×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (238) حول قول الله تعالى {وقل رب زدني علما}

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أيها الإخوة المستمعون الكرام!السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحييكم تحية طيبة مباركة من إذاعة "نداء الإسلام" من المملكة العربية السعودية، ويسرنا أن نقدم إلى حضارتكم حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة".

يسرني أن أكون معكم أنا عبد الله سعد بن عزة وزميلي من الهندسة الإذاعية والإخراج لؤي الحلبي، ويسرنا أيها الإخوة والأخوات بترحاب كبير أن نرحب بضيف هذا البرنامج ضيفنا العزيز الدائم لهذا البرنامج سعادة الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم والذي ألتحق بنا في هذه اللحظات.

 دكتور خالد! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك.

الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي عبد الله، وحيا الله بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: أهلا ومرحبا بك دكتور خالد، وأهلا بكم أنتم أيها الإخوة والأخوات أينما كنتم.

موضوعنا أيها الأحبة في هذا اليوم موضوع ذو شأن كبير ومهم جدا، الله تعالى يقول أيها الأحبة: ﴿وقل رب زدني علما﴾+++[طه: 114]---، ما أجمل هذه الآية الكريمة وما أروع معناها!

 الدعاء والطلب من الله –سبحانه وتعالى- أن يزيد المرء علما، لا مالا، ولا ميراثا، ولا جاها إنما علما، لماذا أيها الإخوة؟ لأن العلم هو النبراس الذي تضاء به الظلمات الحالكة، وهي الراية العالية التي ترشد إلى ما فيه خير الإنسانية في الدنيا وفي الآخرة.

دكتور خالد! أنت تعلم أن أول آية نزلت على نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-وهو في الغار هي قول الله –سبحانه وتعالى-: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾+++[العلق: 1]---، القراءة كما تعلمون أيها الإخوة والأخوات هي مفتاح العلم، من لا يملك القراءة لا يستطيع أن يتعلم حدثنا عن هذا الأمر، مسألة العلم والتعلم وشرف التعلم والعلم وخاصة القراءة؛ لأنها هي مفتاح كل العلوم.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فالله -جل في علاه- خلق الإنسان وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة، وهي الإيجاد من العدم، وقد ذكر الله تعالى ذلك في مواضع عديدة من كتابه الحكيم، قال الله –جل وعلا-: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم﴾+++[العلق: 1-5]---، قال تعالى: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا﴾+++[الإنسان: 1]---، وقال تعالى: ﴿خلق الإنسان *علمه البيان﴾+++[الرحمن: 3-4]---، فالله –جل وعلا-امتن في أول ما امتن به على الناس بالخلق والإيجاد من العدم، ثم عطف على ذلك النعمة الأخرى التي يكمل بها هذا الإنعام من الخلق ويحصل به للإنسان الكرامة الكبرى وهي تعليمه.

هذه الرسالة المباركة التي أضاءت بها الدنيا بعد ظلماتها، وأشرقت بها الأرض بعد عماها، وأبصرت بها مواقع الهدى، إنما أدرك ذلك المؤمنون، وأدركت هذه الأمة والبشرية ذلك من خلال ما جاء في هذه الرسالة العظيمة من الهدايات والدلالات التي تهدي الناس إلى كل خير تخرجهم من كل ظلمة وتدخلهم في كل نور وهداية هذه الرسالة افتتحها الله تعالى آمرا رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه بالقراءة فقال: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾+++[العلق:1]---، فأمره بالقراءة، والقراءة هنا ليس المقصود بها القراءة من كتاب أو القراءة من صحيفة؛ إذ إن النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يكن يقرأ القراءة المعهودة التي تتبادر إلى الذهن عند الأمر بالقراءة بأن يقرأ من كتاب، إنما القراءة المقصود بها جمع العلم وتتبعه ومعرفته وإدراكه، والتقليب بالفكر في سبل تحصيله، كما قال تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾+++[فصلت: 53]---، فالقراءة المأمور بها أوسع من كونها قراءة من صحيفة العلم، أوسع من ذلك بكثير، ولا شك أن القراءة من الكتب والصحف هي من وسائل التحصيل.

الله –عز وجل-أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-بالقراءة، وبين له ما تميز به الإنسان بهذه القراءة، فقال: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق﴾+++[العلق: 1-2]---، هذا مبدأ أطوار الإنسان، العلقة هي أول أطوار بني آدم، وهي مرحلة من مراحل خلقه، قال تعالى: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم﴾+++[العلق: 1-3]---، الأكرم: الذي له الصفات العلى، الأكرم: الذي أغدق الخير على عباده فتوالت مننه وإنعامه على خلقه ﴿اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم﴾+++[العلق: 3-4]---، ذكر القلم لأنه الأداة التي تدرك بها المعارف وتدون بها العلوم، وتحصل بها الخبرات، ويدرك بها الإنسان نفعا عظيما ﴿علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم﴾+++[العلق: 4-5]---، فيبرز من هذه الآيات عظيم ما جاءت به الشريعة في شأن التعلم والمعرفة، وأن ذلك من منن الله على عباده، وأن ذلك مما تميزت به هذه الشريعة المباركة، هذه الشريعة المطهرة الخاتمة التي جاءت بكل نور وهداية.

فتأمل تكرار الأمر بالقراءة، وقارن ذلك بفضل الله وإنعامه، أول ذلك ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾+++[العلق: 1]---، فافتتح كل علم ومعرفة باسم الله الذي تفتح به المغلقات، وتدرك به المجهولات، ويحصل به للإنسان الارتقاء والارتفاع والتميز على سائر المخلوقات ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم﴾+++[العلق: 1-3]---، أكرمك بالخلق كما هو أكرمك بالمعرفة وتحصيل المعارف والعلوم ﴿الذي علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم﴾+++[العلق: 4-5]---، فهذه الشريعة المباركة فتحت أعين البشر إلى ضرورة المعرفة، إلى ضرورة العلم، إلى ضرورة إدراك المعارف التي بها تصلح الدنيا، وتطيب وتصلح العبادة، وتصلح الآخرة، ويصلح المعاش والميعاد، كل هذا إنما يصلح بالعلم، فلا صلاح لدين إلا بالعلم، ولا صلاح لدنيا إلا بالعلم، ولذلك جاء الأمر بهذا في أوائل ما أوحى الله تعالى لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

المقدم:اللهم صل وسلم على نبينا محمد، قبل ذلك كله دكتور خالد الله –سبحانه وتعالى-ذكر في سورة البقرة حينما ذكر الآيات التي تتحدث عن أن الله –سبحانه وتعالى-سيجعل في الأرض خليفة، إلى أن وصل إلى قوله –عز وجل-: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾+++[البقرة: 31]---.

 طبعا الحق أن الله –سبحانه وتعالى-في بدء الخلق جعل العلم هو بداية كل شيء، بداية حتى آدم -عليه السلام- حينما علمه الله، حينما أخرجه إلى الأرض، وهو أدرى –سبحانه وتعالى-وأعلم بما يصلح هذا الخلق، وأن هذا الخلق وهذا البشر لا يصلح أمرهم إلا بالعلم النافع، وإنما انصرف عن العلم، وأعرض عنه، ربما أنه يعيش في ذل وصغار طوال حياته، فالعلم هو طريق الفلاح والنجاح، والذي هو يؤسس لكل أمر خير، فالمال يأتي بعد العلم، وكل وسائل شئون الحياة تأتي بعد حصول العلم، ومن كان لديه من العلم ما يكفي، من العلم النافع ما يكفي سيتطور في الحياة، وسيظهر أكثر وأكثر.

 حدثنا عن هذه القصة قصة بدء الله –سبحانه وتعالى-لآدم عليه السلام بأن علمه.

الشيخ:أخي الكريم! الله تعالى اصطفى آدم، كما قال الله تعالى: ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين﴾+++[آل عمران: 33]---، اصطفى آدم بأن جعله أول المخلوقات من بني آدم، فهو أبو البشر، وخلقه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، ومنحه مزايا اختص بها عليه الصلاة والسلام، وكان من أول ما ميزه الله تعالى به على الخلق، وقد أخبر الله في محكم كتابه أنه فضل بني آدم على كثير من الخلق، قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾+++[الإسراء: 70]---، وفي قصة تعليم آدم الأسماء التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة ما يبرز فضل العلم والتعليم، فإن الله تعالى عندما أخبر الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة قالوا: ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾+++[البقرة: 30]---، فجاء الجواب من الله –جل وعلا-لملائكته أنه –جل وعلا-عالم بما يختص به من يشاء من عباده، وليس الشأن فقط في حصول العبادة، بل الفضل في تحقيق العبادة، وفيما يعطي الله تعالى العباد من المزايا والخصائص التي يتميزون بها عن سائر الخلق، من ذلك ما ميز الله تعالى به آدم عليه السلام، فقال –جل وعلا-قال –سبحانه وبحمده-في جوابه على الملائكة لما قالوا: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾+++[البقرة: 30]---، قال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾+++[البقرة: 30]---، ثم قال: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾+++[البقرة: 31]---، علم آدم الأسماء لما ذكر الله تعالى أنه عالم باصطفائه، وعالم بالخليفة الذي سيجعله الله تعالى في الأرض، وذكر الملائكة من الحوادث التي ستقع في الأرض ما اطلعوا عليه، وأعلمهم الله تعالى به من سفك الدماء، قال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾+++[البقرة: 30]---، ثم قال: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾+++[البقرة: 31]---.

 الأسماء هنا للعلماء فيها أقوال متعددة، وأقرب ما يقال: أنه علمه ما يصلح به معاشه وميعاده القدرة على تنمية الأشياء، وإدراك مصالح تلك الأشياء، فعلمه أسماءها ومعانيها، وليس فقط مجرد أسماء مفرغة من معانيها؛ لأن الأسماء هي قوالب لمعاني، وهذه المعاني بها يكمل العلم، ولذلك اللغات وغيرها لا يكفي فيها حفظ مفرداتها، فلو عرف الإنسان مفردات لغة معينة حفظا، وعلم ذلك دون أن يعرف معانيها كانت معطلة لأنه لا يعرف متى يستعمل هذه الكلمة، وأي سياق يأتي بها فقوله: ﴿وعلم آدم الأسماء﴾+++[البقرة: 31]---، أي علمه الأسماء ومعانيها التي تدل عليها، فكان بذلك ما تميز به آدم على سائر الخلق، وعلى الملائكة على وجه الخصوص، وهم أشرف الخلق.

﴿وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة﴾+++[البقرة: 31]---، عرضهم الأسماء على الملائكة الأشياء التي تعلمها آدم عرضها على الملائكة ﴿فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم ﴾+++[البقرة: 31-33]---، جاء الفضل في ماذا؟ في حصول العلم والمعرفة أولا، وفي التعليم ثانية، لأنه أنبأهم بأسمائهم يعني علمهم أسماء هذه الأشياء التي جهلوها، فكان الفضل في آدم -عليه السلام- على الملائكة في أمرين:

 في حصول العلم والمعرفة بفضل الله وتعليمه.

 والثاني: في بذل هذا العلم وتعريف من عرفهم به، حيث قال: ﴿قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال﴾+++[البقرة: 33]---، تبين الفضل الآن، قال الله تعالى للملائكة: ﴿ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾+++[البقرة: 33]---، هنا جاءت الرفعة لآدم -عليه السلام- بفضل الله ومنته ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾+++[البقرة: 34]---، سجود تحية وإكرام بأمر العزيز الغفار، وليس سجود عبادة؛ لأنهم لا يعبدون إلا الله –عز وجل-.

المقصود: أن هذه القصة التي أخبر الله تعالى بها في كتابه من نبأ خلق آدم يتبين بها أن الإنسان يتبوأ المنزلة عند الله –عز وجل-، ويتبوأ المنزلة بين الخلق بعلمه ومعرفته وتعليمه ونفعه للخلق، وبالتالي كما تفضلت في مقدمة الحلقة ليس الشأن في كثرة مال، ولا في كثرة ولد، ولا في كثرة مقتنيات، ولا في كثرة مكاسب دنيوية، إنما الشأن كل الشأن في إدراك المعارف وإتقانها، ونفع الخلق بها، وبذلها للخلق علما وتعليما.

وهذا ما يتبين في هذه القصة في أول البشر آدم عليه السلام وميزه الله بماذا؟ على الملائكة وهم أشرف الخلق بالعلم والتعليم.

المقدم:لعلنا أيضا نعرج ولو سريعا دكتور خالد على أيضا قصة موسى -عليه السلام- مع الخضر حينما أراد أن يتبعه لأجل أن يتعلم منه بأمر الله –سبحانه وتعالى-، قال في نصا في القرآن الكريم، قال: ﴿هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا﴾+++[الكهف: 66]---.

إذا هنا ذهابه مع الخضر -عليه السلام- بقصد العلم، إذن العلم له شأن عظيم حتى وإن كان موسى نبيا يوحي إليه من الله –عز وجل-، فهو يتعلم والعلم لا يقتصر على أحد، فالعلم هو مطلب لكل إنسان مهما كان، ومهما علت مكانته وشأنه، فهو يتعلم من الصغر أو من المهد إلى اللحد كما يقال، فنود أن نعرج على ما في هذه القصة مع موسى والخضر -عليه السلام- من عبر ومن شرف للعلم والتعلم.

الشيخ: أولا في مبدأ التعليق على هذا الخبر نحن نعلم أن موسى -عليه السلام- من أولي العزم من الرسل، وهو من أشرف رسل الله –عز وجل-إذ إن أولي العزم من الرسل وهم خمسة: نوح عليه السلام، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتمهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

هؤلاء الرسل تبوأوا المنزلة الرفيعة في بني آدم، فهم أولو العزم من الرسل، وأهل القوة وكمال العبادة، وكمال التقوى والإيمان في بني آدم كلهم، فموسى -عليه السلام- كان قد رفعه الله –عز وجل-وخصه بفضائل عظيمة جاء ذكرها في مواضع كثيرة من القرآن الحكيم، وكان مما ميزه به ما فات عليه من العلوم والمعارف التي أدركها بفضل الله –عز وجل-وبمنته وإنعامه عليه.

موسى -عليه السلام- سأله سائل عن أعلم الناس؟ فقال بالإجابة المبادرة أنه أعلم الناس، أي أنه أكثرهم علما ومعرفة؛ لأنه الممدود بالوحي من السماء، فلما قال ذلك عاتبه الله تعالى أن لم يرد العلم إلى الله –عز وجل-، وذلك فيه التأديب والتنبؤ إلى أن العلم لا يسوغ لصاحبه أن يعلو على الخلق، وأن يغفل عن إنعام الله عليه بالمعرفة، موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، أو سئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعاتبه الله تعالى على ذلك، وأراد أن يخبره أن العلم بحور وليس بحرا، فإذا علم شيئا فلا ينبغي له أن يغفل عن أن هناك من قد فتح الله  عليه علما قد يكون خفي عليه، كما قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾+++[الإسراء: 85]---، مهما بلغ الإنسان من المعرفة والعلم في أمر الدين أو في أمر الدنيا ومصالح المعاش، فالعلم الذي أوتيه هو قليل، هو نذر يسير في جنب ما خفي عليه من المعارف والعلوم، لما قال موسى -عليه السلام- ذلك أراد الله تعالى أن يؤدب موسى فأخبره برجل عنده من العلم والمعرفة ما ليس عند موسى -عليه السلام-، وهذا لا يعني أنه أعلم من موسى، فموسى ممدود بالوحي من السماء، لكن عنده علم خفي على موسى عليه السلام، فانطلق موسى ومعه فتاه يطلبان هذا الرجل الذي عنده من العلم ما ليس عند موسى، فقال لفتاه وأعطاه الله تعالى آية أنه حمل معه مكتلا فيه حوت، فقال: إذا فقدت الحوت فثم الرجل، فجد موسى -عليه السلام- في سيره مع هذا الغلام يطلبان هذا الذي أمره الله تعالى بأن يتعلم منه ﴿فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت﴾+++[الكهف: 61-62]---، الذي هو علامة الرجل ﴿وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا﴾+++[الكهف: 62]---، قال موسى عند ذلك ﴿قال ذلك ما كنا نبغ﴾+++[الكهف: 63]---، هذا الذي كنا نريد وننتظر ﴿فارتدا على آثارهما قصصا﴾+++[الكهف: 63]---، رجعا إلى المكان ﴿فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا﴾+++[الكهف: 64]--- هذا ما خصه به ﴿وعلمناه من لدنا علما﴾+++[الكهف: 64]---، فالفضل لله في كل ما يفتح على الإنسان من المعارف والعلوم الخفية والظاهرة، علوم الدين وعلوم الدنيا، قال له موسى انظر الآن هذا ليس شخصا عاديا هذا كليم الرحمن، هذا الذي فتح الله عليه من الفتوحات والخيرات وخصه بالفضائل ما بوأه أن يكون من أولي العزم من الرسل، موسى يتلطف للخضر والخضر ليس نبيا، إنما عنده علم ومعرفة وفتح الله عليه من المكاشفات ما أدرك به كثيرا من الأمور، قال له موسى: ﴿هل أتبعك﴾+++[الكهف: 66]--- لاحظ التلطف ﴿هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا﴾+++[الكهف: 66]---، الآن موسى ليس مبلغا للرسالة، إنما هو طالب علم عند شيخ عنده من المعرفة ما ليس عند موسى، ولا خلاف بين أهل العلم لا الأولين ولا آخرين أن موسى أفضل من الخضر، لكن مع هذا تدنى له وتلطف له في القول في سبيل تحقيق ما عنده من معرفة ﴿هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا+++[الكهف: 66]---، قال له الخضر: ﴿قال إنك لن تستطيع معي صبرا﴾+++[الكهف: 67]---، العلم لا يدرك إلا بالصبر العلم الذي عندي ليس أمرا يدرك بسهولة، إنما يحتاج إلى صبر، ومن صبر ظفر ﴿قال إنك لن تستطيع معي صبرا﴾+++[الكهف: 67]---، قال -مزيدا للإيضاح-: إن الصبر في هذا المقام عسير ويحتاج إلى مكابدة، قال: ﴿وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا﴾+++[الكهف: 68]---، يعني كيف تصبر على شيء لم تدرك مغزاه وغايته وما خفي عليك؟ وهذا فيه مزيد تشوف أن هناك أمورا ما تعرفها كثيرة فكيف تصبر عليها؟ ﴿قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا * قال فإن اتبعتني﴾+++[الكهف: 69-70]--- أصررت على التلقي عني ﴿فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا﴾+++[الكهف: 70]---، لا تقل لي لماذا فعلت كذا؟ تلق وسر معي على ما أنا عليه، وافعل ما أفعل وما أمرك به دون أن تسألني عن شيء حتى أخبرك ابتداء وليس بجواب سؤال، ﴿فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها﴾+++[الكهف: 71]---، قال موسى: خرقها الخضر، قال له موسى: ﴿أخرقتها﴾+++[الكهف: 71]---، سفينة استغرب منكرا مستغربا ﴿لقد جئت شيئا إمرا﴾+++[الكهف: 71]--- شيء ما طبيعي خارج عن المألوف, كيف تخرق سفينة وفيها أهلها؟! ﴿قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا﴾+++[الكهف: 72]---، ذكره بالميثاق الأول وهو الصبر وعدم المعارضة ﴿قال لا تؤاخذني بما نسيت﴾+++[الكهف: 73]---، موسى يعتذر وهو أحد أكبر الرسل، وهو من أولي العزم من الرسل، يعتذر عن مخالفة ما عاهد عليه، ﴿لا تؤاخذني بما نسيت﴾+++[الكهف: 73]---، اعتذر بالنسيان، ثم قال له: ﴿ولا ترهقني من أمري عسرا﴾+++[الكهف: 73]---، لا تدخل بي مداخل فيها عسر ومشقة علي، فإن التعلم يحتاج إلى تدرج، قال: ﴿فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله﴾+++[الكهف: 74]---، وهذه أصعب من الأولى، لأنه قد تغرق السفينة وقد لا تغرق، أما هذه فقتل مباشر، فكان موسى حاضرا في الإنكار لما هو عليه من شريعة ودين وهو تحريم قتل النفس ﴿قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس﴾+++[الكهف: 74]---، يعني بغير حق ﴿لقد جئت شيئا نكرا﴾+++[الكهف: 74]---، أعظم خطورة مما كان في المرة السابقة قال له الخضر: ﴿قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا﴾+++[الكهف: 75]---، هنا موسى -عليه السلام- أدرك أن هذا عنده من المعرفة وعنده من الأمور ما قد لا يصبر عليه، فقال امنحني فرصة واحدة ﴿قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض﴾+++[الكهف: 76-77]---، جدار وهى وضعف وأوشك على السقوط، فأقامه أقام الجدار بالمجان، مع أنه جاء إلى هؤلاء طلب منهم الكرامة والضيافة المعتادة التي جرى عليها عمل الناس، قالوا: لا، ما عندنا لك شيء، ومع هذا قابل هذا الرفض للضيافة بالإحسان، حيث أقام الجدار لهم، قال: ﴿فأقامه﴾، فقال موسى -عليه السلام- للخضر ﴿لو شئت لاتخذت عليه أجرا﴾+++[الكهف: 77]---، يعني لأخذت مقابل هذا العمل وهو إقام الجدار أجرا حتى تأخذ ما لك به حاجة ﴿قال هذا فراق بيني وبينك﴾+++[الكهف: 78]--- هنا انتهى الأمر.

المقدم:لم يستطع موسى أن يتحمل المواقف هذه صعبة جدا يعني فعلا.

الشيخ: نعم قال: ﴿سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا﴾+++[الكهف: 79]---، ثم بين له ما بين ووضح له ذلك.

 والخلاصة من هذه القصة والشاهد فيها في موضوع حلقتنا: أن العلم به تعلو المراتب، وبه تشرف المنازل، وبه يتفاوت الخلق، فكم من إنسان علا وارتفع على غيره ليس بماله ولا بجاهه ولا بنسبه ولا بحسبه ولا بغير ذلك مما يتفاضل به الناس، إنما بعلمه.

المقدم:﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾+++[المجادلة: 11]---.

الشيخ: ولذلك من المهم أن نعرف أن العلم والمعرفة هي سبب الرفعة، وهنا أقول: إن العلم والمعرفة هي سبب الرفعة، لا يختص فقط بالعلوم الشريعة، لا شك أن العلوم الشريعة لها من المنزلة والمكانة في الشريعة ما هو ظاهر وبين، ودلائله في الكتاب والسنة ظاهرة، لكن الارتفاع بين الخلق في كل العلوم، فمن بذ وارتفع في علم شرف عند الناس، ولو كان من علوم لا علاقة لها بالعلوم الشرعية، يعني نحن الآن إذا رأيت من حفظت أسماؤه عند الناس، تجد أن عددا كبيرا منهم إنما حفظت أسماؤهم وتكررت على ألسن الناس لما تميزوا به من العلم والمعرفة، سواء كان ذلك في أمور المعاش وأمور الميعاد وأمور شتى المجالات، وبالتأكيد أمور الدين، لكني أريد أن أشير إلى أنه ليس فقط الرفعة في العلوم الدينية، العلم يرفع أصحابه وثمة ما يرفع الناس في دينهم ودنياهم وهو العلوم الشرعية، لكن حتى الأمور الدنيوية من الطب والهندسة والصناعة والاقتصاد وسائر أنواع المعارف التميز فيها يرفع الناس ويعلي بالبشر.

ولهذا الخضر ارتفع على موسى -عليه السلام- في علم لا يتعلق بعلم الشريعة، إنما بعلوم كشفها الله له، لذلك قال الله تعالى: ﴿وعلمناه من لدنا علما﴾+++[الكهف: 65]--- علم اختص به فارتفع به.

المقدم: طبعا هذا يقودنا إلى العلم وأهمية العلم، حينما بدأه الله –سبحانه وتعالى-مع أبي البشر، وأيضا ما كان مر مرورا بقصة موسى، هذه الأهمية في زماننا هذا تحديدا أهمية العلم للفرد والمجتمع أين تكمن دكتور خالد أهمية العلم للفرد والمجتمع بشكل عام؟ يعني بمعنى آخر أن المجتمعات والأفراد إذا اهتموا بهذا العلم، وانساقوا وراءه، وطوروا أنفسهم فيه، فإنهم ربما يجدوا مكانة لهم في هذا الكون، أو هذه الأرض بين الأمم، والعكس أيضا صحيح، حينما يكون هناك جهل متفش، وحينما يكون هناك قصور في التعلم تجد الفوضى والخراب والدمار والفقر، وما إلى ذلك فأين تكمن أهمية العلم للفرد والمجتمع؟

الشيخ:أخي الكريم! العلم مفتاح الخيرات، فلا خير في البشرية إلا بالمعرفة والعلم، ولذلك كل أمة تفتقد العلم تجدها في أسفل الركب، سواء كان ذلك فيما يتعلق بعلوم الشريعة أو علوم الدنيا، علوم الدين أو علوم الدنيا، فباقتران هذين العلمين وتحصيلهما تسمو المجتمعات، يعني لا استقامة لحياة الناس بعلوم شرعية مع تعطيل الدنيا، ولا استقامة لحياة الناس في أمور معاشهم بعلوم الدنيا دون علوم الوحي الذي به تصلح أمور الناس.

الله –جل وعلا-ذكر نبيا من أنبيائه وهو داود -عليه السلام-، وذكر ما من به عليه من العلوم والمعارف، قال: ﴿وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون﴾+++[الأنبياء: 80]---، فجعل الله تعالى ما علمه داود من الصناعة وتسخير الحديد وتليينه له مما ميزه به، وجعله من مواطن المنة ومواطن شكر الله تعالى على ذلك، فكل فتح يفتح على الناس في أمور دينهم أو أمور دنياهم، في علوم الشريعة، أو في علوم الطب، أو في علوم الفيزياء، أو في علوم الرياضيات، أو في علوم الاقتصاد، أو في علوم الاجتماع أو في علوم الطب كل ذلك من منن الله التي تستوجب شكره –جل وعلا-؛ لأن قوام الناس لا يمكن أن تقوم حياته إلا بالمعارف التي تصلح بها عقائدهم، ويصلح بها دينهم، وأيضا المعارف التي تصلح بها دنياهم، ويطيب بها معاشهم، ولهذا النبي –صلى الله عليه وسلم-عندما اقترح على الأنصار شيئا من العمل في مزارعهم، وكان ما اقترحه –صلى الله عليه وسلم-غير مطابق لما يحتاجه أولئك قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»+++[صحيح مسلم:ح2363/141]---

 وهذا فيه الإذن للناس بأن يبحثوا فيما يتعلق بأمور دنياهم بكل ما يوصل إلى تحقيق مقاصدهم من عمارة الأرض وإحيائها وطيب المعاش فيها.

ولهذا لما حقق أهل الإسلام في صدر الإسلام هذه المعاني سمت هذه الأمة وانتشرت في الأرض، وأزالت كل العوائق التي كانت بين يديها من الحضارات، وسادت ثقافتها، وساد ما جاء به من النبي –صلى الله عليه وسلم-من الدين والهدى والعلم النافع رقاعا واسعة في مشارق الأرض ومغاربها، يعني أنت إذا نظرت في الأمم وقت بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-لم تكن هناك من الأمم ما  يعد من محاط الحضارات والتقدم إلا الروم وفارس ثم البقية لا يذكر عنهم شيء من التميز،ومنهم العرب لم يكونوا شيئا يذكر في ميزان البشر، لا فيما يتعلق بأمر الدين ولا في أمر الدنيا، صلح دينهم بما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-من الهدى ودين الحق، ثم فتح الله عليهم بصلاح دنياهم، فتقدموا واكتسحوا كل ما كان في طريقهم من العوائق حتى أصبحت هذه الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، فاحتوت حضارة فارس، واحتوت حضارة الروم وكانت أمة كتب الله تعالى لها من التميز في أمر الدين والدنيا ما هو معروف.

إذا بماذا حصل هذا؟ حصل هذا بالعلم، ولم يحصل هذا بغيره من الأسباب، لا بالقدرة المادية ولا بالأموال، فالأموال تذهب وسائر الممتلكات التي يتميز بها الناس تزول، ولا يبقى مع الإنسان ما ينفعه ويتميز به ويتكيف به مع كل الظروف مع كل الظروف التي يتعايش فيها إلا العلم.

ولهذا من المهم أن نؤصل هذا المعنى في نفوسنا، وفي نفوس أبنائنا، وفي مجتمعنا، وطننا بحاجة إلى أن نعزز معارفنا، وأن ننوع علومنا، وأن نتعلم كل علم نرتقي به في مجالات الحياة كافة، وإذا تحقق هذا في قرارة أنفسنا وامتلأت به قناعتنا فثق تماما أننا سنختصر مسافات قصيرة في التنمية والبناء، وفي الارتقاء بهذا الوطن وهذا البلد إلى المصاف التي نأملها جميعا، في أن نكون نموذجا يحتذى لسائر الأمم.

المقدم:بإذن الله دكتور خالد كما تعلم أن الله –سبحانه وتعالى-خلق الإنسان بمستوى معين من المعرفة والعلم، وعلى الرغم من هذا القدر الضئيل الذي منح للإنسان من العلم والمعرفة وذلك بنص القرآن الكريم ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾+++[الإسراء: 85]---، إلا أن الإنسان يعتبر مميزا عن بقية الكائنات الحية يعني عن بقية الحيوانات الأخرى، مميز بعقل منحه الله –عز وجل-، هذا العقل الذي يستطيع به تخطي الكثير من الحواجز والمسافات، وتحقيق النتائج، وأيضا هذا الإنسان بعقله هناك تفاضل وتمايز بينه وبين بني جنسه بما أوتي من العلم، فنريد أن نقف عند هذه النقطة وقفة نتحدث فيها عن نفي المساواة بين العالم وغير العالم، وبماذا يكون التفاضل بين الناس بالعلم وحده، أو بأمور أخرى قد تكون مصاحبة للعلم؟

الشيخ: الله –جل وعلا-ذكر في محكم كتابه الرفعة بالعلم، فقال –سبحانه وبحمده-: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾+++[المجادلة: 11]---، والإيمان والعلم قرينان فلا إيمان إلا بعلم، والإيمان يدعو إلى التعلم والمعرفة، فإذا تحقق في مسلك الإنسان علا وسما، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين»+++[صحيح مسلم:ح1849]---،كما جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله تعالى عنه والله تعالى نفا المساواة بين الناس في جانب العلم والمعرفة، ما قال الله في محكم كتابه قل هو يستوي الفقراء والأغنياء، إنما جعل الممايزة بين العلم وعدمه ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾+++[الزمر: 9]---، فنفي المساواة في القرآن لم يكن في أشياء من الأمور التي العوارض التي لا يتميز بها الناس تميزا بينا، لا شك أنه في فرق بين الغني والفقير والصحيح والمريض، في فرق في الأحكام والواجبات والالتزامات، لكن الميزة التي توضح للإنسان الفروقات بين الخلق والعلم.

فبالعلم يعرف الفروقات بين الأشياء، ولذلك البصير يعرف الفروقات بين الألوان لأن عنده أداة التمييز ويعرف هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أسود، فاقد البصر الذي ولد لا يبصر لا يستطيع التمييز؛ لأنه فاقد الآلة التي يميز بها العلم، نور العلم كالبصر يميز به الإنسان بين الأشياء يعرف الخير من الشر، يعرف الهدى من الضلال، يعرف النافع من الضال، يعرف الحسن من القبيح، يعرف مواقع المصالح ومواقع المفاسد.

فلذلك ينبغي للإنسان أن يستكثر من العلم؛ لأن الله نفى المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم، ونفي المساواة هنا من كل وجه لا يستويان في الدنيا ولا يستويان في الآخرة، لا يستويان في المنافع والآثار لا في الدنيا ولا في الآخرة، وبالتالي ينبغي للإنسان أن يحرص على الاستكثار منه.

ولهذا الله تعالى أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-بأن يطلب المزيد من العلم فقال: ﴿وقل رب زدني علما﴾+++[طه: 114]--- علم ومعرفة.

 وقد امتهن ذلك –صلى الله عليه وسلم-فقد جاء عنه في السنن من حديث أم سلمة أنه كان إذا أصبح قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أسالك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا»+++[مسند أحمد:ح26521، ]---، انظر بدأ بالعلم النافع، ثم بعد ذلك عطف عليه الرزق الطيب؛ لأنه لا يمكن أن يصيب الإنسان الرزق الطيب إلا بالعلم النافع، فلو لم يكن عنده علم نافع ما ميز بين الرزق الطيب النافع والرزق الرديء الخبيث.

ولهذا مفتاح كل خير العلم، مفتاح كل نجاح العلم، مفتاح كل سبق العلم، مفتاح كل تفوق العلم، مفتاح كل تميز في حياة الأفراد والجماعات والأمم والأوطان والدول هو العلم، فبقدر ما مع الناس من العلم بقدر ما معهم من التميز والسمو والارتفاع ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾+++[الزمر: 9]---، هذا استفهام إنكار أي يستحيل أن يستويا.

المقدم:جميل دكتور خالد ونحن كما تعلم في هذه الأيام على أبواب عودة إخواننا وأبنائنا الطلاب وأيضا قبلهم عودة المعلمين إلى مقاعد الدراسة ولله الحمد والمنة بعد أن خفت وطأة هذا الوباء الذي عم البلاد وعم الأرض بشكل كامل، فنحمد الله –سبحانه وتعالى-أولا، ثم نود في هذه المناسبة أو بهذه المناسبة أن نسمع منك كلمات تحفيزية لإخواننا وأبنائنا الطلاب ونحن نتحدث عن العلم والمعرفة وهم يعودون إلى مقاعد الدارسة تذكرهم فيها بأهمية العلم وأهمية المثابرة والحرص والرغبة في العلم والتعلم لأن في ذلك رفعة لهم ولوطنهم.

الشيخ:لا شك أن العودة إلى التعلم المباشر، ونحن -ولله الحمد- لم ننقطع عنه حتى مع هذا الظرف الاستثنائي لكن التعلم المباشر بالتأكيد أنه يكون فيه من المصالح والمنافع، وما يمكن ألا يدرك بغيره من الوسائل.

 فنحمد الله ونسأله أن يكون عودا حميدا ووصيتي للمعلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم في تطوير أنفسهم تطوير أنفسهم من جهتين:

 الجهة الأولى: من جهة إتقانهم للمواد التي يعلمونها، المعارف التي يعلمونها، فاقد الشيء لا يعطيه، من لا يحسن السباحة لا يمكن أن يعلم غيره كيف يسبح، ومن لا يحسن العمل لا يمكن أن يعلم غيره كيف يعمل، وكذلك من لا يحسن العلوم لا يمكن أن يعلمها، وسيكون هناك من الغش وإضاعة الأمانة ما سيقف ويحاسب عليه الإنسان بيد يدي رب العالمين، فأدعوهم إلى تجديد علومهم والتصاقهم بالمعارف التي يدرسونها من خلال المراجعة، من خلال الدورات، من خلال كل الأسباب التي يتقنون بها المعارف، العلم إذا لم يغذى كالعين التي لا ينزح منه، كالبئر التي لا ينزح ماؤها، تجف وتذهب وتغور كذلك العلم اللي لم يحركه الإنسان بالتطوير والبناء والمراجعة يذهب.

 وإذا كان أشرف المعارف القرآن الكريم قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها»+++[صحيح مسلم:ح791/231]---، يعني يذهب وينسى إذا تركه الإنسان ولم يراجعه ولم يجدد عهده به، فأوصيهم بهذا الأمر.

الأمر الثاني: أوصيهم أيضا بتطوير أساليب التعليم كيف توصل هذه المعلومة ليس الشأن في كثرة المعرفة دون معرفة كيف الإيصال، فاليوم وسائل الجذب وطرائق التعليم تنوعت وتزودت وتفننت وتطورت على نحو احتاج أن يواكبه الإنسان، وألا يبقى ما ألفه أو ما تلقاه من دروس في زمن سابق.

فأوصي إخواني المعلمين والمعلمات بهاتين الوصيتين: أتقنوا معارفكم، وانظروا كيف توصلونها إلى طلابكم، وبذلك يحصل أداء الأمانة التي اؤتمنتم عليها، ويحصل لكم التفوق والتميز في وظائفكم ومحلات عملكم، وأما شأن الطلاب فوصيتي لهم أن يجدوا ويجتهدوا، وأن يفرحوا بالعودة، وأن يستعينوا الله تعالى بتحصيل المعارف، وأن يقدروا هذه الجهود المبذولة من الدولة ومن المعلمين ومن أولياء الأمور، فإنها جهود تسخر وتبذل فيها أموال طائلة وجهود عظيمة لبنائكم والارتقاء بكم، حتى تتبوأ مراكز التميز وترتقوا بأنفسكم وبوطنكم إلى مراتب العلو والرفعة.

أسأل الله تعالى أن يقر أعيننا بصلاح أنفسنا وذريتنا وطلابنا وطالبتنا وجميع من في مجتمعنا.

المقدم:بارك الله فيك شيخنا العزيز، وأحسن الله إليك دكتور خالد، نسأل الله –سبحانه وتعالى-في ختام هذه الحلقة أن يجزيك خير الجزاء، وأن يجعل ما تقدمه دائما وأبدا في ميزان حسناتك.

 سعدنا بلقائك في هذه الحلقة، وبالحديث إليك في هذا الموضوع المهم جدا المتعلق بحياتنا، سواء كان على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، نرجو الله –سبحانه وتعالى- أن نلتقي بك في حلقة الأسبوع القادم وأنت في صحة وخير وعافية.

الشيخ: وأنتم كذلك، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يسددهم في الأقوال والاعمال، وأن يعيننا جميعا على ما فيه الخير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

المشاهدات:3077

 المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

أيها الإخوة المستمعون الكرام!السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحييكم تحية طيبة مباركة من إذاعة "نداء الإسلام" من المملكة العربية السعودية، ويسرنا أن نقدم إلى حضارتكم حلقة هذا الأسبوع من برنامجكم الأسبوعي "الدين والحياة".

يسرني أن أكون معكم أنا عبد الله سعد بن عزة وزميلي من الهندسة الإذاعية والإخراج لؤي الحلبي، ويسرنا أيها الإخوة والأخوات بترحاب كبير أن نرحب بضيف هذا البرنامج ضيفنا العزيز الدائم لهذا البرنامج سعادة الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم والذي ألتحق بنا في هذه اللحظات.

 دكتور خالد! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك.

الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي عبد الله، وحيا الله بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: أهلا ومرحبا بك دكتور خالد، وأهلا بكم أنتم أيها الإخوة والأخوات أينما كنتم.

موضوعنا أيها الأحبة في هذا اليوم موضوع ذو شأن كبير ومهم جدًّا، الله تعالى يقول أيها الأحبة: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه: 114]، ما أجمل هذه الآية الكريمة وما أروع معناها!

 الدعاء والطلب من الله –سبحانه وتعالى- أن يزيد المرءَ علمًا، لا مالًا، ولا ميراثًا، ولا جاهًا إنما علمًا، لماذا أيها الإخوة؟ لأن العلم هو النبراس الذي تضاء به الظلمات الحالكة، وهي الراية العالية التي ترشد إلى ما فيه خير الإنسانية في الدنيا وفي الآخرة.

دكتور خالد! أنت تعلم أن أول آية نزلت على نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-وهو في الغار هي قول الله –سبحانه وتعالى-: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق: 1]، القراءة كما تعلمون أيها الإخوة والأخوات هي مفتاح العلم، من لا يملك القراءة لا يستطيع أن يتعلم حدثنا عن هذا الأمر، مسألة العلم والتعلم وشرف التعلم والعلم وخاصة القراءة؛ لأنها هي مفتاح كل العلوم.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فالله -جل في علاه- خلق الإنسان وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة، وهي الإيجاد من العدم، وقد ذكر الله تعالى ذلك في مواضع عديدة من كتابه الحكيم، قال الله –جل وعلا-: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[العلق: 1-5]، قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا[الإنسان: 1]، وقال تعالى: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ[الرحمن: 3-4]، فالله –جل وعلا-امتن في أول ما امتن به على الناس بالخلق والإيجاد من العدم، ثم عطف على ذلك النعمة الأخرى التي يكمل بها هذا الإنعام من الخلق ويحصل به للإنسان الكرامة الكبرى وهي تعليمه.

هذه الرسالة المباركة التي أضاءت بها الدنيا بعد ظلماتها، وأشرقت بها الأرض بعد عماها، وأبصرت بها مواقع الهدى، إنما أدرك ذلك المؤمنون، وأدركت هذه الأمة والبشرية ذلك من خلال ما جاء في هذه الرسالة العظيمة من الهدايات والدلالات التي تهدي الناس إلى كل خير تخرجهم من كل ظلمة وتدخلهم في كل نور وهداية هذه الرسالة افتتحها الله تعالى آمرًا رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه بالقراءة فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق:1]، فأمره بالقراءة، والقراءة هنا ليس المقصود بها القراءة من كتاب أو القراءة من صحيفة؛ إذ إن النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يكن يقرأ القراءة المعهودة التي تتبادر إلى الذهن عند الأمر بالقراءة بأن يقرأ من كتاب، إنما القراءة المقصود بها جمع العلم وتتبعه ومعرفته وإدراكه، والتقليب بالفكر في سبل تحصيله، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[فصلت: 53]، فالقراءة المأمور بها أوسع من كونها قراءة من صحيفة العلم، أوسع من ذلك بكثير، ولا شك أن القراءة من الكتب والصحف هي من وسائل التحصيل.

الله –عز وجل-أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-بالقراءة، وبين له ما تميز به الإنسان بهذه القراءة، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ[العلق: 1-2]، هذا مبدأ أطوار الإنسان، العلقة هي أول أطوار بني آدم، وهي مرحلة من مراحل خلقه، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق: 1-3]، الأكرم: الذي له الصفات العلى، الأكرم: الذي أغدق الخير على عباده فتوالت مِننُه وإنعامه على خلقه ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ[العلق: 3-4]، ذكر القلم لأنه الأداة التي تدرَك بها المعارف وتدوَّن بها العلوم، وتحصل بها الخبرات، ويدرِك بها الإنسان نفعًا عظيمًا ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[العلق: 4-5]، فيبرز من هذه الآيات عظيمُ ما جاءت به الشريعة في شأن التعلم والمعرفة، وأن ذلك من مِنَنِ الله على عباده، وأن ذلك مما تميزت به هذه الشريعة المباركة، هذه الشريعة المطهرة الخاتمة التي جاءت بكل نور وهداية.

فتأمل تكرار الأمر بالقراءة، وقارن ذلك بفضل الله وإنعامه، أول ذلك ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق: 1]، فافتتح كل علم ومعرفة باسم الله الذي تفتح به المغلقات، وتدرك به المجهولات، ويحصل به للإنسان الارتقاء والارتفاع والتميز على سائر المخلوقات ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق: 1-3]، أكرمك بالخلق كما هو أكرمك بالمعرفة وتحصيل المعارف والعلوم ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[العلق: 4-5]، فهذه الشريعة المباركة فتحت أعين البشر إلى ضرورة المعرفة، إلى ضرورة العلم، إلى ضرورة إدراك المعارف التي بها تصلح الدنيا، وتطيب وتصلح العبادة، وتصلح الآخرة، ويصلح المعاش والميعاد، كل هذا إنما يصلح بالعلم، فلا صلاح لدين إلا بالعلم، ولا صلاح لدنيا إلا بالعلم، ولذلك جاء الأمر بهذا في أوائل ما أوحى الله تعالى لرسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

المقدم:اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، قبل ذلك كله دكتور خالد الله –سبحانه وتعالى-ذكر في سورة البقرة حينما ذكر الآيات التي تتحدث عن أن الله –سبحانه وتعالى-سيجعل في الأرض خليفة، إلى أن وصل إلى قوله –عز وجل-: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا[البقرة: 31].

 طبعا الحق أن الله –سبحانه وتعالى-في بدء الخلق جعل العلم هو بداية كلِّ شيء، بداية حتى آدم -عليه السلام- حينما علَّمه الله، حينما أخرجه إلى الأرض، وهو أدرى –سبحانه وتعالى-وأعلم بما يصلح هذا الخلق، وأن هذا الخلق وهذا البشر لا يصلح أمرهم إلا بالعلم النافع، وإنما انصرف عن العلم، وأعرض عنه، ربما أنه يعيش في ذلٍّ وصغار طوال حياته، فالعلم هو طريق الفلاح والنجاح، والذي هو يؤسس لكل أمر خير، فالمال يأتي بعد العلم، وكل وسائل شئون الحياة تأتي بعد حصول العلم، ومن كان لديه من العلم ما يكفي، من العلم النافع ما يكفي سيتطور في الحياة، وسيظهر أكثر وأكثر.

 حدثنا عن هذه القصة قصة بدء الله –سبحانه وتعالى-لآدم عليه السلام بأن علمه.

الشيخ:أخي الكريم! الله تعالى اصطفى آدم، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ[آل عمران: 33]، اصطفى آدم بأن جعله أول المخلوقات من بني آدم، فهو أبو البشر، وخلقه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، ومنحه مزايا اختص بها عليه الصلاة والسلام، وكان من أول ما ميزه الله تعالى به على الخلق، وقد أخبر الله في محكم كتابه أنه فضل بني آدم على كثير من الخلق، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[الإسراء: 70]، وفي قصة تعليم آدم الأسماء التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة ما يبرز فضل العلم والتعليم، فإن الله تعالى عندما أخبر الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة قالوا: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة: 30]، فجاء الجواب من الله –جل وعلا-لملائكته أنه –جل وعلا-عالم بما يختص به من يشاء من عباده، وليس الشأن فقط في حصول العبادة، بل الفضل في تحقيق العبادة، وفيما يعطي الله تعالى العباد من المزايا والخصائص التي يتميزون بها عن سائر الخلق، من ذلك ما ميز الله تعالى به آدم عليه السلام، فقال –جل وعلا-قال –سبحانه وبحمده-في جوابه على الملائكة لما قالوا: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ[البقرة: 30]، قال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ[البقرة: 30]، ثم قال: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[البقرة: 31]، علم آدم الأسماء لما ذكر الله تعالى أنه عالم باصطفائه، وعالم بالخليفة الذي سيجعله الله تعالى في الأرض، وذكر الملائكة من الحوادث التي ستقع في الأرض ما اطلعوا عليه، وأعلمهم الله تعالى به من سفك الدماء، قال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ[البقرة: 30]، ثم قال: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا[البقرة: 31].

 الأسماء هنا للعلماء فيها أقوال متعددة، وأقرب ما يقال: أنه علمه ما يصلح به معاشه وميعاده القدرة على تنمية الأشياء، وإدراك مصالح تلك الأشياء، فعلمه أسماءها ومعانيها، وليس فقط مجرد أسماء مفرغة من معانيها؛ لأن الأسماء هي قوالب لمعاني، وهذه المعاني بها يكمل العلم، ولذلك اللغات وغيرها لا يكفي فيها حفظ مفرداتها، فلو عرف الإنسان مفردات لغة معينة حفظًا، وعلم ذلك دون أن يعرف معانيها كانت معطَّلة لأنه لا يعرف متى يستعمل هذه الكلمة، وأي سياق يأتي بها فقوله: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ[البقرة: 31]، أي علمه الأسماء ومعانيها التي تدل عليها، فكان بذلك ما تميز به آدم على سائر الخلق، وعلى الملائكة على وجه الخصوص، وهم أشرف الخلق.

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ[البقرة: 31]، عرضهم الأسماء على الملائكة الأشياء التي تعلمها آدم عرضها على الملائكة ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة: 31-33]، جاء الفضل في ماذا؟ في حصول العلم والمعرفة أولًا، وفي التعليم ثانية، لأنه أنبأهم بأسمائهم يعني علمهم أسماء هذه الأشياء التي جهلوها، فكان الفضل في آدم -عليه السلام- على الملائكة في أمرين:

 في حصول العلم والمعرفة بفضل الله وتعليمه.

 والثاني: في بذل هذا العلم وتعريف من عرفهم به، حيث قال: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ[البقرة: 33]، تبين الفضل الآن، قال الله تعالى للملائكة: ﴿ألم أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ[البقرة: 33]، هنا جاءت الرفعة لآدم -عليه السلام- بفضل الله ومنَّته ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ[البقرة: 34]، سجود تحية وإكرام بأمر العزيز الغفار، وليس سجود عبادة؛ لأنهم لا يعبدون إلا الله –عز وجل-.

المقصود: أن هذه القصة التي أخبر الله تعالى بها في كتابه من نبأ خلق آدم يتبين بها أن الإنسان يتبوأ المنزلة عند الله –عز وجل-، ويتبوأ المنزلة بين الخلق بعلمه ومعرفته وتعليمه ونفعه للخلق، وبالتالي كما تفضلت في مقدمة الحلقة ليس الشأن في كثرة مال، ولا في كثرة ولد، ولا في كثرة مقتنيات، ولا في كثرة مكاسب دنيوية، إنما الشأن كل الشأن في إدراك المعارف وإتقانها، ونفع الخلق بها، وبذلها للخلق علمًا وتعليمًا.

وهذا ما يتبين في هذه القصة في أول البشر آدم عليه السلام وميزه الله بماذا؟ على الملائكة وهم أشرف الخلق بالعلم والتعليم.

المقدم:لعلنا أيضًا نعرِّج ولو سريعًا دكتور خالد على أيضًا قصة موسى -عليه السلام- مع الخضر حينما أراد أن يتَّبعه لأجل أن يتعلم منه بأمر الله –سبحانه وتعالى-، قال في نصًّا في القرآن الكريم، قال: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا[الكهف: 66].

إذًا هنا ذهابه مع الخضر -عليه السلام- بقصد العلم، إذن العلم له شأن عظيم حتى وإن كان موسى نبيًّا يوحي إليه من الله –عز وجل-، فهو يتعلم والعلم لا يقتصر على أحد، فالعلم هو مطلب لكل إنسان مهما كان، ومهما علت مكانته وشأنه، فهو يتعلم من الصغر أو من المهد إلى اللحد كما يقال، فنَودُّ أن نعرج على ما في هذه القصة مع موسى والخضر -عليه السلام- من عبر ومن شرف للعلم والتعلم.

الشيخ: أولًا في مبدأ التعليق على هذا الخبر نحن نعلم أن موسى -عليه السلام- من أولي العزم من الرسل، وهو من أشرف رسل الله –عز وجل-إذ إن أولي العزم من الرسل وهم خمسة: نوح عليه السلام، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتمهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

هؤلاء الرسل تبوأوا المنزلة الرفيعة في بني آدم، فهم أولو العزم من الرسل، وأهل القوة وكمال العبادة، وكمال التقوى والإيمان في بني آدم كلهم، فموسى -عليه السلام- كان قد رفعه الله –عز وجل-وخصه بفضائل عظيمة جاء ذكرها في مواضع كثيرة من القرآن الحكيم، وكان مما ميزه به ما فات عليه من العلوم والمعارف التي أدركها بفضل الله –عز وجل-وبمنته وإنعامه عليه.

موسى -عليه السلام- سأله سائل عن أعلم الناس؟ فقال بالإجابة المبادرة أنه أعلم الناس، أي أنه أكثرهم علمًا ومعرفة؛ لأنه الممدود بالوحي من السماء، فلما قال ذلك عاتبه الله تعالى أن لم يردَّ العلم إلى الله –عز وجل-، وذلك فيه التأديب والتنبؤ إلى أن العلم لا يسوغ لصاحبه أن يعلو على الخلق، وأن يغفل عن إنعام الله عليه بالمعرفة، موسى عليه السلام ذكَّر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب فأدركه رجل فقال: أي رسولَ الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، أو سئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعاتبه الله تعالى على ذلك، وأراد أن يخبره أن العلم بحور وليس بحرًا، فإذا علم شيئًا فلا ينبغي له أن يغفل عن أن هناك من قد فتح الله  عليه علمًا قد يكون خفي عليه، كما قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء: 85]، مهما بلغ الإنسان من المعرفة والعلم في أمر الدين أو في أمر الدنيا ومصالح المعاش، فالعلم الذي أوتيه هو قليل، هو نذر يسير في جنب ما خفي عليه من المعارف والعلوم، لما قال موسى -عليه السلام- ذلك أراد الله تعالى أن يؤدب موسى فأخبره برجل عنده من العلم والمعرفة ما ليس عند موسى -عليه السلام-، وهذا لا يعني أنه أعلم من موسى، فموسى ممدود بالوحي من السماء، لكن عنده علم خفي على موسى عليه السلام، فانطلق موسى ومعه فتاه يطلبان هذا الرجل الذي عنده من العلم ما ليس عند موسى، فقال لفتاه وأعطاه الله تعالى آية أنه حمل معه مكتلًا فيه حوت، فقال: إذا فقدت الحوت فثمَّ الرجل، فجد موسى -عليه السلام- في سيره مع هذا الغلام يطلبان هذا الذي أمره الله تعالى بأن يتعلم منه ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ[الكهف: 61-62]، الذي هو علامة الرجل ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا[الكهف: 62]، قال موسى عند ذلك ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ[الكهف: 63]، هذا الذي كنا نريد وننتظر ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا[الكهف: 63]، رجعا إلى المكان ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا[الكهف: 64] هذا ما خصه به ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا[الكهف: 64]، فالفضل لله في كل ما يفتح على الإنسان من المعارف والعلوم الخفية والظاهرة، علوم الدين وعلوم الدنيا، قال له موسى انظر الآن هذا ليس شخصًا عاديًّا هذا كليم الرحمن، هذا الذي فتح الله عليه من الفتوحات والخيرات وخصه بالفضائل ما بوأه أن يكون من أولي العزم من الرسل، موسى يتلطَّف للخضر والخضر ليس نبيًّا، إنما عنده علم ومعرفة وفتح الله عليه من المكاشفات ما أدرك به كثيرًا من الأمور، قال له موسى: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ[الكهف: 66] لاحظ التلطف ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا[الكهف: 66]، الآن موسى ليس مبلغًا للرسالة، إنما هو طالب علم عند شيخ عنده من المعرفة ما ليس عند موسى، ولا خلاف بين أهل العلم لا الأولين ولا آخرين أن موسى أفضل من الخضر، لكن مع هذا تدنَّى له وتلطف له في القول في سبيل تحقيق ما عنده من معرفة ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا[الكهف: 66]، قال له الخضر: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[الكهف: 67]، العلم لا يدرك إلا بالصبر العلم الذي عندي ليس أمرًا يدرك بسهولة، إنما يحتاج إلى صبر، ومن صَبَر ظفر ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[الكهف: 67]، قال -مزيدًا للإيضاح-: إن الصبر في هذا المقام عسير ويحتاج إلى مكابدة، قال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا[الكهف: 68]، يعني كيف تصبر على شيء لم تدرك مغزاه وغايته وما خفي عليك؟ وهذا فيه مزيد تشوف أن هناك أمورًا ما تعرفها كثيرة فكيف تصبر عليها؟ ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي[الكهف: 69-70] أصررت على التلقي عني ﴿فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا[الكهف: 70]، لا تقل لي لماذا فعلت كذا؟ تلقَّ وسر معي على ما أنا عليه، وافعل ما أفعل وما أمرك به دون أن تسألني عن شيء حتى أُخبِرَك ابتداء وليس بجواب سؤال، ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا[الكهف: 71]، قال موسى: خرقها الخضر، قال له موسى: ﴿أَخَرَقْتَهَا[الكهف: 71]، سفينة استغرب منكرًا مستغربًا ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا[الكهف: 71] شيء ما طبيعي خارج عن المألوف, كيف تخرق سفينة وفيها أهلها؟! ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[الكهف: 72]، ذكَّره بالميثاق الأول وهو الصبر وعدم المعارضة ﴿قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ[الكهف: 73]، موسى يعتذر وهو أحد أكبر الرسل، وهو من أولي العزم من الرسل، يعتذر عن مخالفة ما عاهد عليه، ﴿لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ[الكهف: 73]، اعتذر بالنسيان، ثم قال له: ﴿وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا[الكهف: 73]، لا تدخل بي مداخل فيها عسر ومشقة علي، فإن التعلم يحتاج إلى تدرج، قال: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ[الكهف: 74]، وهذه أصعب من الأولى، لأنه قد تغرق السفينة وقد لا تغرق، أما هذه فقتل مباشر، فكان موسى حاضرًا في الإنكار لما هو عليه من شريعة ودين وهو تحريم قتل النفس ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ[الكهف: 74]، يعني بغير حق ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا[الكهف: 74]، أعظم خطورة مما كان في المرة السابقة قال له الخضر: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[الكهف: 75]، هنا موسى -عليه السلام- أدرك أن هذا عنده من المعرفة وعنده من الأمور ما قد لا يصبر عليه، فقال امنحني فرصة واحدة ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ[الكهف: 76-77]، جدار وهى وضعف وأوشك على السقوط، فأقامه أقام الجدار بالمجان، مع أنه جاء إلى هؤلاء طلب منهم الكرامة والضيافة المعتادة التي جرى عليها عمل الناس، قالوا: لا، ما عندنا لك شيء، ومع هذا قابل هذا الرفض للضيافة بالإحسان، حيث أقام الجدار لهم، قال: ﴿فأقامه﴾، فقال موسى -عليه السلام- للخضر ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا[الكهف: 77]، يعني لأخذت مقابل هذا العمل وهو إقام الجدار أجرًا حتى تأخذ ما لك به حاجة ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ[الكهف: 78] هنا انتهى الأمر.

المقدم:لم يستطع موسى أن يتحمل المواقف هذه صعبة جدا يعني فعلا.

الشيخ: نعم قال: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا[الكهف: 79]، ثم بين له ما بين ووضح له ذلك.

 والخلاصة من هذه القصة والشاهد فيها في موضوع حلقتنا: أن العلم به تعلو المراتب، وبه تشرف المنازل، وبه يتفاوت الخلق، فكم من إنسان علا وارتفع على غيره ليس بماله ولا بجاهه ولا بنسبه ولا بحسبه ولا بغير ذلك مما يتفاضل به الناس، إنما بعلمه.

المقدم:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة: 11].

الشيخ: ولذلك من المهم أن نعرف أن العلم والمعرفة هي سبب الرفعة، وهنا أقول: إن العلم والمعرفة هي سبب الرفعة، لا يختص فقط بالعلوم الشريعة، لا شك أن العلوم الشريعة لها من المنزلة والمكانة في الشريعة ما هو ظاهر وبيِّنٌ، ودلائله في الكتاب والسنة ظاهرة، لكن الارتفاع بين الخلق في كل العلوم، فمن بذَّ وارتفع في علم شرف عند الناس، ولو كان من علوم لا علاقة لها بالعلوم الشرعية، يعني نحن الآن إذا رأيت من حُفظت أسماؤه عند الناس، تجد أن عددًا كبيرًا منهم إنما حُفظت أسماؤهم وتكررت على ألسن الناس لما تميزوا به من العلم والمعرفة، سواء كان ذلك في أمور المعاش وأمور الميعاد وأمور شتى المجالات، وبالتأكيد أمور الدين، لكني أريد أن أشير إلى أنه ليس فقط الرفعة في العلوم الدينية، العلم يرفع أصحابه وثمة ما يرفع الناس في دينهم ودنياهم وهو العلوم الشرعية، لكن حتى الأمور الدنيوية من الطب والهندسة والصناعة والاقتصاد وسائر أنواع المعارف التميز فيها يرفع الناس ويعلي بالبشر.

ولهذا الخضر ارتفع على موسى -عليه السلام- في علم لا يتعلق بعلم الشريعة، إنما بعلوم كشفها الله له، لذلك قال الله تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا[الكهف: 65] علم اختص به فارتفع به.

المقدم: طبعا هذا يقودنا إلى العلم وأهمية العلم، حينما بدأه الله –سبحانه وتعالى-مع أبي البشر، وأيضًا ما كان مر مرورًا بقصة موسى، هذه الأهمية في زماننا هذا تحديدًا أهمية العلم للفرد والمجتمع أين تكمن دكتور خالد أهمية العلم للفرد والمجتمع بشكل عام؟ يعني بمعنى آخر أن المجتمعات والأفراد إذا اهتموا بهذا العلم، وانساقوا وراءه، وطوروا أنفسهم فيه، فإنهم ربما يجدوا مكانة لهم في هذا الكون، أو هذه الأرض بين الأمم، والعكس أيضًا صحيح، حينما يكون هناك جهل متفشٍ، وحينما يكون هناك قصور في التعلم تجد الفوضى والخراب والدمار والفقر، وما إلى ذلك فأين تكمن أهمية العلم للفرد والمجتمع؟

الشيخ:أخي الكريم! العلم مفتاح الخيرات، فلا خير في البشرية إلا بالمعرفة والعلم، ولذلك كل أمة تفتقد العلم تجدها في أسفل الركب، سواء كان ذلك فيما يتعلق بعلوم الشريعة أو علوم الدنيا، علوم الدين أو علوم الدنيا، فباقتران هذين العلمين وتحصيلهما تسمو المجتمعات، يعني لا استقامة لحياة الناس بعلوم شرعية مع تعطيل الدنيا، ولا استقامة لحياة الناس في أمور معاشهم بعلوم الدنيا دون علوم الوحي الذي به تصلح أمور الناس.

الله –جل وعلا-ذكر نبيًّا من أنبيائه وهو داود -عليه السلام-، وذكر ما منَّ به عليه من العلوم والمعارف، قال: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ[الأنبياء: 80]، فجعل الله تعالى ما علَّمه داود من الصناعة وتسخير الحديد وتليينه له مما ميزه به، وجعله من مواطن المنة ومواطن شكر الله تعالى على ذلك، فكل فتح يُفتح على الناس في أمور دينهم أو أمور دنياهم، في علوم الشريعة، أو في علوم الطب، أو في علوم الفيزياء، أو في علوم الرياضيات، أو في علوم الاقتصاد، أو في علوم الاجتماع أو في علوم الطب كل ذلك من مِنَن الله التي تستوجب شكره –جل وعلا-؛ لأن قوام الناس لا يمكن أن تقوم حياته إلا بالمعارف التي تصلح بها عقائدهم، ويصلح بها دينهم، وأيضًا المعارف التي تصلح بها دنياهم، ويطيب بها معاشهم، ولهذا النبي –صلى الله عليه وسلم-عندما اقترح على الأنصار شيئًا من العمل في مزارعهم، وكان ما اقترحه –صلى الله عليه وسلم-غير مطابق لما يحتاجه أولئك قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»[صحيح مسلم:ح2363/141]

 وهذا فيه الإذن للناس بأن يبحثوا فيما يتعلق بأمور دنياهم بكل ما يوصل إلى تحقيق مقاصدهم من عمارة الأرض وإحيائها وطيب المعاش فيها.

ولهذا لما حقق أهل الإسلام في صدر الإسلام هذه المعاني سمت هذه الأمة وانتشرت في الأرض، وأزالت كل العوائق التي كانت بين يديها من الحضارات، وسادت ثقافتها، وساد ما جاء به من النبي –صلى الله عليه وسلم-من الدين والهدى والعلم النافع رقاعًا واسعة في مشارق الأرض ومغاربها، يعني أنت إذا نظرت في الأمم وقت بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-لم تكن هناك من الأمم ما  يعد من محاطِّ الحضارات والتقدم إلا الروم وفارس ثم البقية لا يذكر عنهم شيء من التميز،ومنهم العرب لم يكونوا شيئًا يذكر في ميزان البشر، لا فيما يتعلق بأمر الدين ولا في أمر الدنيا، صلح دينهم بما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-من الهدى ودين الحق، ثم فتح الله عليهم بصلاح دنياهم، فتقدموا واكتسحوا كلَّ ما كان في طريقهم من العوائق حتى أصبحت هذه الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، فاحتوت حضارة فارس، واحتوت حضارة الروم وكانت أمة كتب الله تعالى لها من التميز في أمر الدين والدنيا ما هو معروف.

إذًا بماذا حصل هذا؟ حصل هذا بالعلم، ولم يحصل هذا بغيره من الأسباب، لا بالقدرة المادية ولا بالأموال، فالأموال تذهب وسائر الممتلكات التي يتميز بها الناس تزول، ولا يبقى مع الإنسان ما ينفعه ويتميز به ويتكيف به مع كل الظروف مع كل الظروف التي يتعايش فيها إلا العلم.

ولهذا من المهم أن نؤصل هذا المعنى في نفوسنا، وفي نفوس أبنائنا، وفي مجتمعنا، وطننا بحاجة إلى أن نعزز معارفنا، وأن ننوع علومنا، وأن نتعلم كل علم نرتقي به في مجالات الحياة كافة، وإذا تحقق هذا في قرارة أنفسنا وامتلأت به قناعتنا فثق تمامًا أننا سنختصر مسافات قصيرة في التنمية والبناء، وفي الارتقاء بهذا الوطن وهذا البلد إلى المصاف التي نأملها جميعًا، في أن نكون نموذجًا يحتذى لسائر الأمم.

المقدم:بإذن الله دكتور خالد كما تعلم أن الله –سبحانه وتعالى-خلق الإنسان بمستوًى معين من المعرفة والعلم، وعلى الرغم من هذا القدر الضئيل الذي مُنح للإنسان من العلم والمعرفة وذلك بنص القرآن الكريم ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء: 85]، إلا أن الإنسان يعتبر مميَّزًا عن بقية الكائنات الحية يعني عن بقية الحيوانات الأخرى، مميز بعقل منحه الله –عز وجل-، هذا العقل الذي يستطيع به تخطي الكثير من الحواجز والمسافات، وتحقيق النتائج، وأيضًا هذا الإنسان بعقله هناك تفاضل وتمايز بينه وبين بني جنسه بما أوتي من العلم، فنريد أن نقف عند هذه النقطة وقفة نتحدث فيها عن نفي المساواة بين العالِم وغير العالم، وبماذا يكون التفاضل بين الناس بالعلم وحده، أو بأمور أخرى قد تكون مصاحبة للعلم؟

الشيخ: الله –جل وعلا-ذكر في محكم كتابه الرفعة بالعلم، فقال –سبحانه وبحمده-: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة: 11]، والإيمان والعلم قرينان فلا إيمان إلا بعلم، والإيمان يدعو إلى التعلم والمعرفة، فإذا تحقق في مسلك الإنسان علا وسما، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع آخرين»[صحيح مسلم:ح1849]،كما جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله تعالى عنه والله تعالى نفا المساواة بين الناس في جانب العلم والمعرفة، ما قال الله في محكم كتابه قل هو يستوي الفقراء والأغنياء، إنما جعل الممايزة بين العلم وعدمه ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[الزمر: 9]، فنفي المساواة في القرآن لم يكن في أشياء من الأمور التي العوارض التي لا يتميز بها الناس تميزًا بينًا، لا شك أنه في فرق بين الغني والفقير والصحيح والمريض، في فرق في الأحكام والواجبات والالتزامات، لكن الميزة التي توضح للإنسان الفروقات بين الخلق والعلم.

فبالعلم يعرف الفروقات بين الأشياء، ولذلك البصير يعرف الفروقات بين الألوان لأن عنده أداة التمييز ويعرف هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أسود، فاقد البصر الذي ولد لا يبصر لا يستطيع التمييز؛ لأنه فاقد الآلة التي يميز بها العلم، نور العلم كالبصر يميز به الإنسان بين الأشياء يعرف الخير من الشر، يعرف الهدى من الضلال، يعرف النافع من الضال، يعرف الحسن من القبيح، يعرف مواقع المصالح ومواقع المفاسد.

فلذلك ينبغي للإنسان أن يستكثر من العلم؛ لأن الله نفى المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم، ونفي المساواة هنا من كل وجه لا يستويان في الدنيا ولا يستويان في الآخرة، لا يستويان في المنافع والآثار لا في الدنيا ولا في الآخرة، وبالتالي ينبغي للإنسان أن يحرص على الاستكثار منه.

ولهذا الله تعالى أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-بأن يطلب المزيد من العلم فقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه: 114] علم ومعرفة.

 وقد امتهن ذلك –صلى الله عليه وسلم-فقد جاء عنه في السنن من حديث أم سلمة أنه كان إذا أصبح قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أسالك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا وعملًا متقبلًا»[مسند أحمد:ح26521، ]، انظر بدأ بالعلم النافع، ثم بعد ذلك عطف عليه الرزق الطيب؛ لأنه لا يمكن أن يصيب الإنسان الرزق الطيب إلا بالعلم النافع، فلو لم يكن عنده علم نافع ما ميَّز بين الرزق الطيب النافع والرزق الرديء الخبيث.

ولهذا مفتاح كل خير العلم، مفتاح كل نجاح العلم، مفتاح كل سبق العلم، مفتاح كل تفوق العلم، مفتاح كل تميز في حياة الأفراد والجماعات والأمم والأوطان والدول هو العلم، فبقدر ما مع الناس من العلم بقدر ما معهم من التميز والسمو والارتفاع ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[الزمر: 9]، هذا استفهام إنكار أي يستحيل أن يستويا.

المقدم:جميل دكتور خالد ونحن كما تعلم في هذه الأيام على أبواب عودة إخواننا وأبنائنا الطلاب وأيضًا قبلهم عودة المعلمين إلى مقاعد الدراسة ولله الحمد والمنة بعد أن خفَّت وطأة هذا الوباء الذي عم البلاد وعم الأرض بشكل كامل، فنحمد الله –سبحانه وتعالى-أولًا، ثم نود في هذه المناسبة أو بهذه المناسبة أن نسمع منك كلمات تحفيزية لإخواننا وأبنائنا الطلاب ونحن نتحدث عن العلم والمعرفة وهم يعودون إلى مقاعد الدارسة تذكرهم فيها بأهمية العلم وأهمية المثابرة والحرص والرغبة في العلم والتعلم لأن في ذلك رفعة لهم ولوطنهم.

الشيخ:لا شك أن العودة إلى التعلم المباشر، ونحن -ولله الحمد- لم ننقطع عنه حتى مع هذا الظرف الاستثنائي لكن التعلم المباشر بالتأكيد أنه يكون فيه من المصالح والمنافع، وما يمكن ألا يدرك بغيره من الوسائل.

 فنحمد الله ونسأله أن يكون عودًا حميدًا ووصيتي للمعلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم في تطوير أنفسهم تطوير أنفسهم من جهتين:

 الجهة الأولى: من جهة إتقانهم للمواد التي يعلمونها، المعارف التي يعلمونها، فاقد الشيء لا يعطيه، من لا يحسن السباحة لا يمكن أن يعلم غيره كيف يسبح، ومن لا يحسن العمل لا يمكن أن يعلم غيره كيف يعمل، وكذلك من لا يحسن العلوم لا يمكن أن يعلِّمها، وسيكون هناك من الغش وإضاعة الأمانة ما سيقف ويحاسب عليه الإنسان بيد يدي رب العالمين، فأدعوهم إلى تجديد علومهم والتصاقهم بالمعارف التي يدرسونها من خلال المراجعة، من خلال الدورات، من خلال كل الأسباب التي يتقنون بها المعارف، العلم إذا لم يغذَّى كالعين التي لا ينزح منه، كالبئر التي لا ينزح ماؤها، تجف وتذهب وتغور كذلك العلم اللي لم يحركه الإنسان بالتطوير والبناء والمراجعة يذهب.

 وإذا كان أشرف المعارف القرآن الكريم قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»[صحيح مسلم:ح791/231]، يعني يذهب وينسى إذا تركه الإنسان ولم يراجعه ولم يجدد عهده به، فأوصيهم بهذا الأمر.

الأمر الثاني: أوصيهم أيضًا بتطوير أساليب التعليم كيف توصل هذه المعلومة ليس الشأن في كثرة المعرفة دون معرفة كيف الإيصال، فاليوم وسائل الجذب وطرائق التعليم تنوعت وتزودت وتفننت وتطورت على نحو احتاج أن يواكبه الإنسان، وألا يبقى ما ألفه أو ما تلقاه من دروس في زمن سابق.

فأوصي إخواني المعلمين والمعلمات بهاتين الوصيتين: أتقنوا معارفكم، وانظروا كيف توصلونها إلى طلابكم، وبذلك يحصل أداء الأمانة التي اؤتمنتم عليها، ويحصل لكم التفوق والتميز في وظائفكم ومحلات عملكم، وأما شأن الطلاب فوصيتي لهم أن يجدِّوا ويجتهدوا، وأن يفرحوا بالعودة، وأن يستعينوا الله تعالى بتحصيل المعارف، وأن يقدروا هذه الجهود المبذولة من الدولة ومن المعلمين ومن أولياء الأمور، فإنها جهود تسخر وتبذل فيها أموال طائلة وجهود عظيمة لبنائكم والارتقاء بكم، حتى تتبوأ مراكز التميز وترتقوا بأنفسكم وبوطنكم إلى مراتب العلو والرفعة.

أسأل الله تعالى أن يقر أعيننا بصلاح أنفسنا وذريتنا وطلابنا وطالبتنا وجميع من في مجتمعنا.

المقدم:بارك الله فيك شيخنا العزيز، وأحسن الله إليك دكتور خالد، نسأل الله –سبحانه وتعالى-في ختام هذه الحلقة أن يجزيك خير الجزاء، وأن يجعل ما تقدمه دائمًا وأبدًا في ميزان حسناتك.

 سعدنا بلقائك في هذه الحلقة، وبالحديث إليك في هذا الموضوع المهم جدا المتعلق بحياتنا، سواء كان على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، نرجو الله –سبحانه وتعالى- أن نلتقي بك في حلقة الأسبوع القادم وأنت في صحة وخير وعافية.

الشيخ: وأنتم كذلك، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يسددهم في الأقوال والاعمال، وأن يعيننا جميعا على ما فيه الخير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات42598 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات29317 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات24690 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات22204 )
6. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات20767 )
7. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات20339 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات15634 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات12305 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات12300 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10908 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10816 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات10559 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف