المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مستمعينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم في برنامجكم اليومي "استفهامات قرآنية"
في مطلع هذا اللقاء المبارك مستمعينا الكرام يسرنا أن نرحب بضيفه صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور خالد ابن عبد الله المصلح أستاذ بكلية الشريعة بجامعة القصيم، أهلا وسهلًا ومرحبًا بكم شيخنا الكريم.
الشيخ: حياكم الله! أهلا وسهلا بك وبالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات حياكم الله.
المقدم: الله يحييك شيخنا الكريم مستمعينا الكرام استفهامنا القرآني ورد في هذه الآية الكريمة العظيمة، قال الله –عز وجل-: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص: 75]
شيخنا الكريم! لو تكلمنا هنا عن أداة الاستفهام المستخدمة في هذه الآية الكريمة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فقد قال الله –عز وجل-في صدر هذه الآية ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص: 75]
هذه الآية الكريمة أداة الاستفهام المستعملة فيها هي (ما) و (ما) الاستفهامية الأصل أنه يستفهم بها عن غير العاقل، وقد يسأل بها عن الجنس، كما هو الشأن في هذه الآية، فإن المستفهم عنه هنا في هذه الآية هو أيُّ جنس من أجناس الموانع منعك من السجود، والمعنى: أيُّ غرض لك في الامتناع، وأي سبب حملك على ألا تسجد مع الساجدين؟
فأداة الاستفهام هي (ما)، والمستفهم عنه هو السبب والحامل له على عدم قيامه بما أمره الله تعالى به من السجود.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم، الغرض من الاستفهام في هذه الآية الكريمة؟
الشيخ: الاستفهام في هذه الآية الكريمة ليس المقصود به الاستخبار والاستعلام، فالله بكل شيء عليم، يعلم السر وأخفى، إنما غرضه الإنكار والتوبيخ والتقرير لإبليس، حيث امتنع عن امتثال ما أمر الله –عز وجل-من السجود لآدم عليه السلام.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم، ولو توقفنا وتأملنا وإياكم أحسن الله إليكم مع هذا بالسياق القرآني الذي ورد فيه هذا الاستفهام؟
الشيخ: الله –عز وجل-قص في محكم كتابه في مواضع عديدة ما جرى في شأن خلق آدم وعداوة إبليس له، فالله تعالى في هذه الآية أخبر الملائكة: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾[ص: 71]، وهو آدم عليه السلام ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[ص: 72]، فأمرهم الله تعالى بالسجود لآدم إكرامًا له وبيانًا لفضله على الخلق، وليس هذا السجود سجود عبادة، فما كان من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون إلا أن امتثلوا قال تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾[ص: 73]، قرر الامتثال التام الكامل من جميع الملائكة بعدد من المؤكدات قال تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾[ص: 73]، ثم ذكر من خرج عن هذا الامتثال العام من الملائكة فقال: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[ص: 74]، وبه يتبين أن الاستفهام في قوله: ﴿مَا مَنَعَكَ﴾[ص: 75]، ليس استكبارًا، وإنما هو إنكار على ما جرى منه؛ إذ إن الله تعالى بين الحامل لإبليس على الامتناع ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ﴾[ص: 74]، أي: علا عن أمر الله –عز وجل- وترفع عن امتثال أمره جل في علاه، وبذلك انضم إلى حزب أعداء الله تعالى وكان من الكافرين ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾[ص: 75]، ثم بين مسوغات الامتثال.
أولًا أنه أمره –جل وعلا-أمر الله –عز وجل-يقتضي الامتثال.
الثاني ما خص الله تعالى به آدم u، وهذا بيان فضيلة آدم وهو قطع لحجته على عدم الامتثال ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص: 75]، عاد مقررًا ما كان عليه من سبب الامتناع فقال: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾[ص: 75]، أي الذي منعك أنك استكبرت، فوقع في نفسك من الكبر ما حال بينك وبين الامتثال، أم أنك من الذين في الأصل لا تدخل تحت هذا الأمر لعلوِّك، كلاهما لا يستحقه، فلا يجوز له كبر على أمر الله –عز وجل-، وليس ثمة عالم عن أمر رب العالمين كان منه الجواب في تبرير قبيح فعله وامتناعي عن طاعة ربه ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾[ص: 76-77]، هذه العقوبة التي نالت هذا العاصي الذي خرج عن أمر الله –عز وجل-هذا العدو الذي تربص بآدم وذريته، قال تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾[ص: 77]
مرجوم لقبيح فعلك وسوء صنعك، والرجيم هو المطرود المبعد من كل خير، ثم أضاف إلى ذلك ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي﴾[ص: 78]، أي: الذم والعيب والبعد عن رحمة الله إلى يوم الدين، فهي دائمة مستمرة، فخروجه عن الجنة التي جعلها الله تعالى دارًا لأهل الطاعة والإحسان خروجه عن المنزلة التي كان عليها، إنما سببه ما كان من معصية الله –عز وجل-، وليس سلامة له من أن تناله عقوبة رب العالمين، بل هو رجيم، وعليه اللعنة إلى يوم الدين.
وهذه الآية الكريمة بيَّنت عظيم ما نال إبليس بمعصيته لربه، وقد جاء في موضع آخر قال رب العالمين: ﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾[الأعراف: 13]، وبيَّن أن السبب المانع من امتثاله أمر الله –عز وجل-ما قام في نفسه من الكبر والعلو، ولما كان هذا هو السبب عوقب بنقيض قصده، فكان رجيمًا وكان ملعونًا وكان مهبطًا منزلًا من المنزلة العالية والجنة الرفيعة إلى اللعنة والعذاب والصغار، قال الله تعالى: ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾[الأعراف: 13]، أي: المهانين الأذلَّين جزاء على كبره وعجبه بالإهانة والذل.
وهذا يبين أن كل من طلب العلو بمعصية الله لا ينال بذلك إلا سفولًا، ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كبرٍ»[صحيح مسلم:(91/147)] إذ الكبر يتنافى مع حقيقة العبودية التي حقيقتها الذل والانكسار والخضوع لرب العالمين والله تعالى يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾[القصص: 83] جعلنا الله تعالى وإياكم منهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم: اللهم صلّ على محمد، كل الشكر والتقدير مستمعينا الكرام بعد شكر الله –عز وجل-مع دعاء صادق لضيفنا الكرام في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة القصيم متحدثا عن هذا الاستفهام القرآني الذي ورد في هذه الآية الكريمة ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص: 75]، فشكر الله لشيخنا الكريم، الشكر موصول لأخي وزميلي مسجل هذا اللقاء عثمان بن عبد الكريم الجويبر، نلقاكم -إن شاء الله- في الحلقة القادمة واستفهام قرآني آخر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.