المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبًا بكم إلى هذه الحلقة المتجددة من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة"، هذه تحية لكم مني أنا عبد الله سعد سأكون معكم وزميلي العزيز من الهندسة الإذاعية والتنفيذ والإخراج لؤي الحلبي، نسعد بصحبتكم دائمًا وأبدًا أيها الأحبة أينما كنتم، ونسعد نحن وأنتم باستضافة ضيف هذا البرنامج الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم والذي يصحبنا في هذه اللحظات.
دكتور خالد! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياك الله.
الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات حياكم الله.
المقدم: أهلا وسهلا بك دكتور خالد وأهلا وسهلا بكم أنتم أيها الإخوة والأخوات أينما كنتم في هذه الحلقة.
أيها الأحبة! سنتحدث عن جانب من جوانب هذه الحياة التي لها ارتباط كبير بالدين لا شك، فهناك ترابط كما تستمعون دائمًا في حلقاتنا لهذا البرنامج، أيضًا في شارة هذا البرنامج "الدين والحياة"، بينهما ترابط كبير وإذا كان هذا الترابط ترابطًا جميلًا منظَّمًا أدى إلى السعادة للإنسان والمجتمعات.
من هذه القيم، ومن هذه الأمور التي تؤدي إلى هذا الترابط بين الدين والحياة، تلك الأماكن التي يتجمع فيها الناس، وهي المجالس، الناس يجتمعون لابد لهم من أن يجتمعوا في مجالسهم، هذه المجالس تعزِّز أيها الأحبة !تلك القيم الإنسانية والاجتماعية والإسلامية الأخوية الإسلامية، تتم من خلالها مناقشة العديد من القضايا التي تتعلق بالفرد والمجتمع والدين والحياة.
كما أنها من الأمور التي يشتهر بها العرب، دائمًا العرب والمسلمون منذ قديم الزمان كانت لديهم مجالس يجتمعون فيها، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يجتمع بأصحابه دائمًا ويتشاورون في هذه المجالس، ويتناولون مختلف القضايا، لذلك نحن هنا لن نتحدث عن قيمة هذه المجالس؛ فقيمتها كبيرة ومعروفة، ولكننا سنتحدث عن آدابها، هذه المجالس لا شك أن لها آدابًا، يحسن بالإنسان إذا ارتاد هذه المجالس على اختلاف أنواعها أن يتأدب بآداب المجلس.
نود منك ضيفنا العزيز وشيخنا الكريم دكتور خالد أن تحدثنا عن جانب من هذه الآداب التي يحسن بالإنسان أن يلتزم بها إذا حضر أحد هذه المجالس، ولو تترقى أيضًا إلى أنواع هذه المجالس في الشق الآخر من الإجابة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة للجميع، وأسأل الله تعالى أن يعمر أوقاتنا بما تصلح به دنيانا وأخرانا.
هذه الشريعة المباركة جاءت بأكمل ما يمكن أن يكون عليه حال الإنسان في معاشه، فجاء رسولنا –صلى الله عليه وسلم- أنه إنما جاء ليتمم صالح الأخلاق، وهذا ليس في جانب من جوانب الأخلاق أو الحياة، بل في كل جوانبها، وما يتعلق بالآداب الشرعية التي حثَّت عليها الشريعة وعزَّزتها ورغَّبت فيها، ورتبت الأجور عليها هي في الحقيقة منظومة مكتملة من الفضائل، وطيب السجايا، والخصال التي يصلح بها حال الإنسان مع كل من حوله من إنس أو جن، حيوان، أو جماد، موافقٍ أو مخالف، عدوٍّ أو صديق، فمنظومة الأخلاق التي في الشريعة وفيها من الكمال ما لا يمكن أن يجده الإنسان في أي نوع من أنواع الإرشادات والتوجيهات الأخلاقية الموجودة بين الناس.
فيما يتعلق بالآداب، في الجملة الشريعة تدعو إلى كلِّ فضيلة وتحذِّر وتنهى عن كل رذيلة، والمجالس التي فيها مواضع اجتماع الناس هي من مواطن تفعيل هذه الآداب.
فمن آداب المجالس الأدب العام الذي يكون في حال الإنسان في كل حال، ومنها أداة تخص هذه المجالس وتتعلق بهذه الأحوال التي يكون فيها الإنسان مجتمعًا مع غيره، فالمجالس المقصود بها المواضع التي يجتمع فيها الناس، سواء كانت مجالسَ دائمة كالمجالس المعدَّة والمهيئة لاجتماع الناس في دورهم، وفي محافلهم، وفي أماكن اجتماعهم، أو مجالس عارضة يجلس فيها الناس لحاجات طارئة وعارضة كصالة انتظار، أو مركب في سيارة، أو موضع لانتظار في مراجعة أوراق أو نحو ذلك.
فالمجالس بكل أنواعها التي يغشاها الناس ويتطرقون إليها لها آداب وحقوق، هذه المجالس لها حقوق وآداب ينبغي أن تراعى، وهي مختلفة باختلاف طبيعتها وأماكنها.
ولعلو منزلة هذه المجالس جاءت الشريعة بالتأكيد على بعض آدابها في القرآن الكريم، وكثير من ذلك جاء في السنة النبوية، ففي القرآن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 1]، فالله تعالى في محكم كتابه أشار إلى أدب من الآداب التي ينبغي أن تراعى في المجالس، وهي التوسعة والإفساح لمن يغشى هذه المجالس، بالجلوس بالمشاركة فيما فيها من الخير.
وأما السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة، وسنتطرق إلى جملة منها في أثناء حديثنا عن الآداب، فإن الآداب مستقاة من دلالات الكتاب ودلالات السنة.
في هذه العجالة ينبغي أن ندرك أن المجالس فيها آداب قبل دخولها، ولها آداب عند دخولها، ولها آداب أثناء قيامها وحضورها، ولها آداب عند الانصراف منها، وهذه الآداب منها ما هو مستحب وفضيلة ومندوب، ومنها ما هو واجب يأثم الإنسان بتركه، والمطلوب من المؤمن أن يراعي ذلك كلَّه، ويعتني بجميع ذلك حتى يحقق طيب العشرة، حتى يفوز بحسن الخلق الذي هو أثقل شيء في الميزان، حتى تطيب معاشرته، تألفه القلوب، وتأنس به وتسرُّ به بلقائه، فإن المجالس تجمع أناسًا منهم من تسرُّ بلقائه، ومنهم ما تتمنى سرعة انتهاء الاجتماع به، وكل ذلك يرجع إلى ما يكون من مراعاة الآداب وطيب الخصال التي ينبغي أن تراعي في لقاءات الناس واجتماعاتهم.
هذا ما يتعلق بالتنبيه الإجمالي والتقديم العام لما يتعلق بالآداب.
أما الآداب فهي كثيرة ولكننا سنشير لأبرز الكلام عنها في نقاط.
ابتداء أخي عبد الله أيها الإخوة والأخوات! من أهم آداب المجالس -وهذا قبل حضورها- انتقاء المجلس، اختيار المجلس؛ فإن المجالس هي مواضع يتلقى فيها الإنسان ويتأثر ولابد، فإن الإنسان يتأثر بمن يجالسه ويخالطه؛ ولهذا اختصر النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ذلك في تمثيله بالجليس الصالح والجليس السوء، وما ذلك إلا لأن المجالس لها تأثير بالغ في حال المشاركين فيها.
فينبغي للإنسان أن ينتقي المجالس التي يجلسها، ابتداء باختيار الموضع، ولهذا جاء قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إيَّاكُم والجلوسَ في الطُّرقاتِ»، وهذا يعني أن الإنسان ينتقي أين يجلس، وليس يجلس في أي موضع، وفي أي مكان دون عنايته بالأماكن، هو لابد له من جلوس ولهذا لما قال –صلى الله عليه وسلم-: «إيَّاكُم والجلوسَ في الطُّرقاتِ»، قالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا، يعني ما نستغني عنها، نتحدث فيها، فأشار إليهم إلى ما ينبغي أن يراعوا في مجالسهم، قال: «فإذا أبَيْتُم إلَّا المجلِسَ فأعطوا الطَّريقَ حقَّه».[صحيح البخاري:ح6229، وصحيح مسلم:ح2121/114]
وينبغي أن يعلم أيضًا أن الشريعة جاءت حتى في اختيار موضع الجلوس بالندب إلى أن يكون مجلس الإنسان في موضع يستقبل فيه القبلة، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «خيرُ المجالسِ ما استُقبلَ بها القبلةُ» [أخرجه الطبراني في الأوسط: ح8361، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع:ح1124]، وأيضًا أنه إذا دخل الإنسان مكانًا ينبغي أن يراعي موضع الجلوس المناسب، فلا يجوز أن يجلس في مكان لا يناسبه، ولا يأذن به صاحب، أو لا يليق به أن يجلس به، بل يجلس في المكان الذي خُصِّص له، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-كما في حديث أبي مسعود البدري قال: «وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ»[صحيح مسلم:ح379/260] يعني إذا دخل مكانًا، وصاحب المحل قد أعد له مكانا فليجلس فيه، ولا يجلس في مكان جلوس صاحب المجلس أو مكان خصصه صاحب المجلس لأحد فيجلس فيه، فإن ذلك لا يسوغ، وهو مما يتنافى مع الآداب.
فقوله: «وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ»، يعني ما يختص به الإنسان من فراش، أو وسادة، أو نحو ذلك سواء اختص به لنفسه، أو رتبه لغيره، هذا أدب من آداب المجالس وهو انتقاء أين تجلس. وتتحرى المكان المناسب للجلوس.
ثانيًا: اختيار الجليس.
وهذا أيضًا من الآداب المهمة الضرورية التي تتأثر بها كل الآداب التالية؛ فإن الإنسان يختار وينتقي الجليس الذي يزيده فضلًا وخيرًا وعقلًا وبصيرة، فإنه يتأثر ولابد من المجالس.
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ ومَثَلُ جليسِ السَّوءِ كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكِيرِ فحاملُ المِسكِ»، فشتان بينهما، «فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ»، وهذا الأمر الأول «وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ»، وهذا الأمر الثاني، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، يحذيك يعني يُطيِّبك، «تَبْتَاع مِنْه»: تشتري منه طيبًا، «تجد منه ريحًا طيبًا» يعني تأنس بهذه الرائحة الطيبة التي وجدتها في هذا المجلس.
فالجليس الصالح إما أن يدلَّك على خير، وإما أن تأخذ منه طريقًا يوصلك إلى الخير، هذا معنى قوله: «وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ».[صحيح البخاري:ح2101]
وأما الثالثة: «وإما أن تجد منه ريحًا طيبة» بسلامه الذي تسمعه، ومعاشرته ولو لم يدلك على خير، أو يرشدك إلى صالح، فمجرد المجالسة وسماع الكلام الطيب والألفاظ الحسنة والموضوعات المفيدة هو في ذاته من الريح الطيبة التي يجدها الإنسان في مجالس الصالحين.
والصلاح هنا يشمل الصلاح في الدين وفي الدنيا، فإن الصلاح لا يقتصر فقط على ما يتعلق بالدين وهو الذروة، لكن حتى في أمر الدنيا يجالس الإنسان الصالح الذي يفيده في أمر دنياه، في وظيفته، في عمله، في سائر مناحي حياته.
«وَنَافِخُ الكِيرِ»، هذا الثاني وهو جليس السوء، «إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ»، فيتطاير شرار ويصيبك، «وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»، فإن لم يصلك منه أذى مباشر في بدنك، أو في ثيابك، أو في مسلكك، فستجد منه ريحًا تؤذيك، وتجد منه ما تكره إما قولًا أو عملًا، وقد جاء في حديث عند أحمد وغيره بإسناد فيه ضعف قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمَجَالِسَ ثَلَاثَةٌ» يعني ثلاثة أنواع؛« سالم، وغانم، وشاجِب».[مسند أحمد:ح11718، وقال الهيثمي(المجمع:541): وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وضعفه الألباني:ح3143]
السالم: هو المجلس الذي يخرج منه الإنسان لا له ولا عليه، وهذا في الحقيقة نادر؛ لأن المجالس إما غانم، وإما خاسر، «مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ ومَثَلُ جليسِ السَّوءِ».[سبق]
الثاني: غانم، وهو الذي يغنم علمًا نافعًا، أو توجيهًا راشدًا، أو منفعة في دينه أو دنياه.
وأما الثالث: الشاجب، وهو الذي يخرج منه الإنسان بشرٍّ، أو رأي مفسد، أو عمل يوقعه في مهلكة.
المقدم: كالغيبة وما إليها؟
الشيخ:نعم الغيبة، الكذب، النميمة، السباب، فاحش القول، يعني أحيانًا تعلق بلسانك كلمات تسمعها تمرُّ على مجالس وتعلق من كلمات قبيحة، فينبغي الإنسان أن يحرص على المجالس الطيبة ذات الطابع الحسن، التي تستعمل فيها الآداب الفاضلة حتى يسلم من أذاها، وينبغي أن يعتني أخي الكريم وأختي الكريمة ينبغي أن نعتني بمجالسنا؛ لأنه بلغت العناية بطلب المجالس الطيبة الذروة في حال المتقدمين من الصالحين، فهذا علقمة لما قدم الشام يقول: قدمت الشام فصليت ركعتين ماذا دعا الله –عز وجل-في هاتين الركعتين؟ قال: ثم قلت: "اللهم يسِّر لي جليسًا صالحًا".[صحيح البخاري:ح3742]
سأل الله، لما جاء طلب من الله جليسًا صالحًا، فأتيت قومًا فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، فقلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليسًا صالحًا فيسرك لي، وأخذ منه ما أخذ من العلم والأدب.
وهذا حريث بن قَبِيصَة -أيضًا نفس الموضوع- يقول قدمت المدينة، فقلت: "اللهم يسر لي جليسا صالحًا"، قال: فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: "إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".[سنن الترمذي:ح413، وحسنه]
ومعاذ يقول: "إياك وكلَّ جليس لا يفيدك علمًا"[بهجة المجالس لابن عبد البر:ص4].
فينبغي للإنسان أن يعتني ويحسن اختيار من يجالس.
الأدب الثالث من الآداب التي تتعلق بالمجالس هو عند القدوم إليها وهو: السلام الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أفشوا السلام بينكم»، فإن السلام بريد الحب والود وحسن الصلة بالناس، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، ألا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعَلْتُموه تحابَبْتُم، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»[صحيح مسلم:ح57/93]، فالسلام عند دخول المجالس من أسباب نشر الخير والبر والطمأنينة والسكينة والود والحب بين المتجالسين.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾[النور: 27]، فينبغي للإنسان أن يبدأ بالسلام، ولهذا جاء في الحديث في السنن حديث أبي هريرة قال –صلى الله عليه وسلم-: «إذا انتهى أحدُكم إلى مجلسٍ فلْيُسلِّمْ» فأمر بالسلام في ابتداء المجلس، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، «وإذا قام فلْيُسلِّمْ، فليستِ الأُولى بأحقَّ مِن الآخِرةِ».[سنن أبي داود:ح5208، ومسند أحمد:ح7142، وحسنه الترمذي في سننه(ح2706)]
وإذا جاء بتحية مع السلام أخرى فهذا زيادة خير، وقد حيا النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-أمَّ هانئ لما علم بها فقال: «مرحبًا بأم هانئ».[صحيح البخاري:ح357]
من أسباب طيب المجالس أيضًا، وآدابها التي تطيب بها: أن يُقبِل الإنسان على أهل المجلس بوجه طلق وبشاشة وبشر؛ فإن ذلك مما يحصل به الودُّ والأُلفة والطمأنينة، هذا غير أنه سبب لكسب ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ»[سنن الترمذي:ح 1956، وحسنه]
مما ينبغي أن يراعي في آداب المجالس أيضًا عندما يدخل الإنسان مجلسًا: أن يجلس حيث انتهى به المجلس، فمعنى ينتهي المجلس يعني إذا كان المجلس له نهاية، فيجلس ولا يتخطى الجالسين إلى مكان فيزاحم السابقين، أو يضيق عليهم بل يجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يكون قد أُعدَّ له مكان للجلوس فهنا صاحب المجلس يخصُّ من شاء بما شاء مما يراه مناسب.
المقدم: حتى لا يضطر الآخرون أو الجالسون للقيام له، أو يتزحزحوا عن أماكنهم لإجلاسه في أماكنهم ، هذا لا يليق، نعم؟
الشيخ: نعم، ولهذا نهى النبي –صلى الله عليه وسلم-أن يُقيمَ الرجلُ الرجلَ من مجلسه ويجلس فيه، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-:« لكن تفسَّحوا وتوسَّعوا »، وكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنه، على رفعة منزلته بين الناس- يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يؤخذ مكانه.[صحيح البخاري:ح6270]
فينبغي مراعاة هذا الأدب، وهو أن يجلس حيث انتهى به المجلس، وقد قال جابر بن سمرة:" كنا إذا أتينا النبي –صلى الله عليه وسلم-جلس أحدنا حيث ينتهي به المجلس"[سنن الترمذي:ح2725، وحسنه] يعني حيث ينتهي المجلس دون أن يكلِّف أحدًا.
من الآداب التي ينبغي أن يرعاها أيضًا: أنه إذا جاء إلى مجلس سواء كان صغيرًا أو كبيرًا أحيانًا يكون هناك متجاورون، أشخاص اجتمعوا في مكان، شخصان تجاورا لحديث، وقد يكون بينهما فسحة فيأتي ويجلس بينهما، وهذا من التفريق الذي نهى النبي –صلى الله عليه وسلم-عنه، ففي الحديث قال: «لا يَحِلُّ للرجلِ أن يُفرِّقَ بين اثنَينِ إلا بإذنِهما»[سنن الترمذي:ح2752، وحسنه] فإذا أراد أن يجلس بين اثنين فإنه ينبغي أن يستأذنهما في الجلوس؛ إما أن ينضم إلى بعضهما إذا كان المكان فسيحًا، وإما أن يعالج الأمر بمعالجة يحصل بها الجلوس دون أن يؤذي هذين المتجاورين.
من الآداب أيضًا التي ينبغي أن تراعي في المجالس: التوسعة للداخل، ولا يقيم أحدًا من مكانه، والتوسعة للداخل من الآداب التي أمر الله تعالى بها في كتابه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 1].
وهذا يحصل لاسيما عندما تكون الأماكن يعني فيها نوع من الاجتماع الذي يحتاج فيه الناس إلى تقارب، وهذا في الوقت الذي يكون ذلك مناسبًا، يعني في زماننا الآن في هذا الظرف الذي يعيش فيه الناس الجائحة، التباعد مطلوب في المجالس، وفي الاجتماعات لأجل توقي ما يمكن أن يكون من أسباب انتقال العدوى، وفشو هذا الوباء نسأل الله تعالى أن يعجل برفعه.
وهذه الحالة استثنائية، نسأل الله أن يعجل برفعها، وإلا فالأصل أن يكون الناس على نحو من الاجتماع والتقارب الذي يحصل به من الألفة بينهم، وقضاء حوائجهم فهو معروف، لكن لكل حادثة حديث، واقتضت هذه الحادثة وهذه الجائحة أن يتباعد الناس، نسأل اللهأن يقرب قلوبنا، وأن يعجل بعافيتنا وزوال الوباء عنا وعن الناس.
المقدم:دكتور! لعلنا نستكمل هذه الآداب لاحقًا دكتور، لكن هناك قضية الحقيقة نود ألا نترك حلقتنا هذه إلا وقد ناقشناها، وهي كما تعلم دكتور أن حسن الاستماع والإنصات من الآداب المهمة في المجالس، حينما يدخل الإنسان إلى مجلس يتوجب عليه أن يستمع إلى المتحدث، وأن يوحد الحديث في المجلس لا أن يكون كلُّ شخص منفردًا بآخر ثم يتحدثون، هذا ربما يكون من مخالفة أو فيه تقليل من قيمة هذا المجلس.
كما تعلم دكتور خالد أن الناس اليوم عمت البلوى، وابتلوا بتقنيات هذه حديثة بين أيديهم الآن وهي الهواتف الجوالة، وما فيها من تطبيقات أبرزها كما تعلم تطبيق الواتس أب، فتجد كثيرًا منهم يعني في المجلس منشغلًا بتصفح هاتفه الجوال والرسائل مع الآخرين خارج المجلس، وليس له علاقة بذلك المجلس الذي يجلس فيه، فما أدري ماذا تقول في مثل هذه الحالات؟ التي هي فعلا عمت بها البلوى، ولا يكاد يخلو منها مجلس أبدًا.
الشيخ: يا أخي الكريم! بلا شك من الآداب التي ينبغي أن تراعى الإقبال على المتحدث، لا شك أن المجالس تختلف كبرًا وصغرًا وكثافة وقلة، فالمجالس الواسعة الكبيرة قد يكون الحديث فيها بين أفراد متفرقين لا يجمعهم حديث واحد، وبالتالي قد ينفرد بعض الناس بثلاثة أربعة بحديث، ويجاورهم أناس ينفردون بحديث، الأمر في ذلك واسع لاسيما بمناسبة كبيرة يكون فيها العدد غير قليل.
في المجالس الصغيرة التي يكون العدد محدودًا والوجه للوجه، والناس ينتظر بعضهم بعضًا في تناول ما يتحدثون به أيضًا تختلف طبيعة الأمر، فالانفراد في هذه الحال ليس مناسبًا، لكن فيما يتعلق بما أشرت إليه من أن من الناس من يشتغل بالعالم الافتراضي عن العالم الواقعي، من خلال انشغاله بقراءة الرسائل الواردة، ومراسلة من يراسل هذا يعني إذا كانت تدعو إليه حاجة وهو على وجه المعالجة لطارئ يختلف عن ذاك الذي من دخوله إلى خروجه وعينه في جهازه لا يستمع إلى متحدث ولا يشارك في حديث.
هذا يعني مجيئه عبء على مجلس، وكثافة في الحضور دون جدوى من هذا الحضور لا إفادة ولا استفادة، ولهذا ينبغي أن يراعى أنه أصلا في حديث الإنسان مع غيره، أنت كلما كان بصرك في عين من يحدثك وأقبلت عليه بوجهك كان ذلك أدعى للألفة والقرب والاستفادة والانتفاع، بخلاف ذاك الذي يقول: أنا أسمعك، أذنه معك وقلبه وبصره في جهة أخرى.
فهذا من الآداب التي ينبغي أن نتعاون عليها، وأنا أقول يعني هناك حال وسط يعني بعض الناس لا يريدك أن تغمض طرفا عنه وهو يتحدث أو في المسجد، ومن الناس من يهمل المجلس في الكلية الذي ينبغي للمتصل طالع الجهاز كمجيء الاتصال أو انتظار لرسالة يعني الطوارئ لها أحكام لا تكون هي الأصل ولا يكون الاستثناء هو الأصل في معاشرة الناس.
فمن الآداب التي ينبغي أن تراعى: استعمال الأدب في الإنصات، والإقبال على المتحدث، والعناية بمجيئه، وقد استنصت النبي –صلى الله عليه وسلم-الناس في بعض أحيانه، وهو طلب إنصاتهم وإقبالهم لما سيقوله أو لما سيتحدث به، فينبغي العناية بهذا، وهذا من حقوق المجالس ومن آدابها.
أيضًا من الآداب فيما يتعلق بهذا: ترك التناجي، وهو أن يخص الإنسان شخصًا بالحديث دون غيره، وهذا إذا كان في مجلس ثلاثة فلا يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث لما في ذلك من إدخال المساءة عليه، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً، فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ» [صحيح البخاري:ح6290] حتى تختلط بالناس من أجل أن ذلك يحزنه، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-راعي ما يمكن أن يقع في نفس الإنسان من الضيق بسبب انفراده عن غيره بعدم المحادثة وهذا ينبغي أن يراعى.
أما إذا كان مجلس فيه أكثر من اثنين، فالمناجاة يعني العارضة التي تدعو إليها حاجة لا بأس بها لأنه بين الناس اختلط بالناس، لكن أن يكون هذا على وجه غالب في الحديث، قد يقع في قلب بعض الناس: إذا كنت تحدث هذا الرجل فلماذا تجمعنا في هذا المجلس وأنت قد خصصت هذا دوننا في الحديث؟ لاسيما الذي كان يخصه بالحديث ممن يجتمع الناس عليه، أو جاءوا لاستماع له والالتقاء به، فينبغي مراعاة هذا الأدب، وهو ترك المناجاة على وجه الوجوب إذا كانوا ثلاثة، وعلى وجه الاستحباب فيما إذا كانوا أكثر من ذلك لأجل ألا يتطرق إلى نفوس بعض الحاضرين مما يمكن أن يكون من التأذي حتى لو لم يَشْكُ، لكنه قد يتأذي، لماذا لا يقبل علينا، ولماذا لا يحدثنا؟
من الآداب يا أخي عبد الله والإخوة والأخوات التي تطيب المجالس وتطيب بها الاجتماعات: تحري القول الحسن، والأدب الفاضل في هذه المكانة، فإن الله تعالى أمر بالقول الحسن فقال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الإسراء: 53]، وهذا يعني أن المؤمن مطلوب منه أن يجتهد في انتقاء ما يتكلم به، انتقاء الكلمات هو دليل على كمال العقل، ودليل على طيب النفس وعلو المقام وسمو الأخلاق.
أما ذاك الذي يترك للسانه الحبل على غاربه، فيتكلم بما يخرج من لسانه دون تحري ولا نظر ولا تأمل في الطيب من القول، لا شك أن ذلك يوقعه في آفات كثيرة، فاللسان إذا أُطلق كان منه ما يسوء الإنسانَ، فلهذا ينبغي له أن يتحرى القول الأحسن، وأن ينتقي الكلمات الطيبة، وأن يقول للناس حسنا، وأن يحرص على ألا يكون منه سوء، لا في قول ولا في عمل، فإن المجالس تطيب بجمال ما فيها من طِيب المعاشرة وحَسَن القول.
وكم من مجلس يشهده الإنسان يعلق في ذهنه، ولا يغيب عن عقله، ولا تطويه الذاكرة لما شهد فيه من كلمات لطيفه وعبارات جميلة ومعاملة حسنة وأخلاق عالية.
فينبغي أن نُفعِّل هذا في مجالسنا حتى تطيب مجالسنا، أولًا هو أجر لكن هذا مما يثمره أيضًا أن يحبك الناس، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾[مريم: 96]، وحسن الخُلق أكبر ما تطيب به الأخلاق، وطيب الأخلاق أكبر ما يأسر القلوب، ويجعلها تحب صاحب هذه الأخلاق الطيبة والكلمات الحسنة.
المقدم: بالنسبة لخلق عظيم جدًّا، وحينما يمارسه الإنسان يجد أثره على الآخرين بشكل أكبر دائمًا وهو الابتسامة، دكتور خالد! حينما يدخل الإنسان إلى مجلس من هذه المجالس مبتسمًا تجد أن الآخرين يعني يأنسون إليه، ويرحبون به، ويفرحون لمقدمه، لكن حينما يدخل شخص إلى مجلس وهو متجهِّم، وينظر إلى الناس ربما بعض الناس الذين لديهم بعض المشاكل النفسية وما شابه ذلك يدخل متجهمًا، وربما ينظر نظرات ربما الناس يعني تأنف منه، أو يعني تستوحش منه، وتظن به السوء لا سمح الله، فلو حدثتنا في هذا الجانب وهو جانب الابتسامة وكيف قيمتها؟ وكيف دعا إليها هذا الدين العظيم؟ وكيف أثرها على الشخص نفسه وعلى الآخرين؟
الشيخ: لا شك الابتسامة سرٌّ من أسرار القبول لدى الناس، وهذا مما يشهده الإنسان، فإنك عندما تلقى شخصًا مستبشرَ الوجه طلق المحيَّا، مبتسمًا وجدت في نفسك من السرور بلقائه والأنس به ما لا تجده في ذاك الذي قد عَقَد حاجِبَيه، وقضب جبينه، وعطَّل مواضع البشر في وجهه.
فلا شك أن بينهم فرقًا كبيرًا، لا من حيث القبول، وإنما من حيث أيضًا الأجر والمثوبة، فإن الابتسامة التي هي في الحقيقة لا تشغل حيزًا كبيرًا من وجه الإنسان، ولا تستدعي جهدًا كبيرًا، بل هي عمل يسير لكنه له من الأثر في قلوب الناس وقبولهم، وفي ميزان الإنسان من الأجر والثواب ما ينبغي ألا يغفله.
ولهذا ندبت الشريعة إلى التبسم، فبينت أن التبسم في وجه أخيك صدقة كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-والحديث في البخاري في الأدب المفرد وفي غيره، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة»[سبق] وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ »[صحيح مسلم:ح2626/144] فينبغي للإنسان أن يُخَلِّق نفسه، ويعوِّد نفسه هذا السلوك.
وهذا جرير بن عبد الله يقصُّ ما شهده من النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ما رآني رسول الله – صلى الله عليه وسلم-إلا تَبَسَّم»[أخرجه البخاري في الأدب المفرد:ح250، وصححه الألباني في الصحيحة:ح3193] هذا صحابي جليل، يعني انظر أثر الابتسامة عليه، ارتكز في ذهنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يره إلا تبسم في وجهه.
فمن حسن الخلق، ومن طيب المعشر، ومن آداب المجالس أن يلقى الإنسان غيره بالبشر والابتسامة، وإذا عوَّد الإنسان نفسه هذا السلوك وهذا الخلق اعتاد عليه، وسهل عليه.
أحيانًا يقول بعض الناس: إن التبسُّمَ يعني خِفَّة وقلة عقل، وقد توصف بأوصاف في الحقيقة هي عارية عن الواقع.
التبسم هو كمال وليس خفَّة، هو علوٌّ وسموٌّ.
ولذلك ينبغي لكم أيها الإخوة والأخوات! وينبغي لنا جميعًا أن نحرص على أن نكون وأن يكون من صفاتنا على وجه العموم، أن نكون على نحو من الابتسامة كما كان يوصف به النبي –صلى الله عليه وسلم-فمن صفاته أنه كان –صلى الله عليه وسلم-بسَّام المحيَّا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذا الأدب لا يختص المجالس، إنما يكون في المجالس وفي غيرها، ولذلك قال: «أن تلقى أخاك بوجه طلق»[سبق] في مجلسه، وفي سوقه، وأنت عابر في طريق استعمل الابتسامة، وستجد من الانشراح في نفسك والطيب والقبول وانتهاء وإنجاز الأمور ما ليس لذاك الذي افتقد الابتسامة.
المقدم: دكتور خالد لعلنا قبل أن نختم نود أن نركز على نقطة أرى أنها من الأهمية بمكان، وهي أن الإنسان قد يدخل إلى مجلس من المجالس فيرى فيه من اللغط، ومن الإثم، ومما لا يرغب أن يستمع إليه من الناس أو من المزاح الزائد عن الحد، فما هو التصرف الأمثل حينئذ، حينما يرى مثل هذه المجالس؟ وقد لا يفيد أن يتحدث، أو أن يصحح فيها سلوكًا معينًا، أو ينبه إلى سلوك لا يستطيع أن يعدله، فالجالسون ربما كثيرون، ومن اللغط يعني في هذا المجلس ما لا يستطيع أن يعدله فماذا يفعل؟ يترك المجلس أو أنه ماذا يفعل؟
الشيخ: هو يا أخي إذا كان لا يستطيع أن يقوِّم المسار في هذا المجلس، وأن يصح الخلل الذي فيه فعند ذلك يعني إن كان يمكنه الخروج وترك هذا المجلس فهذا هو الذي يسلم به من شرِّ هذا المجلس؛ لأن المجلس الذي فيه آثام، وفيه شرور، وفيه انحراف عن الجادِّة الجلوس فيه مخالف فيما أمر الله تعالي به، فقد قال: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾[النساء: 140]، فإذا لم يتمكن الإنسان من تقويم الصواب، وأمكنه الانصراف فإنه يجب عليه أن ينصرف، وإذا لم يمكن الانصراف بأن كان لابد من الجلوس فمن نكد الدنيا على المرء أن يري عدوًّا له ما من صداقته بُدٌّ، فإذا كان لابد أن يجلس في هذه الحال فإنه يمكن أن يسعى في تخفيف الشر ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾[التوبة: 71] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
المقدم:طيب دكتور خالد من دخل مجلسًا وتركه من أجل ما فيه من اللغط والكلام الذي لا فائدة فيه ماذا يفعل حينما يخرج من المجلس؟ ما هو التوجيه النبوي لمن خرج من مجلس كثر فيه اللغط؟
الشيخ: الكفارة، كفارة المجلس هي من الآداب التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان في مجالسه، فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول ذلك في مجالسه، وقد وجَّه إليه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقال: مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ »[سنن الترمذي:ح3433، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-فإنه إذا قال ذلك، من قال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد، أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه» طبعا فيما يتعلق بحقوق الله، أما إذا كان فيما يتعلق بحقوق الخلق فإنه لا يغفر، إلا ما كان للتحلل يعني ليس يجلس يغتاب وينم.
المقدم:ثم يقوم يسبح وينتهي الأمر.
الشيخ:سبحانك اللهم وبحمدك! يغفر له؟ لا، هذه تتعلق بحقوق الخلق، لابد أن يستبيحهم، وأن يتحلل منهم، نسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنكم التقصير.
أيضًا ينبغي أن نحرص أيها الإخوة والأخوات في مجالسنا على شيء من ذكر الله، ولو كان بأدنى ما يكون؛ فإن المجلس الذي يخلو من الذكر يكون نقصًا على أصحابه، ولو قال الإنسان مثلا: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، فالنبي كان يُحسب له في المجلس الواحد مائة استغفار مائة مرة يقول: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه".[سنن الترمذي:ح3434، وفيه: قال ابْن عُمَرَ، قَالَ: كَانَ تُعَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]
الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-مما يباهي الله تعالى بها على قائليها وعلى سامعها في المجالس.
فينبغي الحرص على ذكر الله بأدنى ما يكون طبعا إذا فتح الله على الإنسان وكان في مجلسه شيء من الذكر والتذكير بآية، بحديث، بمنفعة كان ذلك نورًا على نور، ولا تلازم بين أن يكون المجلس فيه ذكر وألا يكون فيه أنس، هذا النبي–صلى الله عليه وسلم-وهو أكبر الخلق –صلى الله عليه وسلم-كان يجلس في مصلاه –صلى الله عليه وسلم-يذكر الله حتى ترتفع الشمس حسنًا، هذا في مصلاه –صلى الله عليه وسلم-بعد صلاة الفجر، يقول جابر رضي الله تعالى عنه وهو راوي الحديث لما سئل قال:" كنا نجلس فنذكر شيئًا مما كنا فيه في الجاهلية" يتذاكرون، يتذاكر الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- شيئًا مما كان في الجاهلية، والنبي –صلى الله عليه وسلم-في مجلسه يذكر الله تعالى، فإذا سمع منهم شيئًا يقول:" تبسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".[ سنن الترمذي:ح2850، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]
وهذا يدل على طيب أخلاقه، وأنه لا تعارض بين الاشتغال بالذكر، أو بين أن يكون المجلس فيه ذكر وبين أن يكون فيه شيء مما تدعو إليه النفوسـ أو تحتاجه النفوس من الأُنس والبِشر والسرور الذي لا يوقِع في محرَّم ولا يكون عن محرَّم.
المقدم:شيخ خالد دكتور خالد بارك الله فيك ربما يعني أتيت على أبرز الآداب التي يتوجب علينا وعلى الإخوة والأخوات من المستمعين والمستمعات الالتزام بها أثناء وجودنا في المجالس، حتى تكون تلك المجالس إن شاء الله تعالى يعني ما يحصل فيها يكون يصبُّ في ميزان حسناتنا، ويزيد من حسناتنا، ولا ينقص منها، أو ربما يكتب علينا من السيئات في تلك المجالس لا سمح الله.
نشكرك على حسن أدائك في هذه الحلقة، ونرجو الله –سبحانه وتعالى أن نلتقي بك في حلقة الأسبوع القادم وأنت بخير وعافية.
الشيخ: وأنتم كذلك، وأسأل الله لي ولكم القبول والإعانة والتسديد، وأن يرزقنا وإياكم حسن الخلق وطيب القول والعمل، وأن يدفع عنا وعنكم كلَّ بلاء وشر، وأن يوفِّق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسددهم في القول والعمل، وأن ينصر جنودنا المقاتلين، وأن يدفع عنا كلَّ فتنة وشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.