المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أيها الإخوة المستمعين الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحييكم تحية طيبة من إذاعة "نداء الإسلام" من المملكة العربية السعودية، ويسرنا أن نقدم إلى حضارتكم حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة"، كما تعلمون أيها الأحبة هذا البرنامج نستضيف من خلاله ضيفًا دائمًا لهذا البرنامج وهو: سعادة الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، والذي يصحبنا في هذه اللحظة.
دكتور خالد! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياك الله.
الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: أهلا ومرحبا بك دكتور خالد إلى هذه الحلقة التي نرجو الله –سبحانه وتعالى-أن يوفقنا إلى ما يفيد من خلالها، أو ما نفيد من خلالها -إن شاء الله تعالى- أخوتنا المستمعين والمستمعات.
أسعد بصحبتكم أنا عبد الله سعد بن عزة، وزميلي باسم الصحفي من الهندسة الإذاعية والإخراج.
أيها الأحبة! هناك ركن عظيم من أركان الإسلام وهو الصلاة كما تعلمون، وهو الركن الثاني الذي فرضه الله –سبحانه وتعالى-على عباده المسلمين خمس مرات في اليوم والليلة، هذا الركن الأساسي من أركان الدين الإسلامي بعد شهادة أن لا إله إلا الله، لا يقوم إيمان المسلم إلا به، ولا يكتمل دين العبد إلا بالقيام بهذه الشعيرة العظيمة من شعائر هذا الدين المبارك.
نحن هنا في هذه الحلقة أيها الأحبة لن نتحدث عن هذا الركن العظيم، أو عن هذه الصلاة من حيث فرضيتها، أو قيمتها ومكانتها في دين الإسلام ولكننا سنأخذ جانبًا مهمًّا من هذه الجوانب المتعلقة بهذه الصلاة ألا وهو جانب الخشوع في هذه الصلاة، لأن الصلاة أيها الأحبة تحتاج إلى حضور ذهنًا وخشوعًا ويقظة حينما يؤديها الإنسان حتى تكون هذه الصلاة صلاة كاملة مقبولة عند الله –سبحانه وتعالى-، وحتى يعود أثرها على العبد بإذن الله تعالى.
لعلنا نبدأ دكتور خالد في البداية للتعرف على حقيقة الخشوع في الصلاة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
الصلاة كما تفضلت أخي عبد الله وأيها الإخوة والأخوات! شأنها عظيم عند الله –عز وجل-؛ فهي أجلُّ العبادات وأعظم الطاعات التي يتقرب بها إلى الله –عز وجل-بعد توحيده، بل هي وسيلة تحقيق هذا التوحيد، وطريق العمل به، وترجمان ما في القلب من إيمان وتصديق.
ولهذا جاءت العناية في الكتاب والسنة في الصلاة على وجه لا يوازيه عبادة من العبادات، ولا طاعة من الطاعات، والله تعالى عندما أمر بالصلاة وندب إليها تجد ما لا تخطئه عينك في أمر الله وندبه إلى هذه الصلاة، فلن تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل في الكتاب الحكيم إلا وقد قرنه الله تعالى بإقامتها، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾[البقرة: 43]، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾[النمل: 3]، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾[هود: 114]، قال الله تعالى ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾[النساء: 103]، قال تعالى: ﴿مُقِيمَ الصَّلاةِ﴾[إبراهيم: 40] وإبراهيم -عليه السلام- يقول: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ﴾[إبراهيم: 40] وموسى قال له ربه -جل في علاه-: ﴿فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾[طه: 14]، فالمأمور به في الصلاة ليس مجرد الفعل ولا العمل بها على أي وجه كان، بل أمر الله تعالى أن يأتي العبد بها قائمًا، والشيء القائم هو الشيء المستقيم التام الوافي الذي ليس فيه نقص ولا خلل.
ولا شك أن الصلاة هي مما جمع الله تعالى فيه أنواعًا من الأعمال، فهي أعمال بدنية بقيام وركوع وسجود وقعود، وهي أعمال قولية بتكبير وقراءة وذكر ودعاء، وهي أعمال قلبية بنية يدخل فيها إلى هذه العبادة وبحضور قلب، لا يستقيم إيمان أحد ولا تقوم الصلاة إلا بتحقيقه على ما يمكنه من أدنى كمال، وأما أعلاه فذاك فضل الله الذي يفتح به على من يشاء من عباده ألا وهو الخشوع.
فالخشوع عبادة جليلة يتسم بها المؤمن في حياته كلها، وفي دنياه جميعها، لا يختص بالصلاة فقط لكن الصلاة هي من مظاهر العمل بالخشوع وإظهاره وترجمته، وإلا فالخشوع خصلة من خصال الإيمان، وقد ندب الله تعالى بها المؤمنين، بل عاتب الله تعالى أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لما تأخر تحقيق الخشوع في قلوبهم، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد: 16]، استبطأ الله تعالى المؤمنين في استجاباتهم فدعاهم إلى خشوع القلوب لذكره –جل وعلا-، وما نزل في كتابه من الهدى ودين الحق، ونهاهم أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد، امتدت بهم الأيام وطالت بهم الأعمار فقست قلوبهم في غفلة عن ذكر الله تعالى وعدم وجل منه –سبحانه وتعالى-، فتتلي عليهم آياته لا يجدون لذلك أثرًا في قلوبهم، كما قال الله تعالى في وصف أهل الإيمان في تأثرهم، قال: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[الأنفال: 2]، وهذه الزيادة هي ثمرة الخشوع الذي في قلوبهم عندما يستمعون إلى كتاب الله.
﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ﴾يعني تكرر فيه المعاني، ﴿تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ﴾[الزمر:23]، فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق هو من الإيمان، ولذلك ذكره الله تعالى في صفات أهل الإيمان في مواضع عديدة.
الخشوع هو في الحقيقة يدور على معنى ينبغي ألا يغيب عن الذهن، الخشوع حقيقته يدور على معنيين أخي عبد الله أيها الإخوة والأخوات!
المعنى الأول: التواضع للذل، فلا خشوع إلا بتواضع لله –عز وجل-وذلٍّ له –سبحانه وبحمده-، وهذا به تقوم العبادة؛ لأن العبادة لا تقوم إلا بكمال الذل له –جل وعلا-كمال الخضوع له –سبحانه وبحمده-.
أيضًا المعنى الثاني الذي يتحقق.
المقدم: نعود إليكم مرة أخرى مرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات أينما كنتم ومرحبا بضيفنا الدائم لهذا البرنامج سعادة الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم.
دكتور خالد كنا نتحدث حول حقيقة خشوع الصلاة ذكرت أن هذا الأمر أو هذا الجانب المهم من جوانب في هذه الفريضة العظيمة ألا وهو الخشوع يتحقق بأمرين؛ لو يعني تكرر أو تعيد لنا.
الشيخ: هو فيما يتعلق بمعنى الخشوع على وجه العموم، الخشوع يتضمن معنيين:
المعنى الأول: التواضع والذل.
والذل هو أصل العبادة، لا تقوم عبادة إلا بذل وثمرة ما في القلب من تعظيم الله وإجلاله –سبحانه وبحمده-.
الثاني: السكون والطمأنينة.
والسكون والطمأنينة عندما نتكلم عنهما، فنحن نتكلم عن ثمرة ذكر الله –عز وجل-فإن القلب الذاكر لله –عز وجل-قلب تعمره الطمأنينة ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28]، فإذا تحقق هذان الأمران في قلب العبد الذل لله والخضوع له جل في علاه، وغشته السكينة وعلته الطمأنينة، فإنه لابد أن يثمر الخشوع الذي هو ثمرة القلب، فيتسم القلب باللين والطيب والذكاء، وينتفي عنه القسوة والغلظة والجفاء وسائر ما يكون من أوصاف القلوب المريضة، نسأل الله تعالى السلامة والعافية منها.
إذًا الخشوع هو خضوع وذل وطمأنينة وسكينة هذا في المجمل والعام الذي يتصل به أهل الإيمان، وفي الصلاة يظهر ذلك في كل أحوالها قائمًا وراكعًا وساجدًا وذاكرًا، ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول في ركوعه، وهذا من الأذكار المحفوظة عنه –صلى الله عليه وسلم-يقول: «اللَّهمَّ لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لكَ سمعي وبصري ومُخِّي وعظْمِي وعصَبِيوما استَقلَّت بِهِ قدَمي»[صحيح مسلم:ح201/771]، وهذا يدل على أن الخشوع يستوعب كلَّ ما يكون في الإنسان من ظاهر وباطن، من حواس وأعضاء، وهذا يدل على أن الخشوع ليس مقصورًا أو أمرًا يختص جانبًا من جوانب عمل الإنسان، بل هي في كل أحواله وأعماله.
هذا ما يتعلق بمعنى الخشوع ومفهومه.
المقدم: ونحن نتحدث قبل أن ندخل أو نذهب إلى المحور الآخر في حديثنا عن هذا الجانب "الخشوع في الصلاة"، دكتور خالد! كثير من الناس ربما يعتريه أثناء الصلاة كثير من الانشغال، ويذهب بعيدًا، ولا يكاد يخلو شخص في تقديري من السرحان والذهاب في الصلاة، وانتفاء الخشوع أحيانًا، فما مدى تأثير ذلك على صلاة الإنسان من حيث القبول أو الرد لا سمح الله؟
الشيخ: لا شك أن الخشوع أخي الكريم منزلة صلاة عالية، وقد ذم الله تعالى من غاب عن صلاتهم الخشوع، قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[البقرة: 45]، وهذا يقتضي ذمَّ غير الخاشعين؛ لأن الله تعالى عندما يذكر أن شيئًا يكبر عليه مما يحبه الله تعالى أي شيء يكبر على الإنسان مما يحبه الله تعالى ورسوله فإنه يكون مذمومًا.
ولهذا قال الله تعالى: ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾[الشورى: 13]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾[البقرة: 143]، فجعل الله تعالى الصلاة كبيرة على غير الخاشعين، ثقيلة على غير الخاشعين، فدل ذلك على أن الخشوع مما يطلب في الصلاة، وأن غيابه مما يذم عليه فاعله، والله تعالى يقول: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[البقرة: 45]، فلابد أن يتضمن الصلاة الحدَّ الأدنى من الخشوع، والحد الأدنى من الخشوع هو الإتيان بالصلاة على وجه من السكون في أركانها، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-لما علَّم المسيء في صلاته كيف يصلي، قال له –صلى الله عليه وسلم-: «ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا»[صحيح البخاري:ح757]، وهلم جرًّا في كل مراحل الصلاة كانت الطمأنينة مرافقة، وتقدم قبل قليل أن الطمأنينة هي من معاني الخشوع التي يطلب بها العبد في صلاته.
والله تعالى عندما ذكر المؤمنين وذكر خصالهم قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾[المؤمنون: 1]، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم يا رب العالمين، ثم ذكر جملة من خصالهم، أول خصلة من خصالهم هي ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[المؤمنون: 2]، ثم ذكر الله تعالى من خصالهم ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾[المؤمنون: 3-6]، قال: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾[المؤمنون: 7-9]، فابتدأ في خصالهم بروح الصلاة وختمها بشدة الحرص عليها والمحافظة عليها بعد ذلك ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[المؤمنون: 10-11].
قوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾[المؤمنون: 10] يعني الذين يرثون كما قال: ﴿ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾[المؤمنون:11]، يعني يورثون الجنة، فقوله لما قال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾[المؤمنون: 10]، يعني لا يرث الجنة إلا من اتصف بهذه الخصال، فإنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال المذكورة.
ومن ذلك الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها، فالخشوع واجب من واجبات الصلاة، لا تتحقق إقامة الصلاة إلا بالتأسى بهذه الخصلة والعمل بها.
لكن لو قيل: ما الحد الأدنى في الخشوع؟ الحد الأدنى للخشوع: أن تأتي بالأركان على الوجه الذي لا يكون فيه إخلال بالطمأنينة بها، ولهذا ذم النبي –صلى الله عليه وسلم-صلاة المنافق وهي تضمنت معنيين:
الأول: عدم المحافظة على الصلوات، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان نقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا، نقرها النقر الذي يدل على العجلة وعدم الطمأنينة.
ثم قال: ولا ينقصك فيها خلل من ذكر الله الذي يوجب الطمأنينة، فخلت من أمرين، خلت من وصفين:
الوصف الأول: عدم الطمأنينة.
والوصف الثاني: خلوُّها من ذكر الله، عدم السكون فيها، والقرار الذي ينبغي أن تكون عليه الصلاة.
ولهذا أوصي إخواني وأخواتي وجميع من يستمع إلينا بأن يحرص على أن يكون عنده أدنى ما يكون من حد على أقل الأحوال الحد الأدنى من الخشوع في صلاته ليدخل في هذا الوصف الذي جعله الله تعالى محلًّا للثناء والفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[المؤمنون: 1-2]، جعلنا الله تعالى وإياكم منهم.
المقدم: كيف دكتور خالد يعني ونحن نستمع منك من خلال حديثك ونفهم من خلال حديثك أن الخشوع هو روح الصلاة، ولبُّ الصلاة فإذا ذهب وانتفى ربما تنقص الصلاة نقصًا كبيرًا، كيف يستطيع الإنسان أن يجاهد نفسه ليصل إلى مرحلة يعني ربما مقبولة في جانب الخشوع، يعني ماذا عليه أن يفعل؟ كيف يصل أو يستطيع الإنسان أن يصل إلى أن يكون خاشعًا في الصلاة؟
الشيخ: هو أخي الكريم أيها الإخوة والأخوات! الوصول للخشوع هو ثمرة مقدمات، فالخشوع لا يأتي هكذا فجأة بدون أن يكون الإنسان قد أخذ أسبابًا موجبة للخشوع.
أول ما ينبغي أن يعرفه المؤمن فيما يحثه عليه على الخشوع والعمل به أن الفلاح منوط بالصلاة الخاشعة، وليس بمجرد الصلاة، ولذلك ذم الله تعالى صلاة المنافقين مع أنهم يصلون حيث أنهم يأتون بالصلاة نقرًا خاليًا من الروح التي لابد منها في صلاة المؤمن، وبالتالي ينبغي للمؤمن أن يحرص على إدراك أهمية الخشوع في صلاته، وأن خلوَّ صلاته من الخشوع هو خلل كبير في صلاته، قد يلحقه بالصلاة المردودة غير المقبولة، الصلاة التي تكون نقصًا على صاحبه لا يأتي منها بخير، ولا يحصل له بها فلاح، فلابد من إدراك أهمية اطمئنان القلب.
وإذا أدرك المؤمن أهمية خشوعه في الصلاة سعى إلى ذلك، سعى إلى إدراك ذلك بالأسباب التي تعينه على الخشوع في صلاته، مما يعيننا على العمل بالخشوع في صلاتنا أن ندرك أننا لن نحصل ثمار الصلاة العاجلة من طمأنينة القلب وسكونه والراحة إلا بالصلاة الخاشعة، فالصلاة التي تخلو من الخشوع التي هي عبارة عن نقرٍ يخلو عن ذكر الله –عز وجل-، حركات لا روح فيها ليست صلاة يدرك بها الإنسان طمأنينة ولا راحة.
الله –عز وجل-ذكر في الصلاة عواقب ونتائج وثمار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت: 45]، هذا من ثمار الصلاة ومن نتائجها، ثم قال تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت: 45]، يعني أعظم ما في الصلاة من الفوائد ما يجنيه العبد من الذكر والذكر طمأنينة القلب، الذكر سكون الفؤاد، الذكر انشراح الصدر، الذكر به يدرك الإنسان خيرًا عظيمًا ويسبق سبقًا كبيرًا، ولا يمكن أن يكون هذا لقلب غافلًا عن ذكر الله في الصلاة خال من الطمأنينة فيها، ثم إن الصلاة في حقيقة الأمر هي راحة للمؤمن وانشراح.
النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما جاء في السنن من حديث سالم بن الجعد قال رجل: «لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فاستَرَحْتُ، فكأنهم عابوا ذلك عليه» يعني عابوا أنه قال: استرحت كأن الصلاة حمل يضعها عنه، هكذا فهموا، أنها حِمل يضعها عن كاهله، فلما سمع النبي –صلى الله عليه وسلم-ذلك يقول الصحابي «فقال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّميقولُ: أَقِمِ الصلاةَيا بلالُ! أَرِحْنا بها»[سنن أبي داود:ح4958، وصححه الألباني] ، الصلاة راحة لمن أقبل عليها بقلب خاشع، تزيل عنه أعباءً، وتضع عنه أثقالًا، وتخفِّف عنه ضغوطًا، ويجد بها الإنسان سكنًا حتى إن النبي –صلى الله عليه وسلم-جاء عنه كما في المسند من حديث حذيفة: «أنه كان إذا حزبه أمرٌ –صلى الله عليه وسلم-»، أُثقِل عليه أمر وشق عليه« فزع للصلاة»[سنن أبي داود:ح1319، مسند أحمد:ح23299، وحسنه ابن حجر في فتح الباري:3/172]، كما جاء ذلك في المسند بإسناد فيه مقال، لكن معناه مطابق للواقع، فكان إذا حزبه أمر أي شق عليه، ونزل به شيء مما يكرهه أو يهمه، أو يثقله لجأ إلى ربه، فزع إلى ربه، وأنزل حاجته بالله –عز وجل-، وأقبل عليه –سبحانه وبحمده-.
ولهذا ينبغي للمؤمن أن يعرف أنه لم يدرك من الصلاة المقاصد والغايات لا في الدنيا ولا الأجور في الآخرة إلا بقدر ما يقيمه من صلاته، ولهذا الرجل يدخل في صلاته لا يكتب له من صلاته إلا عُشرها هكذا قال النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لا يكتب له إلا عشرها، ثم تدرَّج –صلى الله عليه وسلم-في بيان تفاوت الناس في أجر الصلاة، وما يدركونه بصلاتهم إلى أن قال: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي، وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا عُشْرُهَا، وَتُسْعُهَا، أَوْ ثُمُنُهَا، أَوْ سُبُعُهَا " حَتَّى انْتَهَى إِلَى آخِرِ الْعَدَدِ»[مسند أحمد:ح18879، وصححه الألباني في صلاة التراويح:ح6]كما في حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه.
فالناس يتفاوتون فيما يدركونه من نتائج هذه العبادة وعواقبها وثمارها بقدر ما يقوم في قلوبهم من الخشوع وحضور القلب، فينبغي للمؤمن أن يحرص على الأسباب الموجبة لخشوعه.
والخشوع يظهر وليس شيئًا خفيًّا، يظهر في سكون الإنسان، قيامه، قعوده، طمأنينته ولهذا النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «خشع لكَ سمعي وبصري، ومُخِّي، وعظْمِي، وعصَبِي،وما استَقلَّت بِهِ قدَمي»[سبق] فالخشوع ليس أمرًا لا يترجم بالعمل، ليس أمرًا قلبيًّا لا يظهر على الخشوع.
ولهذا في صحيح البخاري النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «واللَّهِ ما يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ ولَاخُشُوعُكُمْ»[صحيح البخاري:418، ومسلم:ح424/109]، يقول لأصحابه والخشوع لا شك أنه في القلب، لكن تترجمه الأعمال، ولما كان الخشوع يترجم بالعمل ينبغي لنا أن نحرص على أخذ الأسباب الظاهرة التي تنعكس على القلب سكونًا وطمأنينة، فمن أسباب حضور قلب الإنسان في صلاته استذكاره لعظيم وقوفه بين يدي ربه، فالصلاة موقف عظيم يقف فيه الإنسان بين يدي ملك الملوك جل في علاه، بين يدي من له الأولى والآخرة، من له ملكوت كل شيء، من إذا أراد شيئًا إنما أمره أن يقول له كن فيكون.
إجلال هذا الموقف، استشعار عظمة هذا القيام بين يدي الله –عز وجل-يجعل العبد يُقبِل على صلاته بقلبه، ويُقبِل على ذكر ربه مستحضرًا عظمة هذا الإله الذي نصلي له ونقوم بين يديه يركع ويسجد، تجده يستغل كلَّ لحظة، كل ثانية في صلاته بذكر وتمجيد وغذاء لروحه بعبادة الله –عز وجل-، والإقبال عليه.
هذا من المعاني المهمة التي ينبغي أن يعتني بها الإنسان حتى يحصل الخشوع، أن يستذكر عظيم من يقف بين يديه، أما ما يتعلق بالأسباب الأخرى فهي في الحقيقة أسباب متنوعة منها ما هو قبل الصلاة، ومنها ما هو أثناء الصلاة، ومنها ما هو بعد الصلاة.
أما ما يكون قبل الصلاة فيكون بالتهيؤ للصلاة وإحسان الوضوء والخروج كما أمر الله تعالى بالمصلي بالخروج إلى الصلاة في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[الأعراف: 31].
وهذا يا إخواني ويا أخواتي ليس المقصود به المساجد المبنية فقط، بل هو في كل موضع صلاة، يعني الرجل الذي يصلي في دكانه، المرأة التي تصلي في بيتها، الرجل الذي يصلي في مكتبه، الرجل الذي يصلي في طريق سفره كل هؤلاء يندب إليهم إذا أقبلوا على الصلاة أن يأخذوا زينتهم، أن يتهيؤوا لوقوف بين يدي الله –عز وجل-بأبهى وأجمل ما يمكنهم، حسب طاقاتهم وحسب قدرتهم من طيب اللباس وطيب الراحة، إضافة للطهارة والوضوء الذي شرعه الله تعالى عند القيام للصلاة.
فهذا من الأسباب التي يتحقق بها الإنسان هذا المعنى، وهو خشوع قلبه في قيامه بين يدي ربه –سبحانه وتعالى-.
المقدم:إذًا منزلة الخشوع من الصلاة منزلة عظيمة دكتور خالد كما فهمنا من حديثك لابد للإنسان أن يعمل على تحقيق هذا الخشوع في صلاته، لكن كلنا ربما أو كثير من الناس حينما يقف في الصلاة ربما يعني يعتريه بعض الخلل فيما يتعلق بالسكون أثناء الصلاة، ربما بعضهم يعني يعمد إلى أن يتذكر بعض الأشياء، يدخل يديه في جيبه، يتفقد أشيائه كأن ذلك يعني من الشيطان يذكره هذا، بعضهم أيضًا يبدأ بإصلاح ملابسه، غطرة أو عقال أو ما شابه ذلك، أو ربما يحك جسده هنا وهناك هل هذا يتنافى مع الخشوع في الصلاة؟
الشيخ: لا شك أن هذه الأركان التي تتابع، والتي تخرج عما تقتضيه الحاجة، أو تدعو إليه الضرورة لا شك أن هذا مما يخلُّ بالخشوع المطلوب في صلاته، وقد جاء حديث وإن كان في إسناده مقال، ولكن معناه مترجِم حقيقة لواقع قلوب الناس عندما يلتهون في الصلاة بأنواع من الموجبات للغفلة والحركة التي لا داعية لها، ولا تدعو إليها حاجة، فقد جاء أن النبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر رجلًا فقال: «لو خشع قلبُ هذا لخشعت جوارحه»[روي موقوفا على ابن المسيب، أخرجه ابن المبارك في الزهد:ح1188، وموقوفا على حذيفة، أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة:ح150، ولا يصح، وأورده الحكيم الترمذي في النوادر من حديث أبي هريرة مرفوعا، وضعفه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء:ح1]، وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال ولم يثبت مرفوعًا عنه –صلى الله عليه وسلم-لكن المعنى الذي أشار إليه مطابق للواقع، فإن خشوع القلب يترجم حقيقة بسكون والطمأنينة والاعتدال والقرار الذي ينعكس على عمل الإنسان.
ولهذا كان من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-:«اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا»[صحيح مسلم:ح2722/73]، فثمة ارتباط بين خشوع الإنسان وقيامه بما يجب عليه، وبين ما يكون من حركات يغفل بها الإنسان عما يجب عليه من خشوع.
فلهذا ينبغي للإنسان أن يعرف أن القلب هو الأصل في خشوع الإنسان، فإذا تخلف الخشوع في القلب انعكس ذلك على جوارح الإنسان، وحصل منه ما ذكرت من العبث واللهو الذي يتسلط به الشيطان عليه ليخرجه عما ينبغي أن يكون عليه من خشوع.
ومن عبث بلحيته، أو عبث بثيابه، أو عبث بأصابعه، أو بأغراضه على وجه بعض الناس يعني يصل به الحد إلى أن يخرج عن صورة المصلي، وهذا قد يعود على صلاته بالبطلان مثل الذي يكتب رسالة أثناء الصلاة أو يقلب.
المقدم:ويقرأ الجوال.
الشيخ:يقلب فيما يأتيه من رسائل عبر الواتس أب أو غيرها، هذا لا شك أن مثل هذا يخل إخلالًا كبيرًا بما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من إجلال هذا الموقف بين يدي رب العالمين –سبحانه وبحمده-.
وأما ما يتعلق بما يكون من الهواجس والأفكار التي قد يتسلط بها الشيطان على الإنسان، فإنه إذا أغلق على الإنسان حضور قلبه بسبب كثرة ما يلقيه الشيطان عليه ويورده عليه من هواجس ينبغي له أن يستعيذ بالله، وأن يأخذ بالوصية التي أوصى بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، فإن رجلًا شكا إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن الشيطان قد حال بينه وبين صلاته، وبينه وبين قراءته يلبسها عليه، في حديث عثمان بن أبي العاص، قال يا رسول الله: «إنَّ الشَّيْطَانَ قدْ حَالَ بَيْنِي وبيْنَ صَلَاتي وَقِرَاءَتي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَاكَ شيطَانٌ يُقَالُ له خَنْزَبٌ» سماه النبي –صلى الله عليه وسلم-وبيَّن أن هذا الذي يعانيه في صلاته حرصًا على حضور قلبه من إلقاء وساوس وهواجس ويحول بينه وبين قلبه هو من تسلط الشيطان عليه «فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ منه، وَاتْفِلْ علَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا»وهذا فيما إذا صلي منفردًا، أو ليس عن يساره أحد، أما إن كان على يساره أحد فهذا لا يتأتى، إنما يخفض رأسه إلى جهة يساره، وينفث نفسًا يتحقق به بعض ما أوصى به النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول الصحابي الكريم: «فَفَعَلْتُ ذلكَ فأذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي»[صحيح مسلم:ح2203/68] ، أي فعلت ما أوصى به النبي –صلى الله عليه وسلم- من استعاذة بالله من الشيطان فأذهبه الله عني، أي زال عني ما أجد من الوساوس.
أيضًا يا أخي الكريم مما يعين الإنسان على الصلاة هو اتباعه لهدي النبي –صلى الله عليه وسلم-في صلاته، سواء فعلًا أو قولًا، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-«صَلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي»[صحيح البخاري:ح631] وقال : «لِيَلِني منكم أولوا الأحلامِ والنُّهَى»[أخرجه الترمذي في سننه:ح228، وحسنه] ومن الحِكم التي ذكرها أهل العلم: أن يأتم به من كان قريبًامنه فيرى كيف كان يصلي –صلى الله عليه وسلم-فيكون ذلك مدعاة إلى موافقته في الصلاة التي ينتج عنها أن تكون صلاته قائمة على الوجه الذي يرضي به الله تعالى عن العبد.
أيها الإخوة والأخوات! إقامة الصلاة على نحو ما كان يصليه النبي –صلى الله عليه وسلم-في الأذكار وفي الأفعال مما ينعكس على قلب الإنسان حضورًا، فإن العبد إذا قال: "الله أكبر" واستحضر في قلبه عظمة ربه -جل في علاه- زال عنه كل ما يكون من الصوارف التي تصرفه عن الخشوع إذا قال: "سبحانك الله ربنا وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" أيضًا وجد من هذا الذكر ما يكون سببًا لحضور قلبه وتعظيم ربه جل في علاه، وهلمَّ جرًّا.
ففي صلاته كلها ليس ثمة في الصلاة موضع يكون فيه سكوت بلا إنصات، يعني المصلي إما أن ينصت بقراءة إمامه، وإما أن يزكر ربه، وهذا كله لأجل تحقيق ذكر الله في الصلاة، الذي يثمر طمأنينة القلب، كما قال الله تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28] البعد عما يمكن أن يكون من أسباب الغفلة.
المقدم:نود أن تحدثنا عن الموانع التي تؤدي، أو تمنع الوصول إلى الخشوع في الصلاة؟
الشيخ:نعم يعني كون الإنسان يصلي وهو في مكان الصوارف فيه كثيرة، إما لكثرة ما بين يديه من تصاوير ورسومات ونحو ذلك، سواء في قِبلته أو في موضع السجود، كون الإنسان يصلي في موضع فيه جلبة هذا مما يشغل ذهنه، كون الإنسان يصلي وهو قد تعلق قلبه بشغله الذي كان قبل صلاته فيكمل ما يكون من أعماله تفكيرًا وترتيبًا في صلاته لا شك أن صلاته لن يكون لها روح، ولن يكن له فيها خشوع وإقبال.
ولذلك قال أبو الدرداء: «مِنْ فِقْهِ المَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلاَتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ» [صحيح البخاري، ترجمة حديث671 معلقا]، طبعا هذا قد لا يتحقق للناس من كل وجه، لكن نحن نحتاج إلى أن نفرغ قلوبنا، أن نخرج ما في قلوبنا من اشتغال بغير ما نحن فيه، وأنا أضرب في ذلك مثلًا يا أخي الكريم، الآن أنت كان لديك موعد مع شخصية ذات مقام كبير في نفسك، ما الذي سيكون عند حضورك إليه؟ هل ستشتغل بترتيبات سفرك، أو بترتيبات تجارتك؟ أبدا أنت ستكون مشغولًا بهذا اللقاء، وباغتنام كل لحظاته لتحقيق ما تريده من الالتقاء بهذا الشخص الذي له مكانة في نفسك، ومنزلة كبيرة.
ولهذا من المهم أن يستشعر الإنسان هذا المعنى في صلاته، فلا يلتفت لا بقلبه ولا بوجهه، ولهذا النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ»[سنن أبي داود:ح909، وقال الحاكم:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي:صحيح]، والالتفات في الصلاة قسمان:
التفات قلب إلى غير الله، وهذا يكون بالوساوس والهواجس والأفكار والخروج عما هو فيه من عبادة. والتفات بصر بأن يلتفت يمنة ويسرة.
فينبغي للإنسان أن يقطع هذه الأفكار، يقطع هذه الشواغل، يحرص على تفريغ قلبه في أثناء لقائه بربه، وليجتهد في كثرة الذكر، وفي تنويع الذكر؛ لأنه لما يلزم الإنسان ذكرًا معينًا يغفل عنه الإنسان، فيغفل قلبه عن هذا الذكر الذي يشتغل به، فمثلا تجده مثلا يلزم مثلا نمطًا من الذكر في كل صلاته، أو قراءة آية أو سورة معينة في كل صلاته، فتجري على لسانه من غير حضور قلب، فتجده يفرغ من "الفاتحة" مباشرة يقرأ "الإخلاص"، مباشرة يقرأ مثلا "الكوثر"، ويجري على هذا، في حين أنه لو نوع في ذكر أذكار الصلوات كما كان عليه عمل النبي –صلى الله عليه وسلم-ونوع فيما يقرأه في صلاته، كان هذا أدعى لحضور قلبه، وأبعدَ عن اشتغاله بما يغفل ويذهب خشوع قلبه، نسأل الله تعالى الإعانة والتيسير لحضور قلوبنا في وقوفنا بين يدي ربنا جل في علاه.
المقدم:آمين لعلنا نختم حديثنا -حفظك الله- في هذا الجانب في هذا الموضوع بحديثك وتحدثنا عن ثمار الخشوع في الصلاة حينما يصل الإنسان إلى مرحلة الخشوع، لا أقول الكامل وإنما يعني المقبول في الصلاة ماذا ينعكس عليها؟ وما هي الثمرات التي يجنيها الإنسان من ذلك الخشوع الذي وصل إليه في صلواته؟
الشيخ:أعظم الثمار هو ما ذكره الله –عز وجل-بالمفهوم العام الواسع الشامل في قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[المؤمنون: 1-2]، أعظم ما يدركه بخشوع في صلاته: الفلاح، قد يقول قائل ما معنى الفلاح؟ الفلاح: كلمة جامعة لكل ما يحيط به الإنسان في دنياه وفي آخرته، فأجمع كلمة للسعادة، أجمع كلمة للفوز، أجمع كلمة للنجاح أن يفلح الإنسان، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الفلاح فما معك من الفلاح بقدر ما معك من الخشوع، فمن كمُل خشوعه كمل فلاحه، وذلك للسعادة في الدنيا: طمأنينة قلبه، انشراح صدره، أو للذي يدركه في صلاته فالله تعالى يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾[البقرة: 45]، فالصلاة عون على مكابدة ما يكون من مشاق الدنيا وآلامها ومصائبها، إعانة للإنسان في إدراك مصالحه، ليس فقط بالسلامة من المكروهات بل حتى في إدراك المطالب، فإن الصلاة عونٌ للإنسان على أن يدرك ما يؤمِّله من فوز في دنياه، في تجارته، في صلاح ولده، في استقامة أحواله، في بلوغ ما يؤمله من منازل الدنيا.
الصلاة وكمالها والخشوع فيها هو مفتاح السعادة للإنسان في دنياه وفي آخراه، إضافة إلى أن الأجور المرتبة على الصلاة، الثواب المرتب على الصلاة هو بقدر ما يكون مع الإنسان مع الخشوع، ولهذا ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-في الحديث الذي قرأته قبل قليل في حديث عمار بن ياسر الرجل يصلي لا يكتب له من صلاته إلا عشرها إلا تسعها إلا ثمنها إلى ما ذكر –صلى الله عليه وسلم-من مراتب ومنازل الناس في الصلاة.[سبق]
فينبغي الإنسان أن يحرص على استكثاره من الخير، أنت يا أخي في وقوفك بين يدي الله تستمطر رحماته، الله أكبر! كم من الرحمات تتنزل على المصلين! كم من الهبات تتنزل على القائمين الراكعين الساجدين! شيء عظيم وكبير وجليل لا يدرك له حدٌّ ولا عدٌّ، فقد قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[البقرة: 212]، بهذه الهبات، بهذه العطايا في كل وقوف بين يدي ربك في صلاتك ابتداء، وفي النوافل فأبشر فإن لك من الهبات والعطايا والفضل والسعة بقدر ما معك من خشوع قلبك، الملك الديان -جل في علاه- أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المقدم: بارك الله فيكم شيخنا العزيز، وأحسن إليك وقتنا شرف على نهايته دكتور خالد، نسأل أن يثيبك وأن يجزيك خير الجزاء، وأن يجعل ما تقدمه دائمًا وأبدًا في ميزان حسناتك، ونرجوه –عز وجل- أن نلقاك في حلقة الأسبوع القادم وأنت بصحة وخير وعافية.
الشيخ: وأنتم كذلك، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يحفظنا من كل سوء وشر، ويجعلنا من مقيمي الصلاة العاملين بالطاعة، وأن يسعدنا، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يحفظ بلادنا من الأشرار، وأن يقينا كيد الفجار، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يعم الخير بلاد المسلمين، وأن يرفع البلاء والوباء عن العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.