الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم أما بعد.
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إِلاَّ لمن وصله بما قبله أَوْ وافق عادة لَهُ بأن كَانَ عادته صوم الإثنين والخميس فوافقه:
عن أَبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: ((لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُم رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَومَهُ، فَليَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ))متفقٌ عَلَيْهِ.البخاري (1914)، ومسلم (1082)
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ: قَالَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((لاَ تَصُومُوا قَبْلَ رَمضَانَ، صُومُوا لِرُؤيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَايَةٌ فَأكْمِلُوا ثَلاثِينَ يَوْماً))رواه الترمذي وقال: ((حديث حسنٌ صحيح))أبو داود (2327)، والترمذي (688).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: قَالَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((إذا بقي نصف شعبان أو إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا)).رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. أبو داود (2337)، وابن ماجه (1651)، والترمذي (738)
هذه الأحاديث الثلاثة كلها في معنى واحد، وهو النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا الحديث الأخير، فإنه قال فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا».
أما الحديث الأول قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين» نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أن يسبق أحد رمضان بصوم يوم أو يومين على وجه الاحتياط له ثم أذن ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمن كان يصوم صومًا، فقال: «إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه» يعني له صوم معتاد كصوم يوم وإفطار يوم، أو صوم اثنين وخميس ويوافق ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين أو كان عليه صوم واجب، كصيام شهرين متتابعين في كفارة، أو صيام كفارة من الكفارات، أو صيام قضاء رمضان لم يتمكن منه إلا في آخر شهر شعبان، كل ذلك مستثنى من النهي؛ لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم» فلا حرج في أن يصوم في ذلك اليوم.
هذا الحديث أفاد جملة من الفوائد:
من فوائده: أن سبق رمضان بصوم يوم أو يومين مما نهى عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد جاء تأكيد هذا النهي أيضًا في حديث عبد الله بن عباس؛ حيث قال: "لا تصوموا قبل رمضان" وبيانه في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
وفي حديث أبي هريرة الأول ما يبين إشكالية في حديثه الأخير، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين" وهذا نهي عن تقدم رمضان بهذا القدر، فحديثه في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا" يشكل مع هذا الحديث الذي خص النهي بيومين، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا ينهى عن الصيام بعد منتصف شعبان؛ لقوة حديث النهي عن صيام يومين، والإذن بما قبل ذلك في مفهوم الحديث.
وأما منطوق حديث "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا" فقد تكلم فيه العلماء في إسناده، والذين قالوا بثبوته، قالوا: إن النهي على وجه الكراهية، وليس على وجه التحريم. وقال آخرون: إن النهي إنما هو عمن لم يصم من أول شهر شعبان، والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه لا نهي عن الصيام قبل يوم أو يومين رمضان؛ لضعف هذا الحديث.
وفيه: جواز صوم ما قبل رمضان بيوم أو يومين إذا كان ذلك لغير الاحتياط لرمضان.
وفيه: النهي عن صيام يوم الشك.
وفيه أيضًا: بيان سماحة هذه الشريعة ويسرها.
وفي قوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» العمل باليقين والبعد عما يكون من الشكوك والأوهام، فإن الشريعة لا تبنى العمل إلا على اليقين إن تمكن الإنسان منه، فإن لم يكن ممكنًا فيصار إلى غلبة الظن.
وفيه: أن الرؤية المعتبرة هي ما يكون في أواخر الأشهر، وذلك لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لا تصوموا قبل رمضان ثم قال: صوموا لرؤيته» فرؤية الهلال المعتبر، هو ما كان قبل دخول الشهر ما كان بعد الإصرار بعد غياب القمر بالكلية، فإنه يطلب الهلال فإذا رأي فيكون قد ثبت الشهر فيصام لرؤيته كما يفطر لرؤيته.
هذه بعض المسائل وثمة مسائل عديدة فقهية في هذه الأحاديث، نسأل الله ـ تعالى ـ أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته والله تعالى أعلم.