الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب زيارة أهل الخير وصحبتهم:
عن عبد الله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ: قَالَ النَّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لِجبريل: ((مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورنَا أكثَر مِمَّا تَزُورَنَا؟)) فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ}[مريم: 64] رواه البخاريحديث رقم (3218).
هذا الحديث الشريف يخبر فيه جبريل عن مقالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا فيما يظهر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبرهم عن ذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجبريل: وهو أشرف الملائكة فهو الرسول الذي بين الله ـ عز وجل ـ وبين رسله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب جبريل، والمؤمنون يحبونه ـ عليه السلام ـ وذلك لما شرفه الله ـ تعالى ـ به واصطفاه ـ جل وعلا ـ ورفع منزلته ولما يأتي به من الخير من رب العالمين بهذا الوحي الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب مجيء جبريل محبة له؛ لعظيم منزلته ومكانته عند رب العالمين، ولما يأتي به من الخير بما يتنزل من الوحي والقرآن العظيم، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرغب في زيارة جبريل فيقول: "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا" أي: تأتي إلينا أكثر مما تزورنا يعني أكثر من عدد المرات التي يكون بها مجيئك فنزلت ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾[مريم:64] أي نزل قول الله ـ تعالى ـ في جواب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ما رغبه من نزول جبريل وزيارته قال: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾[مريم:64]يعني بإذنه ـ جل في علاه ـ وتدبيره وقضائه فهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون.
ولذلك لم يكن النزول والمجيء والذهاب وما يأتي به من قبل نفسه، بل هو بأمر ربه ـ جل وعلا ـ ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾[مريم:64].
هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:
من فوائده: إخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه بما يكون بينه وبين الملائكة.
وفيه:الإيمان بالملائكة وهو أصل من أصول الإيمان التي لا يحصل إيمان أحد إلا بها.
وفيه: سرور النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورغبته بكثرة زيارة جبريل لما في زيارته من الخير، وهذا مما استدل به العلماء على استحباب كثرة زيارة الصالحين الذين ينتفع الإنسان بزيارتهم ذكاء لدينه وصلاح لنفسه واستقامة لحاله.
وفيه:أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رغب في زيارة جبريل مع علو منزلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعلو منزلة الإنسان لا تحول بينه وبين صحبة الأخيار وانتقائهم، فإنه ينبغي أن يكون الإنسان حريصًا على صحبة الأخيار مهما كان فإن الإنسان مدني بطبعه لا غنى به عن مخالطة بني جنسه.
وفيه من الفوائد:أن الملائكة على نحو من الامتثال لأمر الله ـ عز وجل ـ فلا يكون منهم إلا ما شاء ولا يكون منهم إلا ما يأمر به ـ جل في علاه ـ كما قال ـ تعالى ـ: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[التحريم:6],والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.