×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الوصية الكبرى / الدرس (8) من شرح رسالة الوصية الكبرى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1977

الدرس (8) من شرح رسالة الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ثم ذكر المؤلف-رحمه الله- أن من الناس من يجوِّز أن يرى في الدنيا وهم الذين ضلوا ضلالاً مقابلًا لضلال الذين نفوا رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة، وهم أهل الحلول والاتحاد.

وأهل الحلول والاتحاد طائفتان يشتركان في معنى ويفترقان، وقد بيَّن المؤلف -رحمه الله- حقيقة هاتين الطائفتين.

فقال:"وَهُمْ صِنْفَانِ : - " قَوْمٌ " يَخُصُّونَهُ بِالْحُلُولِ أَوْ الِاتِّحَادِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَىفِي الْمَسِيحِ uوَالْغَالِيَةُ فِي عَلِيٍّ tوَنَحْوِهِ ؛ وَقَوْمٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَقَوْمٌ فِي بَعْضِ الْمُلُوكِ وَقَوْمٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ شَرٌّ مِنْ مَقَالَةِ النَّصَارَى، وَصِنْفٌ يَعُمُّونَ فَيَقُولُونَ بِحُلُولِهِ أَوْ اتِّحَادِهِ فِي جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ - حَتَّى الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ وَالنَّجَاسَاتِ وَغَيْرِهَا - ،كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الِاتِّحَادِيَّةِ؛ كَأَصْحَابِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَابْنِ الْفَارِضِ وَالتِّلْمِسَانِيّ والبلياني وَغَيْرِهِمْ " . وَمَذْهَبُ جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْعَالَمِينَ وَرَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا؛ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْخَلْقُ جَمِيعُهُمْ عِبَادُهُ وَهُمْ فُقَرَاءُ إلَيْهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؛ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ؛ كَمَا قَالَ I:]هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[[الحديد:4.]، فَهَؤُلَاءِ "الضُّلَّالُ الْكُفَّارُ" الَّذِينَ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْهِ وَرُبَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ جَالَسَهُ وَحَادَثَهُ أَوْ ضَاجَعَهُ وَرُبَّمَا يُعَيِّنُ أَحَدُهُمْ آدَمِيًّا إمَّا شَخْصًا؛أَوْ صَبِيًّا؛ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ وَكَانُوا كُفَّارًا؛ إذْ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ]الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ[[المائدة:17]، فَإِنَّ الْمَسِيحَ رَسُولٌ كَرِيمٌ وَجِيهٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَإِنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ أَوْ حَلَّ فِيهِ قَدْ كَفَّرَهُمْ وَعَظُمَ كُفْرُهُمْ؛ بَلْ الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ اتَّخَذَ وَلَدًا حَتَّى قَالَ : ]وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا[[مريم:88-93.] فَكَيْفَ بِمَنْ يَزْعُمُ فِي شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ أَنَّهُ هُوَ ؟ هَذَا أَكْفَرُ مِنْ الْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا tأَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُوَ اللَّهُ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ "الزَّنَادِقَةُ " الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ عَلِيٌّ tبِالنَّارِ وَأَمَرَ بِأَخَادِيدَ خُدَّتْ لَهُمْ عِنْدَ بَابِ كِنْدَةَ وَقَذَفَهُمْ فِيهَا بَعْدَ أَنْ أَجَّلَهُمْ ثَلَاثًا لِيَتُوبُوا، فَلَمَّا لَمْ يَتُوبُوا أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ وَاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ yعَلَى قَتْلِهِمْ لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ مَذْهَبُهُ أَنْ يُقَتَّلُوا بِالسَّيْفِ بِلَا تَحْرِيقٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقِصَّتُهُمْ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ".

يقول -رحمه الله- :"وَهَؤُلَاءِ قَدْ يُسَمَّوْنَ " الْحُلُولِيَّةَ" "وَالِاتِّحَادِيَّةَ"، وهم الذين يقولون إن الله تعالى حلَّ في كل شيء، أو اتَّحد في كل شيء، ويمكن أن يكون حل في بعض الأشياء واتحد في بعض الأشياء.

فالحلول والاتحاد إما أن يكون عاماً، وإما أن يكون جزئيًّا أو خاصًّا وكلا القولين ضلال مبين وشر عظيم، وكفر بالله العظيم.

يقول :"وَهُمْ صِنْفَانِ: قَوْمٌ يَخُصُّونَهُ بِالْحُلُولِ أَوْ الِاتِّحَادِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ"، وهذا في الحلول والاتحاد الجزئي "كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَىفِي الْمَسِيحِ uوَالْغَالِيَةُ فِي عَلِيٍّ tوَنَحْوِهِ".

والصنف الثاني"وَصِنْفٌ يَعُمُّونَ فَيَقُولُونَ بِحُلُولِهِ أَوْ اتِّحَادِهِ فِي جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ"، وهؤلاء أعظم كفراً وأخطر جرماً من أولئك فإنه يجعلونه حالاً أو متحداً "حَتَّى الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ وَالنَّجَاسَاتِ وَغَيْرِهَا" تعالى الله عما يقول الجاهلون علوًّا كبير.

يقول:"كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الِاتِّحَادِيَّةِ، كَأَصْحَابِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَابْنِ الْفَارِضِ وَالتِّلْمِسَانِيّ والبلياني وَغَيْرِهِمْ"، وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم.

فإن الله تعالى قد كفَّر من قال:]إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ[[سورة المائدة: 17.]، فكيف بمن جعل الله تعالى هو الدنيا كلها، سواءً العاقل منها وغير العاقل، سواء الطاهر والنجس، لا شك أن هذا من أعظم الكفر.

وهؤلاء ظهرت مقالاتهم وانتشرت في بعض الأزمان، ولكنها من الأقوال التي تنفر منها الفطر المستقيمة.

فالقلوب مفطورة على أن العبد عبدٌ، وأن الرب رب جل وعلا، وأنه ليس كمثله شيء، وأنه -سبحانه وبحمده- تعالى عن خلقه، هذا مما ركز في الفطر.

ولكن الشيطان تفنَّن في إضلال الناس وإبعادها عن الحق حتى بلغ ببعضهم أن يقول هذا القول.

يقول:"وَمَذْهَبُ جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْعَالَمِينَ وَرَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا؛ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَالْخَلْقُ جَمِيعُهُمْ عِبَادُهُ وَهُمْ فُقَرَاءُ إلَيْهِ".

والله تعالى قد ذكر أشرف المخلوقين وأكرمهم ذكرهم بالفقر فقال :]يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ[[سورة فاطر:15.]وغيرهم فقره بادٍ وأولى وأظهر.

لأن الإنسان خلقه الله تعالى وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض، فأكرمه بهذا التسخير الذي جعله له ومكنه منه.

والمخلوقات الأخرى المسخرة لبني آدم هم في الفقر إلى الله أعظم من فقر الإنسان، والكل فقير إلى الله، لا غنى لهم عنه سبحانه وبحمده.

يقول :"وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؛ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ".

وهذا يبين مباينة الخالق للمخلوق، فالله تعالى ليس فيه شيء من خلقه، فالله تعالى منزه على أن يكون فيه شيء من الخلق، أو أن يكون هو -سبحانه وبحمده- في شيء من الخلق.

وهذه الضلالات وإن كانت النفوس تقشعر منها والقلوب تنزعج من سماعها، إلا أن هناك من يعتقد هذا الاعتقاد، وهو ينظم الأشعار ويكتب المؤلفات في تقرير مثل هذه المعاني وهي أن الله تعالى حال في الدنيا وأن الكل هو الله تعالى.

ومن أشهرهم هو ابن العربي :

العبد رب والرب عبد
إن قلت عبد فذاك رب
0

 

يا ليت شعري من المكلف
وإن قلت رب أنَّى يكلف["الفتوحات المكية"، ص43.]
0

 

وهذا في بيان أن هذه العقائد تبطل الشرائع.

وأيضاً الآخر يقول :

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا
0

 

وما ربنا إلا عابد في صومعة [انظر " النفحات الأقدسية شرح الصلوات الإدريسية "ط 1314هـ.]
0

 

يعني هؤلاء كلهم أرباب، وهم الله تعالى، وهذا ما يسمى بوحدة الوجود، وأن هذا الكون كله الله تعالى .

 ومنه قول نقل عن الحلاج:"سبحاني ما أعظم شاني، وسبحان من في الجبة، وليس في الجبة إلا الله".

كل هذا من العقائد المنحرفة التي ذكرها الشيخ رحمه الله، وهي عقائد تنزعج منها القلوب المؤمنة ، المجلَّة المعظِّمة لله تعالى.

لكن هؤلاء قوم خلت قلوبهم من تعظيم الله تعالى وإجلاله، فلا تقم مثل هذه الكلمات.

قال:"فَهَؤُلَاءِ "الضُّلَّالُ الْكُفَّارُ" الَّذِينَ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْهِ، وَرُبَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ جَالَسَهُ وَحَادَثَهُ أَوْ ضَاجَعَهُ وَرُبَّمَا يُعَيِّنُ أَحَدُهُمْ آدَمِيًّا؛ إمَّا شَخْصًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ "أي: الله -جل وعلا- "يُسْتَتَابُونَ" أي: تطلب توبتهم لأن هذا من الكفر البواح الظاهر المبين الذي ينقض أصول الدين،"فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ وَكَانُوا كُفَّارًا".

وبين المؤلف -رحمه الله- كفرهم بقوله :"إذْ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" لماذا؟

لأن النصارى جعلوا الحلول والاتحاد في المسيح uأو في عزير، أما أولئك فجعلوه في كل أحد.

يقول -رحمه الله-:]الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ[[المائدة:17.] فَإِنَّ الْمَسِيحَ رَسُولٌ كَرِيمٌ وَجِيهٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَإِنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ أَوْ حَلَّ فِيهِ قَدْ كَفَّرَهُمْ وَعَظُمَ كُفْرُهُمْ"، فكيف بمن دونهم ممن يقولون: إنه يحل في الخنازير وغيره من الأقوال المنحرفة .

 قال "؛ بَلْ الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ اتَّخَذَ وَلَدًا حَتَّى قَالَ : ]وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ[" أي يتشققن،]وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا[[مريم:88-93.] يستحيل ويمتنع أن يتخذ الرحمن ولداً سبحانه وبحمده ]إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا[، وهذا فيه التمييز بين الخالق والمخلوق.

 

قال :"فَكَيْفَ بِمَنْ يَزْعُمُ فِي شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ أَنَّهُ هُوَ؟ هَذَا أَكْفَرُ مِنْ الْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا tأَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُوَ اللَّهُ"، ثم بين أن هؤلاء الذين زعموا أن عليًّا هو الله هم الزنادقة الذين حرقهم عليtواتفق الصحابة على قتله، وجاء عن ابن عباس أنه كره حرقهم بالنار؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله تعالى[روى أبو داود وابن حبان من حديث عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَحْرَقَ نَاسًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ لأَحْرِقَهُمْ بِالنَّارِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ». وَكُنْتُ قَاتِلَهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِفَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ». فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ وَيْحَ ابْنَ عَبَّاسٍ.].

فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ الْغُلُوُّ فِي بَعْضِ الْمَشَايِخِ: إمَّا فِي الشَّيْخِ عَدِيٍّ " وَيُونُسَ القتي أَوْ الْحَلَّاجِ وَغَيْرِهِمْ؛ بَلْ الْغُلُوُّ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَالِبٍ tوَنَحْوِهِ بَلْ الْغُلُوُّ فِي الْمَسِيحِ uوَنَحْوِهِ .

 فَكُلُّ مَنْ غَلَا فِي حَيٍّ ؛ أَوْ فِي رَجُلٍ صَالِحٍ كَمِثْلِ عَلِيٍّ tأَوْ " عَدِيٍّ " أَوْ نَحْوِهِ ؛ أَوْ فِيمَنْ يُعْتَقَدُ فِيهِ الصَّلَاحُ ؛ كَالْحَلَّاجِ أَوْ الْحَاكِمِ الَّذِي كَانَ بِمِصْرِ أَوْ يُونُسَ القتي وَنَحْوِهِمْ وَجَعَلَ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِلَهِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ رِزْقٍ لَا يَرْزُقُنِيهِ الشَّيْخُ فُلَانٌ مَا أُرِيدُهُ أَوْ يَقُولَ إذَا ذَبَحَ شَاةً: بِاسْمِ سَيِّدِي، أَوْ يَعْبُدُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَدْعُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يَا سَيِّدِي فُلَانُ اغْفِرْ لِي، أَوْ ارْحَمْنِي، أَوْ اُنْصُرْنِي، أَوْ اُرْزُقْنِي، أَوْ أَغِثْنِي، أَوْ أَجِرْنِي، أَوْ تَوَكَّلْت عَلَيْك أَوْ أَنْتَ حَسْبِي؛ أَوْ أَنَا فِي حَسْبِك؛ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ هَذَا شِرْكٌ وَضَلَالٌ يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَجْعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ .

هذا هو النوع الثاني من الأسباب التي حصل بها الضلال والانحراف عن جادة السبيل.

الشيخ -رحمه الله- تقدم أنه قال:"وَأَنَا أَذْكُرُ جَوَامِعَ مِنْ أُصُولِ الْبَاطِلِ الَّتِي ابْتَدَعَهَا طَوَائِفُ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ، وَقَدْ مَرَقَ مِنْهَا وَصَارَ مِنْ أَكَابِرِ الظَّالِمِينَ، وَهِيَ فُصُولٌ".

الفصل الأول: كان فيما يتعلق بالكذب على الله تعالى في أسمائه وصفاته، وتقدم ما يتعلق بهذا، وأن هذا من أبواب الضلال التي انحرف بها طوائف عن الكتاب والسنة، وخرجوا عن هدي خير الأمة والسلف الصالح.

والفصل الثاني: جعله في الغلو الذي وقع بسببه خلل كبير في عبودية الله تعالى في تحقيق "لا إله إلا الله".

فالخلل الأول في العلم به وبأسمائه وصفاته، والخلل الثاني في حقه وما يجب له Iمن العبادات.

يقول -رحمه الله-:"وَكَذَلِكَ الْغُلُوُّ فِي بَعْضِ الْمَشَايِخِ"، الغلو أي: تجاوز الحد في بعض المشايخ، برفعهم عن مقامهم واعتقاد ما ليس لهم.

يقول:"إمَّا فِي الشَّيْخِ عَدِيٍّ "، وهو شيخ هذه الطائفة، "وَيُونُسَ القتي أَوْ الْحَلَّاجِ وَغَيْرِهِمْ"، ومثَّل بأمثلة لعلها مشهورة عندهم أو في جهتهم.

"بَلْ الْغُلُوُّ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَالِبٍ tوَنَحْوِهِ"، أي: هذا من الغلو الذي وقع فيه طوائف فضلوا عن الصراط المستقيم.

"بلْ الْغُلُوُّ فِي الْمَسِيحِ uوَنَحْوِهِ"، وهذا يعني أن الغلو في كل أحد مذموم ومنهي عنه، فلا يخرج عن ذلك شيء من الأشياء، بل الله تعالى قال: ]لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ[[سورة النساء :171.] فنهى عن الغلو في الدين، ويشمل هذا محبة الصالحين، وحقوقهم فإنها من الدين الذي لا يجوز التجاوز فيه للحدود.

"فَكُلُّ مَنْ غَلَا فِي حَيٍّ ؛ أَوْ فِي رَجُلٍ صَالِحٍ كَمِثْلِ عَلِيٍّ tأَوْ "عَدِيٍّ" أَوْ نَحْوِهِ ؛ أَوْ فِيمَنْ يُعْتَقَدُ فِيهِ الصَّلَاحُ ؛ كَالْحَلَّاجِ أَوْ الْحَاكِمِ الَّذِي كَانَ بِمِصْرِ أَوْ يُونُسَ القتي وَنَحْوِهِمْ وَجَعَلَ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِلَهِيَّةِ "، ثم ممثل لذلك بأمثلة.

ثم قال :"يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ"، وهذا فيه خطورة الغلو، وأنه يفضي بأهله للخروج عن الشريعة والوقوع في الكفر بالله العظيم.

فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح أو في من يعتقد صلاحه، ثم جعل له نوعاً من العبادة، ومثَّل لذلك بأنواع من الإضافات والاعتقادات والأقوال "كُلُّ رِزْقٍ لَا يَرْزُقُنِيهِ الشَّيْخُ فُلَانٌ مَا أُرِيدُهُ"، وهذا شرك في الربوبية حيث جعل الرزق لغير الله تعالى.

"أَوْ يَقُولَ إذَا ذَبَحَ شَاةً: بِاسْمِ سَيِّدِي، أَوْ يَعْبُدُهُ بِالسُّجُودِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَدْعُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى"، كل هذا في شرك الإلهية.

"مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يَا سَيِّدِي فُلَانُ اغْفِرْ لِي أَوْ ارْحَمْنِي أَوْ اُنْصُرْنِي أَوْ اُرْزُقْنِي أَوْ أَغِثْنِي أَوْ أَجِرْنِي أَوْ تَوَكَّلْت عَلَيْك أَوْ أَنْتَ حَسْبِي؛ أَوْ أَنَا فِي حَسْبِك؛ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ" كل ذلك من الشرك الذي يقول :"الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى"، فهي خصائص الربوبية، السؤال من خصائص الربوبية؛ لأنه هو الذي يملك.

ولذلك الدعاء يقدم في الغالب فيه ذكر الربوبية: ]رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا[[سورة آل عمران :8.].

]رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[[سورة طه :114.]]رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا[[سورة البقرة :286.].

]رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ[[سورة إبراهيم :41.].

الأدعية القرآنية جميعها أو جلها مفتتح بذكر الربوية، فالدعاء من خصائص الربوبية، لأنه لا يدعى إلا الملك، ولا يدعى إلا الرازق، ولا يدعى إلا الخالق، ولا يدعى إلا المدبر سبحانه وبحمده، وهذا حقه.

ولذلك قال:"الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى" فيتعبد بها سبحانه وتعالى.

"فَكُلُّ هَذَا شِرْكٌ وَضَلَالٌ يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ" أي: رجع عن هذا وأقلع "وَإِلَّا قُتِلَ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[[سورة الأنبياء: 25].

فالواجب إفراد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، وهذا كله مناقض، وهذا كله فيه خطورة الغلو.

ومعنى قول النبيr:«هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»[تقدم تخريجه.]، وهذا هلاك عظيم في الدنيا والآخرة.

وكقوله:«إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ»[تقدم تخريجه.].

فهذا نموذج من نماذج الغلو الذي يلحق بصاحبه الهلاك في الدنيا والآخرة.

ثم قال -رحمه الله-:"وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى - مِثْلَ : الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْعُزَيْرِ وَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ واللات وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى، وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَخْلُقُ الْخَلَائِقَ؛ أَوْ أَنَّهَا تُنْزِلُ الْمَطَرَ أَوْ أَنَّهَا تُنْبِتُ النَّبَاتَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمَلَائِكَةَ وَالْكَوَاكِبَ وَالْجِنَّ وَالتَّمَاثِيلَ الْمُصَوَّرَةَ لِهَؤُلَاءِ، أَوْ يَعْبُدُونَ قُبُورَهُمْ وَيَقُولُونَ: إنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى.

 وَيَقُولُونَ: هُمْ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلَهُ تَنْهَى أَنْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ لَا دُعَاءَ عِبَادَةٍ؛ وَلَا دُعَاءَ اسْتِغَاثَةٍ. وَقَالَ تَعَالَى : ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[. [الإسراء:56-57.]

قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَةَ؛ فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إلَيَّ كَمَا تَتَقَرَّبُونَ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتِي كَمَا تَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي كَمَا تَخَافُونَ عَذَابِي، وَقَالَ تَعَالَى:]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [[سبأ:22-23.]فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ : أَنَّ مَا يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍفِي الْمُلْكِ وَلَا شِرْكَ فِي الْمُلْكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْخَلْقِ عَوْنٌ يَسْتَعِينُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ . وَقَالَ تَعَالَى : ]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى[[ النجم:26.]، وَقَالَ تَعَالَى : ]أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ[[ الزمر:43-44.] وَقَالَ تَعَالَى: ]وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ[[يونس:18.] الْآيَةَ وَعِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، هِيَ أَصْلُ الدِّينِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ فَقَالَ تَعَالَى : ]وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [[الزخرف:45] ، وَقَالَ تَعَالَى : ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [[النحل:36.]وَقَالَ تَعَالَى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [[الأنبياء:25.] .

هذا المقطع من كلام الشيخ -رحمه الله- تقرير وبيان أن الدعوة التي جاءت بها الرسل هي عبادة الله وحده لا شريك، وذلك في إبطال مسلك من يغلو في بعض الصالحين، وبعض من يعتقد صلاحهم، ويصرف إليهم أنواعاً من العبادة.

بعد أن بيَّن كفر ذلك وأن صاحبه يستتاب.

قال :"وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى"، ومثَّل "لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَخْلُقُ الْخَلَائِقَ؛ أَوْ أَنَّهَا تُنْزِلُ الْمَطَرَ أَوْ أَنَّهَا تُنْبِتُ النَّبَاتَ"، هذا جواب على إيراد يورده من يتورط في نوع من أنواع الشرك المتقدم، حيث إن أولئك يقولون:"نحن لا نعتقد أن هؤلاء يخلقون، ولا أنهم يرزقون، ولا أنهم يملكون، ولا أنهم يدبروان، إنما نسألهم بمكانتهم وجاههم عن رب العالمين.

فالشيخ -رحمه الله- بيَّن في هذا المقطع أن الذين بُعِثَ إليهم النبيr، وبعثت إليهم الأنبياء كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر وسائر المعبودات على اختلاف تنوعها، لم يكونوا يعتقدون أن هذه المعبودات تخلق وترزق وتملك وتدبر استقلالاً.

بل كانوا يقرون أن ذلك جميعه إلى الله تعالى:]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[[سورة لقمان: 25.].

وقال تعالى :]قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ[[سورة يونس:31].

فالآيات في هذا كثيرة دالة على أنهم يقرون بأن الله هو الذي يخلق ويرزق ويملك ويدبر، وأن هذه المعبودات ليس لها شيء من الملك.

ما أحد عارض قول النبيr:]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ[.[ سورة سبأ: 22.]

ما أحد قال: لا يا محمد تعال نحن نوقن أنهم يملكون والدليل كذا، أو أنهم لهم شركة والدليل كذا، فكانوا مُسَلِّمِين.

ولذلك كان الخطاب لهم على وجه التحدي :]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ[، الله يؤمر محمداً rأن يقول لهؤلاء: ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ[.[الأنبياء:25.]

وهذا يدل على أنهم يقرون أنه لا يملك ولا يخلق ولا يدبر إلا الله .

إذاً كان الإشكال عند هؤلاء هو في العبادة، وليس في الخلق والملك والرزق والتدبير، إشكالهم في أنهم يرون أنه لا مانع أن تصرف العبادة لغير الله حتى تستجلب من طريقه ما تريد، كما قال الله -جل وعلا- :]مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[أي: درجة.

قال :"فَأَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلَهُ تَنْهَى أَنْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ لَا دُعَاءَ عِبَادَةٍ" لا دعاء عبادة، بذبح وصلاة وسجود أو سائر أنواع العبادات.

"وَلَا دُعَاءَ اسْتِغَاثَةٍ" أي دعاء مسألة ، وهو قضاء الحاجات ورفع الكربات.

وقال :"وَقَالَ تَعَالَى: ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ[أي: من دون الله وسواه جل وعلا

]دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا[لا يملكون كشف الضر أي رفعه، وإزالته، وهذا بعد نزوله، وقوله ]وَلَا تَحْوِيلًا[يعني: إذا نزل لا يملكون أن يصرفوه من فلان إلى فلان، فهم لا يملكون الرفع، ولا يملكون الصرف والدفع، بل هم في غاية الفقر.

]أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ[، أي يتقربون إليهم بأنواع من القربات ]يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ[أي يطلبون القربة إلى الله، فالوسيلة هي السبب الذي يوصل إلى الله تعالى، فهم يطلبون ما يوصلهم إلى الله، هم فقراء إلى الله U، بل هم في غاية الفقر إلى الله سبحانه وبحمده، ولذلك كانوا يتقربون إليه، ]يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[وهذه الآية جمعت الأصول الثلاثة التي لابد إلى السائر إلى الله تعالى منها، وهي: الحب والرجاء والخوف.

الحب في قوله: ]يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ[، كيف؟ الابتغاء هو الطلب، والطلب يحتاج إلى حركة، والحركة فعل الأوامر وترك النواهي، والباعث على هذه الحركة هو الحب، هو الذي يحرك العبد على العمل، فلا يحركه إلا حبه لله تعالى.

فكلما كَمُلَ حُب الله في قلب العبد كمل عمله وصلح حاله، وإذا قصر قصر.

بعد هذا ذكر المؤلف أدلة على ما كان عليه أولئك من أنهم يعتقدون أن الله هو الذي بيده الأمر، وأن هؤلاء إنما جعلوهم وسائل.

قال :"وَعِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ: هِيَ أَصْلُ الدِّينِ" أي: قاعدته التي يبنى عليها وأساسه الذي ينطلق منه،"وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ"،واستدل لهذا بثلاثة أدلة.

الدليل الأول: قول الله تعالى:]وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ[[الزخرف:45.]، أي: يقصدون ويتقرب إليهم من دون الله تعالى؟ الجواب: لا، ليس في شيء من شرائع الأمم السابقة وكتبها أنه عبد غير الله تعالى.

وَقَالَ تَعَالَى:]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[[ النحل:36.]، وَقَالَ تَعَالَى : ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [.[الأنبياء:25.]

بعد هذا ذكر المؤلف طائفة من الأمور التي دعا إليها النبيrتحقيقاً للتوحيد، وتكميلاً له.

فقال:"وَكَانَ النَّبِيُّ rيُحَقِّقُ التَّوْحِيدَ، وَيُعَلِّمُهُ أُمَّتَهُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت . فَقَالَ:«أَجَعَلْتِنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» وَقَالَ:«لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ».[أخرجه أحمد في مسنده(20694)، وسنده صحيح.]

هذا من أحاديث عديدة في السنن ومسند أحمد[رواه النسائي من حديث قتيلة في الأيمان والنذور (3773)، وابن ماجة من حديث ابن عباس في الكفارات (2117)، وأحمد (1/214)، وصحح إسناده الألباني في الصحيحه.]نهي النبيrعن قول الرجل :"ما شاء الله وشئت" جاء من حديث حذيفة، ومن حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث قتيلة، كلها أحاديث تدل على هذا المعنى، ولذلك لما فيه من التسوية بين الله تعالى وغيره.

"ما شاء الله وشئت" هذا فيه التعديل، ولذلك قال:«أَجَعَلْتِنِي لِلَّهِ نِدًّا»وفي رواية النسائي: «أجعلتنى والله عِدْلاً»[ رواه النسائي في "الكبرى" (6/245) ح/(10852).]يعني متساويين، «بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ».

قال -رحمه الله- :"وَنَهَى عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَالَ :«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ »[صحيح البخاري(2679)، ومسلم(1646).] ، وَقَالَ : «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ » [سنن أبي داود(3251)، وقال الحاكم: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ووافقه الذهبي]وَقَالَ : « لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ »[ صحيح البخاري(3445).]، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْلِفَ بِمَخْلُوقِ كَالْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا . وَنَهَى النَّبِيُّ rعَنْ السُّجُودِ لَهُ وَلَمَّا سَجَدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ : «لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ» وَقَالَ : «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» [أخرجه الترمذي في سننه(1159)، وحسنه.]وَقَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍt: « أَرَأَيْت لَوْ مَرَرْت بِقَبْرِي أَكُنْتَ سَاجِدًا لَهُ ؟» قَالَ : لَا . قَالَ :« فَلَا تَسْجُدْ لِي» [أخرجه أبو داود في سننه(2140)، وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي.]وَنَهَى النَّبِيُّ rعَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ ؛ فَقَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ : « لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا » [صحيح البخاري(1330)، ومسلم(529).]قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:" وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ؛ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا". وَفِي "الصَّحِيحِ" عَنْهُ rأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْس : «إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي»[أخرجه أبوداود في سننه(2042)، وأحمد(8804).]وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْقُبُورِ؛ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ الصَّلَاةُ عِنْدَهَا بَاطِلَةٌ.

وَالسُّنَّةُ فِي زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ نَظِيرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الدَّفْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ الْمُنَافِقِينَ ]وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [[سورة التوبة(84).]فَكَانَ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُقَامُ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ rيُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا : «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ . وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ ؛ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ ؛ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ »[صحيح مسلم(249).]،وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ كَانَ التَّعْظِيمُ لِلْقُبُورِ بِالْعِبَادَةِ وَنَحْوِهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : ]وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا[[نوح:23.]، قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : كَانَتْ هَذِهِ أَسْمَاءَ قَوْمٍ صَالِحِينَ؛ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ وَعَبَدُوهَا . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ rعِنْدَ قَبْرِهِ أَنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِحُجْرَتِهِ وَلَا يُقَبِّلُهَا؛ لِأَنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَرْكَانِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَلَا يُشَبَّهُ بَيْتُ الْمَخْلُوقِ بِبَيْتِ الْخَالِقِ، وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ وَالِاجْتِمَاعُ لِلْعِبَادَاتِ إنَّمَا تُقْصَدُ فِي بُيُوتِ اللَّهِ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، فَلَا تُقْصَدُ بُيُوتُ الْمَخْلُوقِينَ فَتُتَّخَذُ عِيدًا، كَمَا قَالَ r« لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا »، كُلُّ هَذَا لِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَرَأْسُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا إلَّا بِهِ، وَيَغْفِرُ لِصَاحِبِهِ وَلَا يَغْفِرُ لِمَنْ تَرَكَهُ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ]إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْمًا عَظِيمًا [[النساء:48.]وَلِهَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ أَفْضَلَ الْكَلَامِ ، وَأَعْظَمَهُ فَأَعْظَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ ]اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ[.[البقرة:255.]وَقَالَ r«مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»[رواه البخاري معلقاً في كتاب الجنائز، ورواه أبو داود في الجنائز (3116)، وأحمد (5/233).]،وَالْإِلَهُ: الَّذِي يَأْلَهُهُ الْقَلْبُ عِبَادَةً لَهُ، وَاسْتِعَانَةً وَرَجَاءً لَهُ، وَخَشْيَةً وَإِجْلَالًا وَإِكْرَامًا".

هذا المقطع من كلام المؤلف -رحمه الله- هو في بيان صور من حرص النبيrعلى عدم الغلو فيه، فإنه قد تقدم الذم في الغلو، وأنه لا يجوز أن يغلو أحد بأحد، وأن كل من غلا في حي فصرف إليه ما لا يكون إلا لله -جل وعلا- من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فقد وقع في الشرك والضلال، وبيَّن في هذا كيف كان النبيrحريصاً على منع الغلو فيه، سواء كان في قولٍ أو عمل، فالذي سوَّى بينه وبين الله في المشيئة قال مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ : مَا شَاءَ اللَّهُ وحده».[تقدم تخريجه]

ومن حلف بغير الله فقد نهاه عن الحلف به؛ لأن ذلك يستوجب تعظيمه والغلو فيه، فقال :«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ»[رواه البخاري في الشهادات (2679)، ومسلم في الأيمان (1646).]كما في "الصحيحين" من حديث ابن عمر.

وفيه هو rقاللَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» أي: لا تتجاوزوا في مدحي، فالإطراء هو المجاوزة في المدح،«إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».[ سبق.]

 وكذلك السجود، نهى عن السجود له، فقاللَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ».

ونهى عن تعظيم القبور والغلو فيها بأنواع من الغلو، وحذَّر من ذلك كثيراً لأن لا يقع أحد من هذه الأمة فيما وقعت فيه الأمم السابقة من الشرك بالله تعالى بتعظيم القبور.

ثم بيَّن المؤلف -رحمه الله- المقصود من القبور، وأنه ليس المقصود من زيارتها تعظيمها والتوسل بها إنما المقصود بزيارة القبور اعتبار الزائر أن يتعظ ويعتبر، وانتفاع المزور أن يدعى له، وأن يسأل له الرحمة، فهذا هو المقصود وهذا هو فائدة الزيارة الشرعية.

وبين ذلك بقول:"وَكَانَ النَّبِيُّ rيُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ"، فهم الذين في حاجة إلى أن يدعى لهم، ويسأل لهم السلام "وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ"، وهذا فيه الاعتبار والاتعاظ،"يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ؛ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ؛ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ"[سبق.]، هكذا كان النبيrيعلم أصحابه، ونهى rعن العكوف على القبور، وعلى تعظيمها، وأن يتمسح بها، وأن يطاف بها، كل هذا مما نهى عنه النبيrإقامة للتوحيد ومنعاً للغلو.

ثم قال المؤلف -رحمه الله- :"كُلُّ هَذَا" كل ما تقدم من المناهي السابقة والتحذيرات الكثير الماضية "كُلُّ هَذَا لِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ"، أي: لأجل أن يحقق المؤمن كمال الإخلاص لله تعالى، وكمال التوجه إليه دون غيره.

ولذلك كانت هذه الشريعة أكمل الشرائع في تحقيق التوحيد.

في الشرائع السابقة كان يصح أن يسجد الرجل لغيره، على وجه التحية كما جرى ذلك من يعقوبu، وأولاده وكانوا أنبياء، ]وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ[.[سورة يوسف:100.]

هذا السجود ليس سجود عبادة، إنما هو سجود تحية.

لكن هذه الشريعة جاءت بمنع السجود حتى لو كان على وجه التحية لالتباسه واشتباهه بحق الله تعالى وهو سجود العبادة، فالإجماع منعقد على أنه لا يجوز لأحد أن يسجد لأحد سوى الله سبحانه وتعالى.

فالسجود لله وحدهومن سجد إلى غيره فقد صرف العبادة إلى سواه.

"كُلُّ هَذَا لِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَرَأْسُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا إلَّا بِهِ وَيَغْفِرُ لِصَاحِبِهِ، وَلَا يَغْفِرُ لِمَنْ تَرَكَهُ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:]إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْمًا عَظِيمًا[".[سورة النساء:48.]

والآية الأخرى: ]وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا[.[سورة النساء:116.]

"وَلِهَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ أَفْضَلَ الْكَلَامِ "لا شك أن كلمة التوحيد هي أفضل الكلام، وهي أعظم الكلام،"وَأَعْظَمَهُ فَأَعْظَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ ]اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ[[سورة البقرة :255.]لاشتمالها على التوحيد وكمال الصفات لرب العالمين.

وقد قال النبيrكما في حديث أبي سعيد وأبي هريرة:«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»[رواه مسلم في الجنائز (916).].

وذلك لأنه من ختم له بهذه الكلمة، فيرجى أن يكون من أهل الجنة، كما في حديث معاذ بن جبل، قال النبيr:«مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ».[رواه البخاري معلقاً في كتاب الجنائز، ورواه أبو داود في الجنائز (3116)، وأحمد (5/233).]

وبعد ذلك بيَّن من هو الإله الذي نقول في ذكرنا ودعائنا لا إله إلا الله، من هو الإله الذي تؤلهه القلوب أي: تحبه، وتنجذب إليه وتتعبده سبحانه وبحمده، الذي تؤلهه القلوب محبة واستعانة ورجاء، وخشية وإجلالاً وإكراماً.

هذا معنى "لا إله إلا الله"،  فلا أحد يستحق العبادة ولا الاستعانة ولا المحبة ولا الإجلال ولا الخشية إلا الله سبحانه وبحمده.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93876 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89754 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف