الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إِلاَّ لمن وصله بما قبله أَوْ وافق عادة لَهُ بأن كَانَ عادته صوم الإثنين والخميس فوافقه:
عن أَبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن عمار بن ياسر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم))رواه أبو داود والترمذي، وقال: ((حديث حسن صحيح))أبو داود (2334)، وابن ماجه (1645)،والترمذي (686).
هذا الحديث الشريف تضمن نهي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن صوم يوم الشك؛ حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم» واليوم الذي يشك فيه للعلماء فيه أقوال:
فذهب الحنفية: إلى أن اليوم الذي يشك فيه هو يوم الثلاثين من شعبان مطلقًا.
وقال المالكية وبعض الحنابلة: هو يوم الثلاثين إذا حال دون رؤية هلاله غيم أو قطر.
وقالت الشافعية: هو كذلك ويضاف إليه إذا لم يتراءى الناس أو كان هناك ما يمنع من الرؤية.
وقال الحنابلة: هو اليوم الذي لا يرى فيه الهلال ليلة الثلاثين من شعبان.
فهذه أقوال أهل العلم فيما يتصل بتعيين يوم الشك، وأقرب هذه الأقوال، هو ما ذهب إليه المالكية وبعض الحنابلة من أن يوم الشك الذي ينهى عن صيامه هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا حال دون رؤية الهلال ليلته غيم أو قطر، أما إذا لم يكن غيم ولا قطر، فإنه لا يصام وليس بيوم الشك؛ بل هو يوم يقين، والنهي عنه لا لأنه يوم شك؛ لكن لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين احتياطًا له.
هذا فيما يتصل باليوم الذي يشك فيه.
إذًا اليوم الذي يشك فيه هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال في ليلته غيم أو قطر وهذا ما ذهب إليه المالكية واختاره أيضًا بعض الحنابلة، فاليوم الذي يشك فيه، وهو المنهي عن صيامه هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية هلاله غيم أو قطر، وقد أضاف إلى ذلك الشافعية إذا وقع في الألسن أنه رؤية؛ لكن لم يتقدم أحد بالشهادة أو تقدم ما لا تقبل شهادته.
وعلى كل حال الشك هو وجود احتمال ولا يكون كذلك إلا لوجود ذلك، وهو ما ذكره فقهاء المالكية والحنابلة أو وبعض الحنابلة، وكذلك يضاف إليه الأحوال التي ذكرها بعض الشافعية هذا اليوم ينهى عن صيامه احتياطًا لرمضان، لكن لو صامه الإنسان لغير ذلك، فإنه لا حرج عليه في صومه؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه"البخاري (1914)، ومسلم (1082) أي إلا رجل له صيام معتاد من نفل أو قضاء فرض وواجب، أو غير ذلك مما يكون من صيام الإنسان الذي لا يقصد به تحري الاحتياط لرمضان، فإنه لا ينهى عنه.
ولهذا قوله: "فقد عصا أبا القاسم" محمول على من صامه احتياطًا لرمضان، وأما من صامه لسبب آخر من صيام معتاد فرض أو نفل، فلا حرج عليه في ذلك، وقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في حكم صوم يوم الشك، فذهب طائفة من أهل العلم: إلى أن ذلك مكروه؛ لقوله: "عصا أبا القاسم".
وقال آخرون: بل هو محرم، وهذا هو الأقرب فيما يدل عليه الحديث؛ لأن المعصية لا تكون إلا فيما هو محرم، وأما المكروه فإنه لا يوصف صاحبه بالمعصية، فلا يقال: "عصا أبا القاسم" لأنه لا يترتب على فعله ما كره ذنب ولا إثم.
فالراجح أن صيام الشك حرام، لا يجوز لنهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه فيما دل عليه قوله: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين" في حديث ابن عباس قال: "لا تصوموا قبل رمضان" وفي حديث عمار بن ياسر قال: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم"، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.