الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد.
نقل النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين،باب فضل تعجيل الفطر وَمَا يفطر عَلَيْهِ، وَمَا يقوله بعد الإفطار:
عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: ((لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ))متفقٌ عَلَيْهِ. البخاري (1957)، ومسلم (1098)
هذا الحديث يخبر فيه النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ باستمرار الخير في الناس مدة دوامهم على تعجيل الفطر، أي ما دام الناس على هذا العمل وهو المبادرة إلى الفطر في أول وقته، فإنه لا يزال فيهم الخير ظاهرًا فاشيًا منتشرًا، فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا يزال في الناس" يعني أهل الإسلام لا يزال الناس بخير في أمر دينهم وأمر دنياهم ما عجلوا الفطر.
وهذا الحديث يفيد جملة من الفوائد:
من فوائده: استحباب تعجيل الفطر، وهذا أظهر ما يكون، وتعجيل الفطر هو المبادرة إليه في أول وقته وذلك أن الله ـ جل وعلاـ أمر بالصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فقال ـ تعالى ـ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة: 187] والليل أول أوانه غروب الشمس وذهاب قرصها، فإذا حل ذلك، أي إذا حصل غروب الشمس، فإنه يفطر الصائم، وتعجيل الفطر يكون في الأكل أو الشرب وهو ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من العمل في تعجيل الفطر، فكان يفطر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تمر هذا هو السُّنة، فإذا لم يتيسر للإنسان شيء يأكله في فطره، فيتحقق له تعجيل الفطر بالخروج عن نية الصوم، بمعنى نية الفطر، فإنه إذا نوى الفطر أفطر، وهذا يحصل أحيانًا لمن يكون في سوق أو يكون في سيارة، أو يكون في مكان لا طعام ولا شراب معه، فإن حصول الفطر في حقه يكون بنية الفطر، فيتحقق له سنية التعجيل بهذا، لكن إن كان بحضرة ما يأكل أو يشرب، فإن تحقيق ذلك بالأكل والشرب؛ لأنه فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفيه من الفوائد أيضًا: أن عمل الناس بالسنة من أسباب ظهور الخير فيهم، فإذا اجتمع الناس على العمل بالسنة، وظهرت بينهم كان ذلك من دلائل الخير، ومن بشائر حصول ما يؤملونه من خير الدنيا والآخرة، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".
وفيه من الفوائد: أن الشريعة جاءت بتلبية الحاجات الفطرية الطبيعية التي تراعى لتحقيقي مصلحة الإنسان، وإدراك ما يكون سببًا لسعادته، فإن تعجيل الفطر رغبة نفسية رغبة بشرية جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخير في الأمة على حصول ذلك مما يدل على أن هذه الشريعة جاءت بما يوافق الفطرة وبما يلائم الإنسان، وبما يكون فيه صلاح دينه ودنياه، فنسأل الله ـ تعالى ـ لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.