الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فقد ترجم النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين فقال: باب إكرام أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيان فضلهم وذكر في ذلك قول الله ـ عز وجل ـ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب:33]، وقوله ـ جل وعلا ـ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج:32].
ورسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حقه على أمته عظيم فقد أخرجنا الله ـ تعالى ـ به من الظلمات إلى النور، وهدانا به سبل السلام، وبصرنا به من العمى، فخيره وفضله على أهل الإسلام فضل عظيم كبير، لا يدركه إلا من عرف عظيم ما يدركه بالإيمان به، والسير على سنته صلوات الله وسلامه عليه، فكان من حقه صلى الله عليه وسلم، ومن تعظيمه وتعزيره وتوقيره ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حفظ حقه في أهل بيته، فكان لأهل بيته من الحق ما أجمع عليه علماء الأمة، ودلت عليه الأدلة من الإكرام والتوقير والاحترام، وقد ذكر الله ـ تعالى ـ أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سورة الأحزاب في قوله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب:33]وهذه الآية أو هذا الجزء من الآية جاء عقيب ما ذكره الله تعالى من الأحكام المتعلقة بنساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابتداء من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾[الأحزاب:28] وذكر الله جملة من الأحكام المتعلقة بنساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرًا ونهيًا ثم قال بعد ذلك: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾[الأحزاب:33]يعني هذه الأحكام من الأوامر والنواهي غايتها وغرضها وغايتها إذهاب الرجس، والرجس هو ما يكون من القذر الذي يلصق بالإنسان بسبب ما يكون من معصية الله ـ عز وجل ـ والوقوع في مغاضبه، فكل من وقع في معصية أو ذنب أو خطأ فقد أصابه رجس وقذر يحتاج إلى أن يطهر نفسه منه.
فقوله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾[الأحزاب:33]أي القذر بمخالفة أمر الله ـ عز وجل ـ أو الوقوع فيما نهى عنه، فترك ما أمر ومعصيته فيما نهى عنه ـ جل وعلا ـ هو مما يوجب الرجس والأحكام التي ذكرها الله ـ عز وجل ـ في حق أهل بيته وفي حق جميع أهل الإسلام إنما هي لتطهيرهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب:33]، وأهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآية نزلت في أزواجه، ولذلك لا خلاف بين أهل العلم في أن أزواجه يدخلن في أهل بيته في هذا الموضع.
فإن سورة سبب النزول محققة الدخول قطعية الدخول في المعنى المراد، واختلفوا فيما بعد ذلك في تحقيق من هم آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهل بيته الذين لهم الحقوق، فقيل: هم بنو هاشم، وقيل: هم آل علي، وآل العباس، وآل جعفو، وآل عقيل كما جاء في حديث زيد بن أرقم. وقيل: هم جميع قراباته الذين أمر بإنذارهم في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء:214] فقالوا: هم آل قصي، والأقرب ـ والله تعالى أعلم ـ أن أهل بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ هم بنو هاشم فيما يتعلق بحقوق الموالاة، وحقوق أهل البيت، وأما ما يتعلق فيما يتصل بالزكاة والفي فإن آل المطلب يدخلون في آل بني هاشم، فبنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهؤلاء لهم من الحقوق ما بينه الله تعالى في كتابه، وما بينته السنة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، والله ـ تعالى ـ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.