إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَات أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْللْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد:
فَاتُّقُوا اَللَّه عِبَادَ اَللَّهِ، وسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن ربِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَعْظَمَ مَا يُسَابَق إِلَيْهِ فِي مَوَاسِمِ اَلْبَرِّ وَالْخَيْرِ أَنْ يَفُوزَ اَلْعَبْدُ بِمَغْفِرَةِ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمُسَابَقَةِ إِلَى مَغْفِرَتِهِ، وَأَمَرَ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ:﴿وَسَارِعُواإِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾[آلُ عِمْرَانْ: 133]، وَقَالَ فِي اَلْآيَةِ اَلْأُخْرَى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [اَلْحَدِيدُ: 21]، فَبَادِرُوا أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِلَى اَلْمُسَابَقَةِ إِلَى مَا أَمَرَكَمْ اَللَّهُ تَعَالَى بِالْمُسَابَقَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ اَلسَّبْقُ إِلَى مَغْفِرَتِهِ، وَذَلِكَ بِأَخْذِ كُلِّ سَبَبٍ يُوجِبُ مَغْفِرَةَ اَلذُّنُوبِ، فَإِنَّ اَلذُّنُوبَ مِمَّا يُهْلِكُ اَلْإِنْسَانَ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّ لَمْ تُدْرِكْهُ رَحمَةُ اَللَّهِ وَمَغْفِرَتُهُ وَعَفْوُهُ وَصَفْحُهُ. «يَا عِبَادِيَ إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» [صَحِيحُ مُسْلِم: ح 2577 / 55] ، بَادِرُوا إِلَى كُلِّ مَا يُوجِبُ إِلَى مَغْفِرَتِهِ – جَلَّ وَعَلَا -، وَاحْتَسَبُوا اَلْأَجْرَ عِنْدَ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ -فِي ذَلِكَ، فَمَا مِنْ نَبِيٍّ أَتَى قَوْمَهُ إِلَّا وَأَمَرَهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هُودْ: 52]، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبِنَا كُلَّهَا دَقِّهَا وَجِلَّهَا، صَغِيرَهَا وَكَبِيرِهَا، عَلَانِيَتهَا وَسِرَّهَا.
وَهَذَا سَيِّد اَلْوَرَى اَلَّذِي غَفَرَ اَللَّهُ تَعَالَى لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، يَقُولَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّة». [صَحِيح مُسْلِمٍ: ح 2702 / 41] أَقُولُ هَذَا اَلْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ اَلْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمِ.
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمَدًا يُرْضِيه، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمِنْ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أَمَّا بَعْد.
فَاتَّقُوا اَللَّه عِبَادَ اَللَّهِ، اِتَّقَوْا اَللَّهُ تَعَالَى فِي اَلسِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَارْقبُوَهْ -جَلَّ وَعَلَا- فِي اَلْخَفِيِّ وَالْمُعْلَنِ، وَارْجُوا مِنْهُ اَلْعَطَاءَ وَالنَّوَال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [اَلْمَلِكُ: 12] اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَات أَعْمَالِنَا. أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: أَنْتُمْ فِي مَوْسِمِ بَرٍّ وَخَيْرٍ، فِي مَوْسِمٍ تُحَطُّ فِيهِ اَلْخَطَايَا، وَتُرْفَعُ اَلدَّرَجَاتُ، وَيَنَالُ بِهِ اَلْعَبْدُ فَوْزًا عَظِيمًا وَأَجْرًا كَبِيرًا لَمِنْ جَدَّ وَاجْتَهَدَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، قَالُوا: مَنْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ: لمنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ» أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِي: ح 3545، وَحَسَّنَهُ . هَذَا اَلمَوُسِمُ اَلْمُبَارَكُ مَوْسِمٌ تُغْفَرُ فِيهِ اَلْخَطَايَا، وَتُكْفَّرُ فِيهِ اَلسَّيِّئَاتُ، فَبَادِرُوا إِلَى كُلِّ أَسْبَابِ اَلْمَغْفِرَةِ «مَنْ صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [ صَحِيح اَلْبُخَارِي: ح 38 ] و «مَنْ قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » [صَحِيح اَلْبُخَارِي: ح 37] و «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ اَلْقَدَرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [ صَحِيحٍ اَلْبُخَارِي : ح 1901 ] ، وَمِنْ اِسْتَغْفَرَ اَللَّهَ غَفَرَ لَهُ، اِسْتَغْفَرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، كَمَا قَالَ اَللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ - فِي اَلْحَدِيثِ اَلْإِلَهِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» [ صَحِيحٌ مُسْلِمٌ : ح 2577 / 55 ] ، فَبَادِرُوا إِلَى سُؤَالِ اَللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ- اَلْمَغْفِرَةَ، وَأَلحُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ مَا يَنَالَهُ اَلْعَبْدُ فِي هَذَا اَلْمَوْسِمِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ وَقَدْ حَطَّ اَللَّهُ خَطَايَاهُ، وَغَفَرَ سَيِّئَاتِهِ، وَتَجَاوَزَعَنْ هَفَوَاتِهِ.
اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبِنَا كُلِّهَا دِقِّهَا وَجِلَّهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرَهَا، عَلَانِيَتهَا وَسِرِّهَا، مَا عَلِمَنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، اَللَّهُمّ أمِّنًا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلَحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ، اَللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيِّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى اَلْبَرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَاكْتُبْ مِثْلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ وُلَاةِ اَلْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَينَ، اَللَّهُمَّ قِنَا شَرَّ كُلَّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَعَنَّا وَلَا تُعِنْ عَلَيْنَا، اُنْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، آثِرْنَا وَلَا تُؤَثرُ عَلَيْنَا، اِهْدِنَا وَيَسِّر اَلْهُدَى لَنَا يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اِجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرِين، شَاكِرِينَ، رَاغِبِينَ، رَاهِبَيْنِ، أوَّاهِينْ مُنِيبِينَ، أَصْلِحَ قُلُوُبَنَا وَقَوِّم ظَاهِرِنَا، وَاجْعَلْنَا عَلَى خَيْرِ مَا نَكُونُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، وَفِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَلْقِكَ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ صِلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلَ مُحَمَّد كَمَا صَلَّيَت عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.