المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مرحبا بكم أحبتنا في الله في حلقتنا الأولى من برنامجكم "استفهامات قرآنية" في مطلع هذا الشهر المبارك، نسأل الله –عز وجل-أن يعيننا فيه على ذكره وشكره وحسن عبادته.
نرحب بضيفنا الكريم في هذه الحلقة وضيف البرنامج الدائم صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، الأستاذ في قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم أهلا وسهلًا ومرحبًا بكم شيخنا الكريم.
الشيخ: أهلا وسهلًا ومرحبا بك، وأهلا وسهلًا بالإخوة والأخوات، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعله برنامجًا نافعًا مباركًا، نتفيأ به القرآن ومعانيه وما فيه من الخيرات.
المقدم: اللهم آمين! أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، بداية دعنا نجعل هذه الحلقة دليلًا للحلقات القادمة بإذن الله –عز وجل-على مدار هذا الشهر الكريم، ما المقصود بالاستفهام في الآيات القرآنية؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فالاستفهام في القرآن ورد في مواضع كثيرة، وهو في اللغة: طلب الفهم وطلب العلم بالشيء، فهو كشف عن مجهول وبحث عن معلومة وهذا هو الأصل في الاستفهام في لغة العرب والعرب تستعمل الاستفهام أدوات عديدة؛ منها ما هو حروف، ومنها ما هو أسماء، وأصل أدوات الاستفهام الهمزة وقد جرى استعمالها في القرآن في مواضع كثيرة، من ذلك قول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الأحقاف: 33]، ومن ذلك أيضًا: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾[الزمر: 36]، والنماذج على الأسماء مثل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾[التوبة: 111]، ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾[البقرة: 214]، تلك استفهامات قرآنية كثيرة استعملت فيها عدة أدوات، والأصل في معنى الاستفهام هو أنه طلب للعلم، إلا أن الاستفهام الصادر عن الله –عز وجل-في كتابه بالتأكيد لا يقصد به طلب العلم، فهو بكل شيء عليم، وقد أحاط بكل شيء علمًا، وسع علمه السماوات والأرض جل في علاه.
المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ما هي أدوات الاستفهام القرآنية؟
الشيخ: مثل ما ذكرت قبل قليل تنقسم إلى قسمين؛ حروف، وأسماء، أصل ذلك الهمزة، منه قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾[الأعراف: 172]، وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾[الزمر: 36]، وحروف؛ منها: (متى، من)، وما أشبه ذلك مما جاء في كتاب الله تعالى، والأصل في ذلك أن القرآن نزل بلسان العرب، فالأدوات المستعملة في القرآن هي ما كان يستعمله في ألسنتهم من أدوات الاستفهام.
المقدم: لو تكلمنا -أحسن الله إليكم- عن معاني الاستفهام في الآيات القرآنية؟
الشيخ: معنى الاستفهام في الأصل هو طلب العلم، واستخبار واستعلام واستكشاف عن مجهول، إلا أنه فيما يتعلق بالاستفهامات القرآنية الصادرة عن رب العالمين –عز وجل-يخرج المعنى من كونه طلبًا للعلم إلى معان أخرى يدل عليها السياق، وهذا مما تستعمله العرب، فمثلًا على سبيل المثال: عندما يرى رجل آخر يسيء إلى أبيه بغليظ القول فيقول له: أتنهر أباك! هنا لا يستفهم ويرى هذا الفعل منه، إلا أنه استعمل الاستفهام إنكارًا لما رآه وشاهده، ومنه قول الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطونًا راحي
هو لا يستفهم، إنما يقرر هذا المعنى، وأنهم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راحي، وفي الجملة الاستفهامات في القرآن ترجع إلى معنيين: إما أن تكون استفهامات تقريرية، ومنها إقرار المعنى الذي جاء بعد أداة الاستفهام، ويراد إثباته وتقريره.
والنوع الثاني من الاستفهام هو: الاستفهام الإنكاري، الاستفهام التقريري مثل قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾[الشرح: 1]، ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾[الزمر: 36] وحتى نعرف الفرق بينه وبين الإنكار استبدل الهمزة -أداة الاستفهام- بقد، قد شرحنا لك صدرك، الله كاف عبده، وهلم جرًّا مما يأتي على هذا النحو.
أما الاستفهام الإنكاري فهو إما أن ينكر خبرًا بأن يكون إخبارًا كاذبًا فينكره الله –عز وجل-بأداة من أدوات الاستفهام، وإما أن يكون فعلا فينكر الله تعالى على الفاعل، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾[البقرة: 44]، فإن الله أنكر على هؤلاء أيضًا قوله تعالى: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾[الزخرف: 19]، فيما يتعلق بإنكاره على من قال: إن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله، فهذا من جملة الإنكار الذي يندرج تحت هذا النوع وهو الاستفهام الإنكاري.
والكلام في الجملة إما خبر، وإما إنشاء، وفي غالب ما يرد الإنكار إن كان مضمون الجملة التي بعده خبريًّا، مثل قوله: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾[الزخرف: 19]، أما إذا كان إنشاء، فقد يكون إنكارًا وقد يكون تقريرًا، وفي الجملة الاستفهام الإنكاري له صورتان؛ أن يكون ما بعد أداة الاستفهام منفية لا وجود له، كقوله تعالى: ﴿أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾[الزخرف: 45]، وإما أن يكون ما بعد أداة الاستفهام مثبتًا وجوده في الخارج لكنه لا تقره الشريعة، سواء كان قولًا أو فعلًا، كقوله تعالى: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 28]، وكقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾[الصف: 2]، فكل هذا من الاستفهام الإنكاري الذي ينكر الله تعالى فيه هذه الأمور سواء كانت فعلًا أو كانت خبرًا، فينفيه رب العالمين بصيغة الاستفهام، وفائدة مجيء الإنكار بصيغة الاستفهام هو الإنكار المشرب معنى التحدي، يعني أنه إنكار مبالغ فيه إلى درجة تحدي إثبات نقيضه.
وهذا المعنى فيه من البلاغة والفصاحة وجزالة اللفظ وقوة المعنى ما ليس في النفي المجرد، أو النهي المجرد عن أن يكون بصيغة الاستفهام.
المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هل هناك مزيد أيضًا من نماذج الاستفهامات القرآنية؟
الشيخ: نعم، يتولد عن التقرير الاستفهام التقريري والاستفهام الإنكاري نماذج عديدة، ومن الاستفهامات القرآنية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، فقد يأتي الاستفهام للتشويق كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الصف: 10]، الاستفهام هنا لحث النفوس وتطلعها إلى هذه التجارة التي تنجي من العذاب الأليم، كذلك يأتي بصيغة التمني ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا﴾[الأعراف: 53]، هنا تمني أن يوجد هؤلاء، ويأتي للتهويل كقوله تعالى: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ﴾[الحاقة: 1-2]، ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾[القارعة: 1-2]، ويأتي للتوبيخ في القرآن في بعض السياقات الواردة، ويأتي أيضًا في سورة النفي ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾[البقرة: 255]، فلا يشفع عند الله تعالى إلا هو –سبحانه وبحمده-
النماذج كثيرة، والاستعمالات عديدة، والمفتاح الذي يدرك به الإنسان التمييز بين هذه الأنواع من الاستفهامات هو تدبر آيات الله الكريمة، التمعن في معانيها، النظر إلى السياق، فهم مقصود المتكلم بهذا الكلام العظيم، وهذا من أشرف العلوم وأعلاها؛ إذ إن التدبر مفتاح فهم القرآن، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾[ص: 29]، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
المقدم: شكر الله لكم صاحب الفضيلة، هذا البيان المبارك والمسدد في الحديث عن الاستفهامات القرآنية.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
المقدم: وصلنا وإياكم مستمعينا الكرام إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم استفهامات قرآنية، نسأل الله –عز وجل-أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا إلى تلاوة القرآن الكريم وتدبره في هذا الشهر المبارك، شكرًا عاطرًا ودعاء صادقًا لضيف البرنامج صاحب الفضيلة الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الأستاذ في قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، شكر يتواصل لمسجل هذه الحلقة عثمان بن عبد الكريم الجويبر .السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.