الهدي وأوفاه وأعلاه تحقيقًا لهذه المقاصد الشرعية السامية السامقة التي برعايتها والمحافظة عليها يتحقق للبشرية السعادة في الدنيا والآخرة، وهو –صلى الله عليه وسلم-الأسوة والقدوة في كل أمر وشأن، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾[الأحزاب: 21]، ولهذا من كان متبعًا له -صلوات الله وسلامه عليه- كان حريصًا غاية الحرص على سلوك هديه وسبيله، واستذكار ما كان يذكر به –صلى الله عليه وسلم-في شأن هذه النعمة العظيمة، نعمة الصحة التي بها سلامة البدن، وبها حفظ النفس، فالصحة نعمة عظيمة ومنحة ربانية تستوجب الشكر، والاعتراف له –جل وعلا-بالفضل وجميل الذكر.
وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-عن غفلة كثير من الناس عن هذه النعمة، وعن إضاعتها والسعي في إفسادها، فعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال –صلى الله عليه وسلم-: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ، والفراغُ»[صحيح البخاري:ح6412] والغبن هنا في الصحة له عدة أوجه:
فمن الغبن في الصحة عدم شكر الله تعالى عليها، فإن ذلك كفران للنعمة، وكفران النعمة مما يوجب على العبد الخسار والعقوبة، فإنه يوم القيامة مسئول بما أنعم الله تعالى عليه من العافية في الصحة، والسلامة في البدن.
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾[التكاثر: 8]، وقد جاء في تفسير ابن عباس وجماعة من أهل العلم أنه مما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة من النعيم ما أنعم الله تعالى به عليه من العافية في بدنه، والصحة في جسده، والكمال في قواه، وما منحه الله تعالى إياه من السمع والبصر واليد، ونقل القدم فإن ذلك كله من إنعام الله تعالى على عبده.
ولما كانت العافية في البدن في منزلة سامية ينعم بها الإنسان كان ذلك في ميزان النعم كما لو حاز الإنسان من النعم جميع ما في الدنيا، فإنه بالعافية والصحة يتلذذ الإنسان ويدرك جميع النعم وصنوف وألوان المنن التي يمن الله تعالى بها على عباده في المآكل والمشارب وغيرها.
أما إذا كان عليلًا مريضًا فإنه مهما فُتح له من أمر الدنيا، تجده ممنوعًا ومحرومًا من أن يتلذذ بها، أو أن يتذوقها، أو أن يستشعرها، فكم من إنسان فتحت له الدنيا، لكن عنده من العلل والأمراض ما يمنعه من الاستمتاع بها فيكون ذلك فواتًا لما يؤمِّله بهذه الأرزاق وهذه الأموال التي عنده؛ لكونه لا يدرك ثمرتها في تلذذه وانتفاعه بها.
وعلى العكس إذا كان الإنسان معافًى في بدنه فإنه يجد من اللذة ويجد من المتعة ويجد من الانتفاع بهذه الصحة ما يحقق له السعادة في دنياه، فكأنما جمعت له الدنيا لقدرته على الانتفاع بجميع ما فيها، وهذا معنى ما في الحديث الشريف الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من أصبح منكم آمنًا في سربِه، معافًى في جسدِه، عنده قوتُ يومِه فكأنَّه حِيزت له الدُّنيا».[سنن الترمذي:ح2346، وحسنه]
هذا الحديث الشريف يبين عظيم ما عليه الإنسان من نعمة الصحة التي جعلها النبي –صلى الله عليه وسلم-الثلث فيما يدرك به نعيم الدنيا «من أصبح منكم آمنا في سربه»، والأمن هنا الأمن على النفس، والأمن على الأهل، وعلى المال، وعلى البلد، «معافًى في جسده»أي سالم من الأمراض والآفات، «عنده قوت يومه»أي عنده ما يكفيه من أن يحتاج إلى سؤال الطعام أو أن يتكفف الناس، «فكأنه حِيزَت له الدنيا»،أي جمعت له من أطرافها.
وهذا يبين عظيم المنزلة التي يدركها الإنسان بصحة بدنه وسلامته وعافيته، ولِتعرفَ عظيم قدر هذا تأمل ما في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-الذي رواه الترمذي وغيره بإسناد لا بأس به قال –صلى الله عليه وسلم-: «سَلُوا اللهَ العفوَ والعافيةَ ؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقينِ خيرًا من العافيةِ».[سنن الترمذي:ح3558، وحسنه]
فأعلى ما يكون من العطاء بعد مِنَّة الله تعالى على عبده بالإيمان الراسخ، واليقين الجازم، وصلاح قلبه أن يصح بدنه؛ ولذلك قال: «فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين»وهو أعلى ما يكون من مراتب الإيمان «خيرًا من العافية».
والعافية في بدنه وأعضائه بأن يسلم من الآفات والأمراض والأسقام، وهذا يبين عظيم منزلة الصحة وكبير عناية النبي –صلى الله عليه وسلم-بتذكير الناس بما يكون من إنعام الله عليهم من هذه الصحة.
الله تعالى خلقنا، ومنَّ علينا بالقدرات والآلات والأدوات والقوى التي بها ندرك مطالبنا، وبها ندرك مقاصدنا، وبها نحقق الغاية، ورعانا الله –عز وجل-بفضله ومَنِّه، فشرع لنا من الأحكام ما يراعي أحوالنا، ويُذهِب ويَضَع عنا كلَّ مشقة وعناء بفضله ومنه وكرمه ورحمته.
فتجد أن الشريعة وَقَتِ الإنسان ورعته من المشقة حفاظًا على نفسه؛ في صَلاته، وفي صومه، وفي حجِّه، وفي سائر العبادات والفرائض كل ذلك وقاية له من المشقة التي قد تُلحق ضررًا بنفسه، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «صلِّ قائمًا، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنبٍ»[صحيح البخاري:ح1117]، وقال الله تعالى في الصوم: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة: 184]، وقال في الحج: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾[البقرة: 196]، هذا في مناسك الحج وأعماله، وفي أصل الحج قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران: 97].
فإن كان الإنسان مريضًا لا يقوى على السفر إلى الحج أسقطت الشريعة عنه الحج بنفسه وأوجبته بماله كما في الصحيحين من حديث ابن عباس في قصة المرأة التي أدركت النبي –صلى الله عليه وسلم-فسألته في حجة الوداع فقالت يا رسول الله: «أنَّ امرأةً مِنْ خَثْعَمٍ قالت: يا رسولَ اللهِ إنَّ فريضةَ اللهِ في الحجِّ أدركتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أنْ يثبُتَ على الرَّحْلِ أفأحُجُّ عنه قال: نعمْ».[صحيح البخاري:ح4399، ومسلم:ح1334/407]
فرخَّص النبي –صلى الله عليه وسلم-حفاظًا على نفسه وحفاظًا على ما بقي من صحته أن يتكلف على المجيء إلى الحج بأن أذن بأن يقوم غيره مقامه، وأن ينوب غيره عنه في أداء هذه الفريضة، فالشريعة المطهرة بيَّنت عظيم الأسباب التي تُعرف بها قدر هذه النعمة ويحافظ عليها، ومن تأمَّل هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-وطالع سيرته وهو أكمل الناس خلقًا –صلى الله عليه وسلم-، وأتمُّهم هديًا.
وقد قال الله تعالى مخبرًا عنه –صلى الله عليه وسلم-وعن عمله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4].
والخلق هنا ليس فقط ما يكون من معاملة الناس من الكرم والجود واللطافة والوفاء وما إلى ذلك، بل أوسع من ذلك ليشمل كلَّ خصاله وأعماله، فإنها من أخلاقه كما قالت عائشة لما سُئلت عن خلقه –صلى الله عليه وسلم-قالت: "كان خلقه القرآن"[مسند أحمد:ح24601، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح:4811] أي أنه يترجمه في قوله وفي عمله، وفي سائر شأنه صلوات الله وسلامه عليه.
فمن المهم أن ندرك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قد كان على غاية العناية والحرص في تحقيق المحافظة على النفس لوقايتها كل ما يسوؤها ويؤذيها، ومن ذلك تأكيده -صلوات الله وسلامه عليه- على المحافظة على الصحة، فإن هديه أفضل هدي يمكن أن تحفظ به صحة الإنسان، ابتداء بالوقاية والسعي في توقي جميع ما يضر بالإنسان، وكذلك السعي في جلب كل ما يصلح الإنسان ويحقق له الصحة والعافية.
المقدم: جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نتوقف عند فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- سنستكمل حديثنا حول هدي النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في تعليم أمته كل ما يعود عليها بالخير والنفع والبركة، ومن ذلك أيضًا الأحاديث التي جاءت من النبي -عليه الصلاة والسلام- في قضية الوقاية الصحية وكثير من الأحاديث التي جاءت تعلِّم أمته -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ما يعود عليها بالخير والبركة والنفع العميم.
سنذهب إلى فاصل بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام، نجدد الترحيب بكم، ونرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ مجددا، حياك الله يا مرحبا.
الشيخ: حياكم الله، أهلا بك، وأرحب بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:أهلا وسهلا فضيلة الشيخ نتحدث عن الهدي النبوي في الوقاية الصحية، تحدثنا في أول الحلقة حول حفظ النفس وأهميته، وأنه من مقاصد الشريعة الإسلامية، وكيف اعتنت الشريعة الإسلامية بحفظ النفس اعتناء كبيرًا، من ضمن ما نتحدث به فضيلة الشيخ عن حفظ النفس تحدثنا عن الوقاية الصحية، وأنها جزء أيضًا من حفظ النفس التي اعتنت به الشريعة، نريد أن نتحدث عن كيف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لنا أسوة حسنة في تعليمه لأمته -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بعض الأمور التي يحافظ الإنسان بها على صحته وعلى نفسه أيضًا؟
الشيخ: كما ذكرنا قبل قليل النبي –صلى الله عليه وسلم-هو الأسوة والقدوة وقد جعله الله تعالى إمامًا للبشر، ممن بُعث فيهم، وممن أتوا بعده -صلوات الله وسلامه عليه- يقتدون به، ويتأسَّون بهديه، ويسيرون على منوال توجيهه –صلى الله عليه وسلم-، وبقدر تحقيقهم لذلك ينالون من خير الدنيا والآخرة، فقد جعله الله تعالى السبيل والطريق لتحصيل فوز الآخرة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾[الأحزاب: 21]، فجعل الله تعالى من طمع في اليوم الآخر، من طمع فيما عند الله –عز وجل-من فضل وعطاء جعل طريق تحصيل ذلك هو الائتساء به ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21]، أي قدوة طيبة تنالون بها ما تؤملون من خير الدنيا والآخرة.
وأمر بطاعته، وأخبر أن طاعته تقود إلى الهداية قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾[النور: 54]، ولم يذكر إلى أي شيء تكون الهداية التي رتبها على طاعته، يشمل الهداية إلى كل بر، الهداية إلى كل خير، الهداية إلى كل سعادة، الهداية إلى ما فيه صلاح الدنيا وما فيه صلاح الآخرة وإن تطيعوه تهتدوا في شأنكم كله.
ولهذا كان مما يحصل به للناس الخير والسعادة والسلامة من كل آفة أو شر أن يتبعوا هديه –صلى الله عليه وسلم-، وكما ذكرت قبل قليل هديه –صلى الله عليه وسلم-بحفظ الصحة أكمل الهدي وأتمه من جهة الاعتدال، ومن جهة التحقيق لكل ما فيه وسطية من غير إفراط ولا تفريط، ومن غير غلو ولا جفاء، فإن الحفاظ على الصحة الناس فيه بين طرفين؛ بين غالٍ، وبين جافٍ، بين إفراط وتفريط، والطريق القويم والوسط هو ما كان عليه –صلى الله عليه وسلم-في حفاظه على الصحة ووقايتها من كل ما يكون من أسباب الإضرار بها، فتجد أن الشريعة سلكت فيما يتعلق بالحفاظ على الصحة مسلكين، طريقين: طريق يتعلق بالأسباب المعنوية التي تُحفظ بها الصحة، ويدرِك بها الإنسان سلامته وعافيته وينجو من الآفات والأمراض والأسقام.
فجاء في سنته –صلى الله عليه وسلم-من أسباب حفظ الصحة من الأعمال المتعلقة بالقلب وإصلاحه ما هو من أعظم أسباب السلامة، فإن أصل السلامة سلامة القلب، فإذا تحقق ذلك تبعته سلامة البدن والجسد، ولهذا إذا كان القلب سليمًا تبعه الجسد، بل إذا كان القلب سليمًا عُوِّض ما يمكن أن يكون من نقص الجسد بالآفات والأمراض، ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإن في الجسدِ مضغةً إذا صلَحت صلحَ لها سائرُ الجسدِ، وإذا فسدت فسد لها سائرُ الجسدِ ألا وهي القلبُ».[صحيح البخاري:ح52، ومسلم:ح1599/107]
لذا القلب صلاحه بالتقوى والإيمان، وطمأنينته بذكر الرحمن جل في علاه، وغايته راحته ولذته وبهجته في تحقيق العبودية للعزيز الغفار جل في علاه، قال الله تعالى في تسليم القلب لله –عز وجل-، في طلب العافية منه قال: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾[الشعراء: 80]، فليس ثمة شفاء للأبدان ولا شفاء للقلوب إلا منه جل في علاه، وبهذا يوقن المؤمن أنه لا يتحقق له السلامة في بدنه إلا بفضل الله وعطائه ومَنِّه، فيلجأ إليه، ويعتصم به، ويتوكل عليه، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 51].
الطريق الذي يتعلق بالأسباب المعنوية القلبية التي يحقق بها المؤمن السلامة والصحة هي طريق مهم ينبغي ألا يغفل عنه الإنسان، وألا يبخسه منزلته وحقه، فإن كثيرًا من الأمراض التي يصاب بها الناس يكون سبب العافية فيها والسلامة منها هو اللجأ إلى الله –عز وجل-، والتحصنَ بالأسباب الشرعية والأذكار الشرعية التي شرعها الله –عز وجل-للوقاية من الأضرار، فقد جاء عنه –صلى الله عليه وسلم-أنه أخبر أنه من قرأ آيات، وقال أذكارًا أدرك بذلك السلامة من الآفات في يومه وكذلك في ليلته.
فأذكار الصباح وأذكار المساء كلها من الأسباب التي يتوقى بها الإنسان الأمراض قبل نزولها، ويسلم بها من الشرور، ويستعد لملاقاتها قبل أن تنزل به، فتكون سببًا لعافيته، وسببًا لصحته، وسببًا لسلامته قبل أن ينزل به ما يكره من الآفات والأمراض، وهذا لا يقل أهمية عن الأسباب الحسية.
كثير من الناس يطلب العلاج بالأمور الحسية، وهذا لا بأس به، وقد جاءت الشريعة بالحث عليه والأخذ به، لكن يغفل عن الأسباب المعنوية القلبية، فيكون ذلك نقصًا في صحته من حيث لا يشعر، إذ إن السلامة القلبية أصل أكيد وقاعدة وطيدة في تحقيق صحة البدن وسلامته من الآفات.
فكلما قوي القلب كان البدن أقوى على مقاومة الأسقام ودفع آثارها وأضرارها، ولهذا أوصي إخواني وأخواتي بأن نسلك منهجه –صلى الله عليه وسلم-في الوقاية من الأضرار والآفات الحسية، فمن قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق لم يضره شيء حتى يصبح[صحيح مسلم:ح2709/55]، ومن قال ذلك عندما ينزل منزلًا لم يضره شيء حتى يرتحل منه[صحيح مسلم:ح2708/54]، ومن قال: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم كان ذلك واقيًا له[سنن الترمذي:ح3388، وصححه]، من قرأ آية الكرسي كانت حفظًا له[صحيح البخاري:ح3275]، من قرأ خواتيم سورة البقرة كفتاه[صحيح البخاري:ح4008]، وهلم جرًّا من القائمة المحفوظة عنه –صلى الله عليه وسلم-في الأذكار التي يتوقى بها الإنسان الشرور قبل نزولها، ثم إذا نزلت كان هناك من الأذكار والأدعية والتعاويذ ما يدفع الله تعالى بها الأمراض، وما يخفف بها الأضرار الحاصلة بالمرض، ويكشف ما نزل به من السوء والدعاء الذي جاء عنه –صلى الله عليه وسلم-بالسلامة والصحة والعافية في هذا الشأن ينبغي أن يلاحظ وأن يحفظ وأن يقال، فإنه كان يعوِّذ نفسه -صلوات الله وسلامه عليه- بقراءة الإخلاص والفلق والناس كل ليلة، يجمع يديه وينفث[صحيح البخاري:ح5017] ويقرأ هذه السور الكريمة التي يحصل بها من وقاية الأبدان وحفظها ووقاية القلب من الشرور ما يكون به السلامة والصحة للقلب والبدن.
ثم بعد ذلك هناك من الأسباب الحسية ما يحقق للبشرية السلامة من الآفات والأمراض، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-دعا إلى الاعتدال في المأكل والمشرب، وهو أمر الله –عز وجل-﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[الأعراف: 31].
والنبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «كلُوا واشربوا وتصدَّقوا في غيرِ مخيلةٍ ولا سرفٍ»[علقه البخاري في صحيحه مجذوما بصحته، ترجمة حديث5783]، إذ الإسراف سبب للآفات والأمراض والأسقام بشتى صورها وأنواعها.
من الأسباب التي يتوقى بها المرض ويزول بها الشر ما ندبت إليه الشريعة من الطهارة، فإن الطهارة سبب للوقاية من الأمراض، وإزالة الأسقام، وحلول البركة والعافية في الأبدان، ف«الطهور شطر الإيمان»[صحيح مسلم:ح223/1]، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-وقد مثل لذلك مثلًا فقال: «أرأيتُم لو أنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم، يغتسلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ، هل يبقى من درَنهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيءٌ. قال: فكذلك مثلُ الصلواتِ الخمسِ، يمحو اللهُ بهنَّ الخطايا»[صحيح مسلم:ح667/283] فهي طهرة ونقاء، العبادات طهرة ونقاء لأصحابها من الآفات والآثام والأضرار.
كذلك جاءت في الشريعة بوقاية المأكل والمشرب مما يمكن أن ينتقل من الأضرار والأمراض والآفات المعدية، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «إذا شرِب أحدُكم فلا يتنفَّسْ في الإناءِ»[صحيح البخاري:ح153]، يعني لا يجعل نَفَسَه في هذا الإناء الذي يشربه، «وإذا دخل الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه»[صحيح البخاري:ح153]، كل هذه الآداب الشرعية هي من باب التوجيه الذي يدرك به الناس سلامة أبدانهم وصحة أجسادهم، ويتوقَّون بها من الأمراض والأوبئة والأضرار.
وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-عن شر الشِّبَع، وأنه إذا أسرف الإنسان بالأكل كان ذلك موجبًا لسيء الأسقام، ولهذا يقول –صلى الله عليه وسلم-كما جاء في الترمذي وغيره «ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه»[سنن الترمذي:ح2380، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، فالشبع الدائم واستمرار هذا على وجه الدوام يفضي بالإنسان إلى الأسقام والأمراض، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنِهِ، بحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكْلاتٍ يُقِمنَ صُلبَه، فإنْ كان لا مَحالَةَ فثلثٌ لطعامهِ، وثلثٌ لشُربهِ، وثلثٌ لنفَسهِ».[سبق]
هكذا توجيه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ووجه –صلى الله عليه وسلم-إلى ما يدفع الضرر من السم والسحر، والسم عنوان الأمراض البدنية، والسحر عنوان للأمراض أو نموذج للأمراض الروحية، قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تصبَّحَ كُلَّ يومٍ بسبْعِ تمراتٍ عجوةٍ، لم يضرَّهُ في ذلِكَ اليومِ سُمٌّ ولا سِحْرٌ»[صحيح البخاري:ح5445] هذه كلها من الآداب التي شرعها –صلى الله عليه وسلم-التي يتحقق بها السلامة للأبدان والنيء بالنفس عن الأضرار المتعلقة بالبدن، فإن ذلك مما يسلم به الإنسان.
وإذا وقع المرض فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-ندب إلى التداوي، وقد جاءه جماعة من الأعراب فسألوه –صلى الله عليه وسلم-أنتدواى؟ فأمرهم –صلى الله عليه وسلم-بالتداوي، وما ذاك إلا لما في التداوي من المنافع والمصالح التي تتحقق بها سلامة البدن وعافيته قالوا له: «أنتداوي يا رسول الله؟ قال –صلى الله عليه وسلم-: تداووا عباد الله؛ فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء»[سنن الترمذي:ح2038، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، فما من داء أنزله الله تعالى إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، ولذلك كان التداوي من الأسباب التي يُتوقَّى بها المرض بعد نزوله، وهذا في الأمراض الخاصة التي تنزل بالنفس، فكيف بالأمراض العامة والأوبئة التي تجتاح؟ لا شك أن التداوي منها بالتوقي والبعد عن أسباب نقلها مما جاءت به السنة.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم-توقى أصحاب الأمراض، وأمر بذلك فقال: «لا يُورِد ممرِضٌ على مُصحٍّ»[صحيح البخاري:ح5771]، فإذا كان الإنسان سليمًا لا يرد على مريض، وإذا كان مريضًا لا يخالط الأصحاء؛ لأن في ذلك نقلا للأمراض وإشاعة للأوبئة بين الناس، وفي هذا من الضرر يتنافى مع ما جاءت به الشريعة من حفظ الأنفس ووقايتها.
وترك النبي –صلى الله عليه وسلم-المصافحة في عبادة من عبادات الله وهي البيعة لأجل الوقاية من المرض، فجاء في حديث الشريد بن سويد عند مسلم «كانَ في وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فأرْسَلَ إلَيْهِ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- إنَّا قدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ»[صحيح مسلم:ح2231/126]وذلك توقيًا من أن يصافحه، فيكون ذلك سببًا لنقل المرض.
فينبغي لنا أن ندرك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يترك في شأن الحفاظ على الصحة والعناية بها بابًا من أبواب حفظها إلا ودل عليه، ونحن في ظل هذه الجائحة التي نسأل الله تعالى أن يعجل لنا بالعافية منها ورفعها عن البشر بحاجة إلى استذكار مثل هذه الأمور، والحرص على العمل بها، ولزوم ما يصدر من توجيهات عن الجهات ذات الاختصاص الصحية وغيرها التي تعنى بوقاية الناس من شر هذا الوباء.
ينبغي لنا أن نستذكر هديه –صلى الله عليه وسلم-، وأن نعلم أننا إذا قمنا بذلك كنا متبعين لهديه، قائمين بما أمرنا به –صلى الله عليه وسلم-من حفظ هذه النعمة وشكرها، وأيضًا من القيام بما يجب على كل مؤمن من السمع والطاعة لولاة الأمر الذين يأمرون بما فيه مصالح العباد من حفظ أنفسهم، وصلاح أبدانهم وأجسامهم.
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يقينا الشرور والأضرار، وأن يرفع عنا الوباء، وأن يعجل بالفرج، وأن يسرَّ أعيننا بسلامة أنفسنا ومن نحب، وأن يعيذنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المقدم:اللهم آمين، فضيلة الشيخ اسمح لي أن أختم بهذه الأحاديث التي جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيها إرشاد أيضًا لأمته لكل ما يعينها على الوصول إلى الصحة في الأجساد والأبدان، في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه نهى أن يُتنفَّس في الإناء[سبق]، أيضًا في حديث آخر أنه نهى -عليه الصلاة والسلام- أن يُشرب من فيِّ السقاء[صحيح البخاري:ح5628] القربة والإناء وغيرها، أيضًا في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى بتغطية الأواني والإناء في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي رواه مسلم فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليه غِطاءٌ، أوْ سِقاءٍ ليسَ عليه وِكاءٌ، إلَّا نَزَلَ فيه مِن ذلكَ الوَباءِ»[صحيح مسلم:ح2014/99] هذه أيضًا مجموعة من الأحاديث التي دعى النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته إلى الأخذ بها، ونختم بهذا فضيلة الشيخ في نهاية هذا اللقاء، كل الشكر لك، وجزاك الله خيرا على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة.
الشيخ:اللهم آمين، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة، ونشكره على نعمه الجزيلة، ونسأله المزيد من فضله، وأن يمن علينا من عفو وعافية وصحة وعافية، وأن يرفع عنا وعن البشرية الوباء، وأن يبارك في جهود ولاة أمرنا ورجال الصحة الذين يبذلون ما يستطيعون للمحافظة على سلامة الناس، نسأله –جل وعلا-أن يقر أعيننا بسلامة الجميع، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.