المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مستمعينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء الرمضاني المبارك من برنامجكم "استفهامات قرآنية"
في مطلع هذه الحلقة، يسرنا أن نرحب بضيفها صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة القصيم، أهلا وسهلًا ومرحبًا بكم شيخنا الكريم.
الشيخ: مرحبا بك، وحياك الله وحيا الله بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: لازلنا وإياك شيخنا الكريم نواصل رحلة التدبر في هذه الاستفهامات القرآنية العظيمة في كتاب الله الكريم.
استفهامنا القرآني في هذه الحلقة جاء في قول الله –عز وجل-: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]
لو تكلمنا عن أداة الاستفهام المستخدمة في هذه الآية الكريمة أحسن الله إليكم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
هذه الآية الكريمة تضمنت استفهامين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]، وأداة الاستفهام المستعملة هي (ما) في الموضعين في قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾[المطففين: 19]، وفي قوله: ﴿مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19].
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم، وما يتعلق بالغرض من هذا الاستفهام؟
الشيخ: الغرض من هذا الاستفهام هو: تفخيم وتعظيم هذا الذي ذكره الله تعالى في قوله: ﴿عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19] فهو تفخيم لعليون، وسيأتي بيان ما معنى هذه الكلمة، وما ورد فيها من تفسير، وقد جاءت هذه الآية بعد قول الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾[المطففين: 18]، ثم قال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19].
المقدم: إذًا لعلنا نستعرض وإياكم -أحسن الله إليكم- هذا السياق القرآني العظيم الذي وردت فيه هذه الآية العظيمة ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]، وكذلك نغترف وإياكم هذه الهدايات والكنوز المذخورة والدلالات في هذه الآية العظيمة.
الشيخ: في قول الله تعالى في سورة المطففين: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 18-19]، ذكر الله –جل وعلا-القسم الثاني من أحوال الخلق، فإن الله تعالى افتتح هذه السورة سورة المطففين بذكر الوعيد لأهل التطفيف، فقال: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[المطففين: 1-6]، إذا قام الناس لرب العالمين انقسموا إلى قسمين ،كما قال تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾[الشورى: 7]، بدأ الله تعالى بذكر فريق السعير، فقال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾[المطففين: 7-8]، ثم ذكر الله تعالى من أعمالهم وعقوبتهم ما بيَّن.
بعد ذلك قال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾[المطففين: 18]، وهذا هو القسم الثاني، ولتفخيم ذلك وعظيم ما ذكر الله تعالى من موضع هذا الكتاب عليين، قال –جل وعلا-: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]، فعظم الله تعالى هذا الموضع الذي جعله –جل وعلا-موضعًا لكتاب الأبرار، جعلنا الله تعالى وإياكم منهم!
والأبرار هم: من اشتغلوا بالبر، والبر هو صلاح القلب وصلاح العمل، فإنه لا يمكن أن يكون الإنسان موفقًا للبر إلا بتحقيق هذا المعنى العظيم الذي ذكره الله تعالى في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[البقرة: 177] اللهم اجعلنا منهم.
إذًا الأبرار هم الصادقون والمتقون، هم من طابت معادنهم، وصلحت قلوبهم، وهم من زكت أقوالهم واستقامت أعمالهم، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ﴾[المطففين: 18]--، أي: أهل البر الذين آمنوا بقلوبهم واستقاموا في ظواهرهم بأقوالهم وأعمالهم وفعلهم ﴿عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]، عظم الله شأنها فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾[المطففين: 19-20]
﴿عِلِّيُّونَ﴾ قيل في معناها عدة أقوال؛ فقيل: المراد بعليون السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين، وقيل: غرف الجنة، وقيل: سدرة المنتهى، وقيل: اسم علم للكتاب الذي تكتب فيه الحسنات، وقيل: عليون علوٌّ على علو مضاعف، فكأنه لأعلى الأماكن، أي: اسم لأعلى الأماكن التي يتبوؤها من يتبوؤها ممن قضى الله تعالى بأن يكون من أهلها.
وأقرب ما يقال في معنى عليون، أي في قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]، أنها اسم لأعلى الجنة، وتطلق على الجنة في الجملة، وإن كانت هي اسم لمنزلة من منازل الجنة، كما جاء ذلك فيما رواه أبو سعيد عن النبي –صلى الله عليه وسلم-حيث قال: «إن أهلَ الجنةِ ليتراءون أهلَ عليين كما ترون الكوكبَ الدريَّ في السماءِ، وإن أبا بكرٍ وعمرَ منهم»[صحيح البخاري(ح6555)، ومسلم(2831)، وليس فيهما ذكر أبي بكر وعمر]، وأنعم هذا بيان أن عليين منزلة في الجنة، لكن كما ذكرت هي منزلة في الجنة، وهي أيضًا اسم للجنة كما ذكر ذلك جماعة من أهل العلم.
ففي كتاب حادي الأرواح عندما ذكر ابن القيم –رحمه الله-أسماء الجنة، ذكر من جملة أسمائها هذا الاسم، فمن أسماء الجنة: عليون نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
كما أن للجنة أسماء كثيرة فهي المقام الأمين، وهي جنات النعيم، وهي الفردوس، وهي دار الحيوان أي الحياة الكاملة التي لا نقص فيها، وهي جنة عدن، وهي جنة المأوي، وهي دار المقامة، وهي دار الخلد إلى غير ذلك مما ذكر الله تعالى في كتابه الحكيم.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم، هل هذا الاستفهام القرآني موجه للرسول –صلى الله عليه وسلم-أم إلى عموم المؤمنين؟
الشيخ: في ابتدائه ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾[المطففين: 19]، خطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم-وهو خطاب لكل من خوطب به القرآن، لكن أول من يدخل في هذا الخطاب هو من أنزل عليه القرآن محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
المقدم: شكر الله لكم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور على هذا الحديث عن هذا الاستفهام القرآني﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾[المطففين: 19]، نسأل الله –عز وجل-أن يجعلنا وإياك والمستمعين الكرام في عليين، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
إذًا مستمعينا الكرام كل الشكر والتقدير بعد شكر الله –عز وجل-مع عاطر الدعاء لضيفنا الكريم في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة القصيم الشكر يتواصل لأخي وزميلي مسجل هذه الحلقة عثمان بن عبد الكريم الجويبر، نلقاكم إن شاء الله في استفهام قرآني آخر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.