المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نرحب فيها بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياك الله.
الشيخ:حياك الله أخي وائل، أهلًا وسهلًا بك وبالمستمعين والمستمعات، حياكم الله.
المقدم: أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج ماهر ناضرة، ومن استديو الهواء مصطفي الصحفي.
بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول مزايا شهر رمضان المبارك، فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث ونحن على بعد يوم أو يومين على أبعد تقدير من شهر رمضان المبارك، نسأل الله –عز وجل-أن يبارك لنا فيما تبقى من شعبان، وأن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام إنه جواد كريم.
فضيلة الشيخ! نريد أن نتحدث عن هذه المزايا التي تميز بها هذا الشهر الكريم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل ولجميع المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى بفضله ومَنِّه أن يبلغنا رمضان، وأن يرزقنا فيه الصيام والقيام إيمانًا واحتسابًا، وأن ييسر لنا صالح الأعمال، وأن يبلغنا ما نؤمله من خيري الدنيا والآخرة.
رمضان شهر من أشهر الله –عز وجل-التي ذكرها في كتابه في محكم التنزيل ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾[التوبة: 36]، فذكر الله تعالى عدة الأشهر، وأنه الذي قضاها وقدرها -جل في علاه-، وأجرى الكون على هذا النحو من توالي هذه الأشهر وتعاقبها لتحصيل مصالح المعاش والميعاد، وذكر ما خصَّ به بعض هذه الأشهر ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[القصص: 68]، وهي الأشهر الحرم فقال: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾[التوبة: 36]،وهذا لبيان ما اختصت به هذه الأشهر، والأربعة وهي المعروفة بالأشهر الحرم، هذه الأشهر الأربعة خصها الله تعالى بما خصها به من التحريم والمنزلة والمكانة.
والله تعالى يختص ما يشاء من خلقه بما يشاء، يختص بالزمان بما يشاء، يختص بالمكان بما يشاء، يختص الأشخاص والأعيان بما يشاء، يختص الأعمال بما يشاء، يختص الأحوال بما يشاء، وفق حكمته كما قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[القصص: 68] وهذا الاصطفاء وذلك الاختيار وفق علمه وحكمته، هذا الاصطفاء المذكور بهذه الآية لهذه الأربعة أشهر لا يعني أن بقية الأشهر ليس لها خاصية، بل تنوعت خاصية الأشهر وفق حكمة الله –عز وجل-، فكان من حكمة الله –عز وجل-أن خص شهر رمضان بأن جعله محلًّا لخصائص قدرية، محلًّا لخصائص شرعية، ذكر الله تعالى هذا الشهر في محكم كتابه ولم يأت ذكر شهر من الأشهر بالاسم والنص على الاسم بعينه كما جاء في رمضان، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة: 185]، فذكره الله تعالى باسمه، وهذه ميزة وخاصية خص الله تعالى بها هذا الشهر.
فشهر رمضان خُصَّ بجملة من الخصائص، يمكن أن نقول هذه الخصائص تندرج تحت مظلَّتين، تحت أمرين:
الأمر الأول: ما خصه الله تعالى به قدرًا الخصائص القدرية.
النوع الثاني من الخصائص: الخصائص الشرعية، والمقصود بالخصائص القدرية يعني ما قضاه الله تعالى أن يكون في هذا الشهر تخصيصًا، وما يتعلق بالخصائص الشرعية ما أمر الله تعالى به وشرعه في هذا الشهر من الطاعات والعبادات، سواء كانت عبادات واجبة مفروضة أو كانت مستحبة.
إذًا عرفنا الآن معنى الخصائص القدرية والخصائص الشرعية.
الخصائص القدرية هي ما اختص الله تعالى به هذا الشهر قدرًا وقضاء كونيًّا وحكمًا إلهيًّا يتعلق بقضائه وقدره، وأما ما يتعلق بالخصائص الشرعية فهي ما خص الله تعالى هذا الشهر من الأعمال والعبادات والقربات التي تقرب إليه من الواجبات ومن المستحبات الظاهرة والباطنة.
عندما نبحث الخصائص نعلم أن الخصائص تبرز مكانة الشيء، الخصائص هي من السبل والوسائل التي تميز الأشياء فلذلك خصائص رمضان عندما نتحدث عنها سواء كانت القدرية أو الخصائص الشرعية فنحن نتلمس ما ميَّز الله تعالى به هذا الزمان عن سائر الزمان، فنحن نذكر الخصائص لهذا الشهر التي لا توجد في غيره، المزايا التي لا توجد في غيره، سواء كانت هذه الخصائص قدرية أو كانت هذه الخصائص شرعية.
وبهذا يتضح لنا أن شهر رمضان يتوفر فيه هذان النوعان من الخصائص، ومما يدل على ذلك أن الله تعالى نص على هاتين الخاصتين، على أصول الخصائص الشرعية والخصائص القدرية في محكم الكتاب في آيات كثيرة، فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة: 185]، وهذا ذكر لخاصية قدرية امتاز بها هذا الشهر ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة: 185]، وهذه خاصية شرعية خص بها هذا الشهر، فلما ذكر الله تعالى شهر رمضان باسمه وميَّزه بهذا الذكر في محكم كتابه ذكر ما اختص به هذا الشهر، فذكر خاصية قدريًّة وهي إنزال القرآن، وذكر خاصية شرعية وهي الصيام.
وبالتالي سننطلق في حديثنا في هذا اللقاء لإدراج ما يمكن الوقوف عليه مما يتصل بهذين النوعين من خصائص رمضان القدرية وخصائص رمضان الشرعية، نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم فضله، وأن يرزقنا وإياكم صالح العمل إيمانًا واحتسابًا في رمضان وفي سائر الزمان.
المقدم: اللهم آمين، فضيلة الشيخ! توقفنا عند مجموعة أو نبذة بسيطة عن المزايا القدرية التي اختص شهر رمضان بها، والتي ميزه الله –تبارك وتعالى-عن باقي الشهور، وهذه سنة الله –عز وجل-في هذا الكون سنة التمايز وتمييز الله –عز وجل-بين خلقه، يخلق الله –تبارك وتعالى-ما يشاء، وأيضًا يختار، كما جاء في الآية الكريمة ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[القصص: 68]، لكن نريد أن نتحدث عن المزايا الشرعية التي اختص بها شهر رمضان المبارك على غيره من الشهور، ما هي المزايا الشرعية والأجور والأعمال التي ترتبت في هذا الشهر الكريم وتميَّز بها شهر رمضان عن باقي الشهور؟
الشيخ: ابتداء الله تعالى عندما ذكر شهر رمضان في محكم كتابه ذكر ما خصه به قدرًا، فقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة: 185]، هذه الخاصية هي خاصية قدرية، فإن الله قضى وقدر أن يكون نزول خير الكتب وخاتمها، وأجمعها بيانًا، وأفصحها بيانًا، وأجمعها هداية أن يكون إنزاله على خاتم الرسل -صلوات الله وسلامه عليه- في هذا الشهر المبارك في شهر رمضان، فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة: 185]، وأشاد الله تعالى بذلك الإنزال، قال: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[البقرة: 185]، فإنزال القرآن كان مفتاح هداية للناس، ولهذا فَضْل هذا الشهر هو من الفضائل الهامة للبشرية كافة؛ لأن الخير الذي نزل فيه وهو قدر الله تعالى أن يكون في زمانه ليس خاصًّا بالنبي محمد –صلى الله عليه وسلم-، ولا بقريش ولا بالعرب، بل لعامة الناس، فهو فضل وتخصيص عمَّ البشر كلهم، قال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾[البقرة: 185] هدى للناس جميعهم؛ ذكورهم وإناثهم، عربهم وعجمهم، في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم-وعلى مر العصور إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، هذه الخاصية القدرية مبدؤها أن الله تعالى أنزل على النبي –صلى الله عليه وسلم-في ليلة الوحي، في ليلة القدر، في الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن أنزل جبريل على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وكان قد اختبأ في جبل من جبال مكة، في غار من جبال مكة للتعبد والتنسُّك والانفراد بالله –عز وجل-، ذِكرًا وتلمُّسًا لموجبات الهداية، فأفاض الله تعالى هذا الفضل فأنزل عليه جبريل، فكان هذا الإنزال مبدأ الرسالة، كان مبدأ ما أنزل الله تعالى على رسوله ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾[العلق: 1- 5] ثم فتر الوحي فترة من الزمن، وبعد ذلك تتابع نزول القرآن على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى أكمل الله تعالى على هذه الأمة فضله وخيره وإحسانه إليهم في إنزال كامل القرآن على قلب النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-وحفظه، وبالتالي هذا الشهر المبارك شهر تميَّز بهذه الميزة، الميزة القدرية وهي إنزال القرآن، ولشريف هذه الليلة المباركة التي قضى الله تعالى فيها بهذا القضاء العظيم الذي تميزت به، وهو إنزال القرآن، اقترن بهذا أيضًا خاصية قدرية أخرى وهي أن هذا الشهر يكون فيه تقدير الآجال، تقدير الأقدار السنوية، وذلك أن التقدير يجري على مراتب ودرجات وليس على درجة واحدة.
فأول ذلك التقدير الأزلي الذي كان قبل أن يخلق الله تعالى السماوات والأرض، فقدَّر الله تعالى فيها مقادير الأشياء، ثم بعد ذلك التقدير العمري وهو التقدير الذي يكون عند نفخ الروح في كل بشر، وبعد ذلك التقدير الحَولي وهو التقدير السنوي الذي يقضي الله تعالى فيه أقضية العام جعله الله تعالى في هذا الشهر المبارك، فهو من خصائص هذا الشهر أنه شهر القضاء والحُكم والتقدير الحولي لما يجريه الله تعالى من الحوادث والوقائع في هذا الزمان.
ثم بعد ذلك التقدير اليومي، وهذا يكون في كل يوم، كما قال تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[الرحمن: 29]، أما دليل أن هذا الشهر هو شهر التقدير الحولي السنوي، قوله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان: 4] فيها أي في هذه الليلة التي أنزل فيها القرآن ﴿يُفْرَقُ﴾ أي يقضى كل أمر حكيم، وكذلك قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر: 1].
ليلة القدر سميت بهذا الاسم لجملة أسباب، هذه التسمية وهذا الوصف لهذه الليلة أنها الليلة التي يقضي الله تعالى فيها أقدار الخلائق، ويقضي فيها أقدار المقضيات بحمده –سبحانه وبحمده-.
فهاتان الخاصيتان القدريتان مما ميَّز الله تعالى به ليلة القدر على سائر ليالي الزمان، الخاصية الأولى أنه زمن إنزال هذا الكتاب المبارك كما ذكر تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة: 185].
الخاصية الثانية: أن فيه ليلة يقضي الله تعالى فيها أقدار الخلائق وما يجريه الله تعالى من حكم في العام المقبل، ويسمى التقدير الحولي، ثم بعد هذين النوعين من الخصائص القدرية ننتقل للحديث عن الخصائص الشرعية وهي كثيرة.
المقدم: فضيلة الشيخ! قبل أن ننتقل إليها اسمح لي أن نذهب إلى فاصل قصير بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا في هذه الحلقة حول مزايا شهر رمضان المبارك، مستمعينا الكرام فاصل قصير نكمل الحديث بعده، ابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام، نعاود الترحيب بكم مرة أخرى في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة" ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا بك فضيلة الشيخ مجددًا، حياك الله.
الشيخ: الله يحييك مرحبا بك ومرحبا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ، نتحدث عن مزايا شهر رمضان المبارك توقفنا عند المزايا الشرعية.
الشيخ: قبل أن نذكر المزايا الشرعية أحب أن أنبه أن الله تعالى جعل في هذا الشهر من الخصائص القدرية ما هو توطئة وإعانة وتمهيد على الخصائص الشرعية.
من ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في الصحيحين قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخلَ شَهرُ رمضانَ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ» يقضي الله –عز وجل-أن تفتح أبواب الجنة من أول ليلة من ليالي هذا الشهر المبارك إلى نهايته، «فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ»، وأبواب يعني جميع أبوابها، وذلك إشارة إلى فتح أبواب الخيرات والصالحات والأعمال المباركات التي يدخل الناس من خلالها إلى الجنة، فإن أبواب الجنة كل باب منها خُصَّ بعمل من الأعمال؛ الصلاة، الصدقة، الصوم ونحو ذلك «وغُلِّقت أبواب النار»أي أوصدت وغلقت أبواب النار إيذانًا بالإعراض عن المعاصي والسيئات، وموجبات دخول النار، ثم ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-خاصية قدريَّة ثالثة تجري في هذا الشهر وهي تمجيد الخصائص الشرعية قال: «وسُلسِلَت الشياطين»[صحيح البخاري:ح3277]سلسلت أي: رُبطت، والشياطين المقصود بهم الذين يزيِّنون للناس الفساد والشر، ويقعدونهم عن الطاعة والإحسان، فسُلسلت الشياطين هو حجبها عما تصل إليه من الإساءة والشر والفساد في غير رمضان، وهذا يبين أن هذه الخصائص لها تأثير، هذه الخصائص القدرية لها تأثير، وهي توطئة وتمهيد وإعانة للخلق أن يصلوا إلى ما يؤمِّلونه من فضل الله تعالى وإحسانه وبرِّه وعطائه من الأعمال الصالحة التي نَدَبهم إليها -جل في علاه- في هذا الشهر المبارك.
هذا ما يتصل بالخصائص القدرية، أما الخصائص الشرعية فهي كل ما أمر الله تعالى به وندب إليه وحث عليه، سواء كان على وجه الإيجاب أو الاستحباب، من صالح الأعمال في هذا الشهر المبارك، رأس هذا ومبدؤه وأصله هو الصوم، فإن الله تعالى ذكر هذه الخاصية بعد ذكره لرمضان في آيات الصيام، فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة: 185]، وهذا يشمل كلَّ من أدرك شهر رمضان من أهل الإسلام، فإنه يجب عليه صوم هذا الشهر والتقرب إلى الله تعالى فيها بأيامه والإمساك عن المفطرات فيه من طلوع فجر أيام هذا الشهر إلى غروب شمس أيام هذا الشهر المبارك.
وهذه الخاصية هي أصل الخصائص القدرية الشرعية التي خص بها هذا الشهر، فإن صيام رمضان من أجلِّ الخصائص الشرعية؛ إذ إن صيامه ركن من أركان الإسلام، وفريضة فرضها ربنا -جل في علاه- على الأنام، فجعلها شرعا مفروضًا على كل مستطيع، لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة: 185]، ثم هذا الصوم رتَّب الله تعالى عليه من الأجور والخصائص والفضائل والهبات والعطايا ما ليس في شيء من الأعمال، فإن هذا الشهر المبارك صومه فرض وأجره جزيل عظيم، قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في محكم التنزيل: «من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ»[صحيح البخاري:ح38]، فجعل على هذه الخاصية الشرعية هذا الفضل العظيم، ولكنه فضل مشروط، صوم رمضان واجب والواجب أجره كبير عند الله –عز وجل-، ومنه ما ذكره الله تعالى في محكم كتابه وفي سنة رسوله، ومنه ما لم يذكره، بعض الأعمال والفرائض الواجبة لم يذكر الله تعالى أجورها، لكن في جميع أركان الإسلام وأصوله من الصلاة والزكاة والصوم والحج ذُكرت الأجور حثًّا للنفوس على الإقبال عليها، وتنبيهًا للناس فيما يتعلق بشروط تحصيل أجور تلك الأعمال، فإنه لا يكون الأجر موفورًا جزيلًا على مجرد صوم لا يكون متصفًا بالصفات التي ذكرها الله –عز وجل-في كتابه، وجاء بيانها في هدي رسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فالحج فريضة، قال الله تعالى: : ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران: 97] لكن ما الأجر المرتَّب؟ الأجر المرتب قال –صلى الله عليه وسلم-:«الحج المبرور ليس له جزاءً إلا الجنة»[صحيح البخاري:ح1773]، لكن لم يقل: الحج ليس له جزاء إلا الجنة، بل بيَّن الوصفَ الذي يوجب الأجر، فقال:«الحج المبرور»، وقال: «مَن حجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجَع كما ولَدَتْه أمُّه»[صحيح البخاري:ح1521]، فهو حط للخطايا ورفعة للدرجات، لكن ذلك مشروط بما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-من القيود والشرور.
كذلك الصوم هو إمساك عن المفطرات، لكن هذا الصوم إذا لم يتوفر فيه الوصف الذي ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يكن في الأجر والثواب كأجر ذلك الذي حقَّق المأمول من الصيام، لهذا جاء في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال فيما يتعلق بالصوم قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ»[صحيح البخاري:ح1903]، فبين النبي –صلى الله عليه وسلم-أن مقصود هذا الصوم تزكيةُ النفوس وتطييب الأقوال والأعمال، فإنه من لم يدع قول الزور، التكلم بالباطل، والحديث بالشر كذبًا، وبهتانًا، وغيبة، وفاحشة من القول، «من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ»يعني العمل بالزور وهو الباطل في كل صوره وتفاصيله، «فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ» بمعنى أنه لم يحقِّق الغرض والغاية من مشروعية هذه الفريضة وهي تزكية النفوس وإصلاحها.
لهذا من المهم أن نعرف أن هذا الصوم لا يتحقق به الأجر الوفير والجزاء العظيم من رب يعطي على القليل الكثيرَ إلا بالحرص على تكميل تلك الأوصاف وتكميل تلك الشروط التي جعلها الله تعالى موجبةً لهذا العطاء الجزيل، فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، هذا شرط إيجابي، وأما الشرط السلبي فهو ترك الزور قولًا وعملًا، فبذلك يتحقق للإنسان الفضل إيمانًا واحتسابًا في قوله: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»[سبق]هذا دليل على أن تحصيل تكفير الخطايا وحط السيئات ومغفرة الزلات والذنوب لا يكون إلا بصوم يكون باعثه الإيمان، وليس العادة، يكون باعثه التصديق والإقرار بفرض الصيام، وأنه مما يتقرب به إلى الرحمن -جل في علاه- احتسابًا، أي طَمَعا في الثواب المأمول والمذكور والمرتب على هذا العمل.
فالنبي –صلى الله عليه وسلم-بهاتين الكلمتين ذكر المبدأ الباعث على العمل، والمنتهى والغاية منه، فالباعث على العمل الإيمان، والغاية منه والقصد هو طلب الثواب من الله تعالى، والطمع فيما عنده جل في علاه، فمن كان صومه على هذا النحو، صام تصديقًا وإقرارًا وجزمًا بمشروعيته، وتقربًا إلى الله تعالى بفرضيته، وكان راغبًا في الثواب على ذلك من الله –عز وجل-،لا يرجو ثوابًا من أحد، ولا يؤمِّل عطاء من سواه جل في علاه فإنه يدرك هذه الفضيلة العظيمة التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم-على الصوم وهي مغفرة الذنوب والخطايا.
بهذا أدعو إخواني وأخواتي أن نعزم في قلوبنا على تحقيق هذين الوصفين في كل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله –عز وجل-ـ، وفي الصيام على وجه الخصوص، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر هذا في الصيام وذكره في القيام، وهو شرط في سائر الأعمال، كل الأعمال لا ينال الإنسان بها ما رُتِّب عليها من الأجر إلا بتحقيق الإيمان والاحتساب، وإنما نص عليها في بعض الأعمال دون بعض للتنبيه، وأيضًا للإشارة إلى أن استحضار هذا في الأعمال الشاقة مما يهوِّنها وييسِّرها ويعين عليها، فالصوم فيه من المشقة ما فيه، فإنه حبس للنفس عن المشتهيات، المأكولات والمشروبات وسائر الممنوعات التي يُمنع منها الصائم، فإنه لا يمتنع من ذلك إلا بإيمان جازم وبتصديق ورجاء متيقَّن أن الله تعالى سيجزيه ويثيبه على ما يرجو من ثواب الله –عز وجل-.
أما الأجور التي رتَّبها فهي أجور عظيمة، يكفي في ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أخبر فقال، يقول الله تعالى: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصومُ فإنه لي وأنا أَجْزِي به»[صحيح البخاري:ح1904] هذا يبين خاصية الصيام من بين سائر الأعمال أن الله تعالى اختص به إثابة ومجازاة وقدرًا في الأجر دون سائر العمل، فالعمل كله على قاعدة واحدة فيما ذكر الله تعالى، كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لكن الصوم لم يذكر فيه قدر معين من الأجر، بل قال فيه الكريم المنان فيه قال فيه ذو الفضل والإحسان قال: «الصومُ فإنه لي» إثابة لقصد لأجرًا فهو –جل وعلا- الذي اختص به فاختصاصه به –سبحانه وبحمده-دال على فضيلته وجزيل العطاء المرتب عليه.
ويوقن الناس في حصول ذلك، وأنه لا يخلف الميعاد قال: «وأنا أَجْزِي به» فهو –جل وعلا-المتكفِّل بتقديره، وهو المتكفل بإيصال ثوابه لجميع الخلق الذين حققوا ما طلب منهم جل في علاه، وهو أجر جازَ قانون التقدير والحساب، فالصيام ليس مما يجري فيه قانون التقدير والحساب في حساب الحسنات والسيئات الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف أضعاف كثيرة، بل يجوز ويتعدى ذلك، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر: 10]، ويدرك عظيم الأجر المرتب على الصوم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من صامَ يومًا في سبيلِ اللهِ باعدَ اللهُ بينه وبين النارِ بذلك اليومِ سبعينَ خريفًا»[صحيح البخاري:ح2840]، الله أكبر عطاء جزيل وأجر كبير على عمل قليل، فإنه من صام يومًا في سبيل الله يصدق على الإخلاص له، وصدق الرغبة فيه يعني إيمانًا واحتسابًا يومًا باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا بصيام يوم واحد، فكم سيباعد الله تعالى بينك وبين النار بصيام شهر رمضان هذا وهو صوم نفل؟ فإنه يدخل في قول من صام في سبيل الله النفل والفرض، فكيف إذا كان فرضًا؟ فالفرض أجره أكبر وأعظم باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا، فكم سيكون لك في صيام رمضان من المباعدة إذا حققت الإخلاص له، وأن يكون صيامك إيمانًا واحتسابًا، والمباعدة هنا تشمل المباعدة الحقيقية بأن ينجو الإنسان من النار، وأن يزحزح عنها فيفوز وتشمل قبل ذلك المباعدة في الدنيا بمجافاة أعمال أهل النار، والبعد عن مسلكهم وصراطهم وهديهم، فيفوز بجنتي الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم.
المقدم: اللهم آمين، فضيلة الشيخ! اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نستكمل حديثنا ونستكمل الحديث عن جزئنا الأخير في هذه الحلقة، ونستكمل أيضًا المزايا الشرعية التي اختص بها شهر رمضان المبارك على غيره من الشهور، سنذهب إلى فاصل مستمعينا الكرام بعده نكمل الحديث ابقوا معنا.
أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، في جزئنا الأخير نستكمل ما تبقى من المزايا الشرعية التي نتحدث فيها في هذا الجزء من هذه الحلقة؛ لأنه لو أردنا أن نتحدث عن المزايا العديدة والأجور الفضيلة الكثيرة المترتبة في هذا الشهر الكريم لم يسعفنا الوقت، لكن نحاول أن نأخذ ما تبقى منها بشيء يسير.
الشيخ: هو فيما يتصل بمزايا هذا الشهر الكريم المتعلقة بخصائصه الشرعية ومزاياه الشرعية، هذا شهر الصيام، وكذلك هو شهر القيام، وهو به يتبين أن نهار هذا الشهر وليله ميدان الاستباق إلى مرضات رب الأرض والسماوات، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾[الواقعة: 10]، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في بيان ما خص الله تعالى به هذا الشهر، قال: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غفرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ»[صحيح البخاري:ح37]، وهذا لم يأت في شهر من الشهور، فليس في شهر من الشهور أن من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه إلا هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يعيننا على صالح العمل فيه إيمانًا واحتسابًا، فقيام رمضان يتحقق به للمؤمن هذا الفضل العظيم وهو حط الخطايا والسيئات ومغفرة الذنوب والزلات.
وهذا عطاء جزيل، فإن الإنسان لا يزال خطاءً، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابون»[سنن الترمذي:ح2499، وقال الحاكم:صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، ثم يكفر الله تعالى به الخطايا ويحط به السيئات، ويتجاوز به عن العباد أن يشتغلوا بقيام هذا الشهر المبارك، وقيامه يتحقق بصلاة شيء من الليل فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر إن يسر الله تعالى أن يصلي كما كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يصلي إحدى عشر ركعة، فذاك فضل الله وهو أكمل الهدي، فما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة إذا كان يصلي مع الأئمة ويزيدون تخفيفًا على الناس كما هو في الحرمين الشريفين، فذاك خير وفضل ولا حدَّ لعدد ركعات صلاة الليل بالإجماع، ولذلك يصلي الإنسان مع أهل الأئمة بالعدد الذي يُصلُّون به ويرجو الفضل من الله، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ»[سنن النسائي:ح1605، وصححه الألباني في إرواء الغليل:ح447]، فكل ذلك من الخير إن صلى في بيته، وأتى بما فتح الله تعالى عليه من صلاة الليل التي يتحقق بها أدنى ما يكون من القيام، ففضل الله واسع، يدخل في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غفرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ»[سبق]، فهذا يشمل كل قيام سواء كان ذلك في المساجد، أو في البيوت، أو في أي موضع يتمكن منه الإنسان أن يأتي بهذه العبادة الجليلة، وفيه ليلة عظيمة هي ليلة القدر التي خصها الله تعالى بالقيام، فقد النبي –صلى الله عليه وسلم-خصها بخصائص قدرية تقدمت، لكن خصها الله تعالى من حيث الخصائص الشرعية بالندب إلى قيامها، فــــ«من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه».[صحيح البخاري:ح1901]، إذًا هذا في الجملة.
ثاني ميادين البر والأعمال الصالحة التي يُتقرَّب إلى الله تعالى بها في هذا الشهر المبارك، وهو صيام نهاره، هذا الخاصية الأولى.
الخاصية الثانية: قيام ليله، إلا أن قيام الليل سنة وليس واجبًا باتفاق العلماء، وبالتالي هو من الخصائص الشرعية المندوب إليها، من الخصائص الشرعية التي تختص هذا الشهر المبارك هو كثرة الندب فيه إلى كثرة الإحسان، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فإن جوده –صلى الله عليه وسلم-يزيد في هذا الشهر المبارك، وذلك لما فيه من الأعمال الصالحة التي تزكو بها النفس وتطيب، فتقبل على جميع أوجه الإحسان، والإحسان هنا يشمل هنا كل جود قوليٍّ أو عملي، بالنفس، أو بالجاه، أو بالمال، أو بما فتح الله تعالى على الإنسان من صالح الأعمال.
فينبغي للإنسان أن يجتهد ويجد في المسابقة إلى الإحسان بكل وسيلة، الإحسان في القول بطيبه، وكفِّ الأذى عن الناس، فإنه من صام فلا يرفث ولا يفسق ولا يسخر، هكذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-، بل إن شاتَمَه أحد أو سابَّه فليقل إني امرئ صائم فيكف لسانه عن مقابلة الإساءة بالبذيء وهذا من الإحسان، الإحسان بالمال، فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، يعني يبذل بذلًا لا يكون في سائر الزمان، وهذا من الخصائص الشرعية لهذا الزمان المبارك.
من خصائص هذا الشهر المبارك أيضًا: قراءة القرآن فيه؛ فإنه شهر أنزل الله تعالى فيه القرآن، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم-يعرض القرآن على جبريل في كل ليلة من ليالي هذا الشهر، وللعام الذي قبض فيه -صلوات الله وسلامه عليه- عرضه مرتين.
فينبغي الحرص على كثرة قراءة القرآن، واحتساب الأجر في ذلك، فإنه مما يطيب به القول، ويصلح به العمل، ويستقيم به الحال، وتعلو به المنازل والرتب، ويضاعف الله تعالى فيه المثوبة للناس، فإنه«لا أقول الم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».[أخرجه الترمذي:ح2910، وقال:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]
من الأعمال الصالحة التي تكون في هذا الشهر المبارك أيضًا، ما يكون من التقرب إلى الله تعالى بالدعاء، فالدعاء من الأعمال الصالحة التي تكون ليلًا ونهارًا، فللصائم دعوة مستجابة، وقد ذكر الله تعالى في آيات الصيام ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾[البقرة: 185]، يقول ابن كثير :"إن ذكر هذه الآية ثنايا دليل على أن للدعاء في الصوم أي في زمن الصوم منزلة ليست لغيره".
فينبغي الحرص على كثرة العمل الصالح، وعلى كثرة دعاء الله ومناجاته وإنزال الحوائج به، فالله كريم منان يعطي على القليل الكثير، هذه جملة من الأعمال الصالحة التي ندب إليها النبي –صلى الله عليه وسلم-في هذا الشهر المبارك.
ومن الأعمال الصالحة أيضًا ما ييسره الله تعالى لمن قَدَر على العمرة، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «عمرةٌ في رمضانَ تعدِلُ حَجَّةً»[صحيح مسلم:ح1256/221]، وكل هذه الأعمال الصانعة ينبغي أن تصدر عن إنسان وهو مؤمل العطاء الجزيل من الله –عز وجل-إيمانًا واحتسابًا، فإن فضله كبير وعطاءه جزيل –سبحانه وبحمده-. المقدم: فضيلة الشيخ! وصلنا لختام هذه الحلقة، نسأل الله –عز وجل-أن يبلغنا وإياكم هذا الشهر الفضيل الجزيل، وأن يجزل لنا فيه الأجر والمثوبة، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، شكر الله لك وكتب الله أجرك، شكرا جزيلًا.
الشيخ: أشكرك، وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى لي ولهم السداد في القول والعمل والإعانة على ما يحب ويرضى في السر والعلن، وأن يغفر لنا الخطأ والزلل، وأسأله –جل وعلا-أن يديم علينا الأمن والأمان، وأن يدفع عنا كل سوء وشر، وأن يوفق وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيرًا، وأن يدفع عن بلادنا كل سوء وشر وكل فتنة وضر، ومن أرادنا بسوء وشرٍّ أن يرد كيده في نحره، وأن يلم شعثنا، وأن يجمع كلمتنا، وأن يديم أمرنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يعم الخير المسلمين، وأن يعجل برفع الوباء عن البشر وصلى الله وسلم على سيد البشر نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.