الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أما بعد.
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم جملة من الأحاديث صدرها بذكر آيات موسى مع الخضر والشاهد من ذلك قول الله ـ تعالى ـ : ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾[الكهف: 66] وهذا فيه طلب موسى ـ عليه السلام ـ من الخضر الصحبة وبين سبب ذلك وهو أنه طلب صحبته لأجل أن يتعلم منه أن يتلقى عنه وأن ينتفع من صحبته علمًا ولذلك قال: ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾[الكهف: 66] والرشد ضد السفه وهو وضع الأمور في مواضعها وقد قص الله ـ تعالى ـ قصة موسى مع الخضر، وكيف اشترط عليه الصبر على ما يلقاه وما يستغرب منه فكان أن راجع موسى ـ عليه السلام ـ الخضر في ثلاثة مواضع، ثم قال له: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾[الكهف: 78] ثم قال: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾[الكهف: 78].
وهذه الآيات الكريمات دالة على عظيم فضل الصحبة الصالحة، وأن كل أحد مهما علا منزلته وما ارتفع مقامه بحاجة إلى صاحب ينتفع منه ويستعين الله ـ تعالى ـ به على حصول مقاصده وأغراضه، وأنه ينبغي للإنسان أن ينتقي من الأصحاب من تكون صحبته عونًا له على كل خير وزادًا له إلى كل بر، وقربى له إلى كل رشد وأن ما عدا هذا من المصاحبات فإنما يكون نقصًا على أصحابه غالب الأحوال، إن لم تكن نقصًا مؤكدًا بأن كان صحبة للأشرار وأهل الفساد والضلال.
ولهذا من المهم أن ينتقي الإنسان الصاحب وأن يسعى له ولو اقتضى ذلك الكلفة، فإن موسى ـ عليه السلام ـ خرج وتكلف في طلب صحبة هذا كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾[الكهف: 60] وأما الآية الأخرى فهي قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الكهف: 28] وهذه الآية دالة على ان الصحبة مهما كانت حسنة طيبة تحتاج إلى حبس النفس عليها والمثابرة في المضي فيها.
وأنه مهما كان الصاحب على خير فإنه ولابد أن يكون في ذلك من المعاشرة ما يقتضي أن يتصبر له الإنسان ولهذا أمر الله ـ تعالى ـ رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أكرم الناس منزلة وأعلاهم جاهًا أن يصاحب هؤلاء الموصوفين بقوله: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الكهف: 28] وأن يصبر نفسه يحبسها في مصاحبة هؤلاء، لأن مصاحبتهم خير للإنسان.
وهذا فيه ما في الآية السابقة من ضرورة الإنسان إلى المخالطة والمعاشرة والمعايشة وأنه ينبغي له أن يختار ممن يخالط ومن يصاحب من تكون صحبته عونًا له على كل خير وقربى إلى كل بر يصلح بها دينه ويستقيم بها معاشه وأن ذلك لا يتأتى إلا بالبحث والتنقيب عن هؤلاء الأصحاب، فإن الله ـ عز وجل ـ ذكر وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾[الكهف: 28] ما معنى ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾؟ يعني يعبدون الله ـ تعالى ـ بكرة وأصيلًا فقد عمروا أوقاتهم بعبادة الله وطاعته قيامًا بالفرائض وعملًا بالواجبات، وسعيًا في المستحبات، وهذا هو الصاحب الذي يحرص عليه ويصبر على مصاحبته أن يكون مشتغلًا بالخير عاملًا به، فإن ذلك يؤثر على الإنسان، فالصاحب ساحب وكم من إنسان صلحت حاله بأصحابه وفي المقابل كم من إنسان خابت حاله وخسر بصحبته الأشرار وأهل الفسق والفجور.
ولهذا من الضروري أن يعتني الإنسان بالصحبة وأن ينتقي لها من يصلح وأن يتوقى من يكون سببًا للشر كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا﴾[الفرقان: 27- 28] فذكر الصحبة الصالحة وهي صحبة الرسول وأتباعه وذكر ما يقابل ذلك من صحبة الأشرار الذين أضلوه وزينوا له الباطل فأوقعوه في الرداء وورطوه في السوء والشر، والأصحاب قسمان؛ أصحاب تسر بهم يوم القيامة، وأصحاب تنقلب خلتك وصحبتك لهم عداوة يوم القيامة كما قال ـ تعالى ـ: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف: 67].
فأهل التقوى تدوم مودتهم وينزل الله ـ تعالى ـ ما يكون من صدورهم من غل حتى يكونوا كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾[الحجر: 47] وأما من عداهم فهم في خصام ومحاجاة ومخاصمة كل منهم يرمي على الآخر ما يكون سببًا لخساره وهلاكه، فنسأل الله السلامة والعافية وأن يرزقنا خير الأصحاب وأن يجعلنا من خير الأصحاب لأصحابهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.