إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله؛ فالله جل في علاه أوصاكم بتقواه ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عظموا شعائر الله؛ فإن تعظيم شعائر الله من وسائل وسبل تقواه ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32] , وشعائر الله هي كل ما جعل الله تعالى له حرمة ومنزلة ومكانة زمانًا أو مكانًا أو شخصًا أو حال.
فعظموا كل ما عظمه الله فذلك مما يثمر تقواه جل في علاه، وتعلو به المنازل ويدرك به الإنسان خيرًا عاجلًا وآجلًا ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ [الحج: 30] الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عظموا ما عظم الله –عز وجل-من شعيرة الأضحية التي شرعها الله –عز وجل-لأهل الإسلام, عمل بها سيد الأنام وبادر إليها طيلة إقامته في المدينة –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإن ذلك من السنة الثابتة عنه امتثالًا لأمر الله تعالى ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34] فاذكروا الله على هذه النعم وهذا التشريع العظيم الذي تتقربون به إلى الله –عز وجل-في هذا اليوم الأغر العظيم فإن يوم النحر من أعظم أيام السنة جاء ذلك في قوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- « أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ » مسند أحمد: 19075 , إسناد صحيح أي اليوم الذي يليه وهو اليوم الحادي عشر, فعظموا هذه الأيام وأكثروا فيها من ذكر الله –عز وجل-واعلموا أن الذكر فيها من أخص الأعمال التي تقربكم إلى الله –عز وجل-قال –صلى الله عليه وسلم- «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» مسلم (1141) فاشتغلوا بذكره ومن ذكره التقرب إليه بذبح الأضاحي؛ وذاك أن الله –عز وجل-شرع لأهل الإسلام ولكل ملة طريقًا يتقربون به إليه، ومن الطرق التي يتقرب بها العبد إلى ربه أن يريق الدم طاعة لله وقربة إليه ورغبة فيما عنده ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ الأنعام: 162, 163 وقد قال الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2] فتقربوا إلى الله بهذه العبادة واعلموا أن الأجر فيها عظيم على قدر ما يقوم في قلوبكم من تعظيم الشعيرة والرغبة فيما عند الله –عز وجل-فإن ذلك هو الذي يبلغ الله جل في علاه ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37] اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحسبك المفلحين وأوليائك الصالحين.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الخطة الثانية:
جنبوا ضحاياكم كل ما يكون سبب لعدم الإجزاء أو لنقص الأجر والمثوبة، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-نهى عن التضحية بالمعيب: العوراء البين عورها, والمريضة البين مرضها, والعرجاء البين عرجها والهزيلة التي لا تنقي أخرجه أبو داود(2785) والترمذي(1530) وصححه .
فجنبوا ضحاياكم كل هذه الأمراض أو هذه الأعراض التي تنقص الأجر.
كما أنه ينبغي للمؤمن أن يبذل أطيب ما يستطيع فقد أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-باستشراف العين والأذن (أحمد: 734) ولفظه:" أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ".أي باجتناب كل ما يمكن أن يكون نقص في صورة البهيمة لأجل أن ذلك ينقص من قدرها في أعين أصحابها, والله جل في علاه كريم منان لا يقبل إلا طيبًا فطيبوا ذلك بما تستطيعون مما أمكنكم الله –عز وجل-فإن ذلك مما يعظم الله تعالى به الأجر, وكلوا منها وأطعموا البائس الفقير مما أمر الله تعالى بذلك في قوله ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36] وفي الآية الأخرى قال: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28] فكلوا منها وادخروا وتصدقوا واهدوا, واعلموا أن الله –عز وجل-يعطي على القليل الكثير فكم من قليل في عينك يعظم عند الله بحسن القصد وسلامة النية والرغبة فيما عنده ومتابعة النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
صلوا أرحامكم وتقربوا إلى الله –عز وجل-بإصلاح ذات بينكم؛ فإن ذلك مما يعظم الله به الأجور لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس وقد قال جل في علاه ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾[الشورى: 40] فاعفوا وأملوا من الله العفو وسلوا منه الفضل وأملوا منه القبول، فإن الله كريم منان يعطي عبده على العمل القليل الثوا الجزيل العظيم.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
والأضاحي تذبح بعد صلاة العيد ثم يمتد ذبحها إلى آخر أيام التشريق والأفضل في الذبح النهار ويجزئ ذبحها في الليل والتقرب إلى الله تعالى بذلك.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اعلموا أيها المؤمنون أن يومكم هذا يوافق جموعا فيجتمع لكم صلاة العيد وصلاة الجمعة، ومن هديه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه إذا اجتمع العيد والجمعة أقام العيد والجمعة فقد جاء في حديث معاوية عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه أن معاوية سأله فقال له:" شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا؟ قَالَ: نَعَمْ" يريد عيد الأسبوع وعيد السنة " قَالَ: نَعَمْ صَلَّى الْعِيدَ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ: " مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ " مسند أحمد: 19318, وصححه لغيره محققوه وقد قال –صلى الله عليه وسلم-"قد اجْتَمَعَ في يومِكم هذا عيدان: فمن شاء أجزأه مِنَ الجُمعَةِ، وإنا مُجمِّعون" أخرجه أبو داود (1073)، وهو ضعيف أي وإنا مقيمون الجمعة.
فاحرصوا أيها المؤمنون على كل خير, وسابقوا إلى كل بر؛ فهي أيام ذكر لله –عز وجل-, واليوم هو آخر الأيام التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» البخاري: 969.
فواصلوا العمل الصالح واحتسبوا الأجر عند الله؛ فإن جزاءه جميل عظيم جليل لمن صدق في الإقبال عليه.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيتها النساء اتقين الله –عز وجل-واعملن بطاعته وقدمن ما تستطعن من الخير لأنفسكن؛ فإن ذلك مما يجري الله تعالى به عليكن خيرًا في أنفسكن وفي ذريتكن وفي أهلكن فأنتن شقائق الرجال كما قال –صلى الله عليه وسلم-:"النساء شقائق الرجال". أخرجه أبو داود (236)، وهو حسن, انظر الصَّحِيحَة: 2863.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، اللهم تقبل من الحجاج حجهم ومن العمال بصالح العمل أعمالهم، واجعل ذلك خالصًا لوجهك، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما تحب وترضى خذ بناصيته إلى البر والتقوى، أعنه وسدده في الأقوال والأعمال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، صلوا على نبيكم محمد –صلى الله عليه وسلم-؛ فإن ذلك من حقه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.