الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ باب في مسائل من الصوم:
عن عائشة ـ رَضِيَ اللهُ عنها ـ قالت: كَانَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.متفقٌ عَلَيْهِ البخاري (1925) ، ومسلم (1109).
وعن عائشة وأم سلمة ـ رضي الله عنهما ـ قالتا: كَانَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُصْبحُ جُنُباً مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ. متفقٌ عَلَيْهِالبخاري (1931) ، ومسلم (1109)
هذان الحديثان فيهما بيان أن الصوم لا يؤثر عليه قيام الجنابة سواء كان ذلك في ابتدائه أو في أثنائه بأن احتلم الإنسان في أثناء الصوم، فإن ذلك لا يؤثر على صحة صومه وجود الجنابة، أي وجوب أثرها لا يؤثر على صحة الصوم، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يدركه الفجر أي الذي يحرم الأكل ويبيح الصلاة، وهو جنب من أهله يعني من جماع، ثم يغتسل أي بعد الفجر ويصوم أي ويمضي في صومه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فليس من شرط صحة الدخول في الصيام أن يكون الإنسان على طهارة، بل يصح أن يكون من الجنب، ولا فرق في ذلك بين سبب الجنابة أن يكون من جنابة جماع، وهذا بفعل منه أو من جنابة احتلام، وهذا من غير فعل منه، فكلاهما واحد من حيث الحكم.
وبه يعلم أن الممنوع في الصوم هو إتيان سبب خروج المني بفعل الإنسان؛ لأن ذلك من الشهوة التي أمر للصائم باجتنابها قال الله ـ تعالى ـ: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة: 187] وفي الحديث الإلهي، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول الله ـ تعالى ـ: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»مسند الإمام أحمد (9112) هذا كله فيما يتعلق بفعل الإنسان في نهار الصيام أي في زمن الصيام، أما ما كان قبل الصيام، فإنه لا يؤثر على الصوم ولو امتد أثره ببقاء الجنابة إلى ما بعد دخول الفجر.
وكذلك إذا حدثت الجنابة في أثناء الصوم من غير فعل الإنسان، كأن يحتلم نائمًا، فإنه لا يؤثر على صحة صومه وإنما الذي يمنع منه هو مباشرة الأسباب التي تخرج المني بلذة وشهوة.
هذان الحديثان فيهما جملة من الفوائد من فوائدهما:
بيان الأحكام الخاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لكونه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أسوة للأمة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21] فهذا الأمر الذي تكلمت عنه عائشة وأم سلمة هو من الأمور الخاصة، لكنه يبنى عليه حكم فبينتاه.
وفيه: أن حديث المرأة عما يتعلق بالشئون الخاصة المتعلقة بزوجها إذا دعت إلى ذلك حاجة أو مصلحة فإنه لا حرج فيه، وذلك لا يعد من إفشاء الأسرار التي نهي عنها كما جاء في الآثار.
فإن من شر الناس الرجل يفضي إلى المرأة والمرأة تفضي إلى الرجل، فيصبح ينشر سرها وتصبح تنشر سره هذا فيما لا تدعو إليه حاجة أو لا تقتضيه مصلحة.
وفيه من الفوائد: أن استمرار أثر الجنابة في الصوم لا يؤثر ولو كان باختيار الإنسان وفعله، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يبادر إلى الاغتسال قبل الفجر، لأجل أن يدخل الصيام وهو غير جنب، بل كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمضي على حاله التي تقتضيها الحال، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم.
وفيه: أن الممنوع من الشهوة هو ما كان في أثناء الصوم، أما ما كان قبل ذلك، فلا تأثير له على صحة الصوم.
وفيه: أن الإنسان لو نسي الجنابة واستمر كل يومه جنبًا حتى أفطر ثم تذكر، فإن ذلك لا يؤثر على صحة صومه.
وفيه: أن المرأة إذا طهرت من الحيض وأخرت الغسل إلى ما بعد الفجر، فإن ذلك يحسب لها إذا نوت الصيام قبل الفجر فلا يؤثر تأخير غسل الحيض عن الفجر تأخيره بأن يستمر إلى الفجر، فإنه لا يؤثر ذلك كالجنابة، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.