×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(231) " حقوق الأولاد "

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحييكم تحية طيبة من إذاعة "نداء الإسلام" من المملكة العربية السعودية، ويسرنا أن نقدم إلى حضارتكم حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة"، في مطلع حلقتنا أيها الأحبة نرحب بضيفنا العزيز الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم ضيف البرنامج الدائم.

 دكتور خالد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك.

الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: أهلا ومرحبا بك دكتور خالد، وأنتم أيها الإخوة والأخوات أهلا ومرحبا بكم أينما كنتم، ويسرني أن أكون معكم أنا عبد الله سعد بن عزة، وزميلي من الهندسة الإذاعية والإخراج باسم الصحفي.

أيها الأحبة! سنتعرف هذا اليوم على موضوع مهم جدا يهم كل أسرة في مجتمعنا، وفي كل المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص.

الحقوق أيها الأحبة والواجبات، كل ما ينبغي أن يحصل عليه الأفراد ليتمكنوا من العيش بحرية وكرامة، ولابد هنا أن نشير إلى الحقوق والواجبات معا، هما وجهان لعملة واحدة، يكفل أحدهما الآخر أي أن واجبات أحد الطرفين هي حقوق للطرف الآخر، علما أنهما يلعبان دورا أساسيا (الحقوق والواجبات) في بناء المجتمعات وتنشئتها تنشئة صحيحة.

أيضا يلعبان دورا مهما في تطور المجتمعات والقيم، وما إلى ذلك والرقي المدني بشكل عام، لذلك يجب الأخذ في الاعتبار أن الأسرة أيها الأحبة هي اللبنة الأولى في هذا المجتمع، ولذلك يجب أن نعرف ما لهذه الأسرة من حقوق وواجبات على بعضها.

دكتور خالد! نحن نعرف تماما حقوق الوالدين، وهذه الحقوق ظاهرة للجميع ولكل الناس، ويعرفونها معرفة تامة، ما للوالد على ولده من حقوق، والله تعالى قد أشار إلى ذلك في كتابه العزيز، وقرن ذلك بالإيمان به –سبحانه وتعالى-، وبعبادته –سبحانه وتعالى-، وكذلك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد ركز على هذا الجانب، جانب بر الوالدين إذا كان ذلك كذلك وهذه حقوق للآباء على الأبناء.

في الجانب الآخر هؤلاء الأبناء هل لهم حقوق على آبائهم؟ وإذا كان لهم حقوق فما هي هذه الحقوق التي تجب للأبناء على الآباء؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على قول الصواب والعمل به.

فيما يتعلق بهذا الموضوع وهو "حق الولد على والده" قررته الشريعة في كتاب الله –عز وجل-وفي سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-ومن أظهر ذلك النص المختصر الذي جاء فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قال: «وإن لولدك عليك حقا»+++[صحيح مسلم:ح1159/183]---، فالنبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في هذه الجملة المختصرة يقرر هذا المعنى، وهو أن للولد على والده حقا، وهذا التقرير تدل عليه النصوص دلالة واضحة وبينة، وذلك أن الولد نعمة من الله تعالى ينعم بها على العبد، ونعم الله تعالى تستوجب الشكر والقيام بحقه –سبحانه وبحمده-، فالله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾+++[الكهف: 46]--- أي مما تزين به حياة الناس في دنياهم، فإنهم يتزينون بالمال، ويتزينون بالولد، والولد ذكورا وإناثا من نعم الله تعالى على الخلق التي امتن الله تعالى بها عليهم، فقال: ﴿والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون﴾+++[النحل: 72]---.

فالولد نعمة من الله تعالى يرزق ذلك من يشاء من عباده، فهو –جل وعلا-يرزق عباده ولدا إما ذكورا وإما إناثا، وإما يزوجهم ذكرانا وإناثا، وهو –جل وعلا-بحكمته يجعل من يشاء عقيما، فنعمة الله على العبد بالولد نعمة عظمى تستوجب شكر هذه النعمة، فمن حق هذه النعمة أن تشكر.

ولا شك أن هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها على العبد تستوجب حقوقا، ولذلك جاء الشريعة بذكر الحقوق، حقوق الأولاد على والديهم على صور مختلفة، فمنها ما كان أمرا ونهيا، ومنها ما كان خبرا وقصصا، ومنها ما كان بيان عاقبة أمور وأحوال تبين حقوق الأولاد على والديهم.

وفي الجملة لا شك أن الكتاب والسنة هما المصدر الذي يتلقى منهم المؤمن ما يتعلق بالحقوق، والله تعالى يقول: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾+++[النساء: 58]---، والأمانات هي الفرائض والحقوق التي فرضها الله تعالى على الخلق بعضهم على بعض، أصل ذلك حق الله تعالى على عباده، ثم بعد ذلك ما جعله الله تعالى على خلقه من الحقوق، ومن ذلك ما أخبر الله به تعالى في كتابه من حقوق الأولاد على والديهم، ولم يأت ذلك على نحو من الفرض الذي يأتي بصيغة الأمر والنهي فقط، بل جاء بصور متعددة فنستعرضها، نري ذلك في آيات الكتاب الحكيم، لمحات وقبسات من الكتاب الحكيم من القرآن العظيم، وكذلك من سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، ونستقي من ذلك كله ما ينبغي أن يكون حال الوالد مع ولده.

ولدك نعمة من الله تعالى، عنايتك به قربى إلى الله –عز وجل-، تتقرب بها إليه جل في علاه، فإنه من أداء الأمانة التي أمرت بها في قوله: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾+++[النساء: 58]---، وإذا نظرت أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة إلى القرآن الحكيم وجدت عناية الأنبياء فائقة بأولادهم وذرياتهم على نحو يدهش بمنزلة عناية الوالد بولده، وقد غفل عن ذلك كثير من الناس وظن أن الصلاح هو أن تصلح في نفسك، وأن تقيم طاعة ربك في عملك، وقد تغفل أو لا يضرك أن تغفل عن ذلك في ولدك، وهذا فهم مغلوط؛ فإن إبراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن الذي رفع الله منزلته وبين عظيم مقامه ودرجته في الأنبياء، انظر إلى دعائه قبل أن يرزق الولد، قال: ﴿رب هب لي من الصالحين﴾+++[الصافات: 100]---، سأل الله تعالى أن يرزقه صالحا من الولد، وانظر إلى هذا المعنى العظيم وهو أن يعنى الإنسان بصلاح ولده، هم قبل أن يولد، وقبل أن يرزق الإنسان يهتم أن يكون ولده على هذا النحو من الوصف الموجب لسعادة الدنيا وأجر الآخرة.

وهذا زكريا -عليه السلام- أيضا ﴿هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء﴾+++[آل عمران: 38]---، فلم يطلب الذرية فقط، بل طلب ذرية ووصفها بوصف ﴿طيبة﴾، والطيب هو الصالح، الطيب هو الزاكي، الطيب هو الذي يقيم الحق ويعمل به، وهذا لا يكون إلا بجهد وبذل وعمل من الوالد، مع توفيق رب العالمين وإعانته وتسديده وتيسيره.

وعلى هذا جرى عباد الرحمن، فإن عباد الرحمن غايتهم وهمهم أن يرزقهم الله تعالى من الذرية ما تقر به أعينهم، ولذلك كان من دعائهم ﴿والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين﴾+++[الفرقان: 74]---، سألوا الله تعالى قرة العين في الذرية، وهم من صلحت حاله، واستقام عمله، وزكا خلقه، وطاب شأنه، هذا هو الذي تقر به العين؛ لأن العين إذا قرت يعني سكنت وذهب عنها القلق والخوف والانزعاج، ولا يكون ذلك إلا بأن يشهد من ولده ما تنشرح به نفسه، ويطمئن به صدره، ويطيب به خاطره، ويأمن به على ولده من المضلات وأنواع الانحرافات، سواء كانت بغلو أو كان بإفراد أو جفاء.

المقدم: جميل! هذا فيما يتعلق بداية بتطلعات الآباء وخاصة الأب في أن يمنحه الله ويرزقه ذرية صالحة، يلجأ إلى الله –عز وجل-بالدعاء كما ذكرت، وقد لجأ إلى ذلك الأنبياء -عليهم السلام- والصالحون، ونهج نهجهم من تبعهم إلى يوم الدين -ولله الحمد- في أنهم يتمنون الذرية الصالحة، ويدعون الله أن يرزقهم الذرية الصالحة، وكل أحد يرجو ذلك، يرجو أن تكون ذريته صالحة، لكن نريد أن نبدأ بالخطوات العملية التي يجب على الآباء اتخاذها حيال هذا الأمر، حتى يجدوا فعلا ذرية صالحة، الاختيار الأول ما هو؟ والوسيلة الأولى التي ينبغي على الآباء أن يحرصوا عليها عندما يبدؤون الحياة الزوجية.

الشيخ: أخي الكريم عبد الله أيها الإخوة والأخوات! العرض للحقوق كقائمة تقدم للناس قد يعين فعلا على الاسترشاد والاستفادة، لكن أن يعرض ذلك من خلال ما أخبر الله في كتابه ومن خلال ما جاء في سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-يكون تعليم وتطبيق، يكون نموذج عملي مورست فيه هذه الحقوق فيكون أدعى للتطبيق لننظر، ولذلك أنا أحب أن استعرض الحقوق من خلال ما ذكر الله تعالى في القرآن، وقد قص الله تعالى علينا في القرآن قصة نوح مع ابنه، وقص الله تعالى علينا في القرآن وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه، وقص الله تعالى علينا في سورة كاملة موقف يعقوب مع بنيه في قصة يوسف، وقص الله تعالى علينا في محكم كتابه خبر لقمان في موعظته لابنه، هذا غير ما جاء به الأمر والنهي فإن الله تعالى في أصل الحقوق أمر –جل وعلا-بندب الأولاد والأهلين إلى الصلاة والعمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى﴾+++[طه: 132]---، هذا فيما يتعلق بالمطلوبات والواجبات، وذكر الصلاة لأنها رأس المأمور به والمطلوب من المؤمن في عمله، وإذا صلحت فإن الصلاح في سائر العمل يتبع.

أما في المنهيات، فقد قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾+++[التحريم: 6]---، فإن الله تعالى أمر المؤمنين بأن يجعلوا وقاية بنيهم وبين ما يغضب الله تعالى باجتنابه بين أهليهم، وبين ما يغضب الله تعالى بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتحذيرهم من مواقع الزلل والخطأ.

وفي خبر ما قص الله تعالى من خبر نوح -عليه السلام- ذكر الله تعالى المحاورة التي جرت في الرمق الأخير، في آخر فرصة للإنقاذ وهي فرصة إخراج نوح لابنه من مصير الغارقين الهالكين الذين كذبوا الرسل، فقد قال الله تعالى في محاورة نوح لابنه ﴿يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين﴾+++[هود: 42]---، انظر إلى الرأفة والرحمة والحرص والشفقة وتمام العناية والتلطف في الأمر والتوجيه، فإن نوحا عليه السلام يخاطب ابنا كافرا، وبالتأكيد أن هذا الابن لم يكن على حال مرضية قبل ذلك، وانتكس في هذا الموقف، إنما هي حاله السابقة، ولكن لم يطرد نوح -عليه السلام- المحاولة الأخيرة حتى في هذه الحال أن يخرجه من هذا المآل، وأن ينقذه من هذا المصير الهالك ﴿يا بني اركب معنا﴾+++[هود: 42]---، اركب معنا لتنجو، وهنا الركوب لا يكون إلا بالإيمان؛ لأن ركوب السفينة كان مقصورا على أهل الإيمان وأهل الإقرار بعبادة الله وحده لا شريك له.

فلما قال: ﴿اركب معنا﴾فهم الولد أن مطلوب أبيه هو أن يركب معه مؤمنا بالله –عز وجل-،مقرا بما جاء به نوح عليه السلام، لكن قال: ﴿يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين﴾+++[هود: 42]---، أمره بالركوب وحذره من العاقبة والمصير، قال: ﴿قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء﴾+++[هود: 43]---، لم يسمع المحادثة بل ﴿قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم﴾+++[هود: 43]---، ومع هذا أصر الولد فكان ما كان من هلاكه، لكن نوح -عليه السلام- حتى بعد أن حال بينهما الموج لم يعلم المصير، حال بينهما الموج فلم يعلم مصيره أو لم يشهد مصيره بالهلاك.

ولذلك كان منه أن دعا الله –عز وجل-قال: ﴿فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين﴾+++[هود: 45]---، فعاد لعنايته بولده حتى بعد أن غاب عنه، وأصر على ما هو عليه، لم ييأس -عليه السلام- من أن يجد سبيلا لإنقاذ ولده، لكن الأمر قد حسم وقضي، وكان ابنه من المغرقين الهالكين في طريق الضالين، أعاذنا الله تعالى وإياكم من سوء المنقلب والمصير.

هذا خبر يبين لنا ما الذي ينبغي أن يكون عليه الأب والأم ومن له ولاية على الولد حتى الأخ الكبير والأخت الكبيرة، كل من له وسيلة للتوجيه، أن يكون رفيقا، أن يكون رحيما، أن يكون في عرضه لما يريده من الخير وما يريده من الاستقامة والصلاح فيما يتعلق بمعاش الإنسان وميعاده، أن يكون على نحو من الرفق واللين، وبيان الأمر على وجه تتضح به المخاطر، ويتبين به الصالح من الفاسد؛ لأن أحيانا الأوامر التي تخلو من التوجيه، تخلو من الرأفة، تخلو من الرحمة، تخلو من عبارة رقيقة، تخلو من بيان العواقب والإقناع لا تكون مقبولة، أو تكون حتى لو قبلت لا تكون راسخة في نفوس المتلقين لها، لكن لما تكون مشوبة محفوفة بالرحمة، باللطف، بالشفقة، بالعناية، بالإقناع، ببيان العواقب لا شك أن ذلك أدعى.

وقص الله تعالى أيضا ما ذكره في محكم كتابه من وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه، فالله تعالى يقول في سورة البقرة: ﴿يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾+++[البقرة: 132]--- أيضا هنا انظر العبارة اللطيفة، وانظر طريقة الدعوة للخير الذي دعوا أبناءهم وأولادهم إليه ﴿يا بني﴾ وهذه فيها من اللطف والحنو وظهور الشفقة والرحمة وغاية العناية بالمتحدث معه ﴿يا بني إن الله اصطفى لكم الدين﴾+++[البقرة: 132]---، فبين هنا الخاصية، هذا الذي آمركم به ليس شيئا من قبل رأيي أو اقتراح من عندي، إنما هو شيء من الله جعله لكم، اصطفى لكم الدين، اختاره لكم.

والعاقل البصير عندما يربط بالله –عز وجل-، ويذكر بأن هذا الشيء من الله وليس من قبل اجتهاد البشر، وإنما هو اختيار الله تعالى له، وهو الذي اصطفاه، كان ذلك من دواعي القبول ﴿فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾+++[البقرة: 132]---، وهذا فيه التذكير بالمبادرة والإسراع، لأن الموت لا يدرى متى ينزل؟ فلذلك قال: ﴿فلا تموتن﴾+++[البقرة: 132]---، تدرك الأمر قبل الفوات هذا واحد.

ثانيا: فيه التنبيه إلى الحرص على الإدامة والثبات على هذا المعنى؛ لأن الإنسان قد تمتد به حياته، فينبغي له أن يديم هذا العمل ما دام حيا إلى الممات، ولذلك الله تعالى يقول لرسوله: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾+++[الحجر: 99]---، ثم يعود الله تعالي أيضا إلى التذكير بما كان عليه يعقوب من وصية أبنائه قال: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت﴾+++[البقرة: 133]---، هذا فيه بيان أن العناية بالولد لا تقتصر على حال الصحة والعافية، ولا تقتصر على حال القوة والاكتمال في المعاش، بل حتى عند المفارقة والرحيل ﴿إذ حضر يعقوب الموت﴾+++[البقرة: 133]---، نزل به الموت وكان من همه أن يبقى أولاده على ما رباهم عليه من الصلاح والاستقامة والتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له ﴿إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون﴾+++[البقرة: 133]---، هذا العهد الذي عهد به يعقوب في الرمق الأخير، وعندما حضره الموت يدل على أن العناية بالولد ينبغي ألا تغيب على الإنسان، لا في سعة ولا في ضيق، لا في شدة ولا رخاء، لا في صحة ولا في مرض، بل حتى لا في حياة ولا عند مفارقتها، ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، فهذا شأن نبي من الأنبياء في عنايته بولده.

ولذلك يا إخواني ويا أخواتي! نحن نحتاج إلى أن نصبر ونصابر في توجيه أولادنا، وأن نكرر ونعيد ونصبر على التكرار والإعادة والتوجيه؛ لأن الإنسان ينسى، يعقوب -عليه السلام- يذكر أبناءه بأصل العبادة فيقول لبنيه: ﴿ما تعبدون من بعدي﴾+++[البقرة: 133]---، استفهام ليطمئن ويستقر نفسه بأن أولاده قد أدركوا ما دعاهم إليه، وما أمرهم به وما رباهم عليه ﴿قالوا نعبد إلهك وإله آبائك﴾+++[البقرة: 133]--- إلى آخر ما ذكر الله تعالى في الآيات الكريمة.

لذلك ينبغي لنا أن نحرص على الدوام، وانظر إلى الآية الكريمة التي أمر الله تعالى فيها بالصلاة، قال: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها﴾+++[طه: 132]--- ما قال: واصبر قال: ﴿واصطبر والاصطبار هو صبر مع معاناة، الصبر في ذاته مر مذاقته، كما يقال:

            الصبر مثل اسمه مر مذاقته                    لكن عواقبه أحلى من العسل

فكيف إذا الاصطبار وهو أشد من الصبر؟! لا شك فيه معاناة، وهذا يشهده الإنسان، أحيانا تجد بعض الناس يقول: والله أنا تعبت مع الأولاد، أنا تعبت مع بنتي، قلت وعدت وزدت، ولا زال على حاله، لا زال مقصرا في كذا.

المقدم:هذا يا دكتور خالد من يقوله؟ يقوله الأب الصالح الذي يحرص على صلاح أبنائه، لكن للأسف في الجانب الآخر نرى أن كثيرا من الآباء والأمهات ربما يكونون هم السبب في انحراف الأبناء، بما يمارسونه معهم من غلظة وأساليب غير جيدة تؤدي بهم إلى الانحراف، وإلى إضاعة الحقوق التي لهم للآباء عليهم، وهم بالتالي يعني في ضياع.

الشيخ: صحيح، بالتأكيد لا شك أن الغفلة أخطر، يعني كونه يكون دوره سلبيا أو مؤثرا تأثيرا رديئا على أولاده، هذا ليس إضاعة للأمانة، بل هو خيانة للأمانة، لأن إضاعة الأمانة بأن لا توجههم لكن أن توجههم إلى الشر، وتقودهم إلى مواطن الرداء في معاشهم وميعادهم، في دنياهم وفي آخرتهم، تكون خيانة للأمانة التي ائتمنك الله تعالى عليها، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في تأثير الوالد على ولده، قال: «كل مولود يولد على الفطرة»+++[صحيح البخاري:ح1385، ومسلم:ح2658/22]---، وهي ما فطر الله النفوس عليها من قبول الحق، والرغبة فيه، والميل إليه، والمحبة له.

هذه الفطرة قد تجليها وتنقيها وتعززها بالأنوار والهدايات، فتنمو وتطيب، فيصلح الولد ويستقيم، وقد يجري عليها من أنواع التلويث والتشويه والحرث ما يوقعها في سوءات وانحرافات خطيرة، قد تصل به إلى الخروج عن ملة الإسلام.

لهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على بذل جهده في أداء هذه الأمانة، واحتساب الأجر عند الله تعالى فيها، ولا يكترث بالنتائج، بمعنى أن النتيجة قد لا تكون كما تحب، لكن أنت قم بما يجب عليك، وأما الهداية والضلال والاستقامة والانحراف والصلاح والطلاح ليس شيئا إليك ﴿إنك لا تهدي من أحببت﴾+++[القصص: 56]---، هذا خطاب الله لسيد الورى إمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

المقدم: يؤدي الإنسان ما عليه، ويترك التوفيق والهداية هي بيد الله –سبحانه وتعالى-، طيب نود أن نعرج أو نتطرق إلى أهم خطوة من الخطوات التي تؤدي بالأبناء أو بالآباء إلى مراعاة حقوق أبنائهم وصلاحهم فيما يستقبل من أعمالهم، ألا ترى أن اختيار الأب أو الزوج لزوجته الصالحة هي أولى الخطوات التي تؤدي إلى صلاح الآباء، وهذا حق من حقوق الأبناء على آبائهم.

الشيخ:في الحقيقة أهم ما يكون مما ينبغي أن يعتنى به لتحقيق هذه المطلوبات في تربية الأولاد أن يكون الإنسان على وعي بعظم المسئولية التي اضطلع بها عندما وهبه الله هذه النعمة عندما يستحضر الإنسان أنه مسئول فيسألك الله تعالى عن هذه الأمانة ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾+++[النساء: 58]---، فإن ذلك يبعثك على القيام بما يجب عليك.

أيضا جانب آخر مما يبعث في النفوس الحرص على القيام بالواجبات المتعلقة بالأولاد، هو ما يناله الإنسان من السعادة والسرور والانشراح والبهجة والخير فيما إذا قام بذلك، وأثمر ذلك في سلوك ولده، في سلوك ابنه، في سلوك ابنته صلاحا وذكاء واستقامة وفلاحا، لا شك أن الوالد إذا رأى من ولده ما يسره في دينه ودنياه، كان ذلك من أسباب سعادته.

ولذلك الله تعالى يقول: ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾+++[الكهف: 46]---، ويقول: ﴿زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة﴾+++[آل عمران: 14]--- إلى آخر ما ذكر فهي أمور مزينة، يسر بها الإنسان، وينشرح صدره وينال من السعادة ما ينال إذا رأى في ولده ما يؤمل، وما يصبو إليه، وهذا كله فيما يجنيه الإنسان عاجلا، أما ما يجنيه أجلا فهو الأجر والثواب وصلاح ولدك بعد موتك مما تدرك به خيرا وبرا وسعادة، والله تعالى قد قال في محكم كتابه:﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء﴾+++[الطور: 21]---، والنبي –صلى الله عليه وسلم-يقول في صحيح سنته «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»، ومنها:«وولد صالح يدعو له»+++[سنن الترمذي:ح1376، وقال:هذا حديث حسن صحيح]--- فالولد الصالح نعمة على العبد، والصلاح ليس شيئا ليس له مقدمات أو أسباب.

لا شك أنه منة من الله، الله يصطفي من عباده من يشاء، فيمن عليهم بالصلاح والاستقامة، لكن هذا الصلاح وتلك الاستقامة لها أسباب ينبغي للوالد أن يبذل جهد في ذلك، وسيدرك إن شاء الله تعالى من خير الدنيا والآخرة ما يؤمل من توفيق الله تعالى وحسن جزائه على ما يقوم به من تربية أولاده.

وإذا سمحت لي يا أستاذ عبد الله فيما يتعلق بقصة لقمان مع ابنه أيضا يتبين عظيم ما يكون من تأثير الوالد على ولده، فإن لقمان -عليه السلام- قص الله تعالى كيف وعظ ابنه، وكيف وجهه؟ وما هي ترتيب تلك التوجيهات التي بدأها؟ وبماذا ختم؟ كيف كانت شاملة ومستوعبة لعلاقة العبد بالله –عز وجل-نظرة الإنسان للحياة، نظرة الإنسان لمعاملته للخلق، نظرة الإنسان لنفسه على نحو -في الحقيقة- يصلح أن يكون منهجا للإنسان في تربيته لولده، وفي قيامه بما يجب عليه من حق ولده.

الله تعالى ابتدأ الآيات الكريمات بذكر وصية لقمان لابنه وموعظته له على نحو مشوق، قال الله تعالى: ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة﴾+++[لقمان: 12]---، ثم وهذا شهد به لقمان ﴿أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد﴾+++[لقمان: 12]---، ثم بين ما من به على الحكمة عمليا ومسلكيا، فقال: ﴿وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه﴾+++[لقمان: 13]---، هذا من مظاهر حكمة لقمان عليه السلام، فالرجل المعتني بولده رجل حكيم، كل من اعتنى بولده صلاحا وذكاء وتربية في صلاح دينه ودنياه هو من الحكماء بشهادة القرآن في وصف لقمان -عليه السلام- حيث قال الله تعالى: ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة﴾+++[لقمان: 12]---، فافرح بمنة الله عليك إذا قذف الله في قلبك الحرص على أولادك إصلاحا لدينهم، وإصلاحا لدنياهم ﴿وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم﴾+++[لقمان: 13]---، ثم ذكر وصية الله –عز وجل-بالوالدين، ثم عاد فذكر، قال: ﴿يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل﴾+++[لقمان: 16]---، إصلاح الباطن، استحضار رقابة الله وخشيته في كل دقيق وجليل، صغير وكبير، هذا المعنى الذي ينبغي أن نبني عليه أنفسنا، وأن نغرسه ونبثه إلى أبنائنا وبناتنا، رقابة الله وعدم استصغار الخطأ مهما كان؛ فإنه ﴿يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير﴾+++[لقمان: 16]---.

 أولا التوحيد، ثم العناية بالقلب إصلاحا وتذكيرا بالمحاسبة على الدقيق والجليل، الظاهر والباطن، الخفي والمعلن، جاء بعد ذلك التنبيه إلى أهم المطلوبات وهو: الصلاة، فقال تعالى: ﴿يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور﴾+++[لقمان: 17]---، فأمره بالعمود الذي يقوم به الدين، وهو الصلاة التي هي صلة العبد بربه، ثم أمره بالإحسان إلى الخلق بتوجهيهم إلى الخير وكفهم عن الشر، والصبر على ما يكون من أذاهم، فإنه لابد وأن يكون من معاملة الناس من المكدرات والمؤذيات ما يحتاج معه الإنسان إلى صبر.

ثم نبهه إلى جميل المعاملة مع الناس وحسن الخلق، قال: ﴿ولا تصعر خدك للناس﴾+++[لقمان: 18]---، لا تتكبر عليهم، لا تشح بوجهك عنهم، بل أقبل عليهم، وأحسن استقبالهم ﴿ولا تمش في الأرض مرحا﴾+++[لقمان: 18]---، لا تغتر، وتلهك الملاهي عن أن تقوم بما يجب عليك ﴿إن الله لا يحب كل مختال فخور *واقصد في مشيك﴾+++[لقمان: 18-19]---، توجيه حتى في طريقة السير، يعني انظر إلى الدقائق والجلائل: توحيد، إيمان، صلاة، إحسان إلى خلق، كيف يتعامل مع الناس، بل كيف يمشي، ثم كيف يتكلم ﴿واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير﴾+++[لقمان: 19]---.

إذا حق والدينا علينا أن نوجههم بكل لطف، وبكل عناية، لكل ما فيه صلاحهم في معاشهم ومعادهم، ليس المقصود أنك فقط تصلحهم في أمر معادهم، لأن الناس يعني عفوا يا أخي عبد الله أيها الإخوة والأخوات الناس في عنايتهم بأولادهم ينحون مناحي مختلفة؛ منهم من يهتم بدين ولده وعبادته، وتجده يعتني به، وقد يقصر في المقابل، يهمل في جانب صلاح دنياه، وهذا غلط، ومنهم من تكون عنايته في إصلاح دنيا ولده تعليما أو تدريسا أو ما إلى ذلك، لكن لا يهتم بصلاح دينه؛ فلا يأمره بصلاة، ولا يحثه على خير، ولا يغرس فيه توحيدا أو خشية لله –عز وجل-، وهذا إهمال.

والكمال في أن يجمع الإنسان ما يكون من صلاح الدين وصلاح الدنيا، فبهما تطيب حياة الناس، وبهما يتحقق لهما الصلاح.

المقدم:إذا التربية الإيمانية هي في مطلع الحقوق التي وتجب على الآباء تجاه الأبناء أن يربوهم تربية إيمانية صالحة؛ لأن التربية الإيمانية الصالحة سيتبعها -بإذن الله تعالى- الأمور الدنيوية الأخرى، اختيار الاسم الحسن للأبناء، يعني بعض الآباء ربما يختار لابنه اسما معينا، وخاصة الآن في هذا الزمان يعني الآباء ربما نحوا منحى جديدا على المجتمع باختيار أسماء غريبة وعجيبة، سواء كان فيما يتعلق بالذكور أو الإناث.

يعني ليست من الأسماء التي ألفناها أو عرفناها، أو التي تدل على معاني حميدة، ربما بعضهم لا يعرف معنى الاسم الذي يختاره بصريح العبارة، فهذا يعتبر حق من حقوق الأبناء على آبائهم أن يختاروا لهم أسماء حسنة، حتى إذا دعوا بها من جهة أصحابهم وزملائهم وجيرانهم، تكون تدخل السرور على أنفسهم، لا أن تكون مثارا للسخرية من أقرانهم مثلا.

الشيخ:بالتأكيد، الاسم مرافق للإنسان ويقارنه، ولا ينفك عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلذلك من حق الولد على والده أن يحسن اختيار الاسم له، وحسن الاسم  ليس في الإغراب، لأن بعض الناس يظن أنه الاسم الحسن هو أن تأتي بشيء غريب، وقد يكون في الحقيقة هذا وبال على صاحبه، يتنكد منه الولد أو البنت، ويبقى متأذيا بهذا الاسم، وقد يضطر في مستقبل الأيام إلى تغيير الاسم.

المقدم: وعرفنا دكتور خالد، أنا أعرف بعض الإخوة الذين اضطروا إلى تغيير الأسماء التي سموا بها أبناءهم نظرا لأن الأبناء تعرضوا للسخرية بسبب هذه الأسماء من أقرانهم، وربما يجدون فيها نقصا معينا يعني، لا يودون معرفته، يعني يود الأفضل للرجل أن يختار لابنه اسما ملائما للمجتمع قبل أي شيء آخر، ملائما للدين ثم للمجتمع حتى لا يكون مثارا للسخرية.

الشيخ: صحيح؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما روي بإسناد فيه بعض المقال «تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم»+++[سنن أبي داود:ح4948، وضعفه ابن حجر لانقطاعه:فتح الباري( 10/577)]--- وهذا معنى ما ذكرته قبل قليل، أن  الاسم يكون في المعاش وفي الميعاد، يعني في الدنيا وفي الآخرة، فلذلك من المهم أن يختار الإنسان لابنه الاسم الحسن، وقد وجه النبي –صلى الله عليه وسلم- جملة من الأسماء.

وعلى كل حال يعني هنا اختار الاسم الحسن الذي ليس فيه غرابة وليس نشاذا، وليس موطن سخرية، أو تنقص في بلده، أو في محله، ولو كان مقبولا في غيره، يعني بعض الأسماء قد تكون معانيها رديئة في مكانها، ولكنها مقبولة في مكان آخر، ابنك ابن بيئتك فاحرص على الاسم الذي يكون مقبولا وحسنا في البيئة التي أنت فيها، ولا تذهب إلى اسم ولو كان حسنا عند غيرك بأن تسمي به ابنك، أو تسمي به ابنتك، بل احرص على الأسماء الجميلة الحسنة.

 أيضا مما ينبغي أن نقف عليه حقيقة لإدراك معاني حقوق الأبناء على آبائهم، ما جاءت بهدي سيد الورى –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أخي الكريم أيها الإخوة والأخوات! النبي –صلى الله عليه وسلم-ترجم القرآن وبينه عملا، وكان –صلى الله عليه وسلم-قدوة لنا في صلاح أنفسنا، وصلاح ذرياتنا، وصلاح معاشنا ومعادنا، لذلك من المهم أن نقف مع حال النبي –صلى الله عليه وسلم-في تربيته للنشء.

النبي –صلى الله عليه وسلم-رزق بناتا، وكن شامة من الناس، عليهن من الله تعالى الرضوان والرحمة والبر، والنبي –صلى الله عليه وسلم-كان أبا لأهل الإيمان، ولم تقتصر تربيته على أولاده، بل كان –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يقول لأصحابه «أنا لكم بمنزلة الوالد»+++[سنن أبي داود:ح8، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح2346]---، ومعنى هذا أنه يأمرهم بما يصلحهم، ويناههم عما يسوؤهم، فقوله: «أنا لكم بمنزلة الوالد»، بيان لما يكون عليه الإنسان مع ولده من الشفقة والرحمة والبر والإحسان والتوجيه، وهكذا كان النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان حريصا على الصغار في توجيههم وتربيتهم، فهذا ابن عباس ينام عند النبي –صلى الله عليه وسلم-، ويقوم ابن عباس بتهيئة بعض حاجة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فبماذا يكافئه؟ يكافئه بدعوة انعكست على حياة ابن عباس كلها:«اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»+++[صحيح البخاري:ح143، ومسند أحمد:ح2397، وجملة:«وعلمه التأويل» ليست عند البخاري]---، فكان إماما في الدين وعالما بالتفسير، حتى أصبح يسمى: ترجمان القرآن، أي يترجم القرآن، أي يبينه ويفسره رضي الله تعالى عنه.

ولم يكن فقط مقتصرا على الدعاء، كان يدعو لهم –صلى الله عليه وسلم-يدعو للصغار، من حق أولادنا أن ندعو لهم، وأن نظهر الدعاء لهم، وليس فقط بما بيننا وبين الله، بعض الناس يعكس الموضوع فتجده بذيء اللسان مع أولاده، كثير الدعاء عليهم، فيدعو على أولاده بالشر والسوء وما يكرهون، ويكون لهذا تأثير بالغ على نفسياتهم، وعلى علاقاتهم بأبيهم؛ لأنه أنت لما يدعو عليك الإنسان بشر لا شك أنك يقع في نفسك من النفرة وعدم القبول له ما يقع.

ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم»+++[صحيح مسلم:ح3009]---، لذلك من المهم يا أخي يا أيتها الأخت! حتى لو غضبتم من الولد، لا تدعوا على أولادكم، ادعوا لهم بالصلاح والهداية وما يسر، فإن ذلك مما ينعكس عليهم قبولا لتوجيهكم، وأيضا هو عون لكم على تحقيق المطلوب من الأولاد، يعني إذا قلت لولدك: الله يشقيك، الله يفعل بك، الله كذا ماذا تريد؟ فإذا أنت غضبان عليه من هذا الموقف، فاعلم أن بدعائك عليه سيزداد سوءا وستزداد غضبا، فلذلك على الإنسان أن يترفق، وأن يحسن الدعاء لأولاده، هذا النبي –صلى الله عليه وسلم-يدعو لمن أحسن إليه من الأطفال والصغار، ويوجههم –صلى الله عليه وسلم-إلى ما فيه خيرهم، وإلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم، لذلك دعا ذلك لابن عباس فكان ما كان.

أيضا مما ينبغي أن نلاحظه في هذا أن النبي كان يوجه ويربي الأولاد على المعاني العالية، إما ابتداء بالتوجيه «يا غلام! إني أعلمك كلمات»+++[سنن الترمذي:ح2516، وقال: هذا حديث حسن صحيح]--- ثم سرد له –صلى الله عليه وسلم-جملة من المعاني العظيمة الجليلة الكبيرة التي بها صلاح المعاش والمعاد، وإما أن يكون هذا التوجيه معالجة لخطأ، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»+++[صحيح البخاري:ح5376، ومسلم:ح2022/108]---،هذه معالجة لخطأ حاضر، ولا ينبغي أن يغفل الإنسان عن أن عملك مع ولدك هو أمره بخير ونهيه عن شر، ولا تقول هذا صغير، فإن بعض الناس يقولون: هذا الصغير ما يتنبه.

يا أخي! النبي –صلى الله عليه وسلم-خرج مرة فإذا بالحسن قد أخذ تمرة من تمر الصدقة، تمرة يعني مثل لو لقي حلاوة في الطريق وأخذها، ووضعها في فمه، صغير، فما كان من النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أن ضغط على خده يقول له «كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة»+++[صحيح البخاري:ح3072، ومسلم:ح1069/161]---، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-بادر إلى معالجة الخطأ مع أنه صغير لا يعقل ولا يدري ولا يميز، لكن أنت تربيه وتغرس فيه المعاني الراشدة الصالحة منذ نعومة أظفاره، ويقول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في الحديث الآخر «علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر»+++[سنن الترمذي:ح407، وحسنه]--- هذا ترقي وتدرج في حمل الأولاد على العمل الصالح النشأة الراشدة.

فينبغي ألا يؤخر، بل ينبغي أن نبادر إلى التنشئة الصالحة، وسنجني ثمارا كثيرة، لكن لما يكون الإنسان مهملا وغافلا ومنصرفا، ولا يأمر ثم إذا بلغوا جاء وابتدأ المشوار، ستكون الرحلة صعبة، وكثيرة العناء والمشقة.

المقدم:قبل أن نختم حديثنا هذا الحديث الشيق معك دكتور خالد نود أن نشير إلى شيء، أنا تقديري أنا هذه النقطة التي سأشير إليها هي من الأمور التي تجب للأبناء على الآباء حتى تساهم في صلاحهم بقدر كبير، وهي مسألة الإنفاق على الأبناء.

كثير من الآباء، أو ربما بعض الآباء حتى لا نقول كثير ربما يقتر ويبخل على أبنائه فيضطرون إلى الانحراف والذهاب يمينا وشمالا، لابد أن يكون الأب ينتبه إلى هذه النقطة، ويعلم أنه حق من حقوق الأبناء في أن يحسن تربيتهم، وأن ينفق عليهم حتى لا يكونوا عرضة للحاجة إلى غيرهم ما رأيك في هذه النقطة؟

الشيخ:بالتأكيد، النفقة على الولد أكدها الله، والولد في أصغر مراحله، قال: ﴿وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف﴾+++[البقرة: 233]---، وقال: ﴿فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن﴾+++[الطلاق: 6]---، ولما شكت هند بنت عتبة أبا سفيان فقالت: «إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك، بالمعروف»، ثم إن الإنسان يؤجر، يؤجر، يؤجر أنا أؤكدها على كل ما يبذله لولده.

يقول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيما جاء في البخاري «أفضل الصدقة ما ترك غنى»، يعني ما كان عن غني، ثم قال: «واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول» تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني» +++[صحيح البخاري:ح5355]---

هذا بيان أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أكد حق الأولاد في الإنفاق عليهم، لذلك أنت الذي وكلك الله تعالى بكفايتهم، وأنت مأجور على كل ما تبذله، سواء كان ذلك في ملابسهم، في مآكلهم، في مدارسهم، في حوائجهم، حتى في لهوهم وما يدخل السرور عليهم، إذا احتسبت الأجر عند الله في ذلك فأنت مأجور، ولذلك لا تبخل؛ فإن الاستثمار الحقيقي هو أن تكسب أولادك، وأن يكون هذا الطريق لصلاحك.

ثم يا أخي! إذا فكر الإنسان اليوم أنت تعطيهم برضاك غدا ستغادر ويأخذون المال من غير حساب، وربما يفرحون وليس فقط لا يشكرون، يفرحون أنك رحلت واستمتعوا بالمال الذي حبسته عنهم بخلا وتقتيرا، فنسأل الله الإعانة والتسديد والهداية.

المقدم:بارك الله فيك شيخنا العزيز، وأحسن إليك كان الحديث معك ماتعا في هذا الجانب وهو جانب من الأهمية بمكان؛ نظرا لأنه يتعلق بفلذات أكبادنا، لابد أيها الإخوة والأخوات أن نحرص على تربية أبنائنا حرصا شديدا، وهذا حق من حقوقهم حتى ينشئوا نشأة صالحة، وبالتالي إذا أحسنا وأدينا الحقوق التي علينا لأبنائنا ينعكس ذلك حينما يكبروا برا وصلاحا وفلاحا ينعكس علينا في حياتنا وبعد موتنا.

نسأل الله –سبحانه وتعالى-لنا ولكم الإعانة، وأن نكون من الذين يؤدون ما عليهم من حقوق تجاه أبنائهم، شكرا لكم دكتور خالد.

الشيخ: أشكركم، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من القائمين بالحق، وأن يهب لنا من ذرياتنا وأزواجنا قرة أعين، وأن يوفقنا إلى كل خير وبر، وأن يحفظ أبناءنا وبناتنا من كل سوء وشر، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، ونسأله –جل وعلا-أن يدفع عنا وعن المسلمين ما نكره، وأن يسوق لنا ما نحب في ديننا ودنيانا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:1551

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحييكم تحية طيبة من إذاعة "نداء الإسلام" من المملكة العربية السعودية، ويسرُّنا أن نقدم إلى حضارتكم حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة"، في مطلع حلقتنا أيها الأحبة نرحب بضيفنا العزيز الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم ضيف البرنامج الدائم.

 دكتور خالد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبًا بك.

الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: أهلا ومرحبا بك دكتور خالد، وأنتم أيها الإخوة والأخوات أهلا ومرحبا بكم أينما كنتم، ويسرُّني أن أكون معكم أنا عبد الله سعد بن عزة، وزميلي من الهندسة الإذاعية والإخراج باسم الصحفي.

أيها الأحبة! سنتعرف هذا اليوم على موضوع مهم جدًّا يهم ُّكل أسرة في مجتمعنا، وفي كل المجتمعات الإسلامية على وجه الخصوص.

الحقوق أيها الأحبة والواجبات، كل ما ينبغي أن يحصل عليه الأفراد ليتمكنوا من العيش بحرية وكرامة، ولابد هنا أن نشير إلى الحقوق والواجبات معًا، هما وجهان لعملة واحدة، يكفل أحدهما الآخر أي أن واجبات أحد الطرفين هي حقوق للطرف الآخر، علمًا أنهما يلعبان دورًا أساسيًّا (الحقوق والواجبات) في بناء المجتمعات وتنشئتها تنشئة صحيحة.

أيضًا يلعبان دورًا مهمًّا في تطور المجتمعات والقيم، وما إلى ذلك والرقي المدني بشكل عام، لذلك يجب الأخذ في الاعتبار أن الأسرة أيها الأحبة هي اللبنة الأولى في هذا المجتمع، ولذلك يجب أن نعرف ما لهذه الأسرة من حقوق وواجبات على بعضها.

دكتور خالد! نحن نعرف تمامًا حقوق الوالدين، وهذه الحقوق ظاهرة للجميع ولكل الناس، ويعرفونها معرفة تامة، ما للوالد على ولده من حقوق، والله تعالى قد أشار إلى ذلك في كتابه العزيز، وقرن ذلك بالإيمان به –سبحانه وتعالى-، وبعبادته –سبحانه وتعالى-، وكذلك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد ركز على هذا الجانب، جانب بر الوالدين إذا كان ذلك كذلك وهذه حقوق للآباء على الأبناء.

في الجانب الآخر هؤلاء الأبناء هل لهم حقوق على آبائهم؟ وإذا كان لهم حقوق فما هي هذه الحقوق التي تجب للأبناء على الآباء؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على قول الصواب والعمل به.

فيما يتعلق بهذا الموضوع وهو "حق الولد على والده" قررته الشريعة في كتاب الله –عز وجل-وفي سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-ومن أظهر ذلك النص المختصر الذي جاء فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قال: «وإنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»[صحيح مسلم:ح1159/183]، فالنبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في هذه الجملة المختصرة يقرر هذا المعنى، وهو أن للولد على والده حقًّا، وهذا التقرير تدل عليه النصوص دلالة واضحة وبيِّنَة، وذلك أن الولد نعمة من الله تعالى ينعم بها على العبد، ونعم الله تعالى تستوجب الشكر والقيام بحقه –سبحانه وبحمده-، فالله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الكهف: 46] أي مما تُزيَّن به حياة الناس في دنياهم، فإنهم يتزيَّنون بالمال، ويتزينون بالولد، والولد ذكورًا وإناثًا من نعم الله تعالى على الخلق التي امتن الله تعالى بها عليهم، فقال: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ[النحل: 72].

فالولد نعمة من الله تعالى يرزق ذلك من يشاء من عباده، فهو –جل وعلا-يرزق عباده ولدًا إما ذكورًا وإما إناثًا، وإما يزوجهم ذكرانًا وإناثًا، وهو –جل وعلا-بحكمته يجعل من يشاء عقيمًا، فنعمة الله على العبد بالولد نعمة عظمى تستوجب شكر هذه النعمة، فمن حقِّ هذه النعمة أن تُشكَر.

ولا شك أن هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها على العبد تستوجب حقوقًا، ولذلك جاء الشريعة بذكر الحقوق، حقوق الأولاد على والديهم على صور مختلفة، فمنها ما كان أمرًا ونهيًا، ومنها ما كان خبرًا وقصصًا، ومنها ما كان بيان عاقبة أمور وأحوال تُبيِّن حقوق الأولاد على والديهم.

وفي الجملة لا شك أن الكتاب والسنة هما المصدر الذي يتلقى منهم المؤمن ما يتعلق بالحقوق، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء: 58]، والأمانات هي الفرائض والحقوق التي فرضها الله تعالى على الخلق بعضهم على بعض، أصل ذلك حق الله تعالى على عباده، ثم بعد ذلك ما جعله الله تعالى على خلقه من الحقوق، ومن ذلك ما أخبر الله به تعالى في كتابه من حقوق الأولاد على والديهم، ولم يأت ذلك على نحو من الفرض الذي يأتي بصيغة الأمر والنهي فقط، بل جاء بصور متعددة فنستعرضها، نري ذلك في آيات الكتاب الحكيم، لمحات وقبسات من الكتاب الحكيم من القرآن العظيم، وكذلك من سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، ونستقي من ذلك كله ما ينبغي أن يكون حال الوالد مع ولده.

ولدك نعمة من الله تعالى، عنايتك به قُربى إلى الله –عز وجل-، تتقرب بها إليه جل في علاه، فإنه من أداء الأمانة التي أُمرت بها في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء: 58]، وإذا نظرت أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة إلى القرآن الحكيم وجدت عنايةَ الأنبياء فائقة بأولادهم وذرياتهم على نحو يدهش بمنزلة عناية الوالد بولده، وقد غفل عن ذلك كثير من الناس وظن أن الصلاح هو أن تَصلُح في نفسك، وأن تقيم طاعة ربك في عملك، وقد تغفل أو لا يضرك أن تغفل عن ذلك في ولدك، وهذا فهم مغلوط؛ فإن إبراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن الذي رفع الله منزلته وبيَّن عظيمَ مقامِه ودرجته في الأنبياء، انظر إلى دعائه قبل أن يرزق الولد، قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ[الصافات: 100]، سأل الله تعالى أن يرزقه صالحًا من الولد، وانظر إلى هذا المعنى العظيم وهو أن يُعنى الإنسان بصلاح ولده، همٌّ قبل أن يولد، وقبل أن يرزق الإنسان يهتم أن يكون ولده على هذا النحو من الوصف الموجب لسعادة الدنيا وأجر الآخرة.

وهذا زكريا -عليه السلام- أيضًا ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[آل عمران: 38]، فلم يطلب الذرية فقط، بل طلب ذرية ووصفها بوصف ﴿طَيِّبَة﴾، والطيب هو الصالح، الطيب هو الزاكي، الطيب هو الذي يقيم الحق ويعمل به، وهذا لا يكون إلا بجهد وبذل وعمل من الوالد، مع توفيق رب العالمين وإعانته وتسديده وتيسيره.

وعلى هذا جرى عباد الرحمن، فإن عباد الرحمن غايتهم وهمهم أن يرزقهم الله تعالى من الذرية ما تقرُّ به أعينهم، ولذلك كان من دعائهم ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[الفرقان: 74]، سألوا الله تعالى قرة العين في الذرية، وهم من صلحت حاله، واستقام عمله، وزكا خلقه، وطاب شأنه، هذا هو الذي تقر به العين؛ لأن العين إذا قرَّت يعني سكنت وذهب عنها القلق والخوف والانزعاج، ولا يكون ذلك إلا بأن يشهد من ولده ما تنشرح به نفسه، ويطمئن به صدره، ويطيب به خاطره، ويأمن به على ولده من المضِلَّات وأنواع الانحرافات، سواء كانت بغلوٍّ أو كان بإفراد أو جفاء.

المقدم: جميل! هذا فيما يتعلق بداية بتطلُّعات الآباء وخاصة الأب في أن يمنحه الله ويرزقه ذرية صالحة، يلجأ إلى الله –عز وجل-بالدعاء كما ذكرت، وقد لجأ إلى ذلك الأنبياء -عليهم السلام- والصالحون، ونَهَج نهجهم من تبعهم إلى يوم الدين -ولله الحمد- في أنهم يتمنَّون الذرية الصالحة، ويدعون الله أن يرزقهم الذرية الصالحة، وكل أحد يرجو ذلك، يرجو أن تكون ذريته صالحة، لكن نريد أن نبدأ بالخطوات العملية التي يجب على الآباء اتخاذها حيال هذا الأمر، حتى يجدوا فعلا ذرية صالحة، الاختيار الأول ما هو؟ والوسيلة الأولى التي ينبغي على الآباء أن يحرصوا عليها عندما يبدؤون الحياة الزوجية.

الشيخ: أخي الكريم عبد الله أيها الإخوة والأخوات! العرض للحقوق كقائمة تقدم للناس قد يعين فعلا على الاسترشاد والاستفادة، لكن أن يعرض ذلك من خلال ما أخبر الله في كتابه ومن خلال ما جاء في سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-يكون تعليم وتطبيق، يكون نموذج عملي مُورِسَت فيه هذه الحقوق فيكون أدعى للتطبيق لننظر، ولذلك أنا أحب أن استعرض الحقوق من خلال ما ذكر الله تعالى في القرآن، وقد قص الله تعالى علينا في القرآن قصة نوح مع ابنه، وقص الله تعالى علينا في القرآن وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه، وقص الله تعالى علينا في سورة كاملة موقف يعقوب مع بنيه في قصة يوسف، وقص الله تعالى علينا في محكم كتابه خبر لقمان في موعظته لابنه، هذا غير ما جاء به الأمر والنهي فإن الله تعالى في أصل الحقوق أمر –جل وعلا-بندب الأولاد والأهلين إلى الصلاة والعمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى[طه: 132]، هذا فيما يتعلق بالمطلوبات والواجبات، وذكر الصلاة لأنها رأس المأمور به والمطلوب من المؤمن في عمله، وإذا صلحت فإن الصلاح في سائر العمل يتبع.

أما في المنهيات، فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[التحريم: 6]، فإن الله تعالى أمر المؤمنين بأن يجعلوا وقايةً بنيهم وبين ما يغضب الله تعالى باجتنابه بين أهليهم، وبين ما يغضب الله تعالى بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتحذيرهم من مواقع الزلل والخطأ.

وفي خبر ما قص الله تعالى من خبر نوح -عليه السلام- ذكر الله تعالى المحاورة التي جرت في الرمق الأخير، في آخر فرصة للإنقاذ وهي فرصة إخراج نوح لابنه من مصير الغارقين الهالكين الذين كذبوا الرسل، فقد قال الله تعالى في محاورة نوح لابنه ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِين[هود: 42]، انظر إلى الرأفة والرحمة والحرص والشفقة وتمام العناية والتلطف في الأمر والتوجيه، فإن نوحًا عليه السلام يخاطب ابنًا كافرًا، وبالتأكيد أن هذا الابن لم يكن على حال مرضية قبل ذلك، وانتكس في هذا الموقف، إنما هي حاله السابقة، ولكن لم يطرد نوح -عليه السلام- المحاولة الأخيرة حتى في هذه الحال أن يخرجه من هذا المآل، وأن ينقذه من هذا المصير الهالك ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا[هود: 42]، اركب معنا لتنجو، وهنا الركوب لا يكون إلا بالإيمان؛ لأن ركوب السفينة كان مقصورًا على أهل الإيمان وأهل الإقرار بعبادة الله وحده لا شريك له.

فلما قال: ﴿ارْكَب مَّعَنَا﴾فهم الولد أن مطلوب أبيه هو أن يركب معه مؤمنًا بالله –عز وجل-،مقرًّا بما جاء به نوح عليه السلام، لكن قال: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِين[هود: 42]، أمره بالركوب وحذره من العاقبة والمصير، قال: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ[هود: 43]، لم يسمع المحادثة بل ﴿قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ[هود: 43]، ومع هذا أصرَّ الولد فكان ما كان من هلاكه، لكن نوح -عليه السلام- حتى بعد أن حال بينهما الموج لم يعلم المصير، حال بينهما الموج فلم يعلم مصيره أو لم يشهد مصيره بالهلاك.

ولذلك كان منه أن دعا الله –عز وجل-قال: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ[هود: 45]، فعاد لعنايته بولده حتى بعد أن غاب عنه، وأصرَّ على ما هو عليه، لم ييأس -عليه السلام- من أن يجد سبيلًا لإنقاذ ولده، لكن الأمر قد حُسم وقضي، وكان ابنه من المغرَقين الهالكين في طريق الضالين، أعاذنا الله تعالى وإياكم من سوء المنقلب والمصير.

هذا خبر يبين لنا ما الذي ينبغي أن يكون عليه الأب والأم ومن له ولاية على الولد حتى الأخ الكبير والأخت الكبيرة، كل من له وسيلة للتوجيه، أن يكون رفيقًا، أن يكون رحيمًا، أن يكون في عرضه لما يريده من الخير وما يريده من الاستقامة والصلاح فيما يتعلق بمعاش الإنسان وميعاده، أن يكون على نحو من الرفق واللين، وبيان الأمر على وجه تتضح به المخاطر، ويتبين به الصالح من الفاسد؛ لأن أحيانًا الأوامر التي تخلو من التوجيه، تخلو من الرأفة، تخلو من الرحمة، تخلو من عبارة رقيقة، تخلو من بيان العواقب والإقناع لا تكون مقبولة، أو تكون حتى لو قُبلت لا تكون راسخة في نفوس المتلقِّين لها، لكن لما تكون مشوبةً محفوفة بالرحمة، باللطف، بالشفقة، بالعناية، بالإقناع، ببيان العواقب لا شك أن ذلك أدعى.

وقص الله تعالى أيضًا ما ذكره في محكم كتابه من وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه، فالله تعالى يقول في سورة البقرة: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[البقرة: 132] أيضًا هنا انظر العبارة اللطيفة، وانظر طريقة الدعوة للخير الذي دعوا أبناءهم وأولادهم إليه ﴿يَا بَنِيَّ﴾ وهذه فيها من اللطف والحُنُوِّ وظهور الشفقة والرحمة وغاية العناية بالمتحدث معه ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ[البقرة: 132]، فبين هنا الخاصية، هذا الذي آمركم به ليس شيئًا من قبل رأيي أو اقتراح من عندي، إنما هو شيء من الله جعله لكم، اصطفى لكم الدين، اختاره لكم.

والعاقل البصير عندما يربط بالله –عز وجل-، ويذكر بأن هذا الشيء من الله وليس من قبل اجتهاد البشر، وإنما هو اختيار الله تعالى له، وهو الذي اصطفاه، كان ذلك من دواعي القبول ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[البقرة: 132]، وهذا فيه التذكير بالمبادرة والإسراع، لأن الموت لا يُدرى متى ينزل؟ فلذلك قال: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ[البقرة: 132]، تدرك الأمر قبل الفوات هذا واحد.

ثانيًا: فيه التنبيه إلى الحرص على الإدامة والثبات على هذا المعنى؛ لأن الإنسان قد تمتدُّ به حياته، فينبغي له أن يديم هذا العمل ما دام حيًّا إلى الممات، ولذلك الله تعالى يقول لرسوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99]، ثم يعود الله تعالي أيضًا إلى التذكير بما كان عليه يعقوب من وصية أبنائه قال: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ[البقرة: 133]، هذا فيه بيان أن العناية بالولد لا تقتصر على حال الصحة والعافية، ولا تقتصر على حال القوة والاكتمال في المعاش، بل حتى عند المفارقة والرحيل ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ[البقرة: 133]، نزل به الموت وكان من همِّه أن يبقى أولاده على ما رباهم عليه من الصلاح والاستقامة والتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[البقرة: 133]، هذا العهد الذي عهد به يعقوب في الرمق الأخير، وعندما حضره الموت يدل على أن العناية بالولد ينبغي ألا تغيب على الإنسان، لا في سعة ولا في ضيق، لا في شدة ولا رخاء، لا في صحة ولا في مرض، بل حتى لا في حياة ولا عند مفارقتها، ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، فهذا شأن نبي من الأنبياء في عنايته بولده.

ولذلك يا إخواني ويا أخواتي! نحن نحتاج إلى أن نصبر ونصابر في توجيه أولادنا، وأن نكرر ونعيد ونصبر على التكرار والإعادة والتوجيه؛ لأن الإنسان ينسى، يعقوب -عليه السلام- يذكر أبناءه بأصل العبادة فيقول لبنيه: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي[البقرة: 133]، استفهام ليطمئن ويستقر نفسه بأن أولاده قد أدركوا ما دعاهم إليه، وما أمرهم به وما رباهم عليه ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ[البقرة: 133] إلى آخر ما ذكر الله تعالى في الآيات الكريمة.

لذلك ينبغي لنا أن نحرص على الدوام، وانظر إلى الآية الكريمة التي أمر الله تعالى فيها بالصلاة، قال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا[طه: 132] ما قال: واصبر قال: ﴿واصطبر والاصطبار هو صبر مع معاناة، الصبر في ذاته مرٌّ مذاقته، كما يقال:

            الصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته                    لكن عواقبه أحلى من العسل

فكيف إذا الاصطبار وهو أشد من الصبر؟! لا شك فيه معاناة، وهذا يشهده الإنسان، أحيانًا تجد بعض الناس يقول: والله أنا تعبت مع الأولاد، أنا تعبت مع بنتي، قلت وعِدت وزِدت، ولا زال على حاله، لا زال مقصرًا في كذا.

المقدم:هذا يا دكتور خالد من يقوله؟ يقوله الأب الصالح الذي يحرص على صلاح أبنائه، لكن للأسف في الجانب الآخر نرى أن كثيرًا من الآباء والأمهات ربما يكونون هم السبب في انحراف الأبناء، بما يمارسونه معهم من غلظة وأساليب غير جيدة تؤدي بهم إلى الانحراف، وإلى إضاعة الحقوق التي لهم للآباء عليهم، وهم بالتالي يعني في ضياع.

الشيخ: صحيح، بالتأكيد لا شك أن الغفلة أخطر، يعني كونه يكون دوره سلبيًّا أو مؤثرًا تأثيرًا رديئًا على أولاده، هذا ليس إضاعة للأمانة، بل هو خيانة للأمانة، لأن إضاعة الأمانة بأن لا توجههم لكن أن توجههم إلى الشر، وتقودهم إلى مواطن الرداء في معاشهم وميعادهم، في دنياهم وفي آخرتهم، تكون خيانة للأمانة التي ائتمنك الله تعالى عليها، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في تأثير الوالد على ولده، قال: «كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ»[صحيح البخاري:ح1385، ومسلم:ح2658/22]، وهي ما فطر الله النفوس عليها من قبول الحق، والرغبة فيه، والميل إليه، والمحبة له.

هذه الفطرة قد تُجلِّيها وتنقيها وتعزِّزُها بالأنوار والهدايات، فتنمو وتطيب، فيصلح الولد ويستقيم، وقد يجري عليها من أنواع التلويث والتشويه والحرث ما يوقعها في سوءات وانحرافات خطيرة، قد تصل به إلى الخروج عن ملة الإسلام.

لهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على بذل جهده في أداء هذه الأمانة، واحتساب الأجر عند الله تعالى فيها، ولا يكترث بالنتائج، بمعنى أن النتيجة قد لا تكون كما تحب، لكن أنت قم بما يجب عليك، وأما الهداية والضلال والاستقامة والانحراف والصلاح والطلاح ليس شيئا إليك ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ[القصص: 56]، هذا خطاب الله لسيد الورى إمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

المقدم: يؤدي الإنسان ما عليه، ويترك التوفيق والهداية هي بيد الله –سبحانه وتعالى-، طيب نود أن نعرج أو نتطرق إلى أهم خطوة من الخطوات التي تؤدي بالأبناء أو بالآباء إلى مراعاة حقوق أبنائهم وصلاحهم فيما يستقبل من أعمالهم، ألا ترى أن اختيار الأب أو الزوج لزوجته الصالحة هي أُولى الخطوات التي تؤدي إلى صلاح الآباء، وهذا حق من حقوق الأبناء على آبائهم.

الشيخ:في الحقيقة أهم ما يكون مما ينبغي أن يعتنى به لتحقيق هذه المطلوبات في تربية الأولاد أن يكون الإنسان على وعي بعظم المسئولية التي اضطلع بها عندما وهبه الله هذه النعمة عندما يستحضر الإنسان أنه مسئول فيسألك الله تعالى عن هذه الأمانة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء: 58]، فإن ذلك يبعثك على القيام بما يجب عليك.

أيضًا جانب آخر مما يبعث في النفوس الحرص على القيام بالواجبات المتعلقة بالأولاد، هو ما يناله الإنسان من السعادة والسرور والانشراح والبهجة والخير فيما إذا قام بذلك، وأثمر ذلك في سلوك ولده، في سلوك ابنه، في سلوك ابنته صلاحًا وذكاء واستقامة وفلاحًا، لا شك أن الوالد إذا رأى من ولده ما يسرُّه في دينه ودنياه، كان ذلك من أسباب سعادته.

ولذلك الله تعالى يقول: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الكهف: 46]، ويقول: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ[آل عمران: 14] إلى آخر ما ذكر فهي أمور مُزيَّنة، يسرُّ بها الإنسان، وينشرح صدره وينال من السعادة ما ينال إذا رأى في ولده ما يؤمِّل، وما يصبو إليه، وهذا كله فيما يجنيه الإنسان عاجلًا، أما ما يجنيه أجلًا فهو الأجر والثواب وصلاح ولدك بعد موتك مما تدرك به خيرًا وبرًّا وسعادة، والله تعالى قد قال في محكم كتابه:﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ[الطور: 21]، والنبي –صلى الله عليه وسلم-يقول في صحيح سنته «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ»، ومنها:«وولدٍ صالحٍ يدعو له»[سنن الترمذي:ح1376، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ] فالولد الصالح نعمة على العبد، والصلاح ليس شيئًا ليس له مقدمات أو أسباب.

لا شك أنه منَّةٌ من الله، الله يصطفي من عباده من يشاء، فيَمُنَّ عليهم بالصلاح والاستقامة، لكن هذا الصلاح وتلك الاستقامة لها أسباب ينبغي للوالد أن يبذل جهد في ذلك، وسيدرك إن شاء الله تعالى من خير الدنيا والآخرة ما يؤمِّل من توفيق الله تعالى وحسن جزائه على ما يقوم به من تربية أولاده.

وإذا سمحت لي يا أستاذ عبد الله فيما يتعلق بقصة لقمان مع ابنه أيضًا يتبين عظيم ما يكون من تأثير الوالد على ولده، فإن لقمان -عليه السلام- قص الله تعالى كيف وعظ ابنه، وكيف وجَّهه؟ وما هي ترتيب تلك التوجيهات التي بدأها؟ وبماذا ختم؟ كيف كانت شاملة ومستوعبة لعلاقة العبد بالله –عز وجل-نظرة الإنسان للحياة، نظرة الإنسان لمعاملته للخلق، نظرة الإنسان لنفسه على نحو -في الحقيقة- يصلح أن يكون منهجًا للإنسان في تربيته لولده، وفي قيامه بما يجب عليه من حق ولده.

الله تعالى ابتدأ الآيات الكريمات بذكر وصية لقمان لابنه وموعظته له على نحو مشوِّق، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ[لقمان: 12]، ثم وهذا شهد به لقمان ﴿أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ[لقمان: 12]، ثم بين ما منَّ به على الحكمة عمليًّا ومسلكيًّا، فقال: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ[لقمان: 13]، هذا من مظاهر حكمة لقمان عليه السلام، فالرجل المعتني بولده رجل حكيم، كل من اعتنى بولده صلاحًا وذكاء وتربية في صلاح دينه ودنياه هو من الحكماء بشهادة القرآن في وصف لقمان -عليه السلام- حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ[لقمان: 12]، فافرح بمنة الله عليك إذا قذف الله في قلبك الحرص على أولادك إصلاحًا لدينهم، وإصلاحًا لدنياهم ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان: 13]، ثم ذكر وصية الله –عز وجل-بالوالدين، ثم عاد فذكر، قال: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ[لقمان: 16]، إصلاح الباطن، استحضار رقابة الله وخشيته في كل دقيق وجليل، صغير وكبير، هذا المعنى الذي ينبغي أن نبني عليه أنفسنا، وأن نغرسه ونبثَّه إلى أبنائنا وبناتنا، رقابة الله وعدم استصغار الخطأ مهما كان؛ فإنه ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ[لقمان: 16].

 أولًا التوحيد، ثم العناية بالقلب إصلاحًا وتذكيرًا بالمحاسبة على الدقيق والجليل، الظاهر والباطن، الخفي والمعلن، جاء بعد ذلك التنبيه إلى أهم المطلوبات وهو: الصلاة، فقال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[لقمان: 17]، فأمره بالعمود الذي يقوم به الدين، وهو الصلاة التي هي صلة العبد بربه، ثم أمره بالإحسان إلى الخلق بتوجهيهم إلى الخير وكفِّهم عن الشر، والصبر على ما يكون من أذاهم، فإنه لابد وأن يكون من معاملة الناس من المكدِّرات والمؤذيات ما يحتاج معه الإنسان إلى صبر.

ثم نبَّهه إلى جميل المعاملة مع الناس وحسن الخلق، قال: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ[لقمان: 18]، لا تتكبَّر عليهم، لا تُشِحْ بوجهك عنهم، بل أقْبِل عليهم، وأحسن استقبالهم ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا[لقمان: 18]، لا تغترَّ، وتُلْهِك الملاهي عن أن تقوم بما يجب عليك ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ[لقمان: 18-19]، توجيه حتى في طريقة السير، يعني انظر إلى الدقائق والجلائل: توحيد، إيمان، صلاة، إحسان إلى خلق، كيف يتعامل مع الناس، بل كيف يمشي، ثم كيف يتكلم ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[لقمان: 19].

إذًا حقُّ والدينا علينا أن نوجِّههم بكل لطف، وبكل عناية، لكل ما فيه صلاحهم في معاشهم ومعادهم، ليس المقصود أنك فقط تصلحهم في أمر معادهم، لأن الناس يعني عفوًا يا أخي عبد الله أيها الإخوة والأخوات الناس في عنايتهم بأولادهم ينحون مناحي مختلفة؛ منهم من يهتم بدين ولده وعبادته، وتجده يعتني به، وقد يقصِّر في المقابل، يهمل في جانب صلاح دنياه، وهذا غلط، ومنهم من تكون عنايته في إصلاح دنيا ولده تعليمًا أو تدريسًا أو ما إلى ذلك، لكن لا يهتم بصلاح دينه؛ فلا يأمره بصلاة، ولا يحثه على خير، ولا يغرس فيه توحيدًا أو خشية لله –عز وجل-، وهذا إهمال.

والكمال في أن يجمع الإنسان ما يكون من صلاح الدين وصلاح الدنيا، فبهما تطيب حياة الناس، وبهما يتحقق لهما الصلاح.

المقدم:إذًا التربية الإيمانية هي في مطلع الحقوق التي وتجب على الآباء تجاه الأبناء أن يربوهم تربية إيمانية صالحة؛ لأن التربية الإيمانية الصالحة سيتبعها -بإذن الله تعالى- الأمور الدنيوية الأخرى، اختيار الاسم الحسن للأبناء، يعني بعض الآباء ربما يختار لابنه اسمًا معينًا، وخاصة الآن في هذا الزمان يعني الآباء ربما نحوا منحى جديدًا على المجتمع باختيار أسماء غريبة وعجيبة، سواء كان فيما يتعلق بالذكور أو الإناث.

يعني ليست من الأسماء التي أَلِفناها أو عرفناها، أو التي تدل على معاني حميدة، ربما بعضهم لا يعرف معنى الاسم الذي يختاره بصريح العبارة، فهذا يعتبر حق من حقوق الأبناء على آبائهم أن يختاروا لهم أسماء حسنة، حتى إذا دعوا بها من جهة أصحابهم وزملائهم وجيرانهم، تكون تدخل السرور على أنفسهم، لا أن تكون مثارًا للسخرية من أقرانهم مثلا.

الشيخ:بالتأكيد، الاسم مرافِق للإنسان ويقارنه، ولا ينفك عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلذلك من حق الولد على والده أن يحسن اختيار الاسم له، وحسن الاسم  ليس في الإغراب، لأن بعض الناس يظن أنه الاسم الحسن هو أن تأتي بشيء غريب، وقد يكون في الحقيقة هذا وبال على صاحبه، يتنكد منه الولد أو البنت، ويبقى متأذيا بهذا الاسم، وقد يضطر في مستقبل الأيام إلى تغيير الاسم.

المقدم: وعرفنا دكتور خالد، أنا أعرف بعض الإخوة الذين اضطروا إلى تغيير الأسماء التي سموا بها أبناءهم نظرًا لأن الأبناء تعرضوا للسخرية بسبب هذه الأسماء من أقرانهم، وربما يجدون فيها نقصًا معينًا يعني، لا يودون معرفته، يعني يود الأفضل للرجل أن يختار لابنه اسمًا ملائما للمجتمع قبل أي شيء آخر، ملائمًا للدين ثم للمجتمع حتى لا يكون مثارًا للسخرية.

الشيخ: صحيح؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما روي بإسناد فيه بعض المقال «تُدعَون يومَ القيامةِ بأسمائِكم وأسماءِ آبائِكم فأحسِنوا أسماءَكم»[سنن أبي داود:ح4948، وضعفه ابن حجر لانقطاعه:فتح الباري( 10/577)] وهذا معنى ما ذكرته قبل قليل، أن  الاسم يكون في المعاش وفي الميعاد، يعني في الدنيا وفي الآخرة، فلذلك من المهم أن يختار الإنسان لابنه الاسم الحسن، وقد وجَّه النبي –صلى الله عليه وسلم- جملة من الأسماء.

وعلى كل حال يعني هنا اختار الاسم الحسن الذي ليس فيه غرابة وليس نشاذًا، وليس موطن سخرية، أو تنقص في بلده، أو في محله، ولو كان مقبولًا في غيره، يعني بعض الأسماء قد تكون معانيها رديئة في مكانها، ولكنها مقبولة في مكان آخر، ابنك ابنُ بيئتك فاحرص على الاسم الذي يكون مقبولًا وحسنًا في البيئة التي أنت فيها، ولا تذهب إلى اسم ولو كان حسنًا عند غيرك بأن تسمي به ابنك، أو تسمي به ابنتك، بل احرص على الأسماء الجميلة الحسنة.

 أيضًا مما ينبغي أن نقف عليه حقيقة لإدراك معاني حقوق الأبناء على آبائهم، ما جاءت بهدي سيد الورى –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أخي الكريم أيها الإخوة والأخوات! النبي –صلى الله عليه وسلم-ترجم القرآن وبينه عملًا، وكان –صلى الله عليه وسلم-قدوة لنا في صلاح أنفسنا، وصلاح ذرياتنا، وصلاح معاشنا ومعادنا، لذلك من المهم أن نقف مع حال النبي –صلى الله عليه وسلم-في تربيته للنشء.

النبي –صلى الله عليه وسلم-رُزق بناتًا، وكن شامة من الناس، عليهن من الله تعالى الرضوان والرحمة والبر، والنبي –صلى الله عليه وسلم-كان أبًا لأهل الإيمان، ولم تقتصر تربيته على أولاده، بل كان –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يقول لأصحابه «أنا لكم بمنزلة الوالد»[سنن أبي داود:ح8، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح2346]، ومعنى هذا أنه يأمرهم بما يصلحهم، ويناههم عما يسوؤهم، فقوله: «أنا لكم بمنزلة الوالد»، بيان لما يكون عليه الإنسان مع ولده من الشفقة والرحمة والبر والإحسان والتوجيه، وهكذا كان النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان حريصًا على الصغار في توجيههم وتربيتهم، فهذا ابن عباس ينام عند النبي –صلى الله عليه وسلم-، ويقوم ابن عباس بتهيئة بعض حاجة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فبماذا يكافئه؟ يكافئه بدعوة انعكست على حياة ابن عباس كلها:«اللهم فقِّهه في الدين، وعلِّمه التأويل»[صحيح البخاري:ح143، ومسند أحمد:ح2397، وجملة:«وعلِّمه التأويل» ليست عند البخاري]، فكان إمامًا في الدين وعالمًا بالتفسير، حتى أصبح يسمى: ترجمان القرآن، أي يترجم القرآن، أي يبينه ويفسره رضي الله تعالى عنه.

ولم يكن فقط مقتصرًا على الدعاء، كان يدعو لهم –صلى الله عليه وسلم-يدعو للصغار، من حق أولادنا أن ندعو لهم، وأن نظهر الدعاء لهم، وليس فقط بما بيننا وبين الله، بعض الناس يعكس الموضوع فتجده بذيء اللسان مع أولاده، كثير الدعاء عليهم، فيدعو على أولاده بالشر والسوء وما يكرهون، ويكون لهذا تأثير بالغ على نفسياتهم، وعلى علاقاتهم بأبيهم؛ لأنه أنت لما يدعو عليك الإنسان بشرِّ لا شك أنك يقع في نفسك من النفرة وعدم القبول له ما يقع.

ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»[صحيح مسلم:ح3009]، لذلك من المهم يا أخي يا أيتها الأخت! حتى لو غضبتم من الولد، لا تدعوا على أولادكم، ادعوا لهم بالصلاح والهداية وما يسُرُّ، فإن ذلك مما ينعكس عليهم قبولًا لتوجيهكم، وأيضًا هو عون لكم على تحقيق المطلوب من الأولاد، يعني إذا قلت لولدك: الله يشقيك، الله يفعل بك، الله كذا ماذا تريد؟ فإذا أنت غضبان عليه من هذا الموقف، فاعلم أن بدعائك عليه سيزداد سوءًا وستزداد غضبًا، فلذلك على الإنسان أن يترفَّق، وأن يحسن الدعاء لأولاده، هذا النبي –صلى الله عليه وسلم-يدعو لمن أحسن إليه من الأطفال والصغار، ويوجههم –صلى الله عليه وسلم-إلى ما فيه خيرهم، وإلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم، لذلك دعا ذلك لابن عباس فكان ما كان.

أيضًا مما ينبغي أن نلاحظه في هذا أن النبي كان يوجِّه ويربي الأولاد على المعاني العالية، إما ابتداء بالتوجيه «يا غلام! إني أُعلِّمك كلمات»[سنن الترمذي:ح2516، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ] ثم سرد له –صلى الله عليه وسلم-جملة من المعاني العظيمة الجليلة الكبيرة التي بها صلاح المعاش والمعاد، وإما أن يكون هذا التوجيه معالجة لخطأ، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يا غُلَامُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بيَمِينِكَ، وَكُلْ ممَّا يَلِيكَ»[صحيح البخاري:ح5376، ومسلم:ح2022/108]،هذه معالجة لخطأ حاضر، ولا ينبغي أن يغفل الإنسان عن أن عملك مع ولدك هو أمره بخير ونهيه عن شر، ولا تقول هذا صغير، فإن بعض الناس يقولون: هذا الصغير ما يتنبه.

يا أخي! النبي –صلى الله عليه وسلم-خرج مرة فإذا بالحسن قد أخذ تمرة من تمر الصدقة، تمرة يعني مثل لو لقي حلاوة في الطريق وأخذها، ووضعها في فمه، صغير، فما كان من النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أن ضغط على خده يقول له «كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»[صحيح البخاري:ح3072، ومسلم:ح1069/161]، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-بادر إلى معالجة الخطأ مع أنه صغير لا يعقل ولا يدري ولا يميِّز، لكن أنت تربيه وتغرس فيه المعاني الراشدة الصالحة منذ نعومة أظفاره، ويقول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في الحديث الآخر «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ»[سنن الترمذي:ح407، وحسنه] هذا ترقي وتدرج في حمل الأولاد على العمل الصالح النشأة الراشدة.

فينبغي ألا يؤخر، بل ينبغي أن نبادر إلى التنشئة الصالحة، وسنجني ثمارًا كثيرة، لكن لما يكون الإنسان مهملًا وغافلًا ومنصرفًا، ولا يأمر ثم إذا بلغوا جاء وابتدأ المشوار، ستكون الرحلة صعبة، وكثيرة العناء والمشقة.

المقدم:قبل أن نختم حديثنا هذا الحديث الشيق معك دكتور خالد نود أن نشير إلى شيء، أنا تقديري أنا هذه النقطة التي سأشير إليها هي من الأمور التي تجب للأبناء على الآباء حتى تساهم في صلاحهم بقدر كبير، وهي مسألة الإنفاق على الأبناء.

كثير من الآباء، أو ربما بعض الآباء حتى لا نقول كثير ربما يُقتِّر ويبخل على أبنائه فيضطرون إلى الانحراف والذهاب يمينًا وشمالًا، لابد أن يكون الأب ينتبه إلى هذه النقطة، ويعلم أنه حق من حقوق الأبناء في أن يحسن تربيتهم، وأن ينفق عليهم حتى لا يكونوا عرضة للحاجة إلى غيرهم ما رأيك في هذه النقطة؟

الشيخ:بالتأكيد، النفقة على الولد أكَّدها الله، والولد في أصغر مراحله، قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف[البقرة: 233]، وقال: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ[الطلاق: 6]، ولما شكت هند بنت عتبة أبا سفيان فقالت: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ»، ثم إن الإنسان يؤجر، يؤجر، يؤجر أنا أؤكدها على كل ما يبذله لولده.

يقول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيما جاء في البخاري «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى»، يعني ما كان عن غني، ثم قال: «وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ العَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي» [صحيح البخاري:ح5355]

هذا بيان أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أكد حق الأولاد في الإنفاق عليهم، لذلك أنت الذي وكلك الله تعالى بكفايتهم، وأنت مأجور على كل ما تبذله، سواء كان ذلك في ملابسهم، في مآكلهم، في مدارسهم، في حوائجهم، حتى في لهوهم وما يدخل السرور عليهم، إذا احتسبت الأجر عند الله في ذلك فأنت مأجور، ولذلك لا تبخل؛ فإن الاستثمار الحقيقي هو أن تكسب أولادك، وأن يكون هذا الطريق لصلاحك.

ثم يا أخي! إذا فكر الإنسان اليوم أنت تعطيهم برضاك غدا ستغادر ويأخذون المال من غير حساب، وربما يفرحون وليس فقط لا يشكرون، يفرحون أنك رحلت واستمتعوا بالمال الذي حبسته عنهم بخلًا وتقتيرًا، فنسأل الله الإعانة والتسديد والهداية.

المقدم:بارك الله فيك شيخنا العزيز، وأحسن إليك كان الحديث معك ماتعًا في هذا الجانب وهو جانب من الأهمية بمكان؛ نظرًا لأنه يتعلق بفلذات أكبادنا، لابد أيها الإخوة والأخوات أن نحرص على تربية أبنائنا حرصًا شديدًا، وهذا حق من حقوقهم حتى ينشئوا نشأة صالحة، وبالتالي إذا أحسنا وأدينا الحقوق التي علينا لأبنائنا ينعكس ذلك حينما يكبروا برًّا وصلاحًا وفلاحًا ينعكس علينا في حياتنا وبعد موتنا.

نسأل الله –سبحانه وتعالى-لنا ولكم الإعانة، وأن نكون من الذين يؤدون ما عليهم من حقوق تجاه أبنائهم، شكرا لكم دكتور خالد.

الشيخ: أشكركم، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من القائمين بالحق، وأن يهب لنا من ذرياتنا وأزواجنا قرة أعين، وأن يوفقنا إلى كل خير وبرٍّ، وأن يحفظ أبناءنا وبناتنا من كل سوء وشر، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، ونسأله –جل وعلا-أن يدفع عنا وعن المسلمين ما نكره، وأن يسوق لنا ما نحب في ديننا ودنيانا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات42476 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات29251 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات24290 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات22102 )
6. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات20673 )
7. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات20169 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات15563 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات12210 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات12189 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10858 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10727 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات10507 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف