قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَ ذِكْرِ جَماعَةٍ مِنَ الأَشاعِرَةِ كَأَبِي بَكْرٍ الباقِلَّانِي، وَأَبِي المعالِي الجُوَيْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُما:" ثُمَّ إِنَّهُ ما مِنْ هَؤُلاءِ إِلَّا مَنْ لَهُ في الإِسْلامِ مَساعٍ مَشْكُورَةً وَحَسَناتٍ مَبْرُورَةً , وَلَهُ في الرَّدِّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الإِلْحادِ وَالبِدَعِ وَالانْتِصارِ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدِّينِ ما لا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَرَفَ أَحْوالَهُمْ , وَتَكَلَّم فِيهِمْ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ وَعَدْلٍ وَإِنْصافٍ.
لَكِنْ لَمَّا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ هَذا الأَصْلُ المأْخُوذُ ابْتِداءً عَنِ المعْتَزِلَةِ وَهُمْ فُضَلاءُ عُقَلاءُ احْتاجُوا إِلَى طَرْدِهِ وَالْتِزامِ لَوازِمِهِ؛ فَلَزِمَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الأَقْوالِ ما أَنْكَرَهُ المسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالدِّينِ، وَصارَ النَّاسُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ يُعَظِّمِهُمْ لَما لَهُمْ مِنَ المحاسِنِ وَالفَضائِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذُمُّهُمْ لما وَقَعَ في كَلامِهِمْ مِنَ البِدَعِ وَالباطِلِ. وَخِيارِ الأُمُورِ أَوْسَطُها.
وَهَذا لَيْسَ مَخْصُوصاً بِهَؤُلاءِ، بَلْ مِثْلُ هَذا وَقَعَ لِطَوائِفَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالدِّينِ، وَاللهُ تَعالَى يَتَقَبَّلُ مِنْ جَمِيعِ عِبادِهِ المؤْمِنينَ الحَسناتِ، وَيَتَجاوَزُ لَهُمْ عَنِ السَّيِّئاتِ، ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ الحشر: 10 وَلا رَيْبَ أَنَّ مَنِ اجْتَهَدَ في طَلَبِ الحَقِّ وَالدِّينِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْطَأَ في بَعْضِ ذَلِكَ فَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ خَطَأَهُ، تَحْقِيقاً لِلدُّعاءِ الَّذِي اسْتَجابَهُ اللهُ لِنَبْيِّهِ وَلِلمُؤْمِنينَ حَيْثُ قالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ البقرة:286 " انْتَهَى مِنْ دَرْءِ تَعارُضِ العَقْلِ وَالنَّقْلِ (2/ 102) .