المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة مستمعينا الكرام أينما كنتم وأينما يصلكم هذا الأثير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم في حلقة متجددة لبرنامج "الدين والحياة"، في بدايتها أنقل لكم تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج ماهر ناضرة، ومن استديو الهواء ياسر الثقفي.
باسمكم جميعًا مستمعينا الكرام أرحب بضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله.
الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي وائل ومرحبا بك، وأرحب بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله.
المقدم: أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى في هذه الحلقة سيكون عنواننا الذي سنتحدث عنه "الإسراء وأعظم الفرائض الصلاة"، سنتحدث عن هذه الشعيرة العظيمة التي فرضها الله –تبارك وتعالى-على نبينا وعلى أمته في رحلة الإسراء والمعراج، الرحلة التي صعد بها نبينا الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلى السماء وفرضت عليه هذه الشعيرة العظيمة.
سنتحدث عن هذا الموضوع بشكل أكثر إسهابًا في هذه الحلقة، فضيلة الشيخ حديثنا عن أعظم الفرائض، عن الصلاة التي فُرضت في رحلة الإسراء والمعراج.
ابتداء الصلاة هي أول ما أُمر به النبي عليه الصلاة والسلام، نريد أن نتحدث عن هذا الموضوع، وكيف فُرضت في أول النبوة، ومن ثم سنتحدث عن فرضها في رحلة الإسراء بشكل أكثر تفصيلًا.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
حديثنا عن الصلاة من العبادات التي فرضها الله تعالى على رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم-، حديثنا عن الصلاة هو حديث عن أعظم الصِّلات التي تكون بين الإنسان وغيره إنها صلته بالله –عز وجل-التي بها يطيب قلبُه، وتصلُح نفسُه، وتقرُّ عينه، وتنكشف وتزول عنه مكروهاته ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28].
الصلاة هي الصلة بين العبد وربِّه، هي مناجاة وبثٌّ لما في قلب العبد من تعظيم ربه وإجلاله لربه تعالى قولًا وعملًا، بالأقوال والأعمال، فهي مُفتَتَحة بالتكبير، مُختَتَمة بالتسليم، فيها قيام وركوع وسجود وذلٌّ وخضوع لله –عز وجل-.
الصلاة هي أول ما فرضه الله تعالى على رسوله، فقد قال الله تعالى في بدايات بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أن أمره بالقراءة وأوحى إليه في الغار غار حراء ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى﴾[العلق: 1-6] هذه الآيات الكريمات التي نزلت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-هي أول ما افتتح الله تعالى به الرسالة في صدر سورة اقرأ، ثم جاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم-فزعًا لِما جاءه، ولما أوحي إليه وعظيم ما شهده من مجيء جبريل، ذهب –صلى الله عليه وسلم-إلى بيته ترتعد فرائصه من عظيم ما شاهد، ومن عظيم ما نزل عليه، قال: «زمِّلوني زمِّلوني»[صحيح البخاري:ح3، ومسلم:ح160/252]، ثم إن الله تعالى أوحى إليه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ *قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾[المزمل: 1- 5] إلى آخر ما ذكر الله تعالى في هذه السورة.
أول أمر في الآيات الكريمات هو أمر الله تعالى لرسوله بالقيام للصلاة، فرضت صلاة الليل على النبي –صلى الله عليه وسلم-وقد أخبرت عائشة -رضي الله تعالى عنها- بذلك كما في صحيح الإمام مسلم قالت -رضي الله تعالى عنها-:" فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، وخاتمة هذه السورة قول الله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾[المزمل: 20]، أمسكها أي لم تنزل اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ».
فكان من أول ما أَمَر النبي –صلى الله عليه وسلم-أصحابه، أول ما أُمِر به وأَمَر به الناس هو الصلاة، ولهذا أبو سفيان لما سأله هرقل عن أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-، في رحلة أبي سفيان لما كان مشركًا إلى الشام دعاه هرقل لكونه من عشيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- ليستخبِر ويستعلمَ نبأ هذا الرسول الكريم، وما جاء به صلوات الله وسلامه عليه فسأله جملة من الأسئلة قال منها، قال هرقل ملك الروم وكبيرهم لأبي سفيان وهو من كبراء قريش وساداتها، ومن الذين لم يؤمنوا بالنبي –صلى الله عليه وسلم-في ذلك الحين قال له: "ماذا يأمركم؟ فقال أبو سفيان: قلت يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقوله آباؤكم"، وهذا الأمر بالتوحيد وترك ما يكون من عبادة غير الله –عز وجل- التي كانت شائعةً ومنتشرة في الناس وفي العرب على وجه الخصوص.
قال بعد هذا: " يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالعَفَافِ"[صحيح البخاري:ح4553، ومسلم:ح1773/74]، فكان من أول ما ذكر من مأمورات النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه يأمرهم بالصلاة، وهو يدل على أن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان ما يأمر به أمَّته ويدعو إليه الناس في دعوته –صلى الله عليه وسلم-كان يدعوهم إلى أن يُصلُّوا، وقد قال جماعة من أهل العلم[جمع أقوالهم ابن حجر في فتح الباري:1/465]: إن ثمة صلاةً فُرضت على الناس قبل الصلوات المكتوبات في أول البعثة، وهي ما أمر الله تعالى به رسولَه –صلى الله عليه وسلم-من التسبيح من الغدو والآصال، في العشي والإبكار، قال الله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾[طه: 130]، وذلك كان قبل فرض الصلوات الخمس المكتوبات، فكانت الصلاة من أوائل ما أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم-، وعرف ذلك عنه كل من سَمِع دعوته –صلى الله عليه وسلم-، حتى أصبح هذا مما يميِّز ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-كما جرى من أبي سفيان عندما أخبر هرقل بما يدعوهم إليه صلوات الله وسلامه عليه.
وبه يعلم أن الصلاة هي أول عبادة أَمر بها النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-بعد ما أُوحي إليه، فلم يأمر بعبادةٍ يُتقرَّب بها إلى الله –عز وجل-قبل الصلاة، وهذا يبين أن الذُّرْوة في العبادات، وأنها كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-عمود الإسلام[أخرجه الترمذي في سننه:ح2616، وقال: حسن صحيح، وفيه قال صلى الله عليه وسلم : «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»]، بها يقوم ويصلح، ثم بعد ذلك استمرَّ عمل النبي –صلى الله عليه وسلم-بالصلاة، وكان يُظهِر الصلاة –صلى الله عليه وسلم-، وكان يأتيه من يأتيه من المشركين فكانوا يستمعون لصلاته –صلى الله عليه وسلم-وكانوا يتأثَّرون بذلك، فيكون لما يسمعونه من قراءته –صلى الله عليه وسلم-وصلاته عند البيت الحرام،
وفي بيته وفي مكانه –صلى الله عليه وسلم-ما أظهرَ هذه العبادة وعرفه بها المشركون، حتى إنهم لما رأوا أن صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم-وصلاةَ أصحابه بين قومهم وتأثُّر الناس بصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصلاة من يصلي من أصحابه كان ذلك مميِّزًا لصلاتهم وعبادتهم عند المشركين.
المقدم:فضيلة الشيخ عفوًا على المقاطعة، هل كانت بنفس الصيغة التي فرضها الله تعالى عليه في رحلة الإسراء والمعراج؟
الشيخ: الصلاة من حيث فرضها هي فرضت من أوائل الأمر، وكانت صلاةً بركوع وسجود وتلاوة، لكن هل هي على ما استقرت عليه على نفس الصفة؟
الجواب: طرأ على الصلاة تغيير كما سيأتي الإشارة إليه في بعض صفاتها وبعض أعمالها، لكن أصل الفريضة واحد، أصل العبادة وهي خُلوة العبد بربه، ومناجاته له منذ أوائل البعثة، هذه عائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: "لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين" يعني على دين الإسلام، "ولم يمرَّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-طرفي النهار: بكرة وعشيا، ثم بدا لأبي بكر" وهو صاحب رسول الله ومن أوائل من آمن به، أول من أمن به من الرجال "فابتنى مسجدًا بفناء داره" لماذا؟ للصلاة وهو في مكة قبل الهجرة "فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن".
إذًا صلاة فيها قراءة قرآن وفيها ركوع وسجود، "فيقف عليه نساء المشركون وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلًا بكاء لا يملك عينه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين"[صحيح البخاري:ح476]، حيث رأوا عظيم تأثير هذه الصلاة التي يشاهدونها من أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ويسمعون فيها هذه القراءة المباركة من آيات الكتاب الحكيم.
النبي –صلى الله عليه وسلم-نفسه كان -صلوات الله وسلامه عليه- يصلي ويُظهِر الصلاةَ أحيانًا عند البيت، فقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال -رضي الله تعالى عنه-:«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ،فالصلاة ظاهرة وعبادة وشعيرة يظهرها النبي –صلى الله عليه وسلم-قبل هجرته، وقبل أن يُظهِر أمره للناس جميعًا، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟
إذًا الصلاة التي كان يصليها في أول البعثة كان فيها سجود، وكان فيها قراءة، وكان فيها ركوع،«فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ»، وذكر جماعة من قريش الذين أذوه وفعلوا ما فعلوا به وهو يصلي عند البيت –صلى الله عليه وسلم-.
يقول عبد الله بن مسعود: «فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ - قَلِيبِ بَدْرٍ -»[صحيح البخاري:ح240، ومسلم:ح1794/107واللفظ للبخاري]
هذا الحديث الشريف الذي يرويه عبد الله بن مسعود عن قصة حصلت للنبي –صلى الله عليه وسلم-وهو في مكة يدل على عظيم قدر الصلاة، وثبات النبي –صلى الله عليه وسلم-، وحرصه عليها، وعظيم ما يجنيه العبد بصلاته، فقد أجاب الله دعاء رسولِه فنُصر بعد هذه الصلاة، الصلاة التي صلاها عند البيت الحرام.
المقصود أن الصلاة تقدَّم فرضُها، وكانت من أوائل ما فرض الله تعالى على رسوله، وشأنُها عظيم منذ أوائل بعثة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فنسأل الله أن يعيننا على إقامتها والمحافظة عليها على الوجه الذي يرضى به عنا، اللهم آمين.
المقدم: اللهم آمين، فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل أول بعده -بمشيئة الله تعالى- سنتحدث عن فرض الصلوات المكتوبة في الإسراء، تحدثنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فُرضت عليه الصلاة قبل البعثة، وكيف لقي الأذى من قريش في مكة نظيرَ إظهارِه لهذه الشعيرة العظيمة، سنذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نتحدث عن رحلة الإسراء والمعراج بمشيئة الله تعالى، وعن فرض الصلاة فيها، لكن بعد فاصل قصير.
حياكم الله مستمعينا الكرام نرحب بكم مجددًا في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم حياك الله فضيلة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله، أهلا وسهلا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله.
المقدم: أهلا وسهلا فضيلة الشيخ، تحدثنا عن الصلاة التي فُرضت على النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، في أول أمر الإسلام في مكة، لكن بعد ذلك فرضت عليه في رحلة الإسراء والمعراج، نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن هذه التفاصيل، وفرض الصلوات المكتوبة التي نصليها في يومنا وإلى قيام الساعة بمشيئة الله تعالى، نريد أن نتحدث عنها فضيلة الشيخ.
الشيخ: فيما يتعلق بفرض الصلاة تقدم أن الصلاة فرضت على النبي –صلى الله عليه وسلم-من أول بعثتهن ثم تقدم أيضًا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان يصلي الصلوات على نحو من الأعمال: تلاوة القرآن، والسجود، والركوع وسائر ما يكون من أعمال الصلاة منذ بعثته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
استمر الأمر على هذا إلى أن جاء زمن الإسراء بالنبي –صلى الله عليه وسلم-إلى بيت المقدس والمعراج، فإن التغيُّر الذي طرأ على فرض الصلاة هو في هذه الليلة المباركة ليلة الإسراء.
النبي –صلى الله عليه وسلم- اجتمع عليه منها إيذاءُ قومِه وتسلُّطهم عليه -صلوات الله وسلامه عليه- ما بلغ مبلغًا عظيمًا حتى ضاقت عليه ما اتسع من الأرض لشدة عداء قومه، وأذاهم له، وأذاهم لمن تبعه كما سمعنا قبل قليل في نموذج وشاهد من أذية المشركين للنبي –صلى الله عليه وسلم-، حيث وضعوا عليه سلى الجذور وهو ساجد عند الكعبة صلوات الله وسلامه عليه، لم يجد من أصحابه ناصرًا عليه أفضل الصلاة والسلام لضعفهم وقلة منعتهم، كما أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث قال: "وأنا قائم أنظر" يعني وهم يفعلوا بالنبي هذه الفعلة "لو كانت لي منعة لطرحته عن ظهر رسول الله –صلى الله عليه وسلم-"، لكنه لم يتمكن من ذلك، –صلى الله عليه وسلم-ورضي الله عن عبد الله بن مسعود حتى جاءت ابنتُه وفعلت ما فعلت رضي الله تعالى عنها من إزالة الأذى عنه –صلى الله عليه وسلم-.
مات نصيرُه أبو طالب، وماتت زوجته خديجة، واجتمع عليه قومُه فاشتد الأذى، فجاء الفرج بهذه الرحلة المباركة رحلة الإسراء التي ذكرها الله تعالى في كتابه، حيث قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾[الإسراء: 1]، إلى آخر ما قص الله تعالى من شأن هذه الآية التي افتتح الله تعالى ذكرها بتسبيحه وتعظيم شأنه، الذي فعل هذا برسوله –صلى الله عليه وسلم-على وجه من الإكرام والتثبيت والتسديد وتطييب الخاطر، والإعانة على المُضيِّ في دعوته ما كان فارقًا في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم-، بل وفي حياة الأمة، إذ إن الله تعالى اختص هذه العبادة بأن فرض الصلاة في هذه الرحلة الشريفة العظيمة التي هي خيرُ أيامِ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وخيرُ زمانه إذ إنه صُعد به إلى السماء صلوات الله وسلامه عليه.
وقد أظهر الله شرفَ نبينا –صلى الله عليه وسلم-، وعظيمَ منزلتِه، وكريمَ مكانته عند ربه جل في علاه، وكان من شأن هذه الرحلة ما جاء خبره في الصحيحين من حديث أنس قال: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ» يعني رده على حاله الأولى ولا تقل كيف؟ فذاك شأن الذي إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون.
هذه الأمور تُقبَل بالتصديق والإيمان، ولا يُبحث فيها عن كيف؛ فإن شأن الله تعالى عظيم، وقدرته تفوق كلَّ خيال، أو ما يدور في بال إنسان، فهو على كل شيء قدير جل في علاه.
ثم يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» وهذا في هذه الرواية فيه اختصار إذ أنه جيء بدابة تدعى البراق فركبها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- [ذكر البراق ورد في رواية البخاري:ح3207]
اختلف العلماء رحمهم الله في إسراء النبي –صلى الله عليه وسلم-هل كان من بيته الذي هو فيه، أم أنه كان من المسجد الحرام أي من جوار الكعبة؟
على قولين من أقوال أهل العلم، والذي يُحتمل أنه ابتدأ من بيته، ثم ذهب إلى قريب من الكعبة المسجد الحرام، ثم أسري به إلى الإسراء أي إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء من بيت المقدس صلوات الله وسلامه عليه.
لما جاء -صلوات الله وسلامه عليه- إلى بيت المقدس قيل: إنه صلى -صلوات الله وسلامه عليه- بالنبيين، صلى بالجماعة من المرسلين والنبيين صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل: إن الصلاة كانت بعد رجوعه صلوات الله وسلامه عليه، بعد أن نزل صلوات الله وسلامه عليه من المعراج.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن الأمر في هذا قريب، سواء صلى قبل أو بعد، إنما الشاهد في هذه الرحلة أن الله جمع الله لرسوله الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتم تسليم، فاجتمعوا للنبي –صلى الله عليه وسلم-وصلى بهم صلوات الله وسلامه عليه، وقد أخبر –صلى الله عليه وسلم-أنه رأى موسى يصلي، ورأى صلوات الله وسلامه عليه عيسى قائمًا يصلي، ورأى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إبراهيم قائمًا يصلي، ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه صلى بهم جميعًا صلوات الله وسلامه عليه.
ولا عجب ولا غرابة في ذلك، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما جاء في صحيح الإمام مسلم في حديث أبي هريرة:« وقد رأيتُني في جماعة من الأنبياء» أي مجموعة منهم «فإذا موسي قائم يصلي» ثم ذكر وصفه صلوات الله وسلامه عليه «وعيسى ابن مريم -عليه السلام- قائم يُصلِّي»، ثم ذكر وصفه صلوات الله وسلامه عليه.
قال: «وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي»، ثم ذكر وصفه –صلى الله عليه وسلم-قال: «فَحَانَتِ الصَّلاةُ» يعني جاء وقت الصلاة التي قضى الله تعالى أن يصلي صلوات الله وسلامه عليه في بيت المقدس.
قال: «فَأَمَمْتُهم»[صحيح مسلم:ح172/278]، يعني فصلَّى بهم إمامًا، وهنا انظر إلى: ما الموضوع الذي اجتمع عليه الأنبياء والمرسلون؟ ما الذي حصل عندما اجتمع النبي –صلى الله عليه وسلم-بخيار الخلق وسادات البشر من النبيين والمرسلين؟ لم يحصل إلا الصلاة، فإنه رآهم يصلُّون -صلوات الله وسلامه عليهم- وحانت الصلاة فصلى بهم إمامًا –صلى الله عليه وسلم-، وقد قال ابن عباس في مسند الإمام أحمد:«فلما دخل النبي –صلى الله عليه وسلم-المسجد الأقصى قام يصلي، قال: فالتفتَ ثم التفتَ فإذ النبيون أجمعون يصلون معه»[مسند أحمد:ح2324] صلوات الله وسلامه عليه.
ولا غرابة في هذا؛ فالأنبياء أحياء في قبورهم يصلون كما جاء عن أنس رضي الله تعالى عنه في مسند أبي يعلى بإسناد لا بأس به.[مسند أبي يعلى:3425، وصححه محقق المسند]
ثم إن النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أن صلى بالأنبياء كما هو قول جماعة من أهل العلم صعد إلى السماء.
لقائل أن يقول: هل صلى بهم صلوات الله وسلامه عليه، جمعهم الله تعالى بأبدانهم وأرواحهم أم تشكلَّت بصور أبدانهم فصلى بهم؟
للعلماء في ذلك قولان:
منهم من قال: إن أرواحهم صُوِّرت في صور أبدانهم فرآهم صلوات الله وسلامه عليه على صور أبدانهم دون أن تجتمع أجسادهم المدفونة.[فتح الباري لابن رجب:2/317]
وقيل: بل كانوا بأبدانهم وأرواحهم والله على كل شيء قدير.
إلا أن أكثر العلماء يرون أن ذلك جرى لأرواحهم، فرأي صلوات الله وسلامه عليه أرواحَهم مصوَّرةً في صور أبدانهم صلوات الله وسلامه عليه، ثم لما صلى بهم –صلى الله عليه وسلم-إلا عيسى بن مريم حي فيكون بروحه وبدنه عليه الصلاة والسلام.
وبعد ذلك عرج بالنبي –صلى الله عليه وسلم-إلى السماء الدنيا، وكان من ترقيه سما إلى أن بلغ صلوات الله وسلامه عليه منزلًا سمع فيه صوتَ الأقلام وهي تكتب، وهذا في ليلة الإسراء والمعراج وجرى في هذه الليلة هذا الحدث العظيم والأمر الكبير الذي بقي خيره وآثاره على الأمة إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى يوم الدين، وهو فرض الصلوات الخمس.
عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «فَفَرضَ اللهُ على أمتي خمسين صلاة» فرض الله تعالى الصلوات المكتوبات في أول ما فرضها خمسين صلاة في اليوم والليلة، وهذا يدل على عظيم حاجة الناس للصلاة؛ لأن الله لا يبسط الشيءَ متكرِّرًا وكثيرًا إلا لعظيم حاجة الناس إليه في صلاح قلوبهم، وصلاح أعمالهم، واستقامة دنياهم، وبه صلاح معاشهم ومعادهم.
قال: «فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى»، رجع النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد أن فرض الله تعالى عليه الصلوات فمر بموسى عليه السلام فقال له: «مَا الَّذِي فَرَضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ »وموسى من أولي العزم من الرسل، وقد عالج قومًا قصَّ الله خبرهم وما لقي منهم في كتابه: قال:« قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً»، قال موسى: «فَرَاجِعْ رَبَّكَ»، موسي يشير على النبي –صلى الله عليه وسلم-، على محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه قال: «فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا»، يعني خمس وعشرين، قال:« فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ»، أي انتهت المراجعة بين الله –عز وجل-وبين رسوله –صلى الله عليه وسلم-محمد بن عبد الله حتى خمس فقال: «هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ» أي في الأجر والمثوبة «لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ».[صحيح البخاري:ح3342، ومسلم:ح162/259]
وهذا ما استقرت عليه الشريعة في فرض هذه الصلوات المكتوبات، فكانت خمسة في العدد؛ الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء، وهي خمس في الميزان أي في الثواب والأجر، الحسنة بعشر أمثالها، وذاك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.
فقوله: «هي خَمْسٌ» عددًا باعتبار الفعل «وهي خمسون» اعتدادًا باعتبار الثواب والأجر، وفضل الله تعالى الواسع، فنسأله المزيد من فضله.
فرض الله تعالى على رسوله الصلوات، واستقرَّ الفرض على خمس ركعات، يصليها المؤمن في اليوم والليلة، وقد صلى النبي –صلى الله عليه وسلم-هذه الصلوات، فأول ما صلى: صلاة الظهر، فهي أول الصلوات التي أمَّ جبريلُ فيها رسولَ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ولهذا تسمى الصلاة الأولى، كما جاء ذلك في حديث أبي برزة في صحيح الإمام البخاري قال: «كانَ يصلِّي الهَجيرَ الَّتي تدعونَها الأولى، حينَ تَدحَضُ الشَّمسُ»[صحيح البخاري:ح547] أي تميل، وهذه هي صلاة الظهر، ولذلك سمِّيت بالصلاة الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-ولشريف مقام الصلاة لم يوح إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-الصلاة قولًا، بل عُلِّمها فعلا في وقتها، وفي أفعالها، فصلى جبريل أشرفُ رسل الله من الملائكة بالنبي –صلى الله عليه وسلم- أشرفِ الرسل وأكرمهم صلوات الله وسلامه عليه من بني آدم، صلى به –صلى الله عليه وسلم-في مكة، أمَّ جبريلُ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم-فكان أول ما صلى به صلاة الظهر، كما قال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾[الإسراء: 78].
ثم إنه علمه الصلوات في ابتداء أوقاتها وانتهاء أوقاتها، وصفةَ فعلها، وقد أكَّد الله تعالى شأن الصلاة والمحافظة عليها، فقال: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة: 238]، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يعرف أن خير أعماله الصلاة، وأن رأس عمله الصلاة، فبقدر قيامه بها، ومحافظته عليها، وإتقانه لها يكون معه من صلاح قلبه، وصلاح دينه، وصلاح عمله ما يستقيم به معاشه ومعاده وتصلح به دنياه وآخرته.
فينبغي للمؤمن أن يجدَّ ويجتهد، ويحرص غاية الحرص على إقامة هذه الصلوات المكتوبات وإتقانها وأدائها على أكمل ما يستطيع، فقد جاء في شأنها من الأحاديث الدالة على فضلها، وعلى رفيع منزلتها، وعلى عظيم مكانتها عند الله –عز وجل-ما لم يأت في شأن عبادة من العبادات، أو طاعة من الطاعات. فالصلاة كما وصفها النبي –صلى الله عليه وسلم-بأنها عمود الإسلام، وعمود الشيء هو الذي يقوم عليه، فإذا انكسر العمود أو زال، زال الشيء.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ».[أخرجه الترمذي في سننه:ح2616، وقال: حسن صحيح]
والصلاة هي ركن من الأركان التي يبنى عليها الدين، ولذلك قال: «بُني الإسلامُ على خمسٍ، شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصيامِ رمضانَ»[صحيح البخاري:ح8، ومسلم:ح16/19] وهي أحب الأعمال إلى الله –عز وجل-، جاء ذلك في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: «سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: أيُّ الأعْمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها»[صحيح البخاري:ح527، ومسلم:ح85/139]، وقال –صلى الله عليه وسلم-: «واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصلاةُ»[سنن ابن ماجه:ح277، ومستدرك الحاكم(ح449)، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]من حديث ثوبان عند الحاكم بإسناد لا بأس به.
الصلاة يا إخواني هي الحال التي ليس مثلها حال في قرب العبد لربه، فــــ«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ»[صحيح البخاري:ح482/215]، والسجود جزء من صلاته، فالصلاة هي الباب والمفتاح التي يقترب به العبد من ربه، كما قال الله تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾[العلق: 19].
«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ»[صحيح البخاري:ح482/215]، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة، وهي مناجاة بين العبد وربه أن تتكلم في صلاتك، ولكن ثق أن هذا الكلام يسمعه الله ويجيبه.
ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»[صحيح مسلم:ح395/38] ولهذا ينبغي للإنسان أن يُتقنَ صلاتَه، وأن يحافظ عليها.
يا إخواني! الصلاة أهم الأعمال، هي أول ما سيحاسبنا الله تعالى عليه من العبادات بعد التوحيد، أن نخلص لله القول والعمل، ولا يكون في قلبنا محبةٌ ولا تعظيم ولا عبادة لغيره.
لا إله إلا الله حقِّقوها في أقوالكم وأعمالكم، ثم بعد ذلك أقيموا الصلاة فإنها مفتاح الجنة وهي طريق سعادة الدنيا والآخرة، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من صلَّى البَردينِ دخلَ الجنَّةَ»[صحيح البخاري:ح574، ومسلم:ح635/215] وقال: «ألا أدلُّكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفعُ به الدرجاتِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: إسباغ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكم الرِّباطُ»[صحيح مسلم:ح251/41] كل هذه الأعمال دائرة على الصلاة، الصلاة نور يضيء القلب، ويشرق به الفؤاد، ويستنير به الإنسان فيدرك الهدى، ومواقع الصلاح والفلاح في الدنيان، كما أنها نور له في الآخرةن يوم يسعى الناس بما يفتح الله تعالى عليهم من الأنوار في الظلمات، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الصلاة نورٌ» [صحيح مسلم:ح233] حافظوا عليها في أنفسكم، هذه الصلوات الخمس المكتوبات من حافظ عليها: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء كانت له نورًا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، أما من لم يحافظ عليها فيا خسارة، قد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة»[مسند أحمد: ح6576، وقال الهيثمي(المجمع:ح1611): رجاله ثقات].
الذي أضاع الصلاة من الإخوة والأخوات يبادر ويستعجل، باب التوبة مفتوح، ارجع إلى ربك، حافظ على صلاتك، وأمر أهلك بالصلاة: من زوجة وأخت وابن وبنت، وكل من تستطيع أمره بالصلاة، فإنه مما أمرك الله تعالى به في قوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾[طه: 132].
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضى به عنا، أن يعيننا على المحافظة عليها، وأن يعيذنا من إضاعتها، أو التفريط فيها، أو السهو، وأن يوفقنا إلى إقامتها في الغدوِّ والأصال، وفي العشي والإبكار، وفي كل الأحيان التي يرضى بها عنا جل في علاه، وأن يسددنا في القول والعمل، وأعوذ بالله من الزيغ والضلال، وأسأله بحسن الخاتمة إنه كريم منان.
المقدم: اللهم آمين، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك، وكتب الله أجرك، الله يعطيك العافية، جزاك الله خيرًا على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: وأنا أشكركم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يقر أعيننا برفع الوباء وصلاح حالنا، وأن يدفع عنا كلَّ كيد ومكر وأذى وفتنة وسائر بلاد المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.