الحمد لله ذي الجلال والجمال والعظمة والكمال ذي العطايا والنوال, أحمده –تبارك وتعالى-حمد الشاكرين وأثني عليه ثناء عباده الذاكرين, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين والناصح المبين بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على الخلق أجمعين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فالله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون عباد الله, اتقوا الله ربكم واحمدوه جل في علاه على عظيم نعمائه وجزيل عطائه ووافر آلائه حمدًا كثيرًا, كونوا من عباد الله الشاكرين الذاكرين؛ لتكونوا بعطاياه من الفائزين.
أيها المؤمنون, يقول الحق جل في علاه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: 18-20].
معاشر المؤمنين, هذا العيد المبارك العظيم عيد تفرحون فيه بإتمام عبادة جليلة ترجون من الله فيها جميل العطاء وكريم العاقبة وجزيل الإحسان قال الله تعالى في الحديث الإلهي «الصوم لي وأنا أجزي به» البخاري: 7492 ومسلم: 1151 وقال –صلى الله عليه وسلم-: «وللصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه» البخاري: 7492 ومسلم:1151 فها أنتم قد أدركتم الفرحة الأولى، ها أنتم أدركتم الفرحة الأولى بفطركم في يوم عيدكم.
والفرحة الثانية: فرحة عظمى عند لقاء ربكم جل في علاه فاملأوا قلوبكم رجاء أن يبلغكم الله تعالى الكريم العزيز الغفار تلك الفرحة الكبرى التي لا فرحة بعدها، فالله عند ظن العبد وهو –جل وعلا-لا يخلف الميعاد وقال سبحانه: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ [الزمر: 20] جعلنا الله تعالى وإياكم من أوليائه وحزبه.
أيها المؤمنون عباد الله, فرحكم اليوم فرح طاعة وقربة لله تعالى, فرح امتثال لما أمركم الله تعالى به ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58] فأنتم عباد الله فرحون اليوم بمنة الله عليكم أن هداكم للإيمان ووفقكم لصالح الأعمال ويسر لكم إتمام شهر الصيام ولا عجب؛ فالمؤمن يفرح بصلاته يفرح بصيامه يفرح بسائر صالح عمله وهذا الفرح فرح جميل العاقبة حسن الخاتمة طيب الثمرة في الدنيا والآخرة؛ فإن الثمرة المعجلة في الدنيا لهذا الفرح لفرح المؤمن بفضل الله ورحمته وما يسره له من الصالحات ما يجده المؤمن في قلبه من طمأنينة وانشراح ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28] قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر: 22]، ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ [الأنعام: 125] فالمؤمن يا عباد الله المؤمن العامل بطاعة الله تعالى يجد من البهجة والسرور والعون والتأييد والنصر والولاية من الله الكريم ما يصدق عليه قول الحق سبحانه ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: 13], نعم الأبرار في نعيم في الدنيا، الأبرار في نعيم في قبورهم، الأبرار في نعيم يوم العرض والنشور، الأبرار في نعيم في كل الأحوال والإناء والأزمان والأماكن.
أيها المؤمنون, قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ [آل عمران: 126].
عباد الله, إن نصيبكم من طيب الحياة وسعادتها بقدر ما معكم من طاعة الله تعالى وقيامكم بشرعه، فالسعادة كلها في طاعة الله تعالى والأرباح كلها في معاملته جل في علاه.
والمحن والبلايا والمصائب كلها في معصيته ومخالفة أمره فليس للعبد أنفع من شكر الله وتوبته إليه ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 34] قد أفاض الله على قومه النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾، يُطاع فيشْكُر وطاعته من توفيقه وفضله ويُعصى جل في علاه، فيحلم, ومعصية العبد من ظلمه وجهله لنفسه, يتوب –جل وعلا-على قبيح الفعل فيغفر لفاعل القبيح حتى كأنه لم يكن قط من أهله ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 34].
أيها المؤمنون عباد الله, إن من حقق ما أمر الله به واجتهد في مرضاة ربه نال من الغفور الشكور الحياة الطيبة الهنيئة ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: 9]، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
أيها المؤمنون عباد الله, لئن انقضى شهر العطايا والهبات وموسم المنح والخيرات شهر الصيام والقيام فعطاء الله جل في علاه جزيل في كل حين وآن وإحسانه على عباده عميم في كل أزمان الحسنة عنده بعشر أمثالها أو يضاعفها بلا عدد ولا حسبان والسيئة عنده بواحدة ومصيرها إلى العفو والغفران فاستبقوا عباد الله الخيرات وتزودوا بالصالحات.
أيها المؤمنون عباد الله, باب التوبة مفتوح باب التوبة مفتوح لدى الله –عز وجل-منذ خلق السماوات والأرض إلى آخر الزمان إن ربنا لغفور شكور كرمه وجوده وإحسانه جل في علاه مناخ الآمال ومُحِطّ الأوزار وسماء عطائه لا تقلع عن غيث وعطاء، بل هي سحاء مدرار, فيده جل في علاه لا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاء اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ, إن ربنا لغفور شكور.
عباد الله, لا يمتثل أمر الله إلا الصابرون ولا يفوز بعطاياه إلا الشاكرون ولا يهلك عليه إلا الهالكون ولا يشقى بعذابه إلا المستكبرون إن ربنا لغفور شكور.
عباد الله, احذروا أن يأخذكم الله على حين غفلة وغرة، فإن بطش ربنا لشديد إن ربنا لغفور شكور, فإذا أقمت يا عبد الله على معصية الله ورأيت الله يُمدك بنعمه فاحذره؛ فإنه لم يمهلك وليس عنك بغافل ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42] لكنه صبور يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته؛ فبادر يا عبد الله إلى التوبة والاستغفار قبل فوات الأوان؛ فإن ربنا لغفور شكور.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الخطة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكمال وجهه وعز جلاله حمدًا يملأ السماوات والأرض وما بينهما وما شاء من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا، عباد الله اتقوا الله تعالى وأديموا طاعتكم؛ فإن الله أمر نبيكم بدوام الطاعة فقال: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99] فالزموا أمر الله تعالى في السر والعلن والمنشط والمكره والعسر واليسر وفي كل حين وآن؛ لتفوزوا بحسن الخاتمة وجميل العاقبة ولتحققوا الموت على الإسلام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102] جعل الله تعالى عبادته في كل الأحوال والأزمان والأمكنة، فأنتم عباد له في كل حين وآن فتقربوا إليه بأنواع القروبات واعملوا بالصالحات قال –صلى الله عليه وسلم-: «عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دوم عليه وإن قل» مسلم: 782.
عباد الله, النساء شقائق الرجال هن مأمورات بما أمر الله تعالى به الرجال، إلا ما خص الدليل أحد الجنسين فلنتعاون رجالًا ونساءً على امتثال أمر الله وتقواه فاستوصوا بالنساء خيرًا ولتقم النساء بما أمرهن الله تعالى من طاعته –جل وعلا-والقيام بحقه فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله تعاونوا مع نسائكم على البر والتقوى وتوصوا بالحق والهدى فقد وصف الله المؤمنين بقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71].
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72] اللهم بلغنا الفوز العظيم يا ذي الجلال والإكرام.
عباد الله أيها المؤمنون, لا يخفى عليكم ما حل بالناس من هذه الجائحة العظيمة التي عمت أرجاء الدنيا فالجأوا إلى الله تعالى في رفعها، فليس للناس دون الله تعالى كاشفًا ليس لها من دون الله كاشفة؛ فنسأله جل في علاه أن يرفع عنا وعن العباد البلاء في كل مكان، وأن يرفع عنا الوباء وأن يعيذنا وإياكم من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء.
وقد اقتضت هذه الجائحة إجراءات احترازية فينبغي لنا أن نتعاون في تحقيقها والعمل بها وأن نكون على نحو من المسئولية تجعلنا نتمثل ما صدر عن الجهات المعنية في ابتعادنا عن كل ما يكون سببًا لتفشي هذا الداء وانتشار هذا الوباء بين الناس.
فنسأله –جل وعلا-أن يقر أعيننا بسلامتنا وعافيتنا وعافية مجتمعنا وسائر البشر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما تحب وترضى خذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، سددهم في الأقوال والأعمال يا ذا الجلال والإكرام، واكتب مثل ذلك لسائر ولاة المسلمين، اللهم وادفع عن المسلمين الفتن والبلاء والشر، اللهم طهر بلادنا من كل سوء وشر يا ذا الجلال والإكرام وادفع عن إخواننا المستضعفين المؤمنين في كل مكان ندرئ بك في نحور أعدائنا ونعوذ بك من شرورهم يا رب العالمين، اللهم وفق جنودنا وأيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك وأمدهم بعونك واكتب مثل ذلك لإخواننا المضطهدين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.