×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فنقل الإمام النووي رحمه الله في باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم من كتاب رياض الصالحين:

عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟» كررها ثلاثا صلى الله وسلامه عليه قلنا: بلى، يا رسول الله، قال : «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» ، وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» فما زال يكررها «ألا وقول الزور وشهادة الزور» حتى قلنا: ليته سكت.متفق عليه.+++البخاري (2654)، ومسلم (87)---

هذا الحديث ضمن باب العقوق وقطيعة الرحم، والعقوق وقطيعة الرحم يشتركان في معنى وهو قطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل، فالعقوق في اللغة مأخوذ من الشق والقطع والبتر والقطيعة كذلك هي مأخوذة من القطع وهو عدم الوصل، فالعقوق وقطيعة الرحم يشتركان في معنى وهو قطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل.

وجاء فيهما من الوعيد والتحذير ما ينفر منهما ويبين عظيم خطرهما، فالله تعالى يقول في كتابه: ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (22) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم+++[محمد:22-23]---

فجعل الله تعالى عقوبتين مرتبتين على ما تقدم من فساد ومنه قطيعة الرحم، وهما معجلة ومؤجلة، أما المعجلة قال الله تعالى : ﴿أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أصمهم وأعمى أبصارهم أي منع عنهم ما ينتفعون به في أسماعهم وأبصارهم من الفهم والبصيرة، وأما العقوبة الأخروية فالعذاب الذي رتبه الله تعالى في قوله تعالى : ﴿أولئك الذين لعنهم الله واللعن هو الطرد من رحمة الله.

فالعقوق والقطيعة من عظائم الإثم وكبائر الذنوب، وهذا الحديث حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟»يعني ألا أخبركم بأكبر الكبائر، الكبائر جمع كبيرة وهي الذنب العظيم، والذنوب تنقسم إلى قسمين: كما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء الأمة من السلف، فإنهم ذكروا أن الذنوب تنقسم إلى قسمين، المعاصي تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر، أما الكبائر فهي كل ذنب عظيم سماه الله ورسوله كبيرة أو رتب عليه حدا وعقوبة دنيوية أو رتب عليه عقوبة أخروية من لعن أو طرد من رحمة الله أو براءة أو وعيد بالنار أو نحو ذلك من العقوبات أو غلظه وشدد فيه وعظم شأنه.

هذا أجود ما يقال في بيان ما هو حد الكبيرة، ما ضابط الكبيرة، فالكبيرة هي كل ذنب وصفه الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم أو كبير، وكذلك كل ذنب جاء فيه حد شرعي، وأيضا كل ذنب ذكرت فيه عقوبة أخروية منصوصة إما بلعن أو نار أو حرمان جنة، أو غير ذلك من أنواع العقوبات الأخروية، أو أن الشارع عظم شأنه وبين خطره وغلظ القول فيه.

هذا أقرب ما يقال في حد الكبيرة، وما عدا هذا فهو من الصغائر.

والواجب على المؤمن أن يجتنب كل صغير وكبير، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ذكر أن الكبائر ليست على درجة واحدة فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟»يعني بأعلاها وأعظمها كبرا عند الله عز وجل وبالتالي أعظمها، وكذلك تكون عقوبتها عظيمة أعظم من غيرها.

وتكرار النبي صلى الله عليه وسلم لهذا التحذير أو لهذا العرض في قوله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟» هو للفت الأنظار وشحذ الهمم لسماع ما قاله صلى الله عليه وسلم أو ما سيقوله وما سيبينه قال الصحابة: بلى يا رسول الله، وذلك لحرصهم على معرفة ما يدفعون به عن أنفسهم السوء والشر وليجتنبوا تلك الكبائر العظيمة الكبيرة.

فعد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاثة أمور قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وقول الزور وشهادة الزور»، أما الإشراك بالله، فهو أعظم ذنب وأعظم ظلم يقع من الإنسان، والمقصود بالشرك هنا جميع ما يكون من الكفر بالله عز وجل فإن جميع الكفر بصوره وأسبابه وألوانه وأنواعه ذنب عظيم يوجب الهلاك إذ أن المؤمن يجب عليه أن يخلص من كل خصال الكفر، فإنها مفضية إلى الهلاك.

وذكر الشرك على وجه الخصوص من صور الكفر؛ لكونه السائد في عصره صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك جماعة من شراح الحديث، ولكونه من أغلظ صور الكفر أيضا، فإن تسوية غير الله بالله من أعظم الظلم كما قال تعالى : ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾+++[لقمان:13]---.

ثم الإشراك بالله دائر على معنى وهو تسوية غير الله بالله، كل من سوى غير الله بالله في شيء من الأشياء فقد أشرك به جل وعلا سواء في ربوبيته، أو في أسمائه وصفاته أو فيما يجب له من العبودية وهو توحيد الإلهية.

وقوله صلى الله عليه وسلم : «وعقوق الوالدين» هذا هو الشاهد من الحديث أي قطع ما يجب لهما من الإحسان، هذا أجود ما يقال في معنى عقوق الوالدين، قطع ما يجب لهما من الإحسان؛ لأن الله تعالى أمر في الوالدين بالإحسان قال تعالى :﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا+++[الإسراء:23]---، وقال تعالى :﴿ووصينا الإنسان بوالديه حسنا+++[العنكبوت:8]---، وفي آية أخرى قال:﴿ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا+++[الأحقاف:15]---.

 فحق الوالد الإحسان، فإذا قطع هذا الإحسان فقد وقع في العقوق، والعقوق مراتب ودرجات يجمعها هو قطع ما يكون من الإحسان، ويزيد العقوق سوءا وشرا إذا أضاف إلى قطع الإحسان الإساءة سواء كانت الإساءة بقول أو كانت الإساءة بعمل، فمن الإساءة بقول ما نهى الله تعالى عنه في قوله: ﴿فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما+++[الإسراء:23]--- فكل من ترك القول الكريم فقد وقع في العقوق، فإذا نزل إلى الإساءة بالقول ولو بأف كان ذلك من العقوق الذي يجب على المؤمن أن يجتنبه وأن يحذر منه.

وأما الفعل: فإن الفعل يكون بترك ما يجب للوالدين من الإحسان العملي سواء بالقيام عليهما، بقضاء حوائجهما وما إلى ذلك مما يكون من الإحسان إليهما، وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن العقوق وصوره متعددة كثيرة متنوعة إلى حد أنها لا يمكن أن يجمعها ضابط.

والذي يظهر والله تعالى أعلم أن قطع الإحسان عقوق؛ لأنه قطع ما يجب لهما، والعقوق مراتب ودرجات ودركات وإذا أضاف إلى قطع العقوق من الإحسان ما يكون من الإساءة إليهما كان في ذلك من الوزر والإثم ما يناسب فعله.

 وآخر ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي وصفها بأكبر الكبائر قول الزور قال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور»وهذا بيان لمعنى القول فهو من باب عطف الشيء الخاص على العام، قول الزور يشمل كل قول باطل؛ لكن لما قال: «وشهادة الزور»علم أنه يريد من قول الزور شيئا بعينه، وهو شهادة الزور، وشهادة الزور هي الشهادة بالباطل سواء كانت في إثبات حق أو في نفيه، سواء كانت في حق مالي أو في غيره من الحقوق، فكل من شهد بما لا يعلم فقد شهد شهادة زور، فكيف إذا شهد بخلاف ما يعلم.

فشهادة الزور على مرتبتين: أن تشهد بما لا تعلم، فإن شهدت بما تعلم أن الحق نقيضه كان ذلك أعظم زورا وأشد سوءا ووبالا، وقد كرر النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من شهادة الزور في قوله: «ألا وقول الزور وشهادة الزور»حتى قال الصحابة: ليته سكت إشفاقا عليه صلى الله عليه وسلم لما وجدوا من انفعاله وشدة عنايته بالتحذير من هذا حيث كان متكئا فجلس، ثم كرر هذه الجملة مرات تلو مرات؛ ليؤكد خطورة شهادة الزور ويبين عظيم شؤم التورط فيها كان ذلك كافيا في بيان خطورتها وعظم شأنها.

هذا الحديث وصف هذه الأعمال الثلاثة بأنها أكبر الكبائر ولا شك أن الشرك متبوئ هذه المنزلة، فهو أكبر ذنب يعصى به الله عز وجل إلا أن ثمة إشكال أورده بعض أهل العلم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في غير هذا الحديث بترتيب مختلف عن هذا الذي ذكره صلى الله عليه وسلم في قوله:«الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» «ألا وقول الزور وشهادة الزور» حيث ذكر صلى الله عليه وسلم لما سأله ابن عباس رضي الله عنهما : أي الذنب أعظم قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» وهذا هو الإشراك بالله، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، وهذا لا شك أنه من كبير الذنوب وعظيمها، لكنه مختلف عن عقوق الوالدين وهو أعظم من عقوق الوالدين، فالقتل جرم أعظم من عقوق الوالدين.

ثم قلت: أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك»+++صحيح البخاري (4477), وصحيح مسلم (86)--- وهذا أعظم من شهادة الزور، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن قوله صلى الله عليه وسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟»أي من أكبر الكبائر، وليس ذلك على وجه الحصر، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقى من الكبائر العظيمة الكبيرة ما يحتاج إلى التحذير منه في مناسبات مختلفة بالنظر إما إلى اختلاف الزمان أو اختلاف المكان أو اختلاف السامعين، وتشترك هذه الذنوب في أنها من أكبر الكبائر وأعظم الإثم، وأما تفاوتها إذا جمعت فهي تنزل حسب ما يكون من المفسدة المرتبة عليها مما دلت عليه النصوص.

وبالتالي لا تعارض بين هذه الأحاديث من حيث اختلاف ترتيب الكبائر فيها.

هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:

من فوائده: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على لفت انتباه السامعين؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم كرر الجملة ثلاثا في أول الحديث، وأعاد التكرار في آخره في شهادة الزور وفيه من الفوائد: أن الكبائر تنقسم إلى قسمين:-كبائر وأكبر الكبائر.

وثمة قسم آخر للمعاصي، وهو الصغائر وقد عرفنا الفرق بين الكبائر والصغائر.

وفيه من الفوائد: أن أعظم الذنوب عند الله عز وجل الشرك به جل في علاه فالشرك به جل في علاه تسوية غير الله بالله من أعظم ما يكون من الذنوب والخطايا.

وفيه من الفوائد أيضا: خطورة عقوق الوالدين، وأن الإخلال بحق الوالدين ذنب عظيم كبير كما قرن الله عز وجل حق الوالدين بحقه في قوله: ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا+++[الإسراء:23]---، قرن الإساءة إلى الوالدين بالقطيعة والعقوق بالإساءة إليه جل في علاه وذلك بالشرك والكفر، وتسوية غيره به سبحانه وبحمده.

وفيه من الفوائد: خطورة قول الزور وشهادة الزور، ولقائل يقول: لماذا كرر شهادة الزور مع أن ما تقدم أعظم خطورة منها؟

الجواب: أن كثرة الوقوع في شهادة الزور توجب التحذير؛ ولأنه قد يتساهل بها بخلاف ما تقدم من الإشراك بالله وعقوق الوالدين، فخطرهما وعظيم وزرهما كبير في نفوس الناس لمنافته للفطر والطبائع، فالفطرة تنفر من الشرك بالله وتسوية غيره به والطبائع تنفر من عقوق الوالدين لعظيم إحسانهما لولدهما.

وفيه من الفوائد: شفقة الصحابة رضي الله تعالى عنهم على النبي صلى الله عليه وسلم وحرصهم على أن لا يلحقه ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم فلذلك قالوا: (ليته سكت) ليس مللا من قوله؛ بل شفقة عليه لما رأوا من حاله صلى الله عليه وسلم.

وفيه: أن الإنسان يستعمل كل ما يمكن أن يكون من وسائل النصح وإظهار ما يبين للسامع عظيم ما يتكلم به وخطورة ما ينبه إليه، فالنبي كان متكئا فجلس، ثم كرر هذا الكلام تكرارا لفت أنظار الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى الحد الذي ذكره في الحديث.

هذه جملة من الفوائد، أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:4841

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فنقل الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم من كتاب رياض الصالحين:

عن أَبي بكرة نُفَيع بن الحارث ـ رضي الله تعالى عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟» كررها ثلاثًا ـ صلى الله وسلامه عليه ـ قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُول الله، قَالَ : «الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ» ، وكان مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ: «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.البخاري (2654)، ومسلم (87)

هذا الحديث ضمن باب العقوق وقطيعة الرحم، والعقوق وقطيعة الرحم يشتركان في معنىً وهو قطع ما أمر الله ـ تعالى ـ به أن يوصل، فالعقوق في اللغة مأخوذ من الشق والقطع والبتر والقطيعة كذلك هي مأخوذة من القطع وهو عدم الوصل، فالعقوق وقطيعة الرحم يشتركان في معنى وهو قطع ما أمر الله ـ تعالى ـ به أن يوصل.

وجاء فيهما من الوعيد والتحذير ما ينفر منهما ويبين عظيم خطرهما، فالله ـ تعالى ـ يقول في كتابه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد:22-23]

فجعل الله ـ تعالى ـ عقوبتين مرتبتين على ما تقدم من فساد ومنه قطيعة الرحم، وهما معجلة ومؤجلة، أما المعجلة قال الله ـ تعالى ـ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أصمهم وأعمى أبصارهم أي منع عنهم ما ينتفعون به في أسماعهم وأبصارهم من الفهم والبصيرة، وأما العقوبة الأخروية فالعذاب الذي رتبه الله ـ تعالى ـ في قوله ـ تعالى ـ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ واللعن هو الطرد من رحمة الله.

فالعقوق والقطيعة من عظائم الإثم وكبائر الذنوب، وهذا الحديث حديث أبي بكرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ ؟»يعني ألا أخبركم بأكبر الكبائر، الكبائر جمع كبيرة وهي الذنب العظيم، والذنوب تنقسم إلى قسمين: كما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء الأمة من السلف، فإنهم ذكروا أن الذنوب تنقسم إلى قسمين، المعاصي تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر، أما الكبائر فهي كل ذنب عظيم سماه الله ورسوله كبيرة أو رتب عليه حدًا وعقوبة دنيوية أو رتب عليه عقوبة أخروية من لعنٍ أو طردٍ من رحمة الله أو براءةٍ أو وعيدٍ بالنار أو نحو ذلك من العقوبات أو غلظه وشدد فيه وعظم شأنه.

هذا أجود ما يقال في بيان ما هو حد الكبيرة، ما ضابط الكبيرة، فالكبيرة هي كل ذنب وصفه الله ـ تعالى ـ أو رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه عظيمٌ أو كبير، وكذلك كل ذنبٍ جاء فيه حدٌ شرعي، وأيضًا كل ذنبٍ ذكرت فيه عقوبة أخروية منصوصة إما بلعنٍ أو نارٍ أو حرمان جنة، أو غير ذلك من أنواع العقوبات الأخروية، أو أن الشارع عظم شأنه وبين خطره وغلظ القول فيه.

هذا أقرب ما يقال في حد الكبيرة، وما عدا هذا فهو من الصغائر.

والواجب على المؤمن أن يجتنب كل صغيرٍ وكبير، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث ذكر أن الكبائر ليست على درجة واحدة فقال: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ ؟»يعني بأعلاها وأعظمها كبرًا عند الله ـ عز وجل ـ وبالتالي أعظمها، وكذلك تكون عقوبتها عظيمة أعظم من غيرها.

وتكرار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذا التحذير أو لهذا العرض في قوله: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ ؟» هو للفت الأنظار وشحذ الهمم لسماع ما قاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ما سيقوله وما سيبينه قال الصحابة: بلى يا رسول الله، وذلك لحرصهم على معرفة ما يدفعون به عن أنفسهم السوء والشر وليجتنبوا تلك الكبائر العظيمة الكبيرة.

فعدَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث ثلاثة أمور قال: «الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ»، أما الإشراك بالله، فهو أعظم ذنبٍ وأعظم ظلمٍ يقع من الإنسان، والمقصود بالشرك هنا جميع ما يكون من الكفر بالله ـ عز وجل ـ فإن جميع الكفر بصوره وأسبابه وألوانه وأنواعه ذنبٌ عظيمٌ يوجب الهلاك إذ أن المؤمن يجب عليه أن يخلص من كل خصال الكفر، فإنها مفضية إلى الهلاك.

وذكر الشرك على وجه الخصوص من صور الكفر؛ لكونه السائد في عصره ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكر ذلك جماعة من شراح الحديث، ولكونه من أغلظ صور الكفر أيضًا، فإن تسوية غير الله بالله من أعظم الظلم كما قال ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان:13].

ثم الإشراك بالله دائرٌ على معنى وهو تسوية غير الله بالله، كل من سوى غير الله بالله في شيء من الأشياء فقد أشرك به ـ جل وعلا ـ سواء في ربوبيته، أو في أسمائه وصفاته أو فيما يجب له من العبودية وهو توحيد الإلهية.

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ» هذا هو الشاهد من الحديث أي قطع ما يجب لهما من الإحسان، هذا أجود ما يقال في معنى عقوق الوالدين، قطع ما يجب لهما من الإحسان؛ لأن الله ـ تعالى ـ أمر في الوالدين بالإحسان قال ـ تعالى ـ:﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[الإسراء:23]، وقال ـ تعالى ـ:﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا[العنكبوت:8]، وفي آية أخرى قال:﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا[الأحقاف:15].

 فحق الوالد الإحسان، فإذا قطع هذا الإحسان فقد وقع في العقوق، والعقوق مراتب ودرجات يجمعها هو قطع ما يكون من الإحسان، ويزيد العقوق سوءًا وشرًا إذا أضاف إلى قطع الإحسان الإساءة سواء كانت الإساءة بقول أو كانت الإساءة بعمل، فمن الإساءة بقول ما نهى الله ـ تعالى ـ عنه في قوله: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا[الإسراء:23] فكل من ترك القول الكريم فقد وقع في العقوق، فإذا نزل إلى الإساءة بالقول ولو بأف كان ذلك من العقوق الذي يجب على المؤمن أن يجتنبه وأن يحذر منه.

وأما الفعل: فإن الفعل يكون بترك ما يجب للوالدين من الإحسان العملي سواءً بالقيام عليهما، بقضاء حوائجهما وما إلى ذلك مما يكون من الإحسان إليهما، وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن العقوق وصوره متعددة كثيرة متنوعة إلى حدٍ أنها لا يمكن أن يجمعها ضابط.

والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن قطع الإحسان عقوق؛ لأنه قطع ما يجب لهما، والعقوق مراتب ودرجات ودركات وإذا أضاف إلى قطع العقوق من الإحسان ما يكون من الإساءة إليهما كان في ذلك من الوزر والإثم ما يناسب فعله.

 وآخر ما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكبائر التي وصفها بأكبر الكبائر قول الزور قال: «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ»وهذا بيان لمعنى القول فهو من باب عطف الشيء الخاص على العام، قول الزور يشمل كل قولٍ باطل؛ لكن لما قال: «وَشَهَادَةُ الزُّورِ»عُلِم أنه يريد من قول الزور شيئًا بعينه، وهو شهادة الزور، وشهادة الزور هي الشهادة بالباطل سواء كانت في إثبات حق أو في نفيه، سواء كانت في حقٍ مالي أو في غيره من الحقوق، فكل من شهد بما لا يعلم فقد شهد شهادة زور، فكيف إذا شهد بخلاف ما يعلم.

فشهادة الزور على مرتبتين: أن تشهد بما لا تعلم، فإن شهدت بما تعلم أن الحق نقيضه كان ذلك أعظم زورًا وأشدَّ سوءًا ووبالًا، وقد كرر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التحذير من شهادة الزور في قوله: «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ»حتى قال الصحابة: ليته سكت إشفاقًا عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما وجدوا من انفعاله وشدة عنايته بالتحذير من هذا حيث كان متكئًا فجلس، ثم كرر هذه الجملة مرات تلو مرات؛ ليؤكد خطورة شهادة الزور ويبين عظيم شؤم التورط فيها كان ذلك كافيًا في بيان خطورتها وعظم شأنها.

هذا الحديث وصف هذه الأعمال الثلاثة بأنها أكبر الكبائر ولا شك أن الشرك متبوئ هذه المنزلة، فهو أكبر ذنبٍ يعصى به الله ـ عز وجل ـ إلا أن ثمة إشكالٌ أورده بعض أهل العلم وهو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر في غير هذا الحديث بترتيب مختلف عن هذا الذي ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله:«الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ» «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» حيث ذكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سأله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أي الذنب أعظم قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» وهذا هو الإشراك بالله، قلت: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، وهذا لا شك أنه من كبير الذنوب وعظيمها، لكنه مختلف عن عقوق الوالدين وهو أعظم من عقوق الوالدين، فالقتل جرمٌ أعظم من عقوق الوالدين.

ثم قلت: أيٌّ؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك»صحيح البخاري (4477), وصحيح مسلم (86) وهذا أعظم من شهادة الزور، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟»أي من أكبر الكبائر، وليس ذلك على وجه الحصر، والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتقى من الكبائر العظيمة الكبيرة ما يحتاج إلى التحذير منه في مناسبات مختلفة بالنظر إما إلى اختلاف الزمان أو اختلاف المكان أو اختلاف السامعين، وتشترك هذه الذنوب في أنها من أكبر الكبائر وأعظم الإثم، وأما تفاوتها إذا جمعت فهي تنزل حسب ما يكون من المفسدة المرتبة عليها مما دلت عليه النصوص.

وبالتالي لا تعارض بين هذه الأحاديث من حيث اختلاف ترتيب الكبائر فيها.

هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:

من فوائده: حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على لفت انتباه السامعين؛ حيث إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كرر الجملة ثلاثًا في أول الحديث، وأعاد التكرار في آخره في شهادة الزور وفيه من الفوائد: أن الكبائر تنقسم إلى قسمين:-كبائر وأكبر الكبائر.

وثمة قسمٌ آخر للمعاصي، وهو الصغائر وقد عرفنا الفرق بين الكبائر والصغائر.

وفيه من الفوائد: أن أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل ـ الشرك به ـ جل في علاه ـ فالشرك به جل في علاه تسوية غير الله بالله من أعظم ما يكون من الذنوب والخطايا.

وفيه من الفوائد أيضًا: خطورة عقوق الوالدين، وأن الإخلال بحق الوالدين ذنبٌ عظيم كبير كما قرن الله ـ عز وجل ـ حق الوالدين بحقه في قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[الإسراء:23]، قرن الإساءة إلى الوالدين بالقطيعة والعقوق بالإساءة إليه ـ جل في علاه ـ وذلك بالشرك والكفر، وتسوية غيره به سبحانه وبحمده.

وفيه من الفوائد: خطورة قول الزور وشهادة الزور، ولقائلٍ يقول: لماذا كرر شهادة الزور مع أن ما تقدم أعظم خطورة منها؟

الجواب: أن كثرة الوقوع في شهادة الزور توجب التحذير؛ ولأنه قد يتساهل بها بخلاف ما تقدم من الإشراك بالله وعقوق الوالدين، فخطرهما وعظيم وزرهما كبير في نفوس الناس لمنافته للفطر والطبائع، فالفطرة تنفر من الشرك بالله وتسوية غيره به والطبائع تنفر من عقوق الوالدين لعظيم إحسانهما لولدهما.

وفيه من الفوائد: شفقة الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرصهم على أن لا يلحقه ما يؤذيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلذلك قالوا: (ليته سكت) ليس مللًا من قوله؛ بل شفقةً عليه لما رأوا من حاله صلى الله عليه وسلم.

وفيه: أن الإنسان يستعمل كل ما يمكن أن يكون من وسائل النصح وإظهار ما يبين للسامع عظيم ما يتكلم به وخطورة ما ينبه إليه، فالنبي كان متكئًا فجلس، ثم كرر هذا الكلام تكرارًا لفت أنظار الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ إلى الحد الذي ذكره في الحديث.

هذه جملة من الفوائد، أسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91421 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87222 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف