×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الوصية الكبرى / الدرس (9) من شرح رسالة الوصية الكبرى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2862

الدرس (9) من شرح رسالة الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

فَصْلٌ :

وَمِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ ؛ وَاتِّبَاعُهَا كَمَا جَاءَتْ - بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ - مِثْلُ الْكَلَامِ : فِي (الْقُرْآنِ)وَ(سَائِرِ الصِّفَاتِ) فَإِنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ ؛ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ، رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ ابْنِ عُيَيْنَة عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - وَكَانَ مِنْ التَّابِعِينَ الْأَعْيَانِ - قَالَ:" مَا زِلْت أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ rهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يَقْرَءُوهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَكْتُبُونَهُ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُ غَيْرِهِ؛ وَإِنْ تَلَاهُ الْعِبَادُ وَبَلَغُوهُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لِمَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا لِمَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ]وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ[وَهَذَا الْقُرْآنُ فِي الْمَصَاحِفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ]بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ[وَقَالَ تَعَالَى : ]يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [وَقَالَ : ]إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ [، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ بِحُرُوفِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعَانِيهِ كُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ اللَّهِ . وَإِعْرَابُ الْحُرُوفِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحُرُوفِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّr«مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشَرُ حَسَنَاتٍ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حِفْظُ إعْرَابِ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ".

هذا الفصل ذكر فيه الشيخ -رحمه الله- ما يتعلق بعقد أهل السنة والجماعة في مسألة القرآن، وذلك لأن الذين كتب إليهم الشيخ -رحمه الله- وقع عندهم التباس أو اختلاف في بعض ما يتعلق ويجب اعتقاده في كلام الله تعالى.

يقول المؤلف رحمه الله – شيخ الإسلام ابن تيمية- :"وَمِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ"، أي: من الأبواب التي وقع فيها خلل وخرج بها طوائف من المسلمين عن طريق السلف الصالح "الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ؛ وَاتِّبَاعُهَا كَمَا جَاءَتْ - بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ - مِثْلُ الْكَلَامِ"، وهذا مثال لما يجب الاقتصاد فيه، ولما يجب فيه ترك طريق الضلال بالزيادة أو بالنقصان.

"الْكَلَامِ" أي: كلام الله تعالى.

ولذلك قال :"الْكَلَامِ: فِي (الْقُرْآنِ)وَ(سَائِرِ الصِّفَاتِ) "، وقد تقدم في الدرس السابق فيما يتعلق بشيء من الصفات، لكنه في هذا يتكلم في مسألة القرآن خصوصاً، وهي مسألة من المسائل الكبار التي جرى لأهل السنة فيها خلاف كبير مع مخالفيهم، وحصل بها على أهل السنة بلاء عظيم، ولاسيما في زمن الإمام أحمد رحمه الله، ومن قبله ونبتت الجهمية، وهم خصوم أهل السنة والجماعة في هذه الصفة، وهي صفة كلام الله تعالى.

بيَّن ما يعتقده أهل السنة والجماعة في هذا الباب فقال :"فَإِنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ "أي: تكلم به سبحانه وبحمده.

وقوله :"مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ" ليرد به على من ضلَّ في هذا الباب، فقوله: "مُنَزَّلٌ" هذا تأكيد لكونه من الله -جل وعلا- وأنه من كلامه.

وقد جاء الخبر بتنزيل القرآن فيما لا يحصى من الآيات في كتاب الله تعالى، وفي هدي النبيr.

وقوله:"مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ"، هذا فيه الرد على من قال :"إنه منزل وإنه مخلوق".

 فقوله :"مَخْلُوقٍ"، هذا رد على المعتزلة الذين قالوا إن القرآن كلام الله ولكنه مخلوق.

فقوله: "مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ"، رد على طوائف الضلال في هذه الصفة.

قال :"مِنْهُ بَدَأَ"، أي: ابتدأ الكلام به، سبحانه وبحمده وليس الكلام لجبريل ولا لغيره، كما يقوله من ضلَّ في هذه الصفة.

فقول أهل السنة والجماعة :"مِنْهُ بَدَأَ "، بيان أن الذي تكلم به الله سبحانه وبحمده، لم يبتدأ من غيره، فلم يتكلم به جبريل، ولم يتكلم به النبيrبل المتكلم به هو الله سبحانه وبحمده.

قال :"وَإِلَيْهِ يَعُودُ"،أي: إليه يرجع، وهذا فيه الإشارة إلى ما يكون في آخر الزمان من ارتفاع القرآن كما جاء ذلك في عدة آثار عن عبد الله بن مسعود tأن القرآن يسرى عليه في ليلة، فلا يبقى في صدور الرجال منه شيء، ولا في المصاحف منه شيء، فيصبح الناس منه فقراء، أي: ليس عندهم منه شيء.[رواه الدارمي في فضائل القرآن (3341)، والحاكم في "المستدرك" (4/549).]

وهذا في آخر الزمان عند ترك العمل بالقرآن وعند تعطيله، يرفع الله تعالى وهذا معنى قوله -رحمه الله- :"وَإِلَيْهِ يَعُودُ"، وعلى هذا عقد أهل السنة والجماعة.

قال :"هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ"، يعني هذا ليس قولاً لواحد منهم، بل هذا قول غير واحد منهم.

"رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - وَكَانَ مِنْ التَّابِعِينَ الْأَعْيَانِ - قَالَ:"مَا زِلْت أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ".

 وهنا تنبيه مهم لمسألة، وهي كيف ننسب هذا القول إلى السلف؟ هل ننسب هذا القول إلى السلف بالنظر إلى قول أحدهم، أو بالنظر إلى قول مجموعهم؟

قد يقول أحد السلف قولاً، لكن لا يكون هذا هو مذهب السلف؛ لأن مذهب السلف هو طريقتهم، وهذا لا يمكن أن يكون من واحد منهم، ولا يختزل من قول واحد، إنما ما شاع وانتشر وتواطأت عليه كلماتهم، واتفق النقل عنهم فيه، هو ما يمكن أن يقال فيه هذا منهج السلف.

ولذلك الآن تجد أن بعض الناس يقول مذهب السلف في المسألة كذا، ثم إذا قلت من أين هذا الكلام؟ قال :" قال سفيان الثوري"، "قال سفيان بن عيينة"، قال فلان من السلف"، هذا صحيح يمكن أن يقال هذا من أقوال السلف، أو من مناهج السلف إذا ثبت هذا الإسناد والنقل عنهم؛ لكن لا يمكن أن يقال هذا منهج السلف وهو قول واحد منهم،إنما يقال كما قال عمرو ابن دينار :"مَا زِلْت أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ"، وليس مقصوده بالناس البقالين ومن لا يحتفل بأقوالهم، إنما مقصوده بالناس الأئمة وأهل العلم والمعروفين بالنقل والأخذ عنهم، هذا هو الذي يقول عنهم عمرو بن دينار رحمه الله.

قال:"وَالْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ rهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يَقْرَءُوهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَكْتُبُونَهُ فِي مَصَاحِفِهِمْ" هذا كلام الله تعالى فلا يخرج القرآن عن كونه كلام الله تعالى بقراءة التالين، ولا بكتابة الكاتبين، فهو كلام الله تعالى ما كان في صدور الرجال وما كان في المصاحف، وما كان في الأوراق، فهو كلام الله تعالى، لا يخرج بهذا عن كونه كلام الله جل وعلا.

وكذلك بنقل النقلة لا يخرج، وكذلك بتلاوة التالين لا يخرج عن كونه كلام الله جل وعلا.

ولذلك يقول :"وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُ غَيْرِهِ؛ وَإِنْ تَلَاهُ الْعِبَادُ وَبَلَغُوهُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ" أي المخلوقة "فَإِنَّ الْكَلَامَ لِمَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا لِمَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا"، فهو كلام الله تعالى، ولذلك قال الله -جل وعلا- :]وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ[،[سورة التوبة: 6.] هو من أين يسمع كلام الله ؟ من المبلغ، فالمبلغ كونه نقل كلام الله وتكلم به لا يخرج هذا عن كونه كلام الله تعالى.

ولذلك قال :"وَهَذَا الْقُرْآنُ فِي الْمَصَاحِفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ]بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ["[سورة البروج :21- 22.] واللوح المحفوظ هو اللوح الذي كتب الله فيه كل شيء حتى قيام الساعة، ولا يخرج عن كونه قرآناً ، وأنه كلام الله تعالى مع كونه مكتوباً في اللوح المحفوظ.

 

وقال تعالى :]يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [[سورة البينة : 2- 3.] فهو مكتوب لكن لا يخرج عن كونه كلام الله تعالى، وقوله:]إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ[[سورة الواقعة: 77- 78.]، كل هذه الأدلة ساقها المؤلف لبيان أن القرآن هو كلام الله تعالى، هذا وصفه، وهذه حقيقته، لا يخرج بكونه مكتوباً ولا محفوظاً، ولا متلوًّا عن كونه كلام الله تعالى.

يقول :"وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ بِحُرُوفِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعَانِيهِ"، وهذا فيه رد على الذين يقولون: "إن المعنى من الله والنظم من محمد أو من جبريل"، وفيه الرد على من يقولون :"إن المعاني ليست من كلام الله وإنما الحروف"، هذه كلها ضلالات وانحرافات.

الشيخ -رحمه الله- يقرر هذا لا ابتداءاً، إنما يقرره ردًّا على من ضل في هذه الأبواب.

ثم انتقل فقال:"وَإِعْرَابُ الْحُرُوفِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحُرُوفِ" أي من كمالها، وإعرابها هي القراءة بها كما أنزلت، وهذا معنى قوله r: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشَرُ حَسَنَاتٍ»[رواه الطبراني في"الأوسط"(7/307)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/549)، ح/(2097) قال الهيثمى (7/163) : فيه نهشل ، وهو متروك .]، وهذا الحديث جاء من طرق عن عبد الله بن مسعودtوعن غيره، لكن هذه الرواية لا تثبت، فقوله: «فَأَعْرَبَهُ»، ليس لها إسناد مستقيم، وإنما المحفوظ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا..[رواه الترمذي في فضائل القرآن (2910)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.]هذا جاء في الترمذي وغيره عن عبد الله بن مسعود بإسناد جيد.

قال :"وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حِفْظُ إعْرَابِ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ"، إعراب القرآن يشمل هنا لفظه ومعناه، فإنه ذكروا بعض الحروف ففهم أن الإعراب أمر زائد على قراءة الحروف، بل هو القراءة التي يكون فيها فهم، وتدبر لمعاني كلام الله تعالى.

قال :"وَإِذَا كَتَبَ الْمُسْلِمُونَ مُصْحَفًا فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ لَا يُنَقِّطُوهُ وَلَا يُشَكِّلُوهُ جَازَ ذَلِكَ ؛ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَكْتُبُونَ الْمَصَاحِفَ مِنْ غَيْرِ تَنْقِيطٍ وَلَا تَشْكِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَرَبًا لا يَلْحَنُونَ، وَهَكَذَا هِيَ الْمَصَاحِفُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا عُثْمَانُ tإلَى الْأَمْصَارِ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ .

 ثُمَّ فَشَا " اللَّحْنُ " فَنُقِّطَتْ الْمَصَاحِفُ وَشُكِّلَتْ بِالنُّقَطِ الْحُمْرِ، ثُمَّ شُكِّلَتْ بِمِثْلِ خَطِّ الْحُرُوفِ؛ فَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ قِيلَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ:لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَقِيلَ يُكْرَهُ النُّقَطُ دُونَ الشَّكْلِ لِبَيَانِ الْإِعْرَابِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ".

هذا المقطع لبيان ما جرى في تغيير من المصحف، وهو على نوع استطراد ليس له اتصال بمسألة كون القرآن كلام الله، ولذلك قال:"وَإِذَا كَتَبَ الْمُسْلِمُونَ مُصْحَفًا فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ لَا يُنَقِّطُوهُ"، أي: لا يجعلوا فيه نقطاً "وَلَا يُشَكِّلُوهُ"، وهو علامات الإعراب، الفتحة، والضمة والكسرة، "جَازَ ذَلِكَ؛ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَكْتُبُونَ الْمَصَاحِفَ مِنْ غَيْرِ تَنْقِيطٍ وَلَا تَشْكِيلٍ".

ثم بيَّن أن هذا الذي حصل إنما هو للحاجة، النقط والشكل دعت إليه الحاجة.

وبهذا يخرج عن قول من قال إنه بدعة، فمن قال إن النقط والشكل بدعة نقول :"إن البدعة هي إحداث طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية"، وكون المصاحف في زمن النبيrلم تشكل ولم تنقط، فالجواب: إن ذلك لم يكن مُحتاجاً إليه، لأنهم أصحاب لسان، ويعرفون الشكل والحروف من غير نقط.

لكن لما دعت إلى ذلك حاجة، فإنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولذلك جمع الصحابةyالمصاحف، ولم تكن مجموعة في زمن النبيrوإنما أجمعوا على جمعها للحاجة إلى الجمع، فكذلك النقط والشكل وسائر ما حصل من وسائل حفظ القرآن ومن وأسباب إقامة قراءته، فإن ذلك من الإحداث الجائز الذي لا يدخل في نطاق البدعة.

وهذا ما أشار إليه الشيخ -رحمه الله- في بيان سبب هذا النقط والشكل.

رجع الآن إلى مسألة الكلام وما يتعلق بها.

قال:"وَالتَّصْدِيقُ بِمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ rأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ؛ وَيُنَادِي آدَمَ uبِصَوْتِ ؛ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَانَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ، وَقَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ :" الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ، حَيْثُ تُلِيَ وَحَيْثُ كُتِبَ"، فَلَا يُقَالُ لِتِلَاوَةِ الْعَبْدِ بِالْقُرْآنِ: إنَّهَا مَخْلُوقَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ، وَلَا يُقَالُ: غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ أَفْعَالُ الْعِبَادِ، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ:" أَنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ بِالْقُرْآنِ قَدِيمَةٌ"، بَلْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَفْظُ الْعَبْدِ بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْمِدَادَ قَدِيمٌ: فَهَذَا مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ السُّنَّةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:]قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا[[الكهف:109.]فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمِدَادَ يَكْتُبُ بِهِ كَلِمَاتِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لَيْسَ الْقُرْآنُ فِي الْمُصْحَفِ؛ وَإِنَّمَا فِي الْمُصْحَفِ مِدَادٌ وَوَرَقٌ أَوْ حِكَايَةٌ وَعِبَارَةٌ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، بَلْ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ rهُوَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُصْحَفِ - عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ - لَهُ خَاصَّةً يَمْتَازُ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ .

هذه مسائل ذكرها المؤلف -رحمه الله- مما يتعلق بمسألة القرآن وثبوت صفة الكلام لله تعالى .

يقول:"وَالتَّصْدِيقُ بِمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ rأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ؛ وَيُنَادِي آدَمَ uبِصَوْتِ؛ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ" يعني التي تثبت أن كلام الله تعالى بصوت.

وهذه المسألة ضل بها من ضل من المنحرفين عن الكتاب والسنة، فأنكروا أن يكون كلام الله تعالى بصوت، بل قالوا: كلامه كلام لا صوت فيه.

وهذا مما يَرد عليه كلام الله تعالى في كتابه، فإنه تعالى ذكر في الكتاب مناداته I، ففي مواضع عديدة، وهذا النداء لا يكون إلا بصوت فإنه لا يمكن أن يكون نداء إلا بصوت.

وكذلك جاءت الأحاديث أن الله تعالى يتكلم بصوت، جاء هذا في عدة أحاديث، منها الحديث الذي ذكره البخاري -رحمه الله- في "الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري أن الله تعالى ينادي آدم بصوت[رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3348)، ومسلم في الإيمان (222).] فكونه يناديه أي بصوت، وأضاف النداء إلى الله تعالى.

وهذه المسألة قال المؤلف -رحمه الله- :"إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ" التي فيها إثبات الصوت لله تعالى.

قال :"فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَانَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ"، فإنهم يقرون بأن كلام الله بصوت ، وليس كلاماً نفسيًّا، كما يقوله من يقوله، وهذا أمر متفق عليه بين سلف الأمة.

والذي أحدث نفي أن يكون كلامه بصوت، عبد الله بن كلّاب في المائة الثالثة، أما من قبله من الأئمة فهم على ما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى.

وقال :"وَقَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ:"الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ، حَيْثُ تُلِيَ وَحَيْثُ كُتِبَ"، فَلَا يُقَالُ لِتِلَاوَةِ الْعَبْدِ بِالْقُرْآنِ إنَّهَا مَخْلُوقَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ"، وهذا فيه بيان سبب إنكار من أنكر من السلف "تلاوتي بالقرآن مخلوقة"، لأنه يوحي بأن القرآن مخلوق، ولذلك نهى السلف عن مثل هذه الكلمات الموهمة التي ستر بها بعض المبتدعة لإخفاء ما يعتقدونه أن كلام الله تعالى مخلوق.

فقوله -رحمه الله-:"لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ"، هذا بيان لسبب كراهية جماعة من الأئمة لقول الرجل: "لفظي بالقرآن مخلوق".

قال :"وَلَا يُقَالُ: غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ أَفْعَالُ الْعِبَادِ"، هنا يتبين دقة علم السلف، وأنهم أصحاب تحرير، لا يطلقون الألفاظ على عوائمها، بل يميزون ويبينون، فلا يقال :"لفظي بالقرآن مخلوق"، ولا يقال: "غير مخلوق"، لأن كُلا من العبارتين تتضمن باطلاً، ولم يرد فيها كتاب ولا سنة، فيجب الاستفصال والبيان، فيثبت ما أثبته النص، وينفى ما نفاه النص.

قال :"وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ:" أَنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ بِالْقُرْآنِ قَدِيمَةٌ"، لأنها حادثة وقت قراءتها، فإذا قرأ القارئ :]الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[.[سورة الفاتحة : 2-3.]

هذا الصوت ليس قديماً، لأن القديم هو الذي تقدم ولم يسبق، فالمقصود بالقديم أي الأزلي، ولكن هذا ليس بصحيح فإن أحداً من السلف لم يقل بهذا.

بل أصوات العباد بالقرآن حادثة عند قراءتهم.

"بَلْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَفْظُ الْعَبْدِ بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْمِدَادَ قَدِيمٌ: فَهَذَا مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ السُّنَّةِ "؛ لأن هذا معلوم البطلان، فبطلانه واضح، وعوار هذا القول بيِّن، فإن المداد حادث بعد أن لم يكن، والمداد هو الحبر الذي يكتب به القرآن.

قال -رحمه الله-:"وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لَيْسَ الْقُرْآنُ فِي الْمُصْحَفِ؛ وَإِنَّمَا فِي الْمُصْحَفِ مِدَادٌ وَوَرَقٌ أَوْ حِكَايَةٌ وَعِبَارَةٌ" ،كما يقوله الكلابية والأشاعرة، "فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ" في هذا الباب، "بَلْ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ rهُوَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ" على هذا تواردت كلمات السلف، وبه تم عَقدُهم، ولم يختلف عليه أحد منهم.

قال :"وَالْكَلَامُ فِي الْمُصْحَفِ - عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ - لَهُ خَاصَّة يَمْتَازُ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ"، نعم فلا يمس إلا بطهارة على قول الجمهور، ولا يدخل به حش، أو مكان مستقذر، ولا يمتهن، كل هذه من الأحكام المتعلقة بالمصحف لا لأوراقه ومداده، إنما لما فيه من كلام الله تعالى.

فهذه الخصائص والميز التي خُص بها هذا الكتاب إنما لأجل ما فيه من كلام الله تعالى، لا لأجل الأوراق ذاتها، ولا المداد، فلوا أن كتاباً كتب على صورة كتابة المصحف، وعلى نفس أوراقه، وأخرج بصورة مشابهة للمصحف، لم يكتسب خاصية المصحف في أنه لا يمس إلا بطهارة وسائر ما يتعلق به من أحكام، لأن ذلك ليس كلام الله جل وعلا، إنما كلامه هو القرآن العظيم الذي ذكره الله تعالى في قوله:    يتلو صُحُفًا مُطَهَّرَةً *فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ[.[سورة البينة: 2- 3.]

قال -رحمه الله-:"وَكَذَلِكَ مَنْ زَادَ عَلَى السُّنَّةِ فَقَالَ: إنَّ أَلْفَاظَ الْعِبَادِ وَأَصْوَاتَهُمْ قَدِيمَةٌ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، كَمَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِحَرْفِ وَلَا بِصَوْتِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مُبْتَدِعٌ مُنْكِرٌ لِلسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ زَادَ وَقَالَ: إنَّ الْمِدَادَ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ، كَمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَصَاحِفِ كَلَامُ اللَّهِ.

وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْوَرَقَ وَالْجِلْدَ وَالْوَتَدَ وَقِطْعَةً مِنْ الْحَائِطِ: كَلَامُ اللَّهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْقُرْآنِ وَلَا هُوَ كَلَامُهُ، هَذَا الْغُلُوُّ مِنْ جَانِبِ الْإِثْبَاتِ يُقَابِلُ التَّكْذِيبَ مِنْ جَانِبِ النَّفْيِ، وَكِلَاهُمَا خَارِجٌ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ إفْرَادُ الْكَلَامِ فِي النُّقْطَةِ وَالشَّكْلَةِ بِدْعَةٌ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَإِنَّهَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِقَلِيلِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمِدَادَ الَّذِي تُنَقَّطُ بِهِ الْحُرُوفُ وَيُشَكَّلُ بِهِ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ جَاهِلٌ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ إعْرَابَ حُرُوفِ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ، بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ حُرُوفُهُ بِإِعْرَابِهَا كَمَا دَخَلَتْ مَعَانِيهِ، وَيُقَالُ: مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ جَمِيعُهُ كَلَامُ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُصْحَفُ مَنْقُوطًا مَشْكُولًا أُطْلِقَ عَلَى مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ جَمِيعِهِ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُوطٍ وَلَا مَشْكُولٍ: كَالْمَصَاحِفِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ؛ كَانَ أَيْضًا مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُلْقَى الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ مُحْدَثٍ وَنِزَاعٍ لَفْظِيٍّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثُ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ .

هذا تقرير لما تقدم وبيان غلو الغالين، وأن هذه المسألة افترق فيها الناس إلى فرقتين -في الجملة- ضالتين عن الطريق المستقيم، فرقة غلت في الإثبات، حتى قالت:"إنَّ الْوَرَقَ وَالْجِلْدَ وَالْوَتَدَ وَقِطْعَةً مِنْ الْحَائِطِ:كَلَامُ اللَّهِ"، وفرقة جفت وعطَّلت الله Iعن صفاته فقالت :"إن القرآن ليس كلام الله"، أو أنه "كلام الله مخلوق"، كما تقوله الجهمية والمعتزلة.

المقصود بيان الفرق الضالة في هذا، وبيان الواجب أن يعتقد أن القرآن كلام الله على أيِّ صفة كان تلي، أو كتب، أو حفظ أو كان مشكولاً منقوطاً، أو ما إلى ذلك من الإحداثات التي جرت، لا يخرج بذلك كله عن كلام الله.

ثم بعد أن ذكر ما تقدم وكأنه ينبه من كتب إليهم في وجوب الاقتصاد في الكتاب والسنة، وعدم الغلو في الإثبات "فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُلْقَى الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ مُحْدَثٍ وَنِزَاعٍ لَفْظِيٍّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ"، بل يجب كف الفتنة ونفيها "وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثُ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ" فإن من أحدث في الدين ما ليس منه فقد ابتدع، وقد قال النبيrفيما رواه البخاري ومسلم من حديث القاسم بن محمد  عن عائشة:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ».[رواه البخاري في الصلح (2697)، ومسلم في الأقضية (1718).]

 

بعد هذا فصل متعلق فيما يجب اعتقاده في كلام الله جل وعلا، فانتقل الشيخ -رحمه الله- إلى ما يجب اعتقاده في الصحابة والقرابة، فالصحابة هم أصحاب النبيr، والقرابة هم آل البيت.

 فَصْلٌ :وَكَذَلِكَ يَجِبُ الِاقْتِصَادُ وَالِاعْتِدَالُ فِي أَمْرِ " الصَّحَابَةِ " وَ " الْقَرَابَةِ " yفَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِ نَبِيِّهِ rمِنْ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ؛ وَذَكَرَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ؛ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى:]مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[، وَقَالَ تَعَالَى:]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[، وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ rأَنَّهُ قَالَ:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»".

هذا الفصل جاء المؤلف فيه بتقرير ما يجب للصحابة والقرابة، وهذه المسألة مسألة ضلَّ فيها فئام من الناس، فبيان العدل والواجب فيها من المهمات، لاسيما في البلدان التي يقع فيها غلو في أحد الطرفين.

فالصحابة والقرابة كلاهما جاء الحث على احترامه وحفظ حقه، فلا يجوز إهدار حق آل البيت، كما لا يجوز إهدار حق الصحبة.

بل الواجب حفظ الحقوق لأهلها، وإجلال مَن أجل الله تعالى والرضى عن من رضـي الله عنهم من الأصحاب والآل.

والذين يجعلون محبة آل البيت سُلماً للنيل من الصحابة لم يصدقوا في دعواهم، كما أن الذين يجعلون محبة الصحابة سُلماً للغض من آل البيت لم يصدقوا في دعواهم.

بل كمال الاعتقاد وسلامته أن يجمع المؤمن بين محبة الآل ومحبة الأصحاب.

وقلب المؤمن يتسع لمحبة هؤلاء، فمن ضاق صدره عن إحدى الطائفتين فقد ضل ضلالاً مبيناً؛ لأنه قد بخس الحق أهله، ووقع فيما نهى عنه النبي r.

يقول المؤلف -رحمه الله-:"وَكَذَلِكَ يَجِبُ الِاقْتِصَادُ وَالِاعْتِدَالُ فِي أَمْرِ " الصَّحَابَةِ " وَ " الْقَرَابَةِ".

"الصَّحَابَةِ" جمع صحابي، والصحابي هو: من لقي النبيrمؤمناً به ومات على ذلك.

و"الْقَرَابَةِ" هم أقارب النبيrالذين يتصلون به نسباً، وهم آل علي، وآل العباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وهم أقاربه من النسب.

ومن آل بيته أزواجه r، قال الله تعالى في الآيات التي ذكر فيها الأحكام المتعلقة بالنساء بل خاطبهن بقوله: ]يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ[، قال في سياق هذه التوجيهات: ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[[سورة الأحزاب:32- 33 .].

فنساء النبيrمن آل بيته بنص القرآن، وآل بيته من أقاربه، بيَّنهم النبيrفي حديث عائشة وحديث أم سلمة، في حديث الكساء المشهور، ومن رواه هن زوجاتهr، فقوله: «اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي ...»[رواه الترمذي في كتاب التفسير (3205).] لفاطمة وعلي والحسن والحسين، هذا ليس معناه أن من سواه ليسوا من آل البيت، بل هذا معناه أن هؤلاء أحق من وصف بهذا الوصف هم هؤلاء، ولا يعني أن ينتفي ذلك عن غيرهم.

ولذلك لما سئل زيد بن أرقم كما في "صحيح الإمام مسلم" عن آل البيت، فقال:«هُمْ آلُ عَلِىٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ».[رواه مسلم في فضائل الصحابة (2408).]

وهذا في "صحيح الإمام مسلم" في بيان من هم الذين أمر النبيrبحفظ حقهم، ففي حديث «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»[ رواه مسلم في فضائل الصحابة (2408).]، فلما سئل زيد عن آل البيت، قال هم هؤلاء:«هُمْ آلُ عَلِىٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ».

وأين هؤلاء في حديث الكساء فإنهم لم يذكروا، لكن أهل العلم يأخذون في الأحكام من مجموع الأحاديث، ولا يقتصرون على حديث واحد.

فآل البيت هم أقارب النبيr، ولهم حقوق أمر النبيrبحفظها ورعايتها، وسيشير الشيخ -رحمه الله- في هذا الفصل إلى شيء منها.

ابتدأ المؤلف -رحمه الله- ببيان حق الصحابة، لأن الجناية عليهم من بعض طوائف المسلمين، أعظم من الجناية على آل البيت، فإن آل البيت غالب الطوائف تجلُّهم وتقرُّ لهم بالفضل، بخلاف الصحابة فإن طوائف ممن ينتسب إلى الإسلام من أهل القبلة يذمونهم وينالون منهم، بل يكفرون أكثرهم، ويفسقونهم ويخونونهم، ولا شك أن هذا انحراف كبير.

وهم أكثر من آل البيت، وآل البيت يجتمع فيهم حقان، حق الصحبة في من لقي النبيrوحق القرابة.

فبدأ بالحق العام الذي يشترك فيه الصحابة مع آل البيت، ثم انتقل إلى الحق الخاص، وهم آل البيت حيث إن لهم حقًّا خاصًّا في زمن النبيrوبعد زمن النبيr، فآل البيت لهم حق سواء كانوا من الصحابة أو لم يكونوا.

يقول -رحمه الله- :"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِ نَبِيِّهِ r"، ومن جملتهم أصحابه من آل بيته.

يقول:"مِنْ السَّابِقِينَ" أي: من المتقدمين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين وسائر الصحابة الذين أسلموا قبل هجرة النبيr، ثم الذين أسلموا بعد الهجرة وهم على طبقات معروفة مشهورة في فضلهم ومكانتهم، فمن أسلم قبل الفتح ليس كمن أسلم بعده، ومن أسلم قبل الهجرة ليس كمن أسلم بعدها، وهم طبقات، لهم منازل ومقامات وفضائل معروفة ومشهورة، فضائل تتعلق بزمان إيمانهم وإسلامهم، وفضائل تتعلق بتقدم صحبتهم، وفضائل تتعلق بأشخاصهم، وفضائل تتعلق ببعض أعمالهم، المهم أن الفضائل فيما يتعلق بالصحابةyكثيرة متنوعة مشهورة.

يقول -رحمه الله- :"وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"، وذلك في آيات من كتابه.

قال :"وَذَكَرَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ؛ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى ]مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[" وهذا فيه تزكيتهم، وبيان ما كانوا عليه من الصفات الحميدة التي جمعت الإحسان إلى الخلق والإحسان في عبادة الله تعالى.

يقول: ]مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا["، فهذا جمع بين الإحسانين، الإحسان في عبادة الله تعالى، والإحسان في معاملة الخلق"]سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ[" أي المتقدم، "]مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ["وهو ما ينبت "]فَآزَرَهُ[" أي فقواه واشتد، ]فَاسْتَغْلَظَ["حتى قوي، ]فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[، أي يغيظ بهم أصحاب الزراعات، قال:]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ[أي من أصحاب النبيr]مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[.[سورة الفتح:29.]

وبعض من ينال من الصحابة، يقول هذه الآية دليل على أنه ليس كل الصحابة موعودين بالفضل من رب العالمين، لأن الله قال :]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ [، ومن هنا للتبعيض، وهذا يدل على أن منهم من ليس له هذا الفضل.

والذي أجاب به أهل السنة على هذا الافتراء بأن من هنا للبيان وليست للتبعيض، فمن هنا بيانية وليست تبعيضية.

ومن تأتي للبيان، كقوله تعالى: ]خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ[فمن هنا للبيان

وقوله :]وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ[[سورة الرحمن: 14- 15.]، فــ"من" هنا ليست تبعيضية إنما هي بيانية، وهذا كثير في كلام الله تعالى، وهو معروف في لسان العرب أنه تأتي من للتبعيض وتأتي من للبيان.

فقوله تعالى: ]مِنْهُمْ[، أي من الصحابة، ولو قلنا: إنه للتبعيض فذلك ليس مدعاة للنيل منهم، إنما هم متفاوتون في درجاتهم ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[، وهم متفاوتون في أجورهم ومراتبهم.

 كما دلَّت السنة على ذلك، كما جاء في "الصحيحين" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّt، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ rلاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ، وَلاَ نَصِيفَهُ».[ رواه البخاري في المناقب(3673)، ومسلم في فضائل الصحابة من حديث أبي هريرة(2540).]

وهذا كلام موجه إلى بعض الصحابة، فهو موجه إلى خالد بن الوليدtوأمثاله، في مقابل صحبة عبد الرحمن بن عوف tوأمثاله والذين تقدم إسلامهم وسبق فضلهم.

فإذا كان الصحابة على هذا التفاوت، فيمكن أن يقال: إن هذه الآية في بيان فضل المتقدمين منهم، وما لهم من الأجر وهم متفاوتون في الدرجات والمراتب، وليست هذه الآية دليل على انتقاصهم، أو النيل منهم، أو أنهم كفروا أو فسقوا كما يزعم من يزعم ممن ضل في باب الصحابة وما يجب اعتقاده فيهم.

وقوله:"وَقَالَ تَعَالَى:]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[".[سورة الفتح: 18.]

قوله تعالى: ]فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ[، بيان أن هذا الرضا ليس لظاهر العمل، إنما هو رضا من عليم خبير، والعلم هنا أضيف لما في القلوب، فدلَّ ذلك على ما في قلوبهم سالم من الشرك، سالم من النفاق، سالم من الفسق، وإلا لما رضي الله تعالى عنهم.

وهؤلاء قد بلغوا ألفاً وأربعمائة رجل صاحبوا النبيrفي تلك الغزوة التي كان فيها الصلح، وبايع فيها النبيrأصحابه تحت الشجرة في قوله تعالى:]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[منهم أبو بكر، ومنهم عمر ومنهم جملة وطائفة من الصحابة الذين يقدح فيهم من يقدح ممن انحرف وضل في هذا الباب.

قال -رحمه الله- :"وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ rأَنَّهُ قَالَ:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - يحلف النبيrبالله -لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا - يعني لو أنفق تقرباً إلى الله تعالى مثل أحد ذهباً وهذا أنفس المال الذي يملكه الناس في ذلك اليوم، أنفقه وقد جمع النفاس في النوع والكثرة حيث يبلغ مثل أحد، وكم في أحد من المثاقيل، وكم في أحد من القدر الكبير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى! -«مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»"[تقدم تخريجه.]ن ما في قلوبهم سالم من الشرك، سالم من النفاق ، سالم من الفسق

لم يبلغ ما ينفقه أحدهم ملء يديه من الذهب ولا نصف المُدِّ من الذهب.

 تصور هذا القدر، انسب هذا القدر وهو ملء اليدين من الذهب إلى هذا الجبل العظيم.

كم النسبة من حيث القدر والكمية؟ لا نسبة، لا شيء يذكر، ومع هذا فضل هذا المد يفوق فضل هذا الجبل ذهباً؛ لأن الفضل هنا يعود إلى المنفق، وهم الصحابة y.

وهنا يتبين أن العمل يتفاضل بتفاضل الأشخاص، فالعمل القليل قد يكون زهيدا من شخص، لكنه يبلغ عند الله مبلغاً عظيماً بالنظر إلى ما قام في قلبه، وبالنظر إلى الوصف الذي وصف به.

فالصحابة قام فيهم هذا الفضل والشرف العظيم الذي لا يمكن أن يبلغه أحد من الناس، ولذلك أعراب الصحابة خير من أكبر العباد ممن بعد الصحابة فيما يتعلق بالصحبة، وبما يتعلق بهذا الفضل.

وأما من حيث العلم فلا شك أن في الأمة بعد الصحابة من فاقوا جماعة كبيرة من الصحابة في العلم والنفع، لكن من حيث فضل الصحبة لم  يبلغ مبلغهم أحد ممن لم يدرك هذا الشرف –نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم معرفة أقدارهم ومحبتهم-.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93795 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف