بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(وأما مزيلات القسوة، فمتعددة أيضاً:
قلنا: أقسام الذكر من حيث محل الذكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي:
· بالقلب.
· باللسان.
· بالقلب واللسان.
ومن حيث تقييدها وإطلاقها، تنقسم إلى قسمين: مقيدة ومطلقة.
ضابط المقيدة : هي التي لها أوقات محددة وأسباب وأحوال.
وأما المطلقة: فهي الذكر الذي يكون مرسلاً من غير سبب وغير مقيد بوقت.
المؤلف رحمه الله قال:
(وأما مزيلات القسوة فمتعددة أيضاً:فمنها: كثرة ذكر الله التي يتواطأ عليها القلب واللسان، قال المعلَّى بن زياد: إن رجلاً قال للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أدنه من الذكر) يعني قرِّبه من الذكر.
ما هو الذكر الذي تلين به القلوب؟ هل هو التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل فقط؟
الجواب: هناك مفهوم مقيد للذكر، وهو ما ذكرته قبل قليل: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، لكن الذكر أوسع في المعنى في كلام الله تعالى وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا.
فالقرآن من ذكر الله تعالى، كما ذكرنا في الدرس السابق.
والتسبيح والتحميد والتكبير من ذكر الله جلّ وعلا.
ومن ذكر الله تَعَالىٰ أيضاً تعلّم العلم؛ معرفة الحلال والحرام من ذكر الله، ولذلك جاء عن بعض السلف: مجالس الحلال والحرام هي مجالس ذكر الله. وذلك أن الذي يتعلم الحلال و الحرام يذكر الله تعالى، فأنت تذكر حُكم الله تَعَالىٰ وهذا ذكر له جلّ وعلا. فمجالس الذكر ليست مقصورة على مجالس الوعظ، بل حتى مجالس الفقه، ومجالس التفسير، ومجالس الحديث، والنظر في ثبوتها وصحتها ومعانيها، كل هذا من ذكر الله تَعَالىٰ.
كذلك من ذكر الله تَعَالىٰ تعليم العلم وتعلّمه، هذا من ذكر الله جلّ وعلا.
كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ذكر الله تعالى؛ لأنك تذكر أمر الله، وتذكر نهيه، وتحثّ الناس على الفعل والترك.
ومن ذكر الله تعالى الدعوة إلى الله، وبهذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله على كل أحيانه، كما جاء عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها([5]) ، فلم يكن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل أحواله يسبح ويحمد ويستغفر ويكبر، لا، بل كان يسبح ويحمد ويستغفر ويفعل ما يفعل من الأذكار، وكان أيضاً يبلّغ دين الله تَعَالىٰ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فكان من أعظم الناس ذكراً لله جلّ وعلا.
وكل هذه تؤثر، وإن كان تأثيرها قد يكون متفاوتاً، كل هذه تؤثر في القلب زكاءً، وطيباً، وليناًَ، ولكن قد يتفاوت أثرها، لكن الجميع لا سيما إذا استحضرت النية الصالحة -وهذا شرط مهم- يكون له أثر في تطييب القلب وتزكيته.
(وقال وهب بن الورد: نظرنا في هذا الحديث فلم نجد شيئاً أرق لهذه القلوب ولا أشد استجلاباً للحق من قراءة القرآن لمن تدبره) وهذا الكلام مليء بالنور والهدى، فالقرآن له من التأثير في ليونة القلب، ما هو ظاهر ومعروف، فإنّه يحاكي القلب، وهو يحرِّك القلب ويعالج آفاته، ولذلك كان من أطيب العلاج للقلوب قراءة القرآن؛ لكن القراءة التي فيها تدبر، ولذلك لم يقل: من قراءة القرآن، ولكن قال: (من قراءة القرآن لمن تدبره).
يقول ابن عبد القوي في المنظومة:
وحافظ على درس القران فإنه *** يليّن قلباً قاسياً مثل جلمد
(درس القرآن) قراءته وفهمه. (يليّن قلباً قاسياً مثل جلمد) يعني مثل الصخر.
والله تعالى بيّن أثر القرآن على القلب، قال تَعَالىٰ: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾([6])، فكيف بالقلوب وهي ليست كالصخر في بنائها وخلقها. وكذلك يقول الله تَعَالىٰ : ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾([7]) الجواب: لكان هذا القرآن؛ يعني لو أن كلاماً تسير به الجبال من أماكنها، وتقطع به الأرض، ويحيا به الموتى، يعني لو تكلم أحد بكلام ويحيا الموتى لكان هذا القرآن، فهو حقيق بأن يكون له هذا الأثر والفعل، فهذا يبين أثر القرآن على القلوب وما ينبغي أن يُعتنى به، لكن هذا التأثير ليس لقراءة اللفظ المجرد عن تدبر المعنى؛ بل بالتدبر الذي يتحرك به القلب، القراءة والسماع الذي يقف عند المعاني ويتجاوز حسن الصوت الذي يتأثر منه كثير من الناس لأنه صوت حسن.
يعني التأثر نوعان:
· تأثر لحسن الصوت وهذا مطلوب.
· لكن الأهم من التأثر لحسن الصوت التأثر بالمعاني التي تأتي حتى ولو لم يكن هناك صوت حسن، وهذا أمر مهم يغفل عنه كثير من الناس.
(وقال يحيى بن معاذ وإبراهيم الخواص: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر) والله تَعَالىٰ إنما أنزل القرآن ليتدبر و يتفكر فيه، ثم قال: (وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين).
يأتي بقية هٰذا إن شاء الله تَعَالىٰ في الدرس القادم.
والله تَعَالىٰ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.