إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مِنْ يَهدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمِنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوُا اَللَّهَ تَعَالَى وَالزَمُوا أَمْرَهُ، وَاحْذَرُوا مِنْ مُخَالَفَةِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَحَذَّرَكُمْ مِنْهُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ أَعْظَمَ مَا فَرَضَهُ اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ اَلْأَعْمَالِ وَالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ اَلصَّلَاةُ اَلْمَكْتُوبَاتُ اَلمَفْرُوضَاتُ، فَالصَّلَاةُ خَيْرُ اَلْأَعْمَالِ هِيَ عِمَادُ اَلدِّينِ هِيَ عِصَامُ اَلْيَقِينِ هِيَ نَاصِيَةُ اَلْقُرُبَاتِ هِيَ غِرَّةُ اَلطَّاعَاتِ قَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَاءَ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ«رأسُ الأمرِ الإسلامُ وعمودُهُ الصَّلاةُ وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ» الترمذي(2616)، وقال:(حسن صحيح) .
عِبَادَ اَللَّهِ، اَلصَّلَاةُ أَعْظَمُ شَعَائِرِ اَلدِّينِ، وَهِيَ أَهَمُّ أَرْكَانِ اَلْإِسْلَامِ بَعْدَ اَلشَّهَادَتَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَهَا اَلنَّبِيُّ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ اَلْمِفْتَاحِ اَلَّذِي يَدْخُلُ بِهِ اَلْإِنْسَانُ اَلْجَنَّةَ، وَبِهِ يَدْخُل فِي اَلْإِسْلَامِ«بُني الإسلامُ على خمسٍ، شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصيامِ رمضانَ» البخاري(8)، ومسلم(16) .
عِبَادَ اَللَّهِ، اَلصَّلَاةُ أَحَبُّ اَلْأَعْمَالِ إِلَى اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَوَابِ سُؤَالِ عَبْدِ اَللَّهِ بن مَسْعُود«أيُّ الأعْمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها» البخاري(527)، ومسلم(85) . وقال – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ» ابن ماجة(277) صحيح بطرقه.
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، حَافَظُوا عَلَى هَؤُلَاءِ اَلصَّلَوَاتِ اَلْمَكْتُوبَاتِ أَتْقَنُوهَا فَإِنَّهَا صِلَةٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ جَلَّ فِي عُلَاهُ، فَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ اَلْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثَرُوا مِنْ اَلدُّعَاءِ، حَافَظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ؛ فَمَنْ حَفِظَهَا حَفِظَهُ اَللَّهُ –عَزَّ وَجَلَّ- وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ اَلْخَيْرَاتِ فَقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ» مسلم(489) وقال – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «من صلَّى البَردَيْن -الصُّبْحُ والعَصْر -دخل الجنَّةَ» البخاري(574)، ومسلم(635) .
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ اَلصَّلَاةَ تَمْحُو اَلْخَطَايَا وَتَرْفَعُ اَلدَّرَجَاتِ وَتَحُطُّ اَلْأَوْزَارَ وَتُعِينُ عَلَى صَالِحِ اَلْأَعْمَالِ«ألا أدلُّكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفعُ به الدرجاتِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: إسباغ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكم الرِّباطُ» مسلم(251) .
هَذَا أَجْرُ اَلِاسْتِعْدَادِ لِلصَّلَاةِ وَالسَّيْرِ إِلَيْهَا وَالْعَمَلِ بِهَا وَانْتِظَارِهَا، فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، وَاحْفَظُوا هَذِهِ اَلْفَرِيضَةَ اَلَّتِي فَرَضَهَا اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ تَمْيِيزًا لَهَا دُونَ سَائِرِ اَلْعِبَادَاتِ فَرْضَهَا جَلَّ فِي عُلَاه مُبَاشَرَةً عَلَى رَسُولِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِهِ وَاسِطَةً، فَقَدَ فَرْضُهَا عَلَيْهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اَلْإِسْرَاءِ، فَرَضَهَا خَمْسِينَ صَلَاةً ثُمَّ اِنْتَهَى بَعْد مُرَاجَعَةِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَهُنَّ خَمْسُ فِي اَلْمِيزَانِ وَأَجِرَهَا عَلَى نَحْوِ مَا فَرَضَهُ اَلْكَرِيمُ اَلْمَنَّانْ، فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ حَافَظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ فَمَنْ حَفِظَهَا حَفِظَهُ اَللَّهُ.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَولَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بَعْد:
فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوْا اَللَّهُ تَعَالَى وَجِدُّوا فِي اَلْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرَائِضِ اَللَّهِ جَمِيعًا وَعَلَى اَلصَّلَاةِ خُصُوصًا؛ فَمَنْ حَفِظَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَحْفَظ وَمَنْ أَضَاعَ اَلصَّلَاةَ فَرط فِي أَرْكَانِهَا فِي وَاجِبَاتِهَا فِي إِقَامَتِهَا فِي وَقْتِهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أضَيعُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اَللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ تَلْقَونَهُ يَوْمَ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَار، يَوْمَ يُحَاسِبُكُمْ عَلَى اَلدَّقِيقِ وَالْجَلِيلِ أَوَّلُ مَا يُحَاسِبُكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ جَلَّ فِي عُلَاهُ هَذِهِ اَلْخَمْسُ اَلْمَكْتُوبَاتُ؛ اَلْفَجْرُ، وَالظَّهْرُ، اَلْعَصْرُ، اَلْمَغْرِبُ، اَلْعَشَاءُ.
فَأَعَدَّ لِنَفْسِكَ جَوَابًا وَهَيَّأَ لِنَفْسِكَ مَنْزِلاً تُسَرُّ بِهِ، فَإِنْ أَتَيْتَ بِهَا كَامِلَةً أَفْلَحْتَ وَأَنْجَحْتَ، وَإِنْ نَقَصْتهَا وَفَرَّطَتْ فِيهَا وَأَضَعَتَهَا، فَأَنْتَ لِمَا سِوَاهَا أَضَيعُ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ اَلصَّلَاةُ نُورٌ تُنِيرُ اَلْقُلُوبَ وَتُنِيرَ اَلدُّرُوبَ يَكْتَسِبُ بِهَا اَلْإِنْسَانُ نُورًا مِنْ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- يُمَيِّزَ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يَهْدِي بِهِ إِلَى سَوَاءِ اَلسَّبِيلِ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: 29] هَذَا اَلْفُرْقَانُ ثَمَرَةُ نُورٍ يَقْذِفُهُ اَللَّهُ فِي قَلْبِ اَلْعَبْدِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ كَمَا قَالَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مسلم(223) فَمَنْ أَكْثَر مِنْ اَلصَّلَاةِ وَاعْتَنَى بِهَا وَحِفْظِهَا قَذَفَ اَللَّهُ فِي قَلْبِهِ نُورًا يَهْدِي بِهِ إِلَى سَوَاءِ اَلسَّبِيلِ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنِ اَلظُّلُمَاتِ إِلَى اَلنُّورِ، يُوَفَّقْ إِلَى خَيْرِ اَلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَحَافَظُوا عَلَيْهَا وَاجْتَهَدُوا فِي إِقَامَتِهَا عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي يَرْضَى بِهِ عَنْكُمْ جَلَّ فِي عُلَاه، أُقِيمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أَوْلَادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، تَعَاهَدُوا زَوْجَاتِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ وَسَائِرَ قُرَبَاتِكُمْ فِي هَذِهِ اَلْفَرِيضَةِ اَلْعَظِيمَةِ، تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ؛ فَإِنَّ اَلصَّلَاةَ أَعْظَمُ اَلحَقَّ اَلَّذِي يَتَوَاصَى بِهِ، ذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِإِقَامَتِهَا عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي فَرَضَهُ اَللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِنَّ إِضَاعَتَهَا إِضَاعَةً لِكُلِّ خَيْرٍ ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59].
اَللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ إِضَاعَةِ اَلصَّلَاةِ، وَارْزُقْنَا إِقَامَتَهَا عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي تَرْضَى بِهِ عَنَّا يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اِسْتَعْمَلَنَا فِيمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَفَحْشَاءَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلَحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنَ، اَللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ يَا رَبَّ اَلعَالَمَينَ، وَاكْتُبْ تَوْفِيقًا وَتَسْدِيدًا لِكُلِّ وُلَاةِ اَلْأُمُورِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى صَلَاحِ دِينِ اَلنَّاسِ وَدُنْيَاهُمْ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ.
أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمُ وَأَكْثِرُوا مِنْ اَلصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ –صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلَ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيَتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.