المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مستمعينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء الرمضاني المبارك من برنامجكم اليومي "استفهامات قرآنية" .
نسأل الله –عز وجل-أن يتقبل منا ومنكم الصلاة والصيام والقيام والصالحات من الأعمال، في مطلع هذه الحلقة.
يسرنا أن نرحب بضيفها صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة القصيم، أهلا وسهلًا ومرحبًا بكم شيخنا الكريم.
الشيخ: حياكم الله ، أهلا وسهلا بك وأرحب بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياكم الله! استفهامنا القرآني في هذه الحلقة مستمعينا الكرام ورد في هذه الآية العظيمة ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 99]
شيخنا الكريم! لو تكلمنا -أحسن الله إليكم- عن أداة الاستفهام المستخدمة في هذه الآية الكريمة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فالاستفهام في هذه الآية جاء مستعملًا أداة الهمزة قال تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 99]، والهمزة هي أم الباب في أدوات الاستفهام، وقد ذكرها الله تعالى في هذه الآية في قوله –جل وعلا-: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 99].
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم ما يتعلق بغرض الاستفهام في هذه الآية؟
الشيخ: غرض الاستفهام في هذه الآية هو إنكار أن يكون ذلك مما طلب من النبي –صلى الله عليه وسلم-أو مما يقع منه –صلى الله عليه وسلم-﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 99]، فهو استفهام إنكاري، ولذلك قال جماعة من المفسرين: الهمزة للإنكار، أي: أتريد أنت يا محمد أن تكره الناس في إدخال الإيمان في قلوبهم وتضطرهم إلى ذلك، وليس ذلك إليك، إنما هو بيد الله –عز وجل-.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم! ما يتعلق بهذا السياق القرآني الكريم الذي وردت فيه هذه الآية وكذلك الدلالات والهدايات؟
الشيخ: هذه الآية الكريمة جاءت في سياق إخبار الله –عز وجل-عما يكون من حال الناس في إيمانهم وإقبالهم على ما جاءت به الرسل، قال الله تعالى مخبرًا عن المعرضين عن دينه قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾[يونس: 96-97]، ثم قال تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس: 98]، فالآيات جاءت مخبرة عن أن من قضى الله تعالى ألا يدخل الإيمان في قلبه فإنه لن يكون منه إيمان، ولو جاءت كل آية وبرهان على صدق ما جاءت به الرسل، فإن قلوبهم غُلف وأعينهم عمي وآذانهم صم فلا ينتفعون من هذه الآيات بشيء.
ولذلك قال: ﴿وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ﴾[يونس: 97]، ولن يؤمنوا إلا إذا عاينوا العقوبة ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾[يونس: 97]، إلا أن الله تعالى استثنى قوم يونس فقال: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾[يونس: 98]، يعني ما من قرية آمنت بعد أن حاق بها العذاب إلا قوم يونس، فإن الله استثناهم قال تعالى: ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس: 98]، ثم عاد الخطاب إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-في تسليته والتسرية عنه فيما وقع في نفسه من الأذى بسبب إعراض قومه وعنادهم وعدم قبولهم ما جاء به من الهدى ودين الحق قال له –جل وعلا-: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾[يونس: 99]، فالقلوب بيديه يصرفها بيديه كيف يشاء، فهو –جل وعلا-الذي يهدي إلى الصراط المستقيم كما قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾[القصص: 56]، فالهداية اصطفاء كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾[الأنعام: 124]، وهو أعلم بالمهتدين فهو –جل وعلا-أعلم بمن يستحق هذه المنة، وهي هداية قلبه وتوفيقه إلى العمل الصالح وإلى الإيمان بالله ورسله.
قال تعالى مخبرًا رسوله ومبينًا له أنه لا يملك ولم يأمر بحمل الناس على الطاعة والإحسان ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 99]، إنما ذلك إلى الله، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾[يونس: 100]، وهنا يبين الله –جل وعلا-أن الهداية منحة ومنة واصطفاء يخص الله تعالى بها من يشاء من عباده، وهذا التخصيص لأنه يعلم أن من منَّ عليه بالهداية أهل لذلك.
أما من منع الهداية فقد قامت فيه أسباب المنع، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾[الصف: 5]، وكما في هذه الآية قال: ويجعل الرجس أي الكفر والعناد والإعراض، فإن الكفر رجس ، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾[التوبة: 28]، قال: ﴿عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾[يونس: 100]، فمنهم السبب وهو أنهم لا يعقلون لا يفهمون ولا يعون الوعي الذي يهديهم إلى العمل الصالح والإيقان والقبول لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ولهذا كان هذا التنبيه تسرية للنبي –صلى الله عليه وسلم-وتسكين لما يجده في نفسه من الضيق بسبب عدم قبول ما دعاهم إليه، والله تعالى ذكر ذلك في مواضع عديدة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾[السجدة: 13]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾[الأنعام: 35]، وقال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ﴾[الأعراف: 186]، فالهداية من الله –عز وجل-ومنحة منه –جل وعلا-هو أعلم بمن يستحقها ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾[القصص: 56]، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يكتم في نفسه حزنًا ومشقة ألا يستجاب لما يدعو إليه من الهدى شفقة على الناس، كما قال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء: 3]، وكما قال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾[فاطر: 8]، كل ذلك لعظيم شفقته، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة: 128].
ولهذا ينبغي أن يعلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم-مهمته البيان والإيضاح والدلالة إلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الشورى: 52]، أما هداية القلوب وتوفيقها إلى العمل الصالح وتوفيقها إلى قبول ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم-، فذاك من الله منَّة ومنحة، فلنسأل الله الهداية.
ولذلك شرع لنا في كل ركعة من صلواتنا فرضًا أو نفلًا أن نقول: )اهدنا الصراط المستقيم([الفاتحة:5] ، عندما نقول: )اهدنا الصراط المستقيم([الفاتحة:5]، نحن نسأل الله –عز وجل-أمرين؛ الهداية التي نعرف بها الحق والهداية التي نوفق بها إلى العمل بالحق هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والعمل.
اللهم اهدنا فيمن هديت، خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا اجعلنا لك ذاكرين شاكرين راغبين راهبين أوَّاهين منيبين، تقبل توبتنا، وثبِّت حجَّتنا، واغفر ذلتنا، وأقِل عثرتنا، يا ذا الجلال والإكرام.
المقدم: أحسن الله إليكم، شيخنا الكريم وبارك فيكم وفي علمكم، نسأل الله –عز وجل-أن يوفقنا وإياكم إلى كل خير.
كل الشكر والتقدير مستمعينا الكرام، بعد شكر الله مع عاطر الدعاء لضيفنا الكرام في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة القصيم والذي أمضينا معه هذه الرحلة التدبرية المباركة مع هذه الاستفهامات القرآنية، وكان استفهامنا في هذه الآية العظيمة ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[يونس: 99]
شكر الله له، الشكر يتواصل لأخي وزميلي مسجل هذا اللقاء عثمان بن عبد الكريم الجويبر، نلقاكم إن شاء الله –عز وجل-في استفهام قرآني آخر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.