×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

نقل النووي رحمه الله في باب بر الوالدين وصلة الأرحام:

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}متفق عليه. +++البخاري (5987)، ومسلم (2554)---

هذا الحديث أخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر غيبي وهو ما كان عند خلق الله تعالى الخلق؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم" خلق تأتي بمعنى قدر وتأتي بمعنى أتم وقضى، والذي يظهر أن المعنى هنا خلق الخلق، أي أتم خلقهم لقوله: "حتى إذا فرغ منهم" ويمكن أن يكون المعنى إن الله تعالى لما قدر أقدار المخلوقات وفرغ من ذلك التقدير جل في علاه أتمه وقضاه قامت الرحم.

ومن ذلك أي إطلاق الخلق بمعنى التقدير قول الشاعر:

لأنت تفري ما خلقت   وبعض القوم يخلق ثم لا يثري

لأنت تفري ما خلقت أي ما قدرت وبعض القوم يخلق أي يقدر، ثم لا يثري أي ثم لا يوجد لهذا التقدير، وهذا التقدم بالإرادة شيئا لا ينتج عنه شيء.

قوله صلى الله عليه وسلم : "قامت الرحم"، الرحم أمر معنوي بلا خلاف، والمقصود بالرحم ما يكون من القرابة بين الناس بسبب الاجتماع في الرحم، فهي مما يطلق على القرابة والنسب، والرحم التي قامت هنا إما أن يكون أمرا معنويا ويقال: إن هذا من المجاز، كما قال ذلك جماعة من أهل العلم من شراح الحديث، والمراد تصوير عظيم قدر الرحم صلة وقطيعة.

فذلك على وجه التمثيل والتقريب لهذا المعنى، فصورت هذه الصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لبيان عظيم قدر الرحم، وقيل: بل قامت حقيقة وتكلمت حقيقة وهذا هو المتبادر وهو الأصل فيما يكون من الكلام فالأصل حمل الكلام على الحقيقة لا على المجاز، ولا غرابة في قيام الرحم وكلامها وإن كانت معنى من المعاني، فإن الله تعالى ينطق ما يشاء من خلقه.

قال الله تعالى في الجلود والأبشار والأيدي والأرجل قال تعالى : ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾+++[النور: 24]---، وفي الآية الأخرى ﴿حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء﴾+++[فصلت: 20-21]--- فلا غرابة ولا عجب في أن يجعل الله تعالى الذي أنطق كل شيء لسانا ناطقا للرحم فقالت ما قالت من قولها هذا مقام العائد بك من القطيعة هذا مقام العائد بك من القطيعة هو استجارة وطلب الجوار، والإعاذة من الله عز وجل لمن لم يقم بحق الرحم هذا معنى قول الرحم هذا مقام العائد بك من القطيعة.

فطلبت من الله عز وجل أن يجيرها وأن يعيذها ممن لم يقم بحقوقها والرحم لها من الحقوق الصلة، لها من الحقوق ثبوت المحرمية والأحكام المتعلقة بها، لها من الحقوق ثبوت الميراث والحقوق المتعلقة بها ولذلك قال الله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾+++[النساء: 1]--- فالرحم لها من الحقوق ما استعاذت بالله عز وجل وطلبت منه العوذ ممن يقطعها ولا يقوم بحقها، قال الله تعالى : "نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك" وهذا ثمرة استعاذة الرحم بالله عز وجل من القطيعة أن يصل الله تعالى من وصلها ويقطع من قطعها، والوصل من الله عز وجل يصل به كل إحسان ويحصل به كل مسرور ومحبوب ومرغوب ويتوقى به الإنسان كل مكروه وكل مؤذي ومنافي للطبع.

وقيل: في معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما نقله عن الله في قوله للرحم أما ترضين أن أصل من وصلك أي أصله بالجنة والحسنى.

أما قوله: "واقطع من قطعك" فقطيعة الله تعالى لمن قطع الرحم هو ما توعد به   جل وعلا في الآية التي سيأتي بيانها ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾+++[محمد: 22-23]--- فكان عاقبة قطيعتهم هذا الذي ذكر الله عز وجل وهذا معنى قوله: "واقطع من قطعك" فقطيعة الله –عز وجل-لمن قطع الرحم هي طرده من رحمته وطمس سمعه وبصره، فلا ينتفع منهما بما يحصل له به الذكر والعظة.

ولهذا ينبغي أن يحذر الإنسان قطيعة الرحم قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ردت به الرحم على الله عز وجل عندما قال لها: "ألا ترضين أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت: بلى"، قال الله عز وجل : "فذلك لك" أي حق من وصل الرحم أن يصله الله، وحق من قطع الرحم أن يقطعه الله عز وجل ثم قرأ النبي   صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى : اقرؤوا ما شئتم في تصديق هذا الوعد الذي وعد الله تعالى به الرحم ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾+++[محمد: 22]--- الآية معناها فلعلكم إن توليتم عن الله وعن أمره ونهيه وعن وحيه الذي أنزله على رسوله، وعما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بأداء الحقوق والقيام بها فهل عسيتم إن توليتم عن شرعه ودينه أن تفسدوا في الأرض أي يقع منكم بسبب إعراضكم الفساد في الأرض.

ولا شك أن كل من أعرض عن الله عز وجل وقع في فساد في الأرض، ذلك أن كل معصية هي فساد في الأرض وهذا يشمل كل ما يكون مما يخالف به الله عز وجل من الشرك والكفر والمعصية وسائر ما يكون من الأمور التي هي فساد في الأرض، كما قال تعالى : ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾+++[الروم: 41]--- فكل ما يكسبه الناس من معصية الله ومخالفة أمره هو مما يقع به فساد في الأرض ثم قال: وتقطعوا أرحامكم وهذا ثمرة الإعراب عن أمر الله ورسوله أنه يفضي إلى قطيعة الرحم ونص عليه مع دخوله في الفساد في الأرض؛ لأنه من أعظم سور الفساد في الأرض ويترتب عليه من الشرور والمفاسد ما الله به عليم تتعطل به الصلات وتفسد به العلاقات ويشيع به الشر بين الناس.

وأما العقوبة قال تعالى : ﴿أولئك الذين لعنهم الله﴾+++[محمد: 23]--- أعاذنا الله وإياكم من لعنه ﴿فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾+++[محمد: 23]--- لعنهم الله فترتب على هذا الطرد انطماس البصائر فثمرة لعنه أن الإنسان لا يبصر الهدى ويعمى عن الحق ولا يسمع ولا ينتفع مما يسمعه من المواعظ بل يكون في وقر في أذنه وفي عمى في بصره وفي غلف في قلبه فلا ينتفع من الوعظ والتذكير، بل هو في ضلالات وفساد عظيم.

هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:

من فوائده: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور الغيب وأمور الغيب تستقبل بالقبول لما أخبر به الله عز وجل في كتابه وبما أخبر به عن رسوله.

فأعظم خصال أهل الإيمان أنهم يؤمنون بالغيب ولا يدخل في الغيب في العقل كيف ومتى وما أشبه ذلك من الإيرادات التي يوردها الإنسان على الأمور الغيبية بعقله وهو لم يدرك ذلك على وجه الحقيقة، له أن يسأل استفهاما وطلبا للفهم عما أشكل عليه وعما خفي عنه معناه لكن لا يعترض ولا يعارض ما جاء به الخبر عن الله ورسوله، فالعقول تقصر عن إدراك تلك الغيبيات هذا خبر عن الغيب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الغيب.

ومن فوائد الحديث: أن الله تعالى لما خلق الخلق حصل ما الرحم ما ذكره الله عز وجل.

وفيه: عظيم مقام الرحم عند الله عز وجل إذ إنه أذن لها بالكلام، وأعاذها جل وعلا لما قالت هذا مقام العائد بك من النار فأرضاها جل وعلا بوصل من وصلها وقطيعة من قطعها.

وفيه: أن الرحم من أعظم أسباب وصول الخير للإنسان، فإنها سبب لصلة الله عز وجل لعبده وخطورة قطيعة الرحم؛ لأنها تقطع عن العبد الحبل من الله عز وجل فلا يصل إليه من إحسانه وفضله ما تستقيم به حاله.

وفيه من الفوائد: أن الله تعالى أرضى الرحم في جارتها واعاذتها حيث أخبر بأنه لها ذلك وهو وصل من وصلها وقطيعة من قطعها.

وفيه: أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الغيب يصدق بعضه بعضا، ولذلك قال   صلى الله عليه وسلم : اقرءوا ما شئتم قول الله عز وجل : ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾+++[محمد: 22-23]---

وفيه: عظيم حصول الشر بالقطيعة إذ إن القطيعة سبب للعن الله عز وجل وسبب لانطماس البصيرة وعمى البصر وإغلاق السمع عن الانتفاع بالوعظ والتذكير فتمر عليه العظات والعبر والآيات وهو عنها معرض لا يدرك ولا ينتفع.

هذه بعض ما في هذا الحديث من الفوائد، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:4156

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب بر الوالدين وصلة الأرحام:

عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((إنَّ اللهَ ـ تَعَالَى ـ خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ، قَالَ: نَعَمْ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. البخاري (5987)، ومسلم (2554)

هذا الحديث أخبر فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمر غيبي وهو ما كان عند خلق الله ـ تعالى ـ الخلق؛ حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم" خلق تأتي بمعنى قدر وتأتي بمعنى أتم وقضى، والذي يظهر أن المعنى هنا خلق الخلق، أي أتم خلقهم لقوله: "حتى إذا فرغ منهم" ويمكن أن يكون المعنى إن الله ـ تعالى ـ لما قدر أقدار المخلوقات وفرغ من ذلك التقدير جل في علاه أتمه وقضاه قامت الرحم.

ومن ذلك أي إطلاق الخلق بمعنى التقدير قول الشاعر:

لأنت تفري ما خلقت   وبعض القوم يخلق ثم لا يثري

لأنت تفري ما خلقت أي ما قدرت وبعض القوم يخلق أي يقدر، ثم لا يثري أي ثم لا يوجد لهذا التقدير، وهذا التقدم بالإرادة شيئًا لا ينتج عنه شيء.

قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "قامت الرحم"، الرحم أمر معنوي بلا خلاف، والمقصود بالرحم ما يكون من القرابة بين الناس بسبب الاجتماع في الرحم، فهي مما يطلق على القرابة والنسب، والرحم التي قامت هنا إما أن يكون أمرًا معنويًا ويقال: إن هذا من المجاز، كما قال ذلك جماعة من أهل العلم من شراح الحديث، والمراد تصوير عظيم قدر الرحم صلة وقطيعة.

فذلك على وجه التمثيل والتقريب لهذا المعنى، فصورت هذه الصورة التي ذكرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبيان عظيم قدر الرحم، وقيل: بل قامت حقيقة وتكلمت حقيقة وهذا هو المتبادر وهو الأصل فيما يكون من الكلام فالأصل حمل الكلام على الحقيقة لا على المجاز، ولا غرابة في قيام الرحم وكلامها وإن كانت معنى من المعاني، فإن الله ـ تعالى ـ ينطق ما يشاء من خلقه.

قال الله ـ تعالى ـ في الجلود والأبشار والأيدي والأرجل قال ـ تعالى ـ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[النور: 24]، وفي الآية الأخرى ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ[فصلت: 20-21] فلا غرابة ولا عجب في أن يجعل الله ـ تعالى ـ الذي أنطق كل شيء لسانًا ناطقًا للرحم فقالت ما قالت من قولها هذا مقام العائد بك من القطيعة هذا مقام العائد بك من القطيعة هو استجارة وطلب الجوار، والإعاذة من الله ـ عز وجل ـ لمن لم يقم بحق الرحم هذا معنى قول الرحم هذا مقام العائد بك من القطيعة.

فطلبت من الله ـ عز وجل ـ أن يجيرها وأن يعيذها ممن لم يقم بحقوقها والرحم لها من الحقوق الصلة، لها من الحقوق ثبوت المحرمية والأحكام المتعلقة بها، لها من الحقوق ثبوت الميراث والحقوق المتعلقة بها ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساء: 1] فالرحم لها من الحقوق ما استعاذت بالله ـ عز وجل ـ وطلبت منه العوذ ممن يقطعها ولا يقوم بحقها، قال الله ـ تعالى ـ: "نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك" وهذا ثمرة استعاذة الرحم بالله ـ عز وجل ـ من القطيعة أن يصل الله ـ تعالى ـ من وصلها ويقطع من قطعها، والوصل من الله ـ عز وجل ـ يصل به كل إحسان ويحصل به كل مسرور ومحبوب ومرغوب ويتوقى به الإنسان كل مكروه وكل مؤذي ومنافي للطبع.

وقيل: في معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما نقله عن الله في قوله للرحم أما ترضين أن أصل من وصلك أي أصله بالجنة والحسنى.

أما قوله: "واقطع من قطعك" فقطيعة الله ـ تعالى ـ لمن قطع الرحم هو ما توعد به  ـ جل وعلا ـ في الآية التي سيأتي بيانها ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد: 22-23] فكان عاقبة قطيعتهم هذا الذي ذكر الله ـ عز وجل ـ وهذا معنى قوله: "واقطع من قطعك" فقطيعة الله –عز وجل-لمن قطع الرحم هي طرده من رحمته وطمس سمعه وبصره، فلا ينتفع منهما بما يحصل له به الذكر والعظة.

ولهذا ينبغي أن يحذر الإنسان قطيعة الرحم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما ردت به الرحم على الله ـ عز وجل ـ عندما قال لها: "ألا ترضين أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت: بلى"، قال الله ـ عز وجل ـ: "فذلك لكِ" أي حق من وصل الرحم أن يصله الله، وحق من قطع الرحم أن يقطعه الله ـ عز وجل ـ ثم قرأ النبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ قول الله ـ تعالى ـ: اقرؤوا ما شئتم في تصديق هذا الوعد الذي وعد الله ـ تعالى ـ به الرحم ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ[محمد: 22] الآية معناها فلعلكم إن توليتم عن الله وعن أمره ونهيه وعن وحيه الذي أنزله على رسوله، وعما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأمر بأداء الحقوق والقيام بها فهل عسيتم إن توليتم عن شرعه ودينه أن تفسدوا في الأرض أي يقع منكم بسبب إعراضكم الفساد في الأرض.

ولا شك أن كل من أعرض عن الله ـ عز وجل ـ وقع في فساد في الأرض، ذلك أن كل معصية هي فساد في الأرض وهذا يشمل كل ما يكون مما يخالف به الله ـ عز وجل ـ من الشرك والكفر والمعصية وسائر ما يكون من الأمور التي هي فساد في الأرض، كما قال ـ تعالى ـ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ[الروم: 41] فكل ما يكسبه الناس من معصية الله ومخالفة أمره هو مما يقع به فساد في الأرض ثم قال: وتقطعوا أرحامكم وهذا ثمرة الإعراب عن أمر الله ورسوله أنه يفضي إلى قطيعة الرحم ونص عليه مع دخوله في الفساد في الأرض؛ لأنه من أعظم سور الفساد في الأرض ويترتب عليه من الشرور والمفاسد ما الله به عليم تتعطل به الصلات وتفسد به العلاقات ويشيع به الشر بين الناس.

وأما العقوبة قال ـ تعالى ـ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ[محمد: 23] أعاذنا الله وإياكم من لعنه ﴿فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد: 23] لعنهم الله فترتب على هذا الطرد انطماس البصائر فثمرة لعنه أن الإنسان لا يبصر الهدى ويعمى عن الحق ولا يسمع ولا ينتفع مما يسمعه من المواعظ بل يكون في وقر في أذنه وفي عمى في بصره وفي غلف في قلبه فلا ينتفع من الوعظ والتذكير، بل هو في ضلالات وفساد عظيم.

هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:

من فوائده: إخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمور الغيب وأمور الغيب تستقبل بالقبول لما أخبر به الله ـ عز وجل ـ في كتابه وبما أخبر به عن رسوله.

فأعظم خصال أهل الإيمان أنهم يؤمنون بالغيب ولا يدخل في الغيب في العقل كيف ومتى وما أشبه ذلك من الإيرادات التي يوردها الإنسان على الأمور الغيبية بعقله وهو لم يدرك ذلك على وجه الحقيقة، له أن يسأل استفهامًا وطلبًا للفهم عما أشكل عليه وعما خفي عنه معناه لكن لا يعترض ولا يعارض ما جاء به الخبر عن الله ورسوله، فالعقول تقصر عن إدراك تلك الغيبيات هذا خبر عن الغيب، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبر عن الغيب.

ومن فوائد الحديث: أن الله ـ تعالى ـ لما خلق الخلق حصل ما الرحم ما ذكره الله عز وجل.

وفيه: عظيم مقام الرحم عند الله ـ عز وجل ـ إذ إنه أذن لها بالكلام، وأعاذها ـ جل وعلا ـ لما قالت هذا مقام العائد بك من النار فأرضاها ـ جل وعلا ـ بوصل من وصلها وقطيعة من قطعها.

وفيه: أن الرحم من أعظم أسباب وصول الخير للإنسان، فإنها سبب لصلة الله ـ عز وجل ـ لعبده وخطورة قطيعة الرحم؛ لأنها تقطع عن العبد الحبل من الله ـ عز وجل ـ فلا يصل إليه من إحسانه وفضله ما تستقيم به حاله.

وفيه من الفوائد: أن الله ـ تعالى ـ أرضى الرحم في جارتها واعاذتها حيث أخبر بأنه لها ذلك وهو وصل من وصلها وقطيعة من قطعها.

وفيه: أن ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الغيب يصدق بعضه بعضا، ولذلك قال  ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اقرءوا ما شئتم قول الله ـ عز وجل ـ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد: 22-23]

وفيه: عظيم حصول الشر بالقطيعة إذ إن القطيعة سبب للعن الله ـ عز وجل ـ وسبب لانطماس البصيرة وعمى البصر وإغلاق السمع عن الانتفاع بالوعظ والتذكير فتمر عليه العظات والعبر والآيات وهو عنها معرض لا يدرك ولا ينتفع.

هذه بعض ما في هذا الحديث من الفوائد، فنسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91428 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف