فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب إكرام أهل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيان فضلهم:
عن يزيد بن حيان قال: "انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بنُ سَبْرَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُسْلِمٍ، إلى زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إلَيْهِ قالَ له حُصَيْنٌ: لقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأَيْتَ رَسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ، وَغَزَوْتَ معهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ, فذكر أربعة أمور: "لقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًاحَدِّثْنَا يا زَيْدُ ما سَمِعْتَ مِن رَسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَـ قال زيد ـ رضي الله تعالى عنه ـ: يا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الذي كُنْتُ أَعِي مِن رَسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ فَما حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا، وَما لَا، فلا تُكَلِّفُونِيهِ، ثُمَّ قالَ: قَامَ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ فيه الهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ.
والثاني:ثُمَّ قالَ: وَأَهْلُ بَيْتي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي» فَقالَ له حُصَيْنٌ: وَمَن أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يا زَيْدُ أَليسَ نِسَاؤُهُ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ؟ فقالَ زيد: نِسَاؤُهُ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قالَ: وَمَن هُمْ؟ قالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قالَ: نَعَمْ، رواه مسلم"حديث رقم(2048).
وفي رواية:«أَلَا وإنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُما كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هو حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كانَ علَى الهُدَى، وَمَن تَرَكَهُ كانَ علَى ضَلَالَةٍ».
هذا الحديث الشريف فيه بيان منزلة آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتضمن هذه القصة الطويلة التي سردها المؤلف ـ رحمه الله ـ في مجيء يزيد بن حيان وحصين بن سبرة وابن مسلم إلى زيد بن أرقم ـ رضي الله تعالى عنه ـ وهو من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتلطف له حصين فقال: "لقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا"، ويقصد بذلك صحبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك لما ذكر له أن لقي خيرًا عدَّ له ذلك الخير الذي لقيه فقال:"رَأَيْتَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ" وهذه نعمة وخير عظيم لمن آمن به صلى الله عليه وسلم.
"وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ"، وهو التلقي عنه مباشرة صلوات الله وسلامه عليه، "وَغَزَوْتَ معهُ"، وهو مشاركته في نصرة الدين وإظهاره، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ وهذه منحة عظيمة أن يصلي الإنسان خلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومدار ذلك كله أو ومجمع ذلك كله هو صحبته صلى الله عليه وسلم، وكرر عليه "لقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا".
ثم طلب منه بعد هذا التمهيد الذي فيه توطئة لما يحتاجه ولما يرغب به وهذا من حسن التأتي ومن لطيف نيل الحاجة أن يُقدِّم بين يدي حاجته ما يلين قلب المسئول سواءً كان علمًا أو غير ذلك من الحاجات.
فقال: "حَدِّثْنَا يا زَيْدُ ما سَمِعْتَ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يعني شيئًا مما سمعته عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ" فقال زيد وهو من أصحاب النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ: "يا ابْنَ أَخِي"، وهذا فيه مقابلة اللطف بلطف، حيث قال له يا ابن أخي وهذا من التلطف في الحديث.
"وَاللَّهِ لقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الذي كُنْتُ أَعِي مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ"، وهذا يشير إلى الاعتذار عن الإكثار من الحديث عنه ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وذلك لهذه العوارض التي ذكر من كبر السن وقدم العهد ونسيان بعض ما كان يعيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.
ثم قال: "فَما حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا"، أي لتثبتي منه وتيقني من ضبطه، "وَما لَا، فلا تُكَلِّفُونِيهِ" يعني وما لم أحدثكم به فاتركوني، فإن ذلك قد يعتريه ما يعتريه من أسباب عدم الضبط من نسيانٍ ونحو ذلك.
فقال لهم محدثًا: "قَامَ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا"، الماء المقصود به مجمع الماء وهو غدير خم وهي منزلة بين مكة والمدينة قريبة من الجحفة في شرقها.
"فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قالَ"، وهذا توصيفٌ عام لتلك الخطبة، ثم ذكر من تلك الخطبة ما أحب أن يحدثهم به مما ضبطه عن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ فقال: «أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي» أي يوشك أن يأتيني الموت، والمقصود برسول ربي أي الملك الموكل بقبض الأرواح، فرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ أخبر ببشريته وأنه يعتريه ما يعتري غيره، يعتريه ما يعتري غيره من البشر وأنه سيموت كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾[الزمر:30].
«يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ» يعني فأنتقل من هذه الحياة إلى الحياة البرزخية.
«وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ» أي تارك فيكم أمرين عظيمين، فالثقل يطلق على الشيء العظيم يطلق على الشيء ذي الشرف والمكانة والكثرة والمنزلة، «وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ»يعني أمرين عظيمين شريفين لهما منزلة ومكانة، وهذا نوع من الوصية بهما، ثم بينهما ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ فقال: «أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ» أو هذين الثقلين العظيمين كتاب الله، وكتاب الله هو القرآن العظيم الذي أنزله الله ـ تعالى ـ على قلب محمد ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وقد تكفل الله بحفظه، فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، فترك رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ في أمته كتاب الله وبيانه وهو سنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم ذكر في كتاب الله ما يوجب الاستمساك به وما يبين عظيم منزلته وكبير نفع الناس بتعاهده والمحافظة عليه والحرص عليه، «فيه الهُدَى وَالنُّورُ» فيه الهدى المخرج عن الضلالة، والنور المخرج عن الظلمة، فهذا الكتاب المبين تضمن هاتين المنفعتين العظيمتين الهداية إلى الصراط المستقيم والخروج من كل ظلمة، فالله ـ تعالى ـ قد وصف هذا الكتاب بأنه هدىً للمتقين وهدىً للناس ويهد إلى صراطٍ مستقيم، وفيه نور، وهذا النور يستبصر به الإنسان مواقع الصلاح والهدى والنفع والخير في أمر دينه وأمر دنياه كما قال ـ تعالى ـ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام:122]، فالقرآن العظيم وما فيه من الأمر والنهي والوعظ والتذكير والقصص والأخبار يهدي القلوب من الضلالة، وينير البصائر من الظلمة، فيخرج الله تعالى به أهل الإيمان من الظلمات إلى النور.
ولذلك قال ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ بعد أن ذكر هذين في كتاب الله وهما الهدى والنور قال ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ: «فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به» فخذوا بكتاب الله أي اعملوا به، اقبلوا ما فيه من الأمر، ما فيه من النهي، ما فيه من الخبر والتزموا ذلك واستمسكوا به أي لا تحيدوا عنه ولا تفرطوا فيه، والاستمساك شدة الأخذ وقوة الأخذ كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾[مريم:12]، فالاستمساك هو التزام ما في هذا الكتاب رغم ما قد يطرأ على الإنسان من العوارض التي تحرفه، فإنه لا ينجو إلا بالاستمساك كما قال الله ـ تعالى ـ:﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾[الأعراف:170]، فالتمسك بالكتاب مما أمر الله ـ تعالى ـ به وندب إليه وأكده رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ بقوله: «فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به» فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ.
وفي الرواية الأخرى قال ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ: «هو حبل الله» أي الذي أمرتم بالاعتصام به في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103] هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة.
وقوله ـ رضي الله تعالى عنه ـ: فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ أي في الأخذ به والاستمساك به والعمل بما فيه.
وأما ثاني ما ذكر من الثقلين قال: ثُمَّ قالَ: «وَأَهْلُ بَيْتي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي» أي وثاني ما تركه ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ من الثقلين أهل بيته وأهل بيته هم قراباته ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وأزواجه.
وقد تعددت أقوال العلماء في ذكر من هم أهل البيت الذين أوصى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ بهم في هذا الحديث كما سيأتي في مسائلة حصين لزيد بن أرقم ـ رضي الله تعالى عنه ـ وقوله: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي» أي في الحق الذي لهم وقد بينه ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ في سنته، فمن حقهم الصلاة عليهم، ومن حقهم محبتهم ومن حقهم إكرامهم إكرامًا للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ ومن حقهم الدعاء لهم، ومن حقهم كف الأذى عنهم، ومن حقهم الصبر على ما يمكن أن يكون من قصورهم أو تقصيرهم، ولكن هذا لا يثبت لهم عصمةً ولا زيادة منزلة فيما يتعلق بالتشريع، فإن الدين كمل بما أخبر به رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وبما بلغه من دين الله ـ عز وجل ـ فهم من جهة العلم بالشريعة كغيرهم ليس لهم ميزة تجعلهم في منزلة يسنون شرعًا أو ينفون حكمًا، بل هم في الشرع كغيرهم من أهل الإسلام من فتح الله عليهم علمًا فإنه ينضاف إلى فضله بقرابة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ ما فتح الله ـ تعالى ـ عليه من العلم كابن عباس وكعلي والحسين رضي الله عنهم.
فإن فضلهم في قرابتهم من النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وفي ما فتح الله عليهم من صحبته وفي ما فتح الله عليهم من العلوم والمعارف وهم في ذلك كله مهتدون بما في كتاب الله ـ عز وجل ـ وما جاء في سنة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ ولهذا ذكره ثانيًا؛ لأن أهل بيته لا يخرجون عن هديه، فمتى ما خالف أحدٌ من أهل بيته ما جاء به النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ فلا عبرة بقوله، وقد تسقط منزلته إذا خرج عن هديه ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ كما جرى من أبي لهب فهو عم النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ ونحن نقرأ في كتاب الله: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾[المسد:1]، فسقطت منزلة القرابة التي كانت له بسبب خروجه عما كان عليه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من الهدى ودين الحق ومحادته لله ورسوله.
قال حصين: وَمَن أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يا زَيْدُ؟ وذلك لأجل الاستفسار ومعرفة من أهل بيته فقال في زيادة السؤال: "أَليسَ نِسَاؤُهُ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ؟" يعني أليس زوجات النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ من أهل بيته.
فقالَ زيد: "نِسَاؤُهُ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ" نعم هم من أهل بيته، وهذا فيما دلت عليه الآية محل اتفاق في قوله ـ تعالى ـ:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾[الأحزاب:33].
لا خلاف بين العلماء أن زوجات النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ داخلات في أهل بيته في هذه الآية واختلفوا فيما يتعلق بتحريم الصدقة عليهن هل هنَّ يدخلن في أهل بيته ممن تحرم عليهن الصدقة أم لا؟ للعلماء قولان: والراجح منهما أنهن مشمولاتٌ بذلك، فهن من آل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ الذين تحرم عليهم الصدقة، ويدل لذلك حديث بريرة في ما أهدي إليها حيث قال ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ: «هو صدقةٌ لها وهديةٌ لنا».
والمقصود أن أهل بيته ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ تعددت أقوال العلماء في تعيينهم فقيل: هم آل قصي وهم عشيرته الأقربون. وقيل: هم آل عبد مناف من بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وعبد العزى. وقيل: هم بنو هاشم فقط. وقيل: وهذا أضيق ما قيل في تعيين آل البيت من عدهم زيد ـ رضي الله تعالى عنه ـ في قوله: "وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ" ثم عدهم فقالَ: "هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟" وهذا قصرٌ لآل البيت في هؤلاء فقط.
والأقرب ـ والله تعالى أعلم ـ أن آل بيته هم قراباته من بني هاشم ومنهم زوجاته ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وبنو المطلب يلحقون بهم فيما يتعلق بالصدقة والفيء.
وفي الحديث الآخر: عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن أبي بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ موقوفًا عليه أنه قال: «ارقبوا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في أهل بيته» رواه البخاري (3713) ومعنى ارقبوا محمدًا في أهل بيته أي راعوه واحترموه وأكرموه في أهل بيته، فإن إكرامهم هو من إكرام النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ وهو من تعزيره وتوقيره والقيام بحقه صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكروا في ذلك قول الله ـ تعالى ـ:﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى:23] فقد قيل إن قوله ـ جلوعلا ـ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ معناه أي إلا أن تحفظوني في قراباتي بألا تؤذوهم ذكر ذلك جماعة من أهل التفسير، وهذا معنى قول ابن عمر فيما نقله عن أبي بكر في وصيته: «ارقبوا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في أهل بيته».
وفي كل الأحوال هذه الأحاديث دالة على حق آل البيت وأن لهم حقًا يزيد على عموم حقوق أهل الإسلام، ومنشأ هذا الحق وسببه هو قرابتهم من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فنسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا القيام بحقه وبحق كل ذي حقٍ فرضه علينا، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما بارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.