المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مستمعينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبا بكم في هذا اللقاء الذي يشرف بمتابعتكم من برنامجكم اليومي "استفهامات قرآنية".
في مطلع هذا اللقاء يسرنا أن نرحب بضيفه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم مرحبًا بكم شيخنا الكريم.
الشيخ: أهلا وسهلا بك، مرحبا بك، وأرحب بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله لي ولهم التوفيق والسداد والإعانة على صالح العمل.
المقدم: اللهم آمين، استفهامنا القرآني الذي سنتناوله -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة ورد في قول الله –عز وجل-﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد: 16] شيخنا الكريم! لو تكلمنا هنا عن هذه الأداة التي استخدمت في هذا الاستفهام القرآني، وكذلك الغرض منه؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
هذه الآية الكريمة في سورة الحديد صدَّرها الله تعالى بالاستفهام الذي جاء بالهمزة، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾[الحديد: 16]
هذه الآية الكريمة الاستفهام فيها هو استبطاء لتحقيق الإيمان الذي ندب الله تعالى المؤمنين إليه فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ﴾[الحديد: 16]، أي: ألم يحن الزمان والوقت ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الحديد: 16]، فهذا استبطاء من الله تعالى لعباده الصالحين في تأخرهم عن تحقيق الذروة الممكنة من الإيمان، قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا بهذه الآية الكريمة ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الحديد: 16] إلا أربع سنين[صحيح مسلم:(3027)]، أي: كان بين إسلامهم وبين نزول هذه الآية هذا الأمد الذي ذكره وهو أربع سنين، وهذا يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم تحقق لهم الإيمان، إن الله تعالى وصفهم به فقال: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الحديد: 16]، فالإيمان تحقق لهم، لكن الله تعالى ندبهم وحثَّهم ورغَّبهم في الترقي إلى أعلى ما يمكن من الإيمان للخشوع لذكره جل في علاه وما نزل من الحق.
هذا سياق الآية، وهذه هي الأداة المستعملة فيها، وهذا ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد جاء عن ابن عباس أن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على ثلاثة عشرة سنة من نزول القرآن، كما قال ذلك في بعض الآيات، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[المؤمنون: 1-2]، والأقرب -والله تعالى أعلم- هو ما جاء في صحيح الإمام مسلم من قول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم! لو تكلمنا -أحسن الله إليكم- عن المعنى الإجمالي لهذه الآية الكريمة؟
الشيخ: قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾[الحديد: 16]، أي: ألم يحن للذين صدقوا وأقروا بما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-أن تخشع قلوبهم، وخشوع القلب هو لينه، وذهاب القسوة عنه، وهو ذله وانكساره، وهو طمأنينته وسكونه، إذ إن الخشوع حقيقته تدور على أمرين؛
الأول: الذل والانكسار، والثاني: السكون والطمأنينة.
ومتى اجتمع هذه الأمور في القلب فإنه يكون قد خشع، ولذلك وصف القلب الخاشع بأنه مطمئن، بأنه الذليل بأنه الخاضع، بأنه الساكن، وكل هذه الأوصاف تثمر لينًا ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ﴾:تلين ﴿لِذِكْرِ اللَّهِ﴾[الحديد: 16]، أي: لما جاء مما يذكر به، فذكر الله يشمل هنا كل ما يذكر به من الآيات الحكيمات النازلة على رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ومما يكون من ذكر الله تعالى بالقول، ومما يكون من ذكره تعالى بالعمل كالصلاة وسائر الأعمال الصالحة، ومما يكون من ذكره بالآيات في الآفاق والأنفس.
فكل ذلك مما يذكِّر بالله، لكن أعظم ما تلين به القلوب مما يحصل له بها الخشوع هو ما نزل من الحق فقوله: ﴿لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ﴾[الحديد: 16]
العطف هنا من باب عطف الخاص على العام، فبعد أن ذكر ذكر الله الذي يشمل كل ما يذكر به –سبحانه وبحمده-من الآيات الآفاقية، ومن الآيات التي أوحى إلى رسوله وما يكون من الأعمال المذكِّرة به ذكر شيئًا خاصًّا وهو القرآن قال: ﴿وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾[الحديد: 16].
ولا شك أن القرآن الكريم أعظم ما يزداد به الإيمان، ويثبت به اليقين، ويبلغ به الإنسان أعلى درجات الإحسان، فلا يمكن أن يبلغ الإنسان صلاحًا في دينه، واستقامة في عمله وطيبًا في قلبه وفؤاده بمثل ما يدركه بآيات الكتاب الحكيم.
قال الله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الحشر: 21]، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يعتني بالقرآن العظيم، فإنه أعظم ما تطيب به القلوب، وليحذر الغفلة عن القرآن، فإن الذين غفلوا عن القرآن لابد أن ينالهم من القسوة في قلوبهم ما نبه إليه الله –عز وجل-وحذر منه في قوله، ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ﴾[الحديد: 16]
ذكر إتيان الكتاب الذي هو أعظم ما تصلح به القلوب، لكن أولئك أوتوا الكتاب فطال عليهم الأمد طال عليهم الزمان بعدوا عن دلالات القرآن، ودلالات الكتاب وهدايته فماذا أثمر؟ ماذا نتج؟ ﴿فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾[الحديد: 16] أي: صلبت ويبست وبعدت عن الخير، واشتدت ووجدت من القلق والضيق ما يصرفه عن الاستقامة والصلاح.
ثم قال تعالى بعد أن ذكر قسوة القلب النتيجة قال: ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد: 16] أنه تدرج بُعد عن النور يوقِع في ظلمة وقسوة وشر، ينتج عنه فساد واختلال في الباطن والظاهر، لكن هل من بعد عن القرآن لا يمكن أن يراجع طريق الهدى ويعود إلى الصراط المستقيم؟ الجواب: لا، جاءت البشارة في الآية التالية قال الله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾[الحديد: 17]، يعني أن الله تعالى يحيي القلوب بعد قسوتها، بعد بعدها عنه، بعد تورطها في الفسق كما يحيي الأرض الجدباء التي خلت من كل نبت، وأقحلت، وخلت من كل حي، يأتي المطر، فتنشأ هذه الأرض وتطيب بكل ما يكون فيها من زهر وزرع، كذلك القلوب إذا قست فإن الله يحييها بما أنزل من الهدى ودين الحق ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[الحديد: 17]، نسأل الله أن يحيي قلوبنا بالقرآن، وأن يجعلنا من أهله العاملين به، القائمين به، التالين له إناء الليل وإناء النهار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم: إذًا كل الشكر والتقدير والدعاء العاطر لضيفنا الكريم في هذه الحلقة مستمعينا الكرام الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، الشكر يتواصل لكم أنتم مستمعينا الكرام على حسن الإنصات وكريم المتابعة ولمسجل هذه الحلقة عثمان بن عبد الكريم الجويبر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.