المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وقدوتنا وحبيبنا وأسوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مستمعينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بكم في هذا اللقاء الذي يتجدَّد ويشرف بمتابعتكم من برنامجكم "استفهامات قرآنية".
في مطلع هذا اللقاء المبارك، يسرنا أن نرحِّب بضيفه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، مرحبًا بك شيخنا الكريم.
الشيخ: مرحبا بك، أهلا وسهلا ومرحبا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياكم الله شيخنا الكريم!
استفهامنا في هذه الحلقة جزء من آية قرآنية عظيمة ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾[البقرة: 28]، لو تكلمنا عن سياق الاستفهام شيخنا الكريم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فهذه الآية الكريمة في سورة البقرة في صدرها ذكر الله تعالى أقسام الناس، فذكر أهل الإيمان وأهل الكفر وأهل النفاق، ثم ذكر -جل في علاه- وجوب عبادته وحده لا شريك له، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾[البقرة: 21]، ثم ذكر موجبات إفراده بالعبادة، وفي سياق تقرير عبادته وحده لا شريك له، وإقامة الحجة على من خرج عن هذا الأصل العظيم، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة قال –سبحانه وتعالى-: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[البقرة: 28]، فهذا الاستفهام جاء في سياق الآيات المثبتة لوجوب عبادته وحده لا شريك له، وإنكار كل خروج عن هذا الأصل، وهذا الصراط المستقيم.
المقدم: لو تكلمنا -أحسن الله إليكم شيخنا الكريم- عن أداة الاستفهام، وكذلك الغرض من هذه الآية العظيمة؟
الشيخ: أما أداة الاستفهام فهي: (كيف) قال تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾[البقرة: 28]، هذه الأداة يطلب بها بيان كيفية وصفة وحقيقة الشيء، فالكيفية يعلم بها حقيقة الأمر، فقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾[البقرة: 28]، هي سؤال عن موجِب الكفر، لكن لما كان السؤال هنا ليس المقصود به الاستعلام، بل الله تعالى بكل شيء عليم، لا تخفى عليه خافية، أحاط بكل شيء علمًا، وسع علمه كل شيء جل في علاه، وسع كرسيه السماوات والأرض، لا إله غيره، فهو العليم الخبير العلي العظيم.
الاستفهام هنا هو في الحقيقة للتوبيخ، كما ذكر ذلك جماعة من أهل التفسير، توبيخ مَن كفر بالله وتأنيب من خرج عن هذه الجادة ، وإقامة الحجة على من أنكر قدرته ووجوده، ووجوب العبادة له –سبحانه وتعالى-، جاء ذلك في سياق التوبيخ والتعجيب من حال هؤلاء الذين كفروا بالله، والشأن أنهم أموات، كما قال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[البقرة: 28].
إذا كان الشأن كذلك أنتم أموات، جاء بعد هذا الموت حياة، موضع اختبار وابتلاء، وبعده موت وهو في الحياة البرزخية، ثم بعد ذلك حياة أبدية إما في جنة أو نار وإليه ترجعون، أي هذه الحياة الأخيرة ليست لهباء أو لغير غاية وهدف، بل هي لمحاسبتكم على أعمالكم، فإليه المرجع وإليه المصير، وهو –جل وعلا-يحاسب عباده ويلتقي بهم ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف: 110].
المقدم: شيخنا الكريم، لو تكلمنا هنا عن المعنى الإجمالي لهذه الآية العظيمة، وكذلك هذا الاستفهام الوارد بها ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾[البقرة: 28]؟
الشيخ: الله –جل وعلا-ذكر في هذه الآية الكفر، فقال: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾[البقرة: 28]، والكفر بالله هو عدم الإيمان به، ولا فرق في ذلك بين أن يكون عدم الإيمان سببه التكذيب لما أخبر الله تعالى به، أو سببه الاستكبار، أو سببه الإباء، أو سببه الإعراض، أو غير ذلك من الأسباب التي توقع الناس في الكفر، فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد والإقرار بما جاء به الخبر عن الله –عز وجل-وعن رسوله –صلى الله عليه وسلم-فهو كافر، إذ إن الإيمان حقيقته الإقرار المستلزم للإذعان والقبول، والكفر نقيض ذلك؛ إذ هو عدم الإيمان بعدم الإقرار بما يجب الإقرار به في شأن الله تعالى من الإيمان به وبأسمائه وصفاته وأصول الإيمان وأركان الإسلام التي يدخل بها العبد في دائرة المؤمنين.
فالكفر في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾[البقرة: 28]، أي كيف تقعون في عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان تكذيبًا، أو كان شكًّا، أو كان إعراضًا، أو كان إباء، أو كان حسدًا، أو كان كبرًا، أو كان ما كان من الأسباب الصارفة عن الإيمان بالله –عز وجل-، والكفر هنا المراد به الكفر الأكبر الذي يخرج به الإنسان عن دائرة الإيمان، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾[العنكبوت: 68]، وإمام الكافرين بالله هو إبليس، فإنه أول من كفر فيما جاء به الخبر عن الله –عز وجل-، إذ قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[البقرة: 34]، فهو إمامهم ومقدَّمهم في الكفر وفي العقوبة عليه، أعاذنا الله تعالى وأجارنا وإياكم من الكفر وخصاله وأعماله.
وقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[البقرة: 28]، هو بيان لأطوار الإنسان وأطباقه، فالإنسان كان ميتًا، وموته هو أنه لا وجود له ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾[الإنسان: 1]، هذا الزمن المتطاول قبل أن نوجد أين كنا؟ لم نكن شيئًا مذكورا، كنا في عدم لا نذكر ولا نعرف، فتفضل الله علينا بالحياة، فكنا شيئًا بعد أن لم نكن، أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، تفضل علينا بالأسماع والأبصار والأسباب الموجبة للترقي في المعرفة والعلم، حتى بلغنا ما بلغنا من المعرفة والعلم وإصلاح المعاش والميعاد.
ثم بعد ذلك ينقضي الأجل، ويموت الإنسان الموتة الثانية، التي هي موتة الارتهان بالعمل، ثم بعد ذلك يأتي البعث والنشور الذي يخرج فيه الإنسان الناس من الأجداث، ويقومون لرب العالمين حفاة عراة غرلًا يحاسبون على أعمالهم، وهذا الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية ذكره تعالى في موضع آخر في قوله تعالى في قول أهل النار قال: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا﴾[غافر: 11]، أمتَّنا اثنتين تفصيله في هذه الآية في سورة البقرة ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾[البقرة: 28] فجدير بكل إنسان أن يعرف أن موجبات التوحيد موجبات الإيمان كثيرة، من أعظمها أن تعلم أن الله خلقك ورزقك، ومن كل خير أمدَّك، وهو المتفضل عليك أنت في حكمه لا تخرج عن قضائه وقدره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، يقينك بهذا وعلمك بافتقارك إلى ربك ينفي عن قلبك الكفر، ويبدِّد شبهاته، ويقر بذلك في قلبك الإيمان به جل في علاه.
أسال الله –عز وجل-أن يزيدنا إيمانًا وبصيرة وهدى، وأن يعيذنا من الكفر وخصاله وأعماله.
المقدم: إذًا مستمعينا الكرام وصلنا وإياكم إلى ختام حلقتنا لهذا اليوم كل الشكر والتقدير بعد شكر الله –عز وجل-لضيفنا الكريم صاحب الفضيلة الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، الشكر يمتد لأخي وزميلي مسجل هذه الحلقة عثمان بن الكريم الجويبر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.