×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الوصية الصغرى / الدرس (1) من شرح رسالة الوصية الصغرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1204

الدرس (1) من شرح رسالة الوصية الصغرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم.

الوصية الصغرى.[مطبوع ضمن مجموع الفتاوى (10/653- 665).]

سُؤَالُ أَبِي الْقَاسِمِ الْمَغْرِبِيِّ: يَتَفَضَّلُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بَقِيَّةُ السَّلَفِ وَقُدْوَةُ الْخَلَفِ أَعْلَمُ مَنْ لَقِيت بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؛ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة"بِأَنْ يُوصِيَنِي بِمَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ دِينِي وَدُنْيَايَ؟ وَيُرْشِدُنِي إلَى كِتَابٍ يَكُونُ عَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُنَبِّهُنِي عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ الْوَاجِبَاتِ وَيُبَيِّنُ لِي أَرْجَحَ الْمَكَاسِبِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الْإِيمَاءِ وَالِاخْتِصَارِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَحْفَظُهُ، وَالسَّلَامُ الْكَرِيمُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد.

فهذا السؤال فيه من الأدب، وحسن التأسي بمن يتعلم منه ما هو جلي وواضح، وأما ما ذكره السائل – غفر الله له- من هذه الأوصاف، فهي في الحقيقة أوصاف مطابقة لحال هذا الإمام العالم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فهو شيخ فقيه إمام فاضل عالم، أحيا الله به من علم السلف ما اندرس، حتى إن أهل السنة والجماعة ومن يتبع سبيل السلف لا يستغني عن مؤلفاته -رحمه الله- وما قرره وما كتبه وما جلاَّه فيما يتعلق بعلوم شتى لاسيما في علم أصول الدين.

"وَقُدْوَةُ الْخَلَفِ المبدع المُغرِب" المغرب فيما يأتي به من فوائد، وليس المقصود بالإغراب هنا الخروج عن الصراط المستقيم بفاحش القول وغريب الرأي والشائن في العمل.

إنما هو ما ذكرناه من الإغراب في الاستنباط والاستدلال، والرد على أهل البدع، والدلالة على طريق أهل السنة والجماعة من أوجه قد طرقها غيره قبله.

" المفصح، أَعْلَمُ مَنْ لَقِيت بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" فوصفه بهذا الوصف الذي يدل على غزير علمه.

وقوله :"مَنْ لَقِيت بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ "، الدنيا كلها مشرق ومغرب، يعني يدل قوله أنه أعلم من لقي من أهل العلم في زمانه.

وهذا من فقه السائل، لأنه قيد ذلك بمن لقيه؛ لأنه قد يخفى عليه من هو في العلم أعلم من شيخ الإسلام، لكنه قيد ذلك بمن لقيه.

"تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة، أبقى الله بركته"، وهذا ليس فيه غلو حيث إن البركة منها البركة العلمية التي تحصل من المعلم لمن يتعلم منه، فليست المقصود بالبركة هنا بركة الذات، لأنه ليس هناك بركة ذاتية إلا في النبيrالذي كان الصحابة يتبركون بعرقه وبِريقه، وغير ذلك مما يصدر منه rمما نقلت السنة وحفظته دواوينها. [ روى البخاري في الشروط (2734) وفيه : ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ.]

إنما الكلام في البركة العلمية، هذا وصف يكون لكل أحد ينفع الناس، فإن العلماء فيهم من البركة والخير ما هو مشهود معروف، فإن الله يحيي بهم القلوب ويحصل بهم نفع كبير.

ثم ذكر ما يسأل عنه قال: "بِأَنْ يُوصِيَنِي بِمَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ دِينِي وَدُنْيَايَ"، وقدَّم الدين لأنه الأصل، لأنه إذا صلح صلحت الدنيا.

أما صلاح الدنيا فقد تصلح لشخص لكن هذا لا يدل على صلاح آخرته، فإن صلاح الدنيا ينقضي بانقضائها، وينتهي بزوالها.

"وَيُرْشِدُنِي إلَى كِتَابٍ يَكُونُ عَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ"، وعلم الحديث علم يشمل رواية ودراية، ولعل السائل أراد ما هو أوسع من ذلك، يريد علم الحديث بروايته ودرايته، وما يتعلق به.

"وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيُنَبِّهُنِي عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ الْوَاجِبَاتِ"، وهذا من أعظم ما ينبغي أن يفقه، لأن من الناس من يجهل مراتب الأعمال.

ومن أعظم الفقه، الفقه في مراتب العمل، لأن الإنسان قد يشتغل بالعمل الشاق العسير الذي يكون غيره أفضل منه، فلذلك من الفقه أن يشتغل الإنسان بفهم ومعرفة مراتب العمل بعد الواجبات حتى يستعمل نفسه وعمره ووقته فيما هو أعظم بركة وأنفع للعبد في أخراه.

فالعمر قليل وتفويته بالاشتغال بالفاضل من العمل، لاشك أنه من الغبن والخسارة فضلاً عن أن يشغله بما لا يفيد وبما لا ينفع.

يقول -رحمه الله- :"وَيُبَيِّنُ لِي أَرْجَحَ الْمَكَاسِبِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الْإِيمَاءِ وَالِاخْتِصَارِ"، وهذا من فقهه رحمه الله – من فقه السائل- حيث إنه لم يطلب بسطاً، لأن بسط هذه الأمور يحتاج إلى مؤلفات، وإنما أراد جملاً يعتمدها في هذا، يغني قليلها عن كثيرها، ويكون في إشاراتها ما يغني عن بسطها وتفصيلها.

"وَاَللَّهُ تَعَالَى يَحْفَظُهُ، وَالسَّلَامُ الْكَرِيمُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ".

ثم قال -رحمه الله- في الجواب:فَأَجَابَ :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمَّا "الْوَصِيَّةُ "فَمَا أَعْلَمُ وَصِيَّةً أَنْفَعُ مِنْ وَصِيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِمَنْ عَقَلَهَا وَاتَّبَعَهَا، قَالَ تَعَالَى: ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [، وَوَصَّى النَّبِيُّ rمُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ:« اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ »، وَكَانَ مُعَاذٌ tمِنْ النَّبِيِّ rبِمَنْزِلَةِ عَلِيَّةٍ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ : "يَا مُعَاذُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبّكَ»[ أخرجه أبو داود في سننه(1522)، وابن حبان في صحيحه(2020).] وَكَانَ يُرْدِفُهُ وَرَاءَهُ ، وَرُوِيَ فِيهِ : "أَنَّهُ أَعْلَم الْأُمَّةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ[أخرجه الترمذي في سننه(3791)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".] وَأَنَّهُ يُحْشَرُ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةِ[أخرجه الطبراني في الكبير(41)، من حديث محمد بن كعب مرسلا.]   - أَيْ بِخُطْوَةِ - »، وَمِنْ فَضْلِهِ أَنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ rمُبَلِّغًا عَنْهُ، دَاعِيًا وَمُفَقِّهًا وَمُفْتِيًا وَحَاكِمًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ[صحيح البخاري(1395)، ومسلم(19/31).]، وَكَانَ يُشَبِّهُهُ بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ rوَإِبْرَاهِيمُ إمَامُ النَّاسِ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ tيَقُولُ :" إنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ "[ أخرجه الحاكم في المستدرك(3367)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».ووافقه الذهبي.]؛ تَشْبِيهًا لَهُ بِإِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إنَّهُ rوَصَّاهُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فَعُلِمَ أَنَّهَا جَامِعَةٌ، وَهِيَ كَذَلِكَ لِمَنْ عَقَلَهَا مَعَ أَنَّهَا تَفْسِيرُ الْوَصِيَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ .

هذه الوصية يا إخواني، الشيخ -رحمه الله- بدأ الرسالة لجواب من سأله بحمد الله Uوالثناء عليه، وهذا هدي قاصد في سلف الأمة وخلفها، وهو ما افتتح الله -I- به كتابه، وهو حمد الله -جل وعلا- الذي يتضمن ذكرهIبعظيم الأوصاف الدالة على كمال الرب -جل وعلا- بأسمائه وصفاته، ويكون ذلك مقترناً بمحبته وتعظيمة.

ثم ذكر -رحمه الله- في الجواب :"أَمَّا "الْوَصِيَّةُ" ، لم يطل المؤلف -رحمه الله- في الافتتاح؛ لأن السائل كان قد ذكر في سؤاله وطلبه أن تكون الوصية على وجه القصد والإيماء والاختصار، فناسب ذلك أن يكون الاقتصار أيضاً في افتتاح الرسالة، فيعجل للسائل بمطلوبه.

يقول -رحمه الله- :"أَمَّا "الْوَصِيَّةُ "فَمَا أَعْلَمُ وَصِيَّةً أَنْفَعُ مِنْ وَصِيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِمَنْ عَقَلَهَا وَاتَّبَعَهَا "

والوصية – يا إخواني – هي الدلالة على الخير، وتكون لفظية وتكون خطية، وتكون معلومة من الحال حتى لو لم يتلفظ بها قائلها، وذلك لكثرة تكراره وعنايته بالأمر الذي يبلغ حد الوصية.

كما قال النبيrفيما فهمه من تكرار جبريل له فيما يتعلق بالجار، قال :«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».[رواه البخاري في الأدب (6014)، ومسلم في البر والصلة (2625).]

فتكرار الشيء والحفاوة به والعناية به يلحقه بالوصية، ولو لم يتلفظ بها الموصي.

ومنه أيضاً ما رواه الترمذي من حديث ابن مسعود tفي قولهt:"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ rفَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَاتِ ]قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ[الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ ]لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[.[رواه الترمذي في تفسير القرآن (3070)، وإسناده ضعيف.]

فالوصية تكون لفظية، وتكون قوليه.

أعظم ما يكون من الوصية هي ما كانت من أهل العلم وأهل البصر، فوصيتهم فيها من خالص تجربتهم، وزبدة علمهم، ما لا يقف عليه الإنسان في كلام كثير من الناس.

لذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- افتتح هذه الوصية الجامعة بالإشادة بوصية الله تعالى ووصية رسولهrفقال :"أَمَّا الْوَصِيَّةُ "فَمَا أَعْلَمُ وَصِيَّةً أَنْفَعُ مِنْ وَصِيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِمَنْ عَقَلَهَا وَاتَّبَعَهَا "، لكن انظر هذه الوصية لا تنفع كل أحد، إنما تنفع من سمعها وفهم معناها، وهذا معنى قوله -رحمه الله-:"عَقَلَهَا"، والعقل هو: الربط بالشيء على الشيء خشية فواته وذهابه، ولذلك يوضع العقال في قدم البعير أو في يده؛ لئلا يهرب من صاحبه ويفر عنه.

فكذلك هذه المعاني التي تضمنتها هذه الآيات تحتاج إلى عقل، وهو نوع مشقة ومعاناة في فهم كلام الله وكلام رسوله.

ثم بعد هذا العقل يأتي العمل، قال :"وَاتَّبَعَهَا"،وهذا يدل على أنه لا يمكن العمل الصالح والاتباع للنبيrإلا بعد الفهم.

وهذا يبين لك أهمية الفهم عن الله وعن رسوله، لأنه من ثماره العمل، فالعمل ثمرة الفهم.

ولا يمكن أن يوفق الإنسان إلى عمل صالح إلا بفهم صائب.

ثم قال -رحمه الله-  في بيان الوصية التي أشاد بها:"قَالَ تَعَالَى: ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ["[ النساء:131.]، هذه الوصية تكتسب الأهمية من جهتين:

أولاً: أنها وصية الله العليم الخبير.

ثانياً: أنها الوصية الممتدة لبني آدم منذ خلقهم الله -جل وعلا- إلى آخر أمة، فهي وصية مستمرة ممتدة، ليست لحقبة من الزمن ولا لمكان من الأماكن، ولا لشريعة من الشرائع، بل هي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال -جل وعلا -:"]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ[، وهذا يشمل كل الأمم التي أنزلت فيها الكتب، وكل الأمم التي بعث فيها الرسل،]وَإِيَّاكُمْ[، أي: هذه الأمة ]أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [، وهذا يبين لك عظيم هذه الوصية.

رسول اللهrأيضاً أوصى بما أوصى به الله U،"وَوَصَّى النَّبِيُّ rمُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ :« اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت"،[الحديث رواه أحمد(5/236)، والترمذي في البر والصلة (1987) عن أبي ذر ومعاذ بن جبل، وإسناده حسن.]وهذا يترجم الوصية التي وصَّى الله بها الأولين والآخرين، أنها ملازمة أمر الله U، ملازمة شرع الله -جل وعلا- في كل حين وفي كل حال، وفي كل ظرف، وفي كل مكان.

فإن التقوى قد تكون في فترة من الزمن، قد يقوى الإنسان وتجيبه نفسه أن يتقي الله تعالى في فترة من الزمن أو من العمر، لكن دوام ذلك هو عنوان السعادة، وهو الذي به يحصل السبق.

فليس الشأن في أن أطيع الله Uفي شهر من الشهور، أو في زمن من الأزمان، ثم بعد ذلك أخرج عن سياج التقوى، وأتجاوز حدود التقوى التي فرضها اللهUعلى الأولين والآخرين.

ولذلك قال النبيrفي وصيته:«اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت»، وذكَّر المكان إشارة إلى الزمان، «حيثما كنت» في كل زمان، لأنه لابد أن يكون في مكان من الأماكن في زمان من الأزمان.

فذكر المكان إشارة إلى الزمان.

قال :«وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ»،وهذا من تفاصيل التقوى، فإن إتباع السيئة الحسنة هو تلافي ما حصل من تفريط في تقوى الله U، لأن السيئة خروج عن التقوى.

فهل يترك الإنسان هذا الخروج ويتساهل فيه؟ لا. يعالج هذا الخروج بأي شكل بأن يتبع السيئة الحسنة، وهذا يشمل كل سيئة يعملها الإنسان في القول، أو في العمل، أو في الاعتقاد.

والإنسان لابد أن يقع في سيئة، لابد أن يقع في خطأ،«كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».[رواه أحمد (3/198)، والترمذي في صفة القيامة(2499)، وابن ماجة في الزهد(4251)، وإسناده حسن.]

مهما علت درجته وارتفعت منزلته وقوي إيمانه لابد أن يكون فيه قصور أو تقصير يتلافاه بالإحسان الذي قال فيه النبيrوَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»، ثم دله على ما يصلح به الصلة بينه وبين الخلق فقال rوَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ»،وإذا كمل للإنسان صلاح الصلة بينه وبين ربه، صلح ما بينه وبين الناس.

فإن صلاح ما بين العبد وما بين الناس فرع عن صلاح ما بينه وبين الرب جل وعلا.

وكان من هديه rأنه إذا ودَّع أحداً دعا له بقوله: «زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى،وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ ».[رواه الترمذي في الدعوات (3444)، والدارمي في الاستئذان(2671)، وإسناده صحيح.]

وهذا يدل على أهمية التقوى في كل تغير وانتقال في حياة الإنسان.

قد يتقي العبد ربه -جل وعلا- في حال إقامته، ثم إذا خرج وغاب عنه من يعرف خفَّ في قلبه وازع التقوى، وما ينبغي أن يكون عليه من صفات المتقين بسبب غربته وخروجه.

ولذلك قال النبيrزَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى»، فهي خير زاد، كما قال الله -جل وعلا-:]وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[.[سورة البقرة :197.]

بعد هذا فصَّل في بيان فضل معاذ t، وسبب هذا التفصيل لبيان أهمية الوصية، فإذا كانت هذه الوصية لهذا الذي هو من أحب الناس إلى النبيrالذي أخبر بحبه، وأيضاً لمن هو أعلم بالحلال والحرام، ولمن يحشر أمام العلماء برتوة أي بخطوة يتقدم عليهم، وأيضاً هو مبعوث رسول اللهrمفتياً ومعلماً وحاكماً وفيه شبه من إبراهيم.

كل هذه الفضائل تدل على عظيم مكانة هذه الوصية، ورفعة منزلتها.

ثم قال -رحمه الله- :"أَمَا بَيَانُ جَمْعِهَا فَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ حَقَّانِ : حَقٌّ لِلَّهِ U، وَحَقٌّ لِعِبَادِهِ، ثُمَّ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُخِلَّ بِبَعْضِهِ أَحْيَانًا: إمَّا بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ r: « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت ».

الأمر بالتقوى، ما معناه؟ ما هي التقوى التي أوصى الله بها الأولين والآخرين؟ هي: فعل الأوامر وترك النواهي رغبة ورهبة.

هذه التقوى التي أمر الله بها، وهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، والشيخ -رحمه الله- بيَّن  هذه التقوى بقوله:"الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُخِلَّ بِبَعْضِهِ" كما ذكرنا قبل قليل ،«كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».

 وكما قال النبيrوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».[رواه مسلم في التوبة (2749) من حديث أبي هريرة.]كما في "الصحيح".

ثم بيَّن -رحمه الله- قال :"إمَّا بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ"، فعلم من هذا أن التقوى هي التزام الأوامر وترك النواهي، لكن هل هذا على وجه العادة؟ الجواب : لا. إنما هو على وجه التعبد لله U.

ولهذا يضيف بعض العلماء قيداً فيقول :" رغبة ورهبة"، رغبة فيما عند اللهU، ورهبة منه I.

ثم قال -رحمه الله- :"فَقَالَ النَّبِيُّ r: « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت »"، وهذه كلمة جامعة.

الكلمة الجامعة: هي التي تحمل معاني كثيرة على وجازة لفظها.

 فكل كلمة احتملت من المعاني شيئاً كثيراً، على وجازة اللفظ فهي من الكلمات الجامعات، وهو ما اختص الله به رسولهrكما في حديث أبي هريرة في "الصحيحين": «أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ».[رواه البخاري في الجهاد(2977)، ورواه مسلم في المساجد (523) كلاهما من حديث أبي هريرة.]

قال -رحمه الله-:"وَفِي قَوْلِهِ: "حَيْثُمَا كُنْت " تحْقِيقٌ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ:«وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» ، فَإِنَّ الطَّبِيبَ متى تَنَاوَلَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مُضِرًّا أَمَرَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ، وَالذَّنْبُ لِلْعَبْدِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ حَتْمٌ -أي أمر لازم -فَالْكَيِّسُ هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ يَأْتِي مِنْ الْحَسَنَاتِ بِمَا يَمْحُو السَّيِّئَاتِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ "السَّيِّئَةَ" وَإِنْ كَانَتْ مَفْعُولَةً؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَحْوُهَا لَا فِعْلُ الْحَسَنَةِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ : «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ»[صحيح البخاري(220).]، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَاتُ مِنْ جِنْسِ السَّيِّئَاتِ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَحْوِ، وَالذُّنُوبُ يَزُولُ مُوجِبُهَا بِأَشْيَاءَ.

يقول -رحمه الله- :"فَالْكَيِّسُ"، الكيِّس هو: الفطن الذكي الذي يبادر إلى ما ينفعه في دينه ودنياه.

"هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ يَأْتِي مِنْ الْحَسَنَاتِ بِمَا يَمْحُو السَّيِّئَاتِ"، يعني الإتيان بالحسنات والاشتغال بها له فائدتان:

الفائدة الأولى : امتثال الأمر الذي يحصل به الأجر.

الفائدة الثانية: محو ما يكون من التقصير والخطأ.

وكلا الأمرين مقصود الشارع، ينبغي للمؤمن أن يتنبه إليه، وينوي به عمله الصالح.

أتى رجل إلى النبيrكما في "الصحيح" من حديث عبد الله بن مسعود قال:"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ rفَقَالَ: إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ فَأَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَأَقِمْ عَلَيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّrشَيْئًا، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ rرَجُلاً فَدَعَاهُ فَتَلاَ عَلَيْهِ: ]وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ[إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟ فَقَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً».[رواه مسلم في التوبة (2763)، وأحمد(1/452)، والترمذي في التفسير(3112).  ]

فمن أعظم ما يوفق إليه الإنسان أن يشتغل بالحسنات الماحية لما يكون منه من سيئات، سواء بما يتعلق بحق الله -جل وعلا- أو ما يتعلق بحق الخلق، فإن الإنسان ما يزال في تقصير، ما يمكن للإنسان أن يبلغ درجة الكمال مهما بلغ في العبادة والإحسان.

بل لابد أن يكون منه تقصير، يستوجب أن يستغفر، وأن يستكثر من الحسنات التي تخفِّض وتنقص معدل ما معه من السيئات، حتى لا تدركه هذه السيئات فتوبقه.

ولذلك قال النبي rلعائشة:«يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِفَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا».[رواه أحمد(6/70)، وإسناده قوي.]

وفي رواية قال النبيr: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ».[رواه أحمد(1/402) من حديث عبد الله بن مسعود، وإسناده حسن لغيره.]

فينبغي للمؤمن أن يشتغل بالحسنات الماحية.

ثم قال في السر في تقديم السيئة  في قوله: « وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»، أن المقصود إزالة السيئة، وليس المقصود فعلها، ونظَّر ذلك بقول النبيrفي بول الأعرابي:«صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ»،[رواه البخاري في الوضوء (221)، ومسلم في الطهارة(284)، من حديث أنس بن مالك.]فاهتم النبيrأولاً بإزالة الأثر المترتب على بول الأعرابي.

فينبغي للمؤمن أن يهتم بإزالة الأثر من السيئات العالقة بقلبه قبل غيره من الاهتمامات، لاسيما إذا أسرف الإنسان على نفسه، - وكلنا مسرف على نفسه، أسأل الله تعالى السلامة والعافية وأن يعاملنا وإياكم بعفوه-.

يقول -رحمه الله- :"وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَاتُ مِنْ جِنْسِ السَّيِّئَاتِ "،فإذا كانت الإساءة في حق الله خاصة، فالإحسان يكون في حق الله خاصة، وإذا كانت السيئة متعلقة بحق الخلق فيكون الإحسان بما يتعلق بحق الخلق.

ولذلك في الغِيبة إذا وقع الإنسان في غيبة شخص، فإن الحسنة التي تمحو هذه السيئة أن يوصل إلى هذا الذي اغتابه خيراً وإحساناً، هذا إذا لم يستطع أن يتحلل منه.

فإنه من الإحسان الذي تمحى به السيئة أن يوصل له دعاءً أو ذكراً حسناً، أو إشادة بعمل صالح يقوم به، أو ما أشبه ذلك مما يجُبُّ ويمحو ما كان من السيئات.

وهذا معنى قوله -رحمه الله- :"وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَاتُ مِنْ جِنْسِ السَّيِّئَاتِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَحْوِ "أي: أمضى في إزالة أثر المعصية.

ثم يقول -رحمه الله- :"وَالذُّنُوبُ يَزُولُ مُوجِبُهَا" أي: أثرها وما يترتب عليها"بِأَشْيَاءَ "، أي بعدة أمور، عدها المؤلف -رحمه الله- فقال:":(أَحَدُهَا) التَّوْبَةُ، وَ(الثَّانِي) الِاسْتِغْفَارُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَغْفِرُ لَهُ إجَابَةً لِدُعَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ الْكَمَالُ".

التوبة - يا إخواني – هي الرجوع في اللغة، وأما في الاصطلاح الشرعي فهي الرجوع عن المعصية إلى الطاعة.

الرجوع عن معصية الله Uإلى الطاعة.

والمعصية درجات، إما مخالفة بترك واجب، وإما مخالفة بارتكاب محرم، ومن المخالفة المتعلقة بالواجبات التقصير فيها، فهذا معنى التوبة.

وهي أعظم ما يزول به أثر السيئات، ولذلك بدأ بها المؤلف -رحمه الله- قبل غيرها؛ لأنها أهم وأقصر طريق يحصل به إزالة أثر المعاصي، قال الله -جل وعلا- :]قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ[.[سورة الأنفال: 38.]

فالتوبة لها من الأثر والنفاذ في إزالة المعاصي ما ليس لغيرها، وسواء كان ذلك في حق الله أو في حق الخلق.

"وَ(الثَّانِي) الِاسْتِغْفَارُ "والاستغفار هو طلب المغفرة من الله Uبقول "أستغفر الله" أو ما أشبه من ذلك من القول، كقول "اللهم اغفر لي وتب عليَّ"، وما أشبه ذلك من الأدعية التي يسأل فيها العبد ربه جل وعلا مغفرة الذنوب وتكفير الخطايا.

الاستغفار قد يكون مقترناً بالتوبة، وقد يكون غير مقترن بالتوبة.

مثال المقترن بالتوبة الذي ذكره اللهUفي قوله:]وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا[.[سورة آل عمران :135.]

فهذا استغفار مقترن بالتوبة، وقد يكون استغفار دون توبة، كأن يقول الإنسان:" أستغفر الله، أستغفر الله"، هذا استغفار طلب من اللهUالمغفرة مع كونه مصرًّا في قلبه على الخطأ الذي هو فيه من ترك واجب أو فعل محرم، أيهما الذي يمحو الخطايا على وجه التأكيد؟ الأول، التوبة.

وأما الثاني وهو الاستغفار وسؤال الله المغفرة دون النزوع وترك المعصية فإنه قد يحصل به المغفرة، وقد لا يحصل به المغفرة، لأنه من جملة الدعاء الذي قد يتحقق مطلوبه، وقد لا يتحقق مطلوبه.

لكن هل يؤجر على استغفاره؟ الجواب: يؤجر على استغفاره كأجر سائر ما يكون من الأذكار، يعني ليس عبساً، أن يقول: "أستغفر الله "بل هو من الحسنات التي تمحو السيئات، لكن لا يحصل بها التوبة التامة التي تزيل الذنوب والمعاصي، وما يترتب عليها من سيئات.

إذاً عندنا توبة وعندنا استغفار، التوبة قد تقترن باستغفار، وقد لا تقترن باستغفار، واختلف العلماء هل من لزوم صحة التوبة أن يستغفر؟ قولان لأهل العلم، والصحيح أنه ليس من لازمها، وإنما من كمالها أن يستغفر.

يبقى عندنا هل الاستغفار توبة؟ لا يلزم أن يكون الاستغفار توبة، فالاستغفار هو أن يقول العبد: "أستغفر الله"، كلنا يقول: أستغفر الله بعد الصلاة، فهل هذا يعني أننا ننزع عن تركنا للواجب في الصلاة من الخشوع وما أشبه ذلك مما يستغفر منه؟ الجواب: لا. قد يقوله الإنسان على أنه ذكر من الأذكار، وقد لا يستحضر الإنسان أن هذا الاستغفار هو طلب المغفرة من اللهUلما كان من تقصير في الصلاة، وما إلى ذلك من المعاني التي من أجلها شرع الاستغفار في الصلاة.

قد يقوله على أنه ذكر من الأذكار، يؤجر على هذا أم لا يؤجر؟ يؤجر.

هل يحصل به المغفرة أو لا تحصل به المغفرة؟ قد تحصل وقد لا تحصل، لأن هذا دعاء من الأدعية، وليس توبة تجُبُّ ما قبلها.

هذا الأمر الثاني الذي يحصل به محو أثر السيئات، "الِاسْتِغْفَارُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَغْفِرُ لَهُ إجَابَةً لِدُعَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ".

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94004 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف