×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2921

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم أجمعين أما بعد.

فقد نقل النووي –رحمه الله-في باب فضل الحب في الله والحث عليه عن أنسٍ ـ رضي الله عنه ـ عن النَّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43)

هذا الحديث الشريف ذكره المؤلف –رحمه الله-في باب الحب في الله، والحب في الله هو الحب لأجل الله –عز وجل-أي بسبب ولاية الله للعبد، وبسبب اشتغال الإنسان بما يحب الله ويرضى، فحبك الشخصي لله هو أنك أحببته ؛ لأجل ما رأيته وعلمته عنه من اشتغاله بطاعة الله، وموالاته له وقيامه بحقه وسعيه في مرضاته.

وهذا هو ثمرة طاعة الله –عز وجل-فإن من ثمار طاعة الله –عز وجل-أن يعمر قلب العبد بمحبة أوليائه قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا[مريم: 96] وهذا الحديث قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه" أي ثلاث خصال، وثلاث صفات من تحلى بهن وتخلق بهن نال حلاوة الإيمان.

قال –صلى الله عليه وسلم-: "ذاق حلاوة الإيمان" "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان" وجد أي حصل وأدرك وحلاوة الإيمان، هي لذته ولهجته وسروره وجميل عاقبته التي يجدها الإنسان في دنياه في عاجله قبل أجله، وهي أيضًا ما يكون في الآخرة من الثواب على الإيمان، فإنها من حلاوته.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وجد بهن حلاوة الإيمان" أي نال بهن حلاوة الإيمان في الدنيا وفي الآخرة، فالإيمان عواقبه جميلة وعوائده كريمة، وهي في الدنيا وفي الآخرة ليست مقصورة على الآخرة، بل يكون في الدنيا من ثمار الإيمان وجميل عواقبه ما يصدق عليه قوله –صلى الله عليه وسلم-: "وجد بهن حلاوة الإيمان" وسمى –صلى الله عليه وسلم-هذه الثمرة بالحلاوة لطيبها وجمالها وكريمها، وكون ذلك يقرب للإنسان المعنى الذي يجده من خلال هذه الخصال والتحلي بها، فإن الإنسان مجبول على الاشتغال بإدراك المعاني الحسية.

وأما الأمور المعنوية فقد يحتاج إلى أن يقربها إلى ذهنه حتى يفهمها ويدركها، ومن ذلك الحالة وهو المرارة فالحلاوة تذاق في الأصل بالفم من المطعومات والمأكولات، وهي أعلى ما يدركه الإنسان من الأمور التي تدرك بالحس من الملذات وأسرع ما يدركه أيضًا ويقابلها المرارة، فشبه النبي –صلى الله عليه وسلم-ما يدركه بالإيمان ما يدركه من هذه الخصال من خصال الإيمان وثماره وجميل آثاره بالحلاوة.

وهذه الحلاوة التي ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-ذوقها ووجودها ليست شيئًا يدرك باللسان بل حلاوة الإيمان لا يذوقها إلا القلب، فهي مما يدركه الإنسان بقلبه فيستلذ بها الطاعات، ويتحمل بها ما يكون من المشقات في رضا الله –عز وجل-ويقبل على مرضات الله –عز وجل-ويؤثر محاب الله ـ تعالى ـ على ما يشتهيه ويحبه وما يرتضيه نفسه ويرغب فيه.

ولهذا كان هذا الحديث أصلا عظيمًا من أصول الإسلام في بيان ما يدرك به جميل آثار الإيمان وعواقبه وقوله –صلى الله عليه وسلم-: "حلاوة الإيمان" إثبات لهذا المعنى وهو الحلاوة التي تنتج عن الإيمان وتعقب الاتصاف بهذه الخصال.

وقوله –صلى الله عليه وسلم-: "وجد بهن حلاوة الإيمان" إشارة إلى أن الإيمان منه ما له حلاوة، ومنه ما ليس له حلاوة بمعنى أي ليس له طعم يلتذ به الإنسان في عاجله، وأما الثواب في الآخرة فما من مؤمن إلا ويدرك من الحلاوة ما يكون سببًا لسعادته وفوزه ونجاته من المهالك والأهوال، فكل مؤمن يدرك خيرًا ؛ لكن أعلى هذا الخير هو الحلاوة التي يدركها من كمل إيمانه، وعلت منزلته في الإيمان.

ولقائل أن يقول: هذه الحلاوة قد لا يجدها كثير من الناس، فهل هذا دليل على عدم وجودها؟

الجواب:لا إنما الحلاوة يدركها من صح قلبه وسلم وأشرق على قلبه نور الإيمان وأضاء في قلبه هدى القرآن وإتباع سنة خير الأنام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فمن صح قلبه ذاق هذه الحلاوة، وأما من كان قلبه عامرًا بالشهوات وملذات الحرام وقد سكنته الشبهات، أو انصرف عن الطاعات إلى الدنيا والاشتغال بها، فإنه لا يتذوق هذه الحلاوة.

ولذلك مثل في الحلاوة الحسية التي يدركها الإنسان بفمه، كم من إنسان يتعطل عنده الذوق، فلا يجد حلو من الطعام مع أكله لما هو حلو من المطعومات، وليس ذلك لفقد الحلى في المطعوم وإنما للآفة التي أصابت الطاعم في جسده وبدنه فلم يذق بها الحلاوة، وتعطل عن ذوق المطعومات، فهذا يستدعي من كل أحد أن يجتهد في تطهير قلبه، وفي اشتغاله بخصال الإيمان حتى ينال هذه الحلاوة.

ولذلك قال بعض أهل العلم لا يجد حلاوة الإيمان من اشتغل بمعصية الرحمن، فقد سئل أهيب بن الورد فقيل له: هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله تعالى؟

قال: لا ولا من هم بالمعصية.

وقيل لذي النون –رحمه الله-: كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب. فلذلك ينبغي للإنسان أن يكثر من التوبة والاستغفار، وأن يشتغل بصالح الأعمال حتى يجد هذه اللذة ويجد هذه الحلاوة، ويأخذ بهذه الخصال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

والخصال التي تنال بها حلاوة الإيمان ثلاثة، بينها النبي –صلى الله عليه وسلم-وهي في الحقيقة دائرة على المعنى الأول الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-وما يقتضيه ويستلزمه ذلك المعنى، ما هو المعنى الأول الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-في هذه الخصال؟ "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" أن يعلو في محبة الله ـ تعالى ـ ومحبة رسوله –صلى الله عليه وسلم-إلى هذه المنزلة وهي أن يبلغ بها الذروة فيما يطيق ويقدر، فيحب الله –عز وجل-أعظم الملذات ويحب النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد محبة الله –عز وجل-أعلى ما يكون من الخلق.

ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين"أخرجه البخاري (14) وفي حديث عمر قال له: "لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال: أنت الآن أحب إلي من نفسي فقال الآن يا عمر"صحيح البخاري (6632) فهذه مرتبة محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-أن تكون الأعلى في المحبات بالنظر إلى كل المحبوبات من الخلق ومحبة الله فوق ذلك ؛ لأن محبة النبي ثمرة لمحبة الله –عز وجل-ومحبة الله –عز وجل-تدرك بمعرفته ـ جل في علاه ـ فكل من ازداد علمًا بالله ازداد حبًا له هذه قاعدة مطردة كل من ازداد علمًا بالله وبمعرفة أسمائه وصفاته وجميل أفعاله ازداد حبًا له.

ومما يتحقق به أيضًا محبة الله –عز وجل-أن يذكر إنعام الله عليه، فالنفوس مجمولة على محبة المحسن والله أعظم المحسنين ـ جل في علاه ـ فإحسانه لعباده لا ينقطع قبل ولادتهم وبعد ولادتهم، وفي سائر أطباق حياتهم، فخيره وبره وإحسانه لعباده يوجب محبته جل في علاه.

ومن محبته محبة رسوله الذي بعثه الله ـ تعالى بالهدى ـ ودين الحق ومحبة النبي دين وقربى يتقرب بها العبد إلى الله –جل وعلا-وهي من خصال الإيمان، ومن أسباب محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-يعني مما يدرك به حب النبي –صلى الله عليه وسلم-معرفة سيرته معرفة عظيم منزلته عند الله –عز وجل-معرفة ما جاء به من الهدى ودين الحق معرفة جهاده وبذله في هدايتنا وإخراجنا من الظلمات إلى النور وما تحمله في سبيل ذلك، معرفة خصائصه وما حباه الله ـ تعالى ـ به من السجايا والأخلاق كل ذلك يوجب محبته –صلى الله عليه وسلم-معرفة أن محبته عنوان محبة الله –عز وجل-وطريقة محبة الله وثمرة محبة الله –عز وجل-فإن من أحب النبي –صلى الله عليه وسلم-كان دليلًا على محبته لربه جل في علاه ولهذا قال الله ـ تعالى ـ في بيان اشتراط محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-لإدراك محبته قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[آل عمران: 31] ولا يكون الإتباع إلا لمحبوب، فلهذا ينبغي للإنسان أن يدرك عظيم هذه المنزلة التي بها يدرك حلاوة الإيمان أن يحب النبي –صلى الله عليه وسلم-وأن يكون حبه للنبي أعلى ما يكون من المحبوبات، وهذا لا يتعارض مع محبة الولد ومحبة من يحب من الخلق، فإن هذا تلك محاب طبيعية محاب تقتضيها المناسبة ؛ لكن هذه محابة عبادية يتقرب بها العبد إلى ربه ـ جل في علاه ـ هذه الخصلة الأولى التي يدرك بها المرء حلاوة الإيمان "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".

والثاني من الخصال والثالث من الخصال كلاهما ثمرة لحب الله وحب رسوله ؛ ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" وهذا من مقتضيات محبة الله وثماره أن تحب ما يحبه الله ـ تعالى ـ ومنه محبة أولياء الله –عز وجل-فمحبة أولياء الله –عز وجل-من محبة الله –سبحانه وتعالى-وهذا خصلة من خصال الإيمان لا يدرك بها الإنسان ما يؤمل من الخير إلا بمحبة من يحبهم الله ـ تعالى ـ ولذلك لا يحب المرء إلا لله يعني ليس حبه لهذا الرجل إلا لهذا السبب، وهو حبه لله.

الخصلة الثالثة: التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم-في هذا الحديث مما يجد به الإنسان حلاوة الإيمان "أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يعود في النار أو أن يلقى في النار" هذه الخصلة هي ثمرة محبة الله –عز وجل-فإن كمال محبة الله –عز وجل-في قلب العبد توجب أن يحب ما يحب وأن يبغض ما يبغض، فإن من ثمار محبة الله –عز وجل-أن يبغض الإنسان ما يبغضه الله –عز وجل-ومن ذلك الكفر، فإنه أعظم ما يبغضه الله –عز وجل-كما قال الله ـ تعالى ـ إن الله: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ[الزمر: 7] عدم الرضا دليل على البغض والمقت وعلى عدم المحبة، فلذلك يجب على المؤمن أن يستشعر هذا المعنى، فإنه من كمل في قلبه الإيمان ورسخ في فؤاده محبة الرحمن ـ جل في علاه ـ لم يجد إلا أنه يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار والكفر هنا يشمل أصله، ويشمل أيضًا خصاله، فإن كراهية وبغض خصال الكفر من تمام محبة الله –عز وجل-ولهذا لما دعي يوسف ـ عليه السلام ـ إلى المعصية: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ[يوسف: 33] السجن الذي تأنف منه النفوس وتكرهه كان أحب إليه من أن يطاوع هواه ويمضي في معصية الله –عز وجل-بالاستجابة لمن دعاه إلى الشهوات والملذات فبغض ما يبغضه الله –عز وجل-هو من الإيمان به ـ جل في علاه ـ وبه يدرك الإنسان رجلًا أو امرأة يدرك حلاوة الإيمان التي ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وفي هذا الحديث جملة من الفوائد من فوائد هذا الحديث:

أن الإيمان نوعان؛ إيمان له حلاوة، وإيمان قد تغيب عنه الحلاوة.

أما الإيمان الذي تغيب عنه الحلاوة فهو الإيمان الذي يدخل بالإنسان في الإسلام وهو مطلق الإيمان والإسلام الذي به يخرج الإنسان عن دائرة الكفر وينضم إلى دائرة أهل الإسلام والإيمان، فهذا قد يفقد فيه الإنسان الحلاوة فيكون مؤمنًا لا يجد حلاوة الإيمان.

أما النوع الثاني من الإيمان هو ما يجد فيه حلاوة، وهو ما بلغ فيه الإنسان الغاية في تحقيق خصال الإيمان والفوز بشعبه، فإن ذلك مما يتحقق به للإنسان إدراك هذه الحلاوة، ووجودها كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان.

وفيه: أن الإيمان إذا كمل تنعم به الإنسان في دنياه قبل آخراه، فإن الإيمان له بهجة وانشراح له طمأنينة وسرور، له حضور ولذة يجدها الإنسان في قلبه، فإذا كمل إيمانه وجد ذلك، وتنعم به في دنياه قبل آخراه وهذا معنى ما ذكره بعض أهل العلم من أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ومقصودهم بذلك ما يثمره الإيمان من جميل العواقب وطيب الثمار التي يدرك بها الإنسان خيرًا عظيمًا وسبقًا كبيرًا ويدرك به شيئًا من منافع إيمانه بالله –عز وجل-في دنياه قبل آخراه، شيئًا من الأجر والمثوبة التي تترتب على الإيمان فقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-للإيمان حلاوة وهي من ثماره وآثاره.

ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: أن حلاوة الإيمان لها أسباب من اشتغل بها أدركها، ومن عمل بها وجدها ولذلك قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان".

وفيه من الفوائد: إثبات الأسباب في تحصيل المطالب الدنيوية والمطالب الأخروية، وليعلم أنه ممن شيء في الدنيا ولا في الآخرة إلا وله سبب، فمتى أتى الإنسان بالأسباب التي على الوجه الذي طلب منه وانتفت الموانع فلابد أن يدرك النتيجة بفضل الله –عز وجل-وبرحمته وما أجراه الله ـ تعالى ـ من عدله وفضله وما أجرى عليه سنن كونه وأحكامه الجزائية الدنيوية والأخروية.

وفيه من الفوائد: شرف مرتبة محبة الله ورسوله، فإنها أعلى ما يكون من خصال الإيمان، ولذلك جعلها النبي –صلى الله عليه وسلم-مما يجد به الإنسان حلاوة الإيمان ولا يتحقق محبة الله ورسوله إلا بكمال الإيمان بهما فإن كمال الإيمان يثمر محبة الله ـ تعالى ـ ومحبة رسوله وإذا تحقق هذا انقاد له كل خير وانساق إلى كل بر وانصرف عن كل سوء ودفع الله عنه كل ضر، فالله ـ تعالى ـ يتولى أوليائه، فإذا تولاهم –جل وعلا-لتحقيق ما يحبه –سبحانه وتعالى-أحبهم وأذاقهم من فضله وإحسانه وبره وكرمه ما يكون عونا لهم على المضي في الطاعة والمسابقة في الخير والتشوف إلى الدار الآخرة، فلا يكون في قلوبهم شيئًا أعظم من الشوق للقاء الله –عز وجل-لعظيم محبتهم له سبحانه وبحمده.

وفي الحديث من الفوائد:جواز جمع الضمير جواز جمع الله –عز وجل-ورسوله بضمير واحد إذا كان ذلك في سياق قول الله وقول رسوله، فإن الله ـ تعالى ـ ذكر طاعته وطاعة رسوله، والنبي –صلى الله عليه وسلم-قال في هذا الحديث الشريف: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"، وقد أشكل هذا الجمع بين الله –عز وجل-ورسوله في ضمير واحد مع ما جاء عنه –صلى الله عليه وسلم-من إنكاره على الخطيب الذي قال: "ومن يعصيهما فقد غوى فقال: بأس خطيب القوم أنت بل قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى"أخرجه مسلم (870) فوجهه إلى الفصل.

وللعلماء كلام في الجمع بين هذا الحديث وما جاء في حديث أنس، والأظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن إنكار النبي –صلى الله عليه وسلم-إما لإشكال في وقف الرجل حيث وقف على "يعصيهما" فظن أن الرشد في الطاعة والمعصية على حد سواء، وإما أن يكون ذلك في مقام يوهم استواء الله ـ تعالى ـ مع غيره وهذا منتف ممنوع، وإما أن يكون هذا لعدم مناسبة الحال في هذا المقام إذ إنه مقام خطبة، ومقام الخطب يكون فيه تفصيل وبيان لتفاوت الأذهان واختلاف الأفهام، كل هذا مما يحتمله هذا الإنكار وإلا فإنه إذا انتفت تلك الموجبات، فإنه لا بأس بأن يذكر الله ورسوله في ضمير واحد، كما هو في هذا الحديث.

وفيه من الفوائد:فضيلة الحب في الله وأنه من موجبات ذوق حلاوة الإيمان، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-أخبر في الخصلة الثانية من خصال إدراك حلاوة الإيمان "أن يحب المرء لا يحبه إلا لله" أي لأجل الله فيحبه لأجل ما معه من الطاعة يحبه لأجل ما معه من الخير، يحبه لأجل ما معه من الانكفاف عن المعصية هذه كلها مما يندرج في الحب في الله، فليس الحب هنا لنسب ولا لمصلحة دنيوية ولا لغير ذلك من أسباب الحب التي تكون بين الناس، إنما أحبه لأجل ما معه من محبة الله ومحبة رسوله والإقبال على طاعة الله عز وجل.

وفيه من الفوائد:أن من الخصال التي يدرك بها الإنسان الإيمان أن يبغض ما يبغضه الله ورسوله وعلى ذلك الكفر ويدخل فيه جميع خصاله، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91420 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87222 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف