الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فقد نقل النووي –رحمه الله-في باب فضل تعجيل الفطر وَمَا يفطر عَلَيْهِ، وَمَا يقوله بعد الإفطار:
عن سلمان بن عامر الضَّبِّيِّ الصحابي ـ رضي الله عنه ـ عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: ((إذَا أفْطَرَ أحَدُكُمْ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ؛ فإنَّهُ طَهُورٌ))رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: ((حديث حسن صحيح)).أبو داود (2356)، والترمذي (696)
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: كَانَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُفْطِرُ قَبْلَ أنْ يُصَلِّي عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال:((حديث حسن))أبوداود (2356), والترمذي (696).
هذان الحديثان يبينان السنة في الفطر، فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أمر في حديث سلمان أن يفطر الإنسان على تمر، فقال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر" والتمر هو ثمر النخل، وهو معروف وأنواع وأصناف، والحديث لم يخص صنفًا دون صنف، فليتخير الإنسان من تلك الأصناف ما يحب وما يشتهي.
والسنة في التمر أن يكون رطبًا، كما دل عليه حديث أنس ـ رضي الله تعالى عنه ـ حيث قال:" كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفطر قبل أن يصلي على رطبات"سنن إبي داود (2356), وسنن الترمذي (696), وقال الترمذي: حديث حسن غريب.، فالأفضل في التمر هي الرطب إن تيسر فإن لم يكن فتمرات، وهو ما يبس أو جف من التمر، ثم إذا لم يجد فيحسو حسوات من ماء وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ السبب في التوجيه إلى ما قال: "فإنه طهور" أي فيه من الطهارة والنقاء ونفع البدن وتقويته وإصلاحه, وما يقوم مقام الطعام إذا لم يجد طعامًا يأكله.
وهذا الحديث الشريف أو هذان الحديثان الشريفان فيه جملة من الفوائد:
الفائدة الأولى: أن السنة في الفطر أن يكون على رطب، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، فإن لم يكن على رطب فعلى تمر، فإن لم يكن تمر فعلى ماء، فإن لم يكن تمر وما لم يأتي في الحديث ما يدل على ما الذي يفطر عليه الإنسان، لكن ذكر التمر والماء هما أيسر ما يمكن أن يجده الإنسان في الغالب، فإذا لم يجدهما، فإنه لا يجد غيرهما غالبًا؛ لكن إن وجد غيرهما، فإنه يصير إليه ويفطر به ليكسر الصوم بالفعل فإن الصوم يقوم على أمرين: على النية، وعلى الإمساك عن المفطرات، فإذا جاء وقت الفطر، فإنه يسن أن يخرج عن الصوم بشيء من المفطرات، وليس فقط بالنية إذا كان يمكن أن يفطر، ولذلك قال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء"، فهذا يدل على استحباب أن يتناول الإنسان عند الفطر شيئًا من المفطرات حتى ولو لم يكن يشتهي، ولم يكن راغبا في الطعام، فإنه يأخذ ما يكون في اليسير في المآكل أو المشرب.
وفي حال عدم وجود شيء من ذلك، فمن العلماء من قال: إنه يستمر الصيام, وهذا مذهب المالكية والحنفية يعني لا يزال صائمًا ما دام أنه لم يأكل ولم يشرب.
وقال جماعة من أهل العلم: بل يخرج من الصوم بالنية؛ لأن الصوم يقوم على أمرين: على إمساك على المفطرات بنية، فإذا لم يجد ما يأكله ليكسر صومه، فإنه يصير إلى الفطر بالنية، وهذا يحصل للإنسان أحيانًا عندما يكون في سيارة أو يكون في مكان لا طعام عنده، فإنه يتحقق له سنية تعجيل الفطر بأن ينوي الفطر فإنه من نوى الفطر أفطر.
وفيه من الفوائد أيضًا: ألا يكثر الإنسان عند فطره من المأكول، ولذلك استحب جماعة من العلماء ألا يفطر على ما مسته النار لما في ذلك مما قد يؤدي ذلك إليه من المفاسد في البدن، فقالوا: يفطر على تمر وهذا لا نرى فيه مفسدة، وكذلك ماء فإنه طهور.
ولهذا ينبغي الإنسان أن يقتصد لاسيما في أول أكله، ثم بعد ذلك يأكل ما شاء مما لذ وطاب مما يسره الله ـ تعالى ـ له.
وفيه من الفوائد: استحباب المبادرة إلى الفطر، وأن يفطر قبل أن يصلي، فإنه في حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: "كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفطر قبل أن يصلي" فلا يؤخر حتى يصلي، بل يبادر إلى الفطر قبل الصلاة، هذه جملة من المسائل أسال الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.