الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد.
فقد نقل النووي ـ رحمه الله ـ في باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم:
عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: اسْتَأذَنْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في العُمْرَةِ، فَأذِنَ لِي، وَقالَ: ((لاَ تَنْسَنا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ)) فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا وفي رواية: وَقالَ: ((أشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ في دُعَائِكَ)).قال النووي ـ رحمه الله ـ: حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.أخرجه: أبو داود (1498)، وابن ماجه (2894)، والترمذي (3562)
هذا الخبر من عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيه جملة من الفوائد:
فيه:أدب الصحبة فإن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ لم يسافر إلا بعد استئذان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: استأذنت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العمرة.
وفيه:فضيلة العمرة حيث إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذن له في هذا العمل الصالح, والعمرة من الأعمال الصالحة الجليلة، "فإن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر"صحيح البخاري (1773)، والعمرة إذا تابعها الإنسان تحقق فيه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "تابعوا بين العمرة والحج فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي النار خبث الحديد"سنن الترمذي (810) وقال حسن صحيح .
وفيه من الفوائد:سؤال الدعاء من الغير، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمر لما اشتغل بهذا العمل الصالح قال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك" فطلب منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدعو له، ولا شك ولا ريب أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في منزلة عالية عند رب العالمين، فهو خير الخلق ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يمنعه ذلك أن يسأل الدعاء من بعض أتباعه ومن أمن به فقال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك".
وفي هذا من الفوائد أي في سؤال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر أن يدعو له التنبيه إلى فضل الدعاء وإلى عظيم منزلته فيما إذا كان الإنسان مشتغلًا بعمل صالح.
وفيه: الندب إلى أن يشتغل الإنسان بنفع إخوانه ولو بالدعاء لهم في ظهر الغيب.
وفيه: بيان شرف الإخوة وأنها تقتضي السعي بالخير في السر والعلن وفي الحاضر وفي الغيب.
وفيه:من الفوائد أيضًا التلطف في الطلب، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلطف لعمر في السؤال من جهتين؛ أولًا قال: "لا تنسنا" وهذا حث على التذكر وأنه لو نسي لم يؤاخذ بذلك ولم يعتب عليه.
الثاني: أنه قال: "يا أخي".
وفيه أيضًا: أنه يشركه في الدعاء ولا يجعل كل الدعاء له ولذلك قال: "من دعائك" يعني من بعض دعائك.
وفيه من الفوائد: فرح الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ بعظيم المنزلة التي ينالونها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ فرح بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا تنسنا يا أخي من دعائك".
وقال في ذلك قال: كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا يعني لو وزنت الدنيا جميعها بنيل هذه الكلمة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكانت هذه الكلمة أعلى وأشرف وأرفع من أن ينال الدنيا كلها، فإن فيها من الخيرية والخصوصية بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لا يزن كل منازل الدنيا ومراتبها.
وفيه من الفوائد: أن الدعاء ممن يشتغل بعمل صالح مما ترجى إجابته، ولهذا في قصة أويس القرني لما جاء الرجل بعد لقاء عمر الشريف من أشراف أهل الكوفة، وطلب من أويس أن يدعو له قال: أنت أحدث بسفر صالح، فما في شك أن الإنسان إذا كان في عمل صالح كان ذلك من دواعي إجابة دعائه، وممن يتحرى في شأنه إجابة الدعاء.
وكذلك في قصة صفوان بن عبد الله لما جاء إلى أبي الدرداء، فلم يجده ووجد أم الدرداء قالت له: أتريد العمرة؟ قال: نعم فطلبت منه الدعاء ألا يتركهم من الدعاء، وأخبرته بقول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم :ـ "أن من دعا لأخيه بظهر الغيب ـ أرصد الله ـ تعالى ـ له ملكًا يقول: كلما دعاه ولك بمثل"صحيح مسلم (2733) فيكون ذلك مما يحث النفوس على نيل هذا الفضل وإدراك هذه المنزلة العالية بالدعاء، وهو أن يشاركك في دعائك ما لكم بالتأمين على دعائك، فإذا قلت: اللهم اغفر لأخي فلان، اللهم ارحمه، اللهم وفقه، فثمة مالك مرصد يقول: آمين فيؤمن اللهم استجب، ويقول: ولك بمثل يعني, ويسأل الله ـ تعالى ـ لك من الخير مثل ما سألت لأخيك ولصاحبك، فدعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، هذا خبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما جاء في صحيح الإمام مسلم.
دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب يعني في حال غيبته مستجابة، يعني مما يتحرى فيها الإجابة ثم ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: أمين ولك بمثل.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وارزقنا البصيرة في الدين والعمل بالتنزيل، ومما ينبه إليه أن هذا الحديث جاء من عدة طرق وأفراد هذه الطرق ضعيفة لكن بمجموع هذه الطرق تدل على ثبوته لاسيما أن المعنى الذي فيه ليس بغريب فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ندب إلى نفع إخوانه بدلالاتهم على الخير، ومن ذلك حثهم على الدعاء لغيرهم والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.