الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل: عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَا أكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إلاَّ قَيَّضَ الله لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّه» رواه الترمذي (2022)، وَقالَ:((حديث غريب)).
والترمذي إذا قال عن حديث أنه غريب فهو يشير إلى ضعفه، وقول أنس ـ رضي الله عنه ـ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَا أكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ» أي ما حصل من فعل شابٍ في معاملته شيخًا أي كبيرًا على وجه الإحسان والإكرام في القول أو العمل لأجل تقدم سنه إلا «إلاَّ قَيَّضَ الله لَهُ» أي قدر ـ جل وعلا ـ وقضى ويسر «مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّه» أي من يعامله بالإكرام عند تقدم عمره، فما هنا شرطية، وجواب الشرط في قوله «إلاَّ قَيَّضَ ».
«مَا أكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ» أي لأجل تقدم عمره وكبر سنه، «إلاَّ قَيَّضَ الله لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّه» فيكون الجزاء من جنس العمل.
هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:
من فوائده:الندب إلى إكرام الإنسان لكبر سنه، وقد تقد في حديث عمر بن شعيب أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ليسَ منَّا من لم يرحَم صغيرَنا ويعرِفْ شرفَ كبيرِنا» وفي رواية أبي داود «لم يعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا» فإكرام ذي الشيبة المسلم هو من إجلال الله كما تقدم في حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ فإكرام الإنسان لتقدم سنه مما تضافرت الأدلة على الندب إليه, وبيان فضيلته وأنه مما يجني به الإنسان خيرًا عظيمًا في العاجل والآجل وفي الدنيا والآخرة، وهنا ذكر لثواب دنيوي وهو أن يكرم إذا تقدمت سنه، يقيض الله من يكرمه إذا تقدمت سنه.
وفيه من الفوائد: أن الجزاء من جنس العمل كما قال الله ـ تعالى ـ:﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن:60] فإن الله ـ تعالى ـ يجازي العبد من جنس عمله، ولهذا يعفو الله ـ تعالى ـ عمن يحب العفو ويتجاوز عمن يحب التجاوز، ويحسن إلى من يحب الإحسان ويكون منه الإحسان، ويكرم من يكرم الناس ويحسن معاملتهم.
وفيه من الفوائد: أن ثواب العمل الصالح منه ما هو معجل ومنه ما هو مؤجل، ومن المعجل ما يكون في الدنيا، ومنه هذا الذي ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث أنه إذا أكرم شيخًا لسنه قيض الله له من يكرمه إذا تقدم به العمر عند سنه أي عند كبره وتقدم سنه، ولذلك ينبغي للإنسان أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به وسيلقى ذلك.
ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ:«فمَنْ أحبَّ منكم أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النارِ، ويَدْخُلَ الجنةَ، فلْتَأْتِهِ منيتُهُ وهوَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأْتِ إلى الناسِ، الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إليه»صحيح مسلم (1844) يعني يعاملهم بما يحب أن يعاملوه به، أعاننا الله ـ تعالى ـ وإياكم على البر والتقوى، ويسر لنا وإياكم الصالح في القول والعمل وجعلنا من أحسن الناس خُلُقًا ومعاملةً وجعلنا وإياكم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.