×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3064

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة"، عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة. نحييكم أيها الكرام في بداية هذه الحلقة، وأنقل لكم تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج فهد الحربي، ومن استديو الهواء لؤي حلبي، باسمكم جميعًا مستمعينا الكرام نرحب بضيفنا وضيفكم الكريم في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم.

 فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياك الله.

الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي وائل، وأهلا وسهلًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول موضوع مهم مرتبط بحياة المسلم في هذه الحياة الدنيا، ومرتبط أيضًا بسبب وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا، موضوعنا في هذه الحلقة سنتحدث فيه عن "عبادة السر"، سنتحدث عن منزلتها في حياة المسلم، ومكانها، والثمرات أيضًا المتحصلة للإنسان في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة من عبادة السر.

لكن دعنا نبدأ حديثنا فضيلة الشيخ كمدخل لحديثنا في هذه الحلقة عن أهمية العبادة ومنزلتها في حياة الإنسان المسلم.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية للمستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى أن يستعملنا وإياكم فيما يحب ويرضى.

 أيها الإخوة والأخوات! أول نداء في القرآن وجهه الله تعالى إلى الناس وجهه إلى كافة البشر، إلى كل خلق الله من بني آدم، فما مضمون هذا النداء؟ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[البقرة: 21]، هذا النداء الإلهي لم يوجهه الله تعالى إلى فئة، ولا إلى موصوف من الناس من أهل الإيمان، أو الإسلام، أو غير ذلك، بل وجهه إلى الناس وهم الذين خوطبوا بهذا القرآن الحكيم، فكان أول نداء قرآني في الكتاب الحكيم هو نداء للناس.

وموضوع هذا النداء هو تحقيق العبودية لله –عز وجل-، قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[البقرة: 21]، وبعد أن أمر بعبادته بيَّن -جل في علاه- سببَ ذلك، وأنه لا يستحق العبادة سواه ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 21]، أي رجاء أن تحققوا ما أوصي الله تعالى به الأولين والآخرين بالتقوى، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساء: 131]، فالعبادة هي السبيل الذي من خلاله يأخذ المؤمن ويأخذ البشر جميعًا بتنفيذ ما أوصى الله تعالى به الناس جميعًا، أولهم وآخرهم، وهو تقواه –سبحانه وبحمده-.

العبادة منزلتها رفيعة وعالية، لم يبدأ الله تعالى في خطاب الناس بشيء غير هذا الأمر العظيم الذي به صلاح معاشهم وصلاح معادهم.

العبادة تصلح بها الدنيا وتصلح بها الآخرة، ولذلك لا يستغني الإنسان مهما أوتي من القدرات وتمكن من الملكات التي يتنعم فيها بما يتنعم فيها من الملذات الدنيوية، لا يمكن أن يحقق سعادة ولا صلاحًا لمعاشه، ولا صلاحًا لدنياه إلا بأن يكون له عبادة، عبادة الله –عز وجل-، لابد له من عبادة الله –عز وجل-؛ لأن ذلك هو الغاية والمقصود من الخلق، قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، ومعلوم أن أي اشتغال عن هذا المقصود هو تعطيل للحياة، أرأيت لو أن إنسانًا اشترى سيارة نقل سيارة ركاب، يتنقل بها فاستعملها في مزرعته حراثة، هل تأتي بالثمار المطلوبة، وتحقق النتيجة المؤمولة؟

الجواب: لا؛ لأن الحراثة لا يمكن أن يؤدي دورها سيارةٌ تستعمل للركاب، وكذلك العكس لو أنه استعمل حراثة للتنقل بين البلدان فإنه لن يصل إلى غرضه ومقصوده، بل ستتعكس حياته، ويتعطل معاشه؛ لأنه استعمل الشيء في غير ما خلق له.

نحن خلقنا ذكورًا وإناثًا، عربًا وعجمًا، أولنا وآخرنا، نحن خلقنا الله تعالى جميعًا لعبادته، فاشتغال الإنسان بغير هذا يعطل غاية الوجود، ويعطل بالإنسان أن ينال ما تطيب به حياته، وتستقيم به دنياه، والله تعالى يقول: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[النحل: 97]، فجعل الحياة الطيبة نتيجة وثمرة لأمرين:

 الإيمان وهو صلاح الباطن، والعمل الصالح الذي هو استقامة الظاهر قولًا وعملًا، وبهما تدرك الحياة الطيبة.

إذًا العبادة منزلتها رفيعة عالية لا يتحقق للناس سعادة في دنياهم، ولا يتحقق لهم طمأنينة إلا بأن يعبدوا الله تعالى وحده لا شريك له، أن يحققوا ويمتثلوا ما أمر الله تعالى به في ندائه للناس ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 21] وجميع الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من أولهم نوح -عليه السلام- إلى خاتمهم محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه على جميعهم، وعلى رسولنا أفضل صلاة وأتم تسليم- كلهم دعوا إلى عبادة الله وحده، موضوعهم هو أمر الناس بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له.

والنبي –صلى الله عليه وسلم-يقول بالعبارة الواضحة الصريحة، يقول: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[النمل: 91]، فبين أنه أمره الله تعالى بأن يعبده وحده لا شريك له، وأن يكون خاضعًا له، منقادًا لأمره، ذليلًا له –جل وعلا-؛ ولذلك كرر فقال: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[النمل: 91]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً[البقرة: 208]، وهذا من النداءات القرآنية التي جاءت في أوائل الكتاب الحكيم، أمر الله الناس جميعًا بأن يدخلوا في الإسلام والاستسلام له –جل وعلا-، ليحقق العبودية له –سبحانه وبحمده-.

إن العبودية حقيقتها ألا يعبد سوى الله -جل في علاه- أن يحقق المؤمن، أن يحقق الإنسان، أن يحقق البشر لا إله إلا الله، بأن لا يعبد سوى الله وحده لا شريك له، أعانا الله على ذلك ويسره لنا بفضله ومَنِّه.

المقدم: اللهم آمين، فضيلة الشيخ بعد الحديث عن أهمية العبادة في حياة الإنسان، وكيف يصلح بها حال الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وما خلق الله –عز وجل-الإنس والجن إلا لعبادته كما قال –تبارك وتعالى-في كتابه الكريم، نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن أنواع العبادة في حياة الإنسان، نريد أن نفصل فيها قليلًا، ومن ثم سننتقل لنقطة أخرى وهي أحب العبادات، لكن دعنا نتحدث قليلا بتفصيل عن أنواع العبادة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله –عز وجل-.

الشيخ: أيها الإخوة والأخوات! الجواب على هذا السؤال مهم لنعرف ما هي العبادة التي من أجلها خلقنا؟

العبادة التي من أجلها خلق الله تعالى الخلق هي أن يكون القلب خالصًا لله، معمورًا بمحبة الله، معمورًا بتعظيمه جل في علاه، فالعبادة تقوم على هذين الأصلين، غاية الحب لله –عز وجل-،نهاية الحب بألا يكون في قلبك أحب من الله –عز وجل-، وألا يكون في قلبك تعظيم أكثر من تعظيمك لربك، فتعظيم الله فوق كل تعظيم، والذل له فوق كل ذل جل في علاه.

ولذلك ابن القيم يختصر العبادة في أبيات جميلة فيقول:

               وعبادة الرحمن غاية حبه ( يعني نهاية الحب له –جل وعلا-)

                                          مع ذل عباده هما قطبان

يعني حب يقترن بالذل، حب يحمل الإنسان على الإقبال إلى الله –عز وجل-، والشوق يحقق بعبادة الله –عز وجل-نيل رضاه، وإدراك مرضاته جل في علاه، فيكون بذلك من الفائزين السابقين، جعلنا الله وإياكم منهم.

لكن ينبغي أن يعلم أن العبادة أنواع:

 منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو باطن، منها ما هو فرض، ومنها ما هو مستحب، وبالتالي يدرك الإنسان أن العبادات مراتب ودرجات، وليست على درجة واحدة، وأن العبادات تختلف زمانًا ومكانًا وحالًا؛ فإن لله حقًّا في النهار لا يقضى في الليل، وله حق –جل وعلا-في الليل لا يقضى في النهار، وله حق في الزمان قد لا يدرك في غيره، وحق في المكان قد لا يتمكن من أدائه في غيره، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعرف أن عمره كله هو موضع للتقرب إلى الله بما يحب، وإذا كان الإنسان قد جعل هذا في ذهنه، وملأ نفسه بهذه الرغبة الصادقة في ألا يخرج من الدنيا إلا وقد تزود بالتقوى، فما أمره الله –عز وجل-بقوله: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة: 197]، إنه إذا عمر قلبه أن هذا هدفه، وأن هذا ما يسعى إليه، فإنه لن يفوت فرصة تقربه إلى ربه، ينال بها رضا مولاه -جل في علاه إلا وسبق إليها، ولهذا قال الله تعالى في تقسيم الناس: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ[الواقعة: 10-11]، اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنك يا ذا الجلال والإكرام.

 ثم يأتي بعد ذلك ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ[الواقعة: 27] نسأل الله من فضله.

أما أولئك الذين انصرفوا عن هاتين المرتبتين وعمَّرت الدنيا قلوبهم، وانصرفوا إلى ملذاتها وشهواتها، وعطلوا ما من أجله خلقوا، فلم يحققوا عبودية لله في قلوبهم، ولم يحققوا عبودية لله تعالى في جوارحهم، ولم يرعوا حق الله تعالى في ألسنتهم وأقوالهم، فهؤلاء ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ[الواقعة: 41] أجارنا الله تعالى وإياكم من عملهم ومن مآلهم.

المقدم: فضيلة الشيخ! اسمح لي أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده -بمشيئة الله تعالى- سنتحدث عن أحب العبادات إلى الله –تبارك وتعالى-، ومن ثم سندلف إلى موضوعنا الرئيس وعنواننا الرئيس في هذه الحلقة حول عبادة السر، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل بعده نكمل الحديث ابقوا معنا.

نجدد الترحيب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، أهلا وسهلا فضيلة الشيخ مجددًا، حياك الله.

الشيخ: حياكم الله، مرحبا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات حياكم الله.

المقدم: أهلا وسهلا فضيلة الشيخ قبل أن نتحدث عن منزلة عبادة السرموضوعنا الرئيس في هذه الحلقة دعنا نتحدث فضيلة الشيخ عن أحب العبادات إلى الله –تبارك وتعالى-، ما هي أحب العبادات إلى الله –عز وجل-؟

الشيخ: فيما يتعلق بأحب العبادات إلى الله تعالى، الله تعالى يحب كل طاعة كل ما أمر الله تعالى به من الواجبات والمستحبات، فهو محبوب له –جل وعلا-، يحبه بما فيه من الخير العظيم الذي يعود على الإنسان في دنياه وفي آخرته، العبادات هي لنا نحن ننتفع منها في المعاش والمعاد، في الدنيا والآخرة، الله غني عنا وعن عباداتنا ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا[الإسراء: 15] يحبها –جل وعلا-؛ لأنها عظيمة النفع لنا، وأحب الأعمال إلى الله ما افترضته علينا.

ولذلك هذا في الجملة في العموم أحب الأعمال إلى الله –عز وجل-هو ما فرضه الله تعالى علينا، ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «يقول الله تعالى في الحديث الإلهي:مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ» ثم ذكر الله –عز وجل-في هذا الحديث الإلهي الطريق الذي تنال به الولاية، ولاية الله للعبد أي محبة الله، ونصرته لعبده اللهم اجعلنا من أوليائك.

قال –سبحانه وبحمده-: «وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه»[صحيح البخاري:ح6502] أعظم شيء في محبوبات الله –عز وجل-هو ما فرضه علينا، وأعظم ما فرض الله تعالى على عباده توحيده، والإخلاص له، وإفراده بالعبادة، وألا نجعل له ندًّا ولا نظيرًا ولا كفءً ولا سميًّا ولا شريكًا في شيء مما يختص به –سبحانه وبحمده-، هذا رأس العبادات، ولذلك «رأس الأمر الإسلام»[سنن الترمذي:2616، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-.

 والمقصود بالإسلام: الإخلاص لله، والاستسلام له، والخلوص من الشرك، ثم بعد ذلك الفرائض التي فرضها في أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم بعد ذلك سائر الفرائض والأعمال الصالحة من بر الوالدين، وأداء الأمانات، وصلة الأرحام، وغير ذلك مما فرضه الله تعالى عليه.

وقد جاء النص على بعض الأعمال عندما سُئل النبي –صلى الله عليه وسلم-عن أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال –صلى الله عليه وسلم-:«الصلاة على وقتها»، وهذا فيما يتعلق بالأعمال المتصلة بحق الله على عبده، الحق المباشر بين العبد وربه أفضل وأعلى ما يكون الصلاة، أما فيما يتعلق بحقوق الخلق قال بعد حقوق النبيين -صلوات الله وسلامه عليهم- قال: ثم أيّ؟ عبد الله بن مسعود يسأل النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: ثم أي؟ قال: «ثم برُّ الوالدين»[صحيح البخاري:ح527]أعلى ما يكون من القربات والأعمال وأحبها إلى الله فيما يتعلق بحقوق الخلق.

فبر الوالدين منزلته عالية ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-هذين العملين لسموِّهما وعلوِّهما، ومن حرص عليهما فإنه على ما سواهما أحرص، فمن حافظ على الصلوات حافظ على بقية حقوق الله –عز وجل-، ومن حفظ حق والديه كان محافظًا لسائر الحقوق الأخرى، ومن أضاع حق والديه أضاع حقوق الخلق، ومن أضاع الصلاة أضاع سائر الحقوق التي لله –عز وجل-، فأحب الأعمال إلى الله في الجملة هو ما أفاضه علينا جل في علاه.

في كل باب من أبواب العبادات والطاعات وأجناس القربات، ثم بعد الفرائض والواجبات تأتي منزلة النوافل والمستحبات والتطوعات، ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-فيما يرويه عن الله –عز وجل-في الحديث الإلهي قال: «وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ»[صحيح البخاري:ح6502]  يعني بعد الطاعات يسابق الناس في النوافل في أبوابها المتنوعة وصنوفها المختلفة حتى ينال بذلك بعد قيامه ومسابقته في الواجبات، وفي المستحبات، والتزود إلى الله –عز وجل-بالطاعات ينال محبة الله –عز وجل-«حتى أُحِبَّه»، وإذا أحبه الله نال ولايته –عز وجل-، نال نصرته وقربه وتأييده ونصره،  وليس هذا فقط في مسائل الآخرة، بل حتى في الدنيا يكون الله لك كما تحب إذا كنت له كما يحب جل في علاه.

فينبغي للمؤمن أن يدرك أنه ينال بالعبادة والطاعة والقربة شيئًا عظيمًا من الانشراح والبهجة والسعادة والطمأنينة وسائر ما يكون من الانشراح النفسي ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ[الأنعام: 125]، والنبي –صلى الله عليه وسلم-أعبد الخلق لربه، يقول له –جل وعلا-: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[الشرح: 1]، قد شرحنا لك صدرك ما هو السبب في هذا العطاء في آخر السورة يقول: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ[الشرح: 7-8] هذا هو الطريق الذي يُنال به الانشراح، الاشتغال بطاعة الله –عز وجل-، وعندما تفهم أن الطاعة لا تقتصر على نمط من العبادة، وصورة من العبادة، أداء الأمانات عبادة، إكرام الضيف عبادة، صلة الأرحام عبادة، إتقان العمل والوظيفة عبادة، حفظ المال العام عبادة، طاعة ولاة الأمور عبادة، وهلم جرًّا.

عندما تدرك أن العبادة لا تنحصر فقط في صلاة، وفي زكاة، وفي أعمال تشغل جزءًا من يومك فتجد أنك تشتغل بطاعة الله في كل ما تأتي وتذر، ومعاذ بن جبل يقول: "إني احتسب نومتي كما احتسب قومتي"[صحيح البخاري:4344]، حتى الأكل إذا أكله الإنسان مستعينًا به على طاعة الله –عز وجل-كان طائعًا لربه –عز وجل-.

ولذلك لا تعجب أن الله تعالى أمر عباده بالأكل، أمر عباده بأن يأكلوا ﴿كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ﴾ لكن﴿وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ[المؤمنون:51]،فإذا أكلت بنية العمل الصالح كنت مأجورًا، كان أكله طاعة لله –عز وجل-، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يدرك هذا المفهوم الواسع للعبادة حتى يبلغ الاحتساب في كل ما يأتيه، في معاملتك لأهلك، النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا»، كل ما تنفق فلس، درهم، دينار، ريال، هللة كل ما تخرجه وتحتسب الأجر فيه عند الله –عز وجل-، فإنك ستؤجر عليه حتى في الأمور العادية، نفقة الإنسان على زوجته، على بيته، على أولاده يؤجر عليه، وينال بذلك أجرًا، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «حتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ»[صحيح البخاري:ح56] يعني حتى الأكلة التي تضعها في فم امرأتك إذا احتسبتها عند الله –عز وجل-أُجِرت عليها.

وبذلك نفهم أن العبادة مفهوم واسع يشمل كل تصرفات الإنسان، ولذلك الكيِّس الفطن العاقل الرشيد هو الذي يستحضر النية الطيبة، ويستثمر كل عمره فيما يقربه إلى ربه، تتنامى الحسنات وتتضاعف من الله –عز وجل-بالنيات الصالحات، والمقاصد الطيبات، والأعمال المباركات.

فنسأل الله أن يعيننا على طاعته، أحب الأعمال إلى الله ما فرضه علينا، ثم بعد ذلك ما يكون من سائر القربات والطاعات، وأعلى ما يكون من العمل المحبوب لله –عز وجل-: التوحيد، ولهذا كانت "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة، فنسأل الله أن يحيينا عليها، وأن يميتنا عليها على الوجه الذي يرضى به عنا –سبحانه وبحمده-.

المقدم: فضيلة الشيخ! كنت أريد أن أسألك قبل أن ننتقل إلى عبادة السر في قضية الأعمال التي يعملها الإنسان على شكل عادات، هل يلزم أن يستحضر النية في كل عمل يعمله حتى يثاب من الله –تبارك وتعالى-على أعماله الروتينية؟

الشيخ: نعم، هو فيما يتعلق بالنية العبادات لا يتفاوت أجرها بالنية، العادات إذا اقترنت بها النيات الصالحات كانت أجرًا وثوابًا، لكن إذا كان العمل العادي يتعدى نفعه إلى الغير، فإنه يؤجر عنه الإنسان ولو لم ينو، فمثلا إنسان يعني من تلقاء نفسه يعني يبتسم للناس هكذا طبيعته يعني ما يستحضر أن تبسمك في وجه أخيك صدقة، لكن هو من عادته هكذا، هذا يؤجر بما أن هذا نفع متعدي يدخل به السرور على الناس، لكن إذا نوى العمل الصالح، نوى القربة إلى الله تعالى بذلك كان الأجر مضاعفًا، ودليل ذلك يقول الله تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 114]، وصفه الله بالخير دون أن يذكر النية، فلما ذكر النية وهي نية التقرب إلى الله تعالى بذلك، ذكر أن هذا مما يفتح للإنسان الباب الواسع في الأجر العظيم.

فالعادات والأعمال الروتينية والأمور العادية عندما يستحضر فيها الإنسان النية، فإنه يؤجر على ذلك.

المقدم: جميل، فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرًا، لكن نريد أن نتحدث عن موضوعنا الرئيسي في هذه الحلقة، وهو جزء من حديثنا عن العبادة، هذا الأمر العظيم الذي أوجبه الله –تبارك وتعالى-على عباده، نريد أن نتحدث عن عبادة السر، تحديدًا عن منزلة عبادة السر.

 أولًا: ماذا نقصد بعبادة السر؟ ومن ثم نتحدث عن منزلتها ومكانتها أيضًا.

الشيخ: عبادة السر هي عبادة الباطن، عبادة الخفاء، فعبادة القلب من عبادة السر، القلب لا يطلع عليه سوى الله –عز وجل-، هناك من الأعمال ما لا يطلع عليها إلا الله –عز وجل-، ولا يعلم بها إلا هو -جل في علاه-، فعبادة السر هي العمل الخفي، كل طاعة وعبادة بينك وبين الله لا يطلع عليها غيره فهو من عبادة السر.

وما عداه من العبادات هو من العبادات الظاهرة، مثال ذلك: الصلاة في المساجد في الجماعات هو من العبادات الظاهرة، صلاتك في جوف الليل في بيتك هو من عبادة السر.

ما يتعلق بالإنفاق في سبيل الله، إظهارك النفقة بين الناس عبادة علن وظهور، إخفاؤك الإنفاق في سبيل الله، فتنفق حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، هذا من عبادة السر، فعبادة السر هي العبادة والطاعة التي لا يطلع عليها سوى الله تعالى.

والعبادات نوعان؛ منها ما طبيعته سر لا يظهر، فعبادة القلوب بالتوكل على الله، والإنابة إليه، ومحبته وخوفه وتعظيمه والشوق إليه هذه عبادات قلبية، ما يطلع عليها إلا الذي يعلم ما في السر، يعلم السر وأخفى، الذي يطلع على مكنونات الضمائر وما تخفيه الصدور، هذه كلها عبادات سر، ما يعرفها إلا الله –عز وجل-، ما يعلمها إلا الله –عز وجل-.

ومن العبادات أيضًا وهو عملي ما لا يكون مطلعًا عليه أحد ولا يعلمه إلا الله –عز وجل-مثال: الصوم من عبادات السر التي هي في أركان الإسلام، فإن الصوم عبادة لا يعلم بها الخلق، ولا يعلمها إلا الله –عز وجل-،غير صوم رمضان وظهور الإنسان بأنه صائم.

أنا الآن أحدثك ولا أعلم أنت صائم أو لا، ولو كنت أمامي وجالسًا وأجاهدك، لا أعلم أنت صائم أو لا، قد تكون ممتنعًا عن الطعام والشراب كل اليوم ولست صائمًا، قد تكون صائمًا ويقع منك أكل وشرب نسيانًا، ومع ذلك أنت صائم، فالصوم عبادة سر بين العبد وربه.

ولهذا قال الله –عز وجل-في الحديث الإلهي «الصَّومُ لي وأنا أجزي بِهِ»، فعبادات السر هي كل العبادات التي لا يطلع عليها إلا الله، والعبادات كما ذكرت نوعان:

 منها ما يكون سرًّا وخفيًّا، منها ما هو ظاهر يراه الناس ويعلمون به ويشاهدونه، ومنه ما يكون خفيًّا كصلاة الإنسان الجمعة في المسجد، وصلاته في الليل في بيته لا يعلم بها إلا الله تلك عبادة علن، وهذه عبادة سر.

ومن العبادات ما لا يكون إلا سرًّا، وهو ما يكون بين العبد وربه، لا يعلم به سواه في المقاصد والنيات، فإنه لا يطلع عليها إلا الله –عز وجل-، وكذلك الصوم، وكذلك ما يتعلق بأعمال القلوب من الخوف والرجاء والمحبة والتعظيم، هذه أعمال قلبية لا يعلمها إلا الله –عز وجل-، وبه نعرف أن الأعمال تنقسم إلى قسمين:

 كل ما كان خفيًّا لا يُعلم به هو من أعمال السر، وكل ما كان علنًا ويظهر فهو من الأعمال الظاهرة، من أعمال العلن.

المقدم: فضيلة الشيخ بعد حديثنا عن عبادة السر نريد أن نجمل حديثنا في قضية المنزلة ومكانتها في دين الإسلام، ومن ثم سنتحدث عن الثمرات في آخر محور من حديثنا في هذه الحلقة عن عبادة السر.

الشيخ: فيما يتعلق بعبادة السر، عبادة السر لها منزلة رفيعة لماذا؟ لأنها علامة الإخلاص، لأنها دليل صدق الإيمان، لأنها البرهان الذي يُعلم به صدق ورغبة الإنسان فيما عند الله –عز وجل-الله –عز وجل-، فضل عبادة السر في مواضع أشارت إلى عظيم رفعة منزلة عبادة السر.

فأول ما ذكر الله من صفات أهل الإيمان، الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب يقتضي خشية الله تعالى في الغيب، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ[فاطر: 18]، فمنزلة عبادة السر رفيعة؛ لأنها تتعلق بصدق الرغبة فيما عند الله –عز وجل-، والله –عز وجل-ذكر الصدقات وهي مما يظهر ويخفى، قال: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ[البقرة: 271]، يعني تظهروها ويراها الناس ويشاهدونها، قال: ﴿فَنِعِمَّا هِيَ[البقرة: 271]، أثنى عليها -جل في علاه- وأوجب لها مدحًا، قال: ﴿فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا[البقرة: 271]، هذه الحالة الثانية ﴿تُخْفُوهَا﴾ يعني لا تظهر، ولا تُرى، ولا تشاهد، ولا يعلم بها أحد، والإخفاء درجات ومراتب ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[البقرة: 271]، أي وهو أعلى منزلة، فقوله: ﴿فَهُوَ خَيْر﴾صيغة تفعيل حذفت منها الهمز لكثرة الاستعمال، وأصلها فهو أخير لكم.

أخير، أفضل، أعلى، أحسن من إبداء الصدقات، وهذا يبين عظيم الأجر في موازنة ما كان خفيًّا من العمل وما كان معلنًا، فكلما كان العمل أخفى كان أخير وأفضل وأحب إلى الله –عز وجل-، هذا هو الأصل ألا أن يكون هناك موجب أو سبب للإظهار يجعل إظهاره أرجح من إخفائه.

وهذا فيما يتأتى إخفاؤه وإظهاره من الأعمال، لأنه من الأعمال ما لا يمكن إخفاؤه، فالإنسان يشهد صلاة الجماعة مثلا، ولا يستطيع أن يخفيها ولا يتمكن من إخفائها، إخفاء العمل عند مباشرته.

أما الصدقة فقد يظهرها وقد يخفيها، فالأصل فيما يمكن إخفاؤه وإظهاره أن إخفاء العمل أعلى درجة وأفضل من إبدائه.

ولهذا بين النبي –صلى الله عليه وسلم-فضل من جدَّ في إخفاء عمله وبالغ في الإخفاء، فقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث أبي هريرة في الصحيحين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله نسأل الله أن نكون منهم قال –صلى الله عليه وسلم-في عد هؤلاء «رجُلٍ تَصدَّقَ بصَدَقةٍ فأخْفاها»، «تصدَّق»هذا عمل صالح «فأخفاها»هذا عمل صالح آخر، الصدقة في ذاتها ولو كانت معلنة هي صالح من العمل ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ[البقرة: 271] لكن أخفاها كان هذا عملًا صالحًا آخر يبلغه منزلة عالية، ولذلك الآن هو نال هذه المنزلة الرفيعة بأن كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ستر عمله، ذكر الإخفاء، تصدق بصدقة فأخفاها، ثم انظر إلى المبالغة في الإخفاء والسعي في ألا يظهر العمل ليتحقق الإخلاص قال: «فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».[صحيح البخاري:ح660]

يعني يستر صدقته عن بعض بدنه، فيخفي عن يديه الشمال ما أنفقته يديه اليمنى، وهذا في المبالغة في طلب عدم ظهور العمل، هذا عمل من الأعمال التي توجب الفوز بهذا الأجر العظيم «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، عمل آخر قال: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»[سبق] هذا أيضًا كان سبب بلوغه هذه المنزلة، ليس فقط ذكر الله فذكر الله يكون في الإعلان ويكون في الخفاء.

الآذان من ذكر الله، تلاوة القرآن في الصلوات الجهرية من ذكر الله، الخطبة من ذكر الله﴿فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ[الجمعة:9]، لكن هنا ذكر الله على وجه خفي، «ورجل ذكر الله خاليًا»، ما يرجو من هذا الذكر نفعًا، ولا مصلحة، ولا ثناء، ولا تمجيدًا، ولا مدحًا ولا شيئًا مما يرجوه الناس بظهور العمل «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»إجلالًا لله، وشوقًا له، وتعظيمًا ومحبة له –سبحانه وبحمده-، نسأل الله من فضله.

هذا ثاني عمل ذكره وهو مما يتصل بإخفاء العمل، ثالث عمل ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-في أعمال هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: «ورجل قلبه مُعلَّقٌ بالمساجد»[سبق]وهذا هل يظهر؟ هل قال رجل ساكن في المسجد؟ إنما قال:«رجل قلبه معلق في المساجد»وما في القلب لا يطلع عليه إلا ربُّ الأرباب جل في علاه، هذا عمل قلبي يوجد هذا الفضل من الله –عز وجل-.

العمل الرابع في هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله»[سبق تخريجه]، فترك الوزر والإثم مع تيسر أسبابه وقرب حصوله لأمر في قلبه وهو خوف الله –عز وجل-.

والخامس من الأعمال التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم-مما يوجب هذا الفضل العظيم «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»قال: «ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه»[سبق تخريجه]وهذا أيضًا من العمل الخفي؛ فإن الحب في الله محله القلب، الحب محله القلب فإذا كان لله لا لمصلحة من مصالح الدنيا، ولا لأنس أو أُلفة إنما لله، وهذا يقع بين الرجلين سواء في الحياة أو في الممات، يعني نحن نحب أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-لا يربطنا بهم قرابة، ولا يربطنا بهم نسب، ولكن نحبهم لما علمناه من أحوالهم التي كانوا عليها في طاعة الله ونصرة رسوله –صلى الله عليه وسلم-؛ أحببناهم لذلك.

فلا يلزم فيما يتعلق بحب الله أن يكون من أحياء، وإن كانت الصورة المذكورة ظاهرها في التحاب من الأحياء الذين يدرك بعضهم بعضا «ورجلان تحابَّا في الله»، فكان حبًّا متبادَلًا «اجتمعا عليه وتفرقا عليه».

والمقصود أن عمل السر يتبوأ منزلة عالية، مكانة رفيعة يدركها كل من طالع ما جاء في الكتاب والسنة، والنبي –صلى الله عليه وسلم-يقول في حديث عقبة بن عامر: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة»، الجاهر بالقرآن يعني الذي يقرأ بصوت مسموع سواء مرتفع أو منخفض لكنه يسمع «كالجاهر بالصدقة»كالمظهر لها، «والمُسِرُّ بالقرآن»يعني الذي يقرأ القرآن مُخافَتَةً إسرار، سواء الإسرار يعني ينعزل عن غيره فلا يراه أحد، أو أنه إذا قرأ بين الناس قرأ بينه وبين نفسه بحيث لا يجهر بالقراءة قال: «كالمُسِرِّ بالصدقة»[سنن الترمذي:ح2919، وحسنه]يعني فضل الإسرار بالقرآن كفضل الإسرار بالصدقة، فإن معنى الحديث أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بقراءة القرآن؛ لأن صدقة السر أفضل عند الله –عز وجل-من صدقة العلانية، كما قال تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[البقرة: 271].

المقدم: فضيلة الشيخ بودي أن نختم حديثنا، لم يتبق أمامنا وقت طويل عن ثمرات عبادة السر، ما هي الثمرات التي يتحصلها المسلم في هذه الحياة الدنيا، ويرتفع أجره، ويعظم أجره عند الله –تبارك وتعالى-في الآخرة؟ في دقيقتين لو تكرمت فضيلة الشيخ.

الشيخ: أعظم ما يدركه الإنسان بعبادة السر صلاحُ قلبه، فإن عبادة السر من أعظم ما تصلح به القلوب وتطيب وتزكو وتطمئن فإن عبادة السر لها أثر بالغ في إصلاح القلب، فمن وجد في قلبه فسادًا فليبادر إلى العبادة في الخفاء، العبادة في السر، فسيجد لها من اللذة وإصلاح القلب ما لا يجده في أعمال الظاهرة.

 من فوائد ومنافع وثمار أعمال السر: أن الإنسان في عمله بالصالح في السر يدرك الأجر المضاعف، العمل له أجر ويعظم أجره بكونه بين العبد وربه، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في الحديث الإلهي الذي يرويه عن الله –عز وجل-:«الصوم لي وأنا أجزي به»[صحيح البخاري:ح7492]، ولذلك العلماء يقولون: إن الله –عز وجل-لم يحدد للصوم أجرًا، بل أجره جاز قانون التقدير والحساب، حيث قال: «الصوم لي وأنا أجزي به».

أعمال الخفى وأعمال الخلوات والخبايا الطيبة التي تكون بين العبد وربه يكون فيها الإنسان قد مهد لنفسه خاتمة حسنة؛ فإن الخواتم الحسنة ثمار الأعمال الصادقة والصالحة على وجه العموم، والخفية على وجه الخصوص، وأعمال الخلوات توجب الثبات ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم: 27].

أعمال الخفاء والعبادة في الخلاء والخلوة هي مما يرفع الله تعالى به الإنسان مقامات، يقول ابن القيم: فمن أصلح سريرته فلاح عبير فضله وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر.

المقدم: نسأل الله –عز وجل-أن يصلح قلوبنا وأعمالنا إنه جواد كريم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك، وكتب الله أجرك، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: وأنا أشكركم، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من أهل خشيته في الغيب والشهادة، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسدد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى كل خير، وأن يسددهم، وأن يعينهم، وأن يجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيرًا، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر، وأن يدفع عنا المعتدين، وأن ينصر جنودنا المرابطين، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف