×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / رسالة العبودية / الدرس(7) من شرح رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2036

الدرس(7) من شرح رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ أد خالد المصلح.

(فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنّ الأمر والنهي لازمان لكل عبد ما دام عقله حاضراً إلى أن يموت، لا يسقطان عنه لا بشهوده القدر ولا بغير ذلك، فمن لم يعرف ذلك عُرِّفَهُ وبُيَّنَ له، فإن أصر على اعتقاد سقوط الأمر والنهي؛ فإنه يقتل.

وقد كثرت مثل هذه المقالات في المستأخرين، وأمّا المتقدمون من هذه الأمة فلم تكن هذه المقالات معروفة ًفيهم.

وهذه المقالات هي محادّة لله ورسوله، ومعاداة له، وصدٌّعن سبيله، ومشاقّة له، وتكذيب لرسله ومضادّة له في حكمه.

وإن كان من يقول هذه المقالات قد يجهل ذلك، ويعتقد أنّ هذا الذي هو عليه هو طريق الرسول، وطريق أولياء الله المحققين. فهو في ذلك بمنزلة من يعتقد أنّ الصلاة لا تجب عليه؛ لاستغنائه عنها بما حصل له من الأحوال القلبية. أو أنّ الخمر حلال له؛ لكونه من الخواص الذين لا يضرهم شرب الخمر. أو أنّ الفاحشة حلال له؛ لأنه صار كالبحر لا تكدره الذنوب ونحو ذلك).

هذه كلها من مقالات الصوفية الذين سوّغوا لأنفسهم مواقعة السيئات، وغفلوا عن أنها سبب لارتفاع الفضائل والتقدم في المقامات، والشيخ -رحمه الله- يقول في هؤلاء الذين عارضوا الشرع بالقدر: (فهو في ذلك) أي في جهله بأن هذا من المكفرات(بمنزلة من يعتقد أن الصلاة لا تجب عليه؛ لاستغنائه عنها بما حصل له من الأحوال القلبية). ثم ذكر أمثلة. والواجب في هؤلاء أن يُعَلَّمُوا، وتقام عليهم الحجة ويبين لهم الصواب، ويبين لهم من الكتاب والسنة خطأ ماهم عليه. فإذا استقاموا؛ سَلِمُوا من هذه البدع ومن الكفر. فإن أصروا بعد بيان الحق، وتوضيحه، وتجليته ممن تقوم الحجة بمثله- وانظر إلى هذا الضابط: ممن تقوم الحجة بمثله. فالحجة لا يُقيمها كل أحد- فإذا قامت عليهم الحجة ممن تقوم الحجة بمثله؛ ففي هذه الحال يحكم بكفرهم.

فتنظير الشيخ -رحمه الله- الجهل في مسألة القدر في هذه المسائل ليجري طالب العلم الحكم فيها، فالحكم فيها واحد.

فكما أن جاهل هذه الأمور: من يعتقد أن الصلاة لا تجب عليه، هل يحكم بكفره مباشرة؟ يُعَلَّم، يعلم ويقال له: مثل هذا لا يجوز، والصلاة واجبة على كل أحد. فإن أقر، الحمد لله، استبان الحق وانتفى الشر. فإن أصر على ماهو عليه؛ فعند ذلك يحكم بكفره، نعم.

يقول -رحمه الله-: (ولا ريب أنّ المشركين الذين كذبوا الرسول يترددون بين البدعة المخالفة لشرع الله، وبين الاحتجاج بالقدر على مخالفة أمر الله. فهؤلاء الأصناف فيهم شبه من المشركين؛لأنهم إمّا أن يبتدعوا، وإما أن يحتجوا بالقدر، وإما أن يجمعوا بين الأمرين، كما قال ـ تعالى ـ عن المشركين:﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أمرنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28)﴾‏[سورة: الأعراف (28)]،وكما قال ـ تعالى ـ عنهم:‏﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ[سورة: الأنعام (148)] وقد ذُكر عن المشركين ما ابتدعوه من الدّين الذي فيه تحليل الحرام، والعبادة التي لم يشرعها الله بمثل قوله ـ تعالىـ:‏﴿وَقَالُوا هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ[سورة: الأنعام(138)]إلى آخر السورة،وكذلك في سورة الأعراف في قوله:‏﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ-إلى قوله:-وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللّهُ أَمَرَنَابِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ- إلى قوله:-وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ  يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ- إلى قوله: - قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(33)[سورة: الأعراف (27- 33)].وهؤلاء قد يسمون ما أحدثوه من البدع حقيقة، كما يسمون ما يشهدون من القدر حقيقة، وطريق الحقيقة عندهم هو السلوك الذي لا يتقيد صاحبه بأمر الشارع ونهيه؛ولكن بما يراه ويذوقه، ويجده في قلبه، مع ما فيه من غفلة عن الله ـ جل وعلا ـ ونحو ذلك).

هذا بيان للطريقة التي سلكوها في ابتداع ما لم يأذن به الله من الشّرع، احتجوا في إحداث ما أحدثوه من المبتدعات التي يتعبدون الله بها بالذوق والوجد.

والشيخ -رحمه الله- أشار إلى أن سالكي هذا السبيل -وهم غلاة الصوفية- احتجوا بالقدر في إبطال الشرائع، وسلكوا الابتداع في الإحداث في الدين، فجمعوا سوءتين:

  • الكفر برب العالمين.
  • والتعبد له بما لم يشرع، ولم يأذن.

وهذان –أيها الإخوة- معارضان للأصلين اللّذين لا يقوم الدين والإسلام إلا بهما:

الأصل الأول:أن لا نعبد إلا الله.

والأصل الثاني:أن لا نعبده إلا بما شرع.

هؤلاء عطلوا عبادة الله -جل وعلا- وجعلوا عبادة كل معبود عبادة لله -جل وعلا- كما ذكرنا لكم في أقوال ابن عربي، وهو من غلاة هذا الطريق:

 وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوهُ

 

عقد الخلائقُفي الإله عقائداً

 

فجمع عقائد الشر والزور والباطل.

الخلل الثاني الذي وقعوا فيه: أنهم عبدوه بما لم يشرع، بما لم يأذن -جل وعلا- ولذلك الشيخ -رحمه الله- أشار إلى أن هؤلاء شابهوا المشركين فيما كانوا فيه؛ حيث إنهم عبدوا مالم يأذن به الله، عبدوا مالم ينزل به سلطاناً، حجة وبرهاناً. هذا واحد.

والثاني: أنهم أحدثوا في الدين مالم يأذن به الله -جل وعلا- فحرموا ماشاؤواوأباحوا ما شاؤوا افتراء على الله -جل وعلا- نعم.

(وهؤلاء لا يحتجون بالقدر مطلقاً).

يقول -رحمه الله- في ملخص طريق الابتداع يقول:(هو السلوك الذي لا يتقيد صاحبه بأمر الشارع ونهيه، ولكن بما يراه ويذوقه ويجده) ثم انظر إلى قيد مهم، يقول:(ويجده في قلبه، مع ما فيه من غفلة عن الله جل وعلا) يعني: قد يوفق الإنسان إلى الحق إذا كان قلبه مقبلاً على الله -جل وعلا- ولو لم يعلم بالشرع، يعني: قد يصيب ما أمر الله به ويترك مانهى الله عنه مع عدم العلم السابق لما توصل إليه، إذا كان مقبلاً على الله-عز وجل-قاصداً الحق طالباً مرضاةالله-جل وعلا- ومثال ذلك ماجرى  من ابن مسعود -رضي الله عنه- في حكمه في المرأة المتوفىعنها زوجها ولم يدخل بها، حيث قضى بقضاء وافق فيه قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يعلم، فلما قضى فيها بأن لها المهر والميراث، ثم قام من أخبره بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى في بروع بنت واشق نحو ما قضى ابن مسعود؛ فرح وحمد الله عز وجل.

وهذا مراد الشيخ -رحمه الله- في هذا القيد: مع ما في قلبه من غفلة عن الله -جل وعلا- فإن القلب الغافل لا يصيب الحق، وأما القلب المقبل على الله -جل وعلا- المقبل على ذكره -سبحانه وتعالى- المراقب لأمره، فإنه يفجِّر الله -جل وعلا- فيه من ينابيع الحكمة ويلهمه الصواب والحق، ولو لم يسبق له علم بالشريعة، نعم خلافاً لهؤلاء. هؤلاء عطلوا أبدانهم من عبادة الله، وملؤوا قلوبهم بعبادة غيره، ثم مع ذلك يقولون: هذا طريق العبادة وهذا ما تلقيناه عن قلوبنا وعن أذواقنا.

والشرع لا يُثبت لا بالذوق ولا بالوجد، إنما يُثبت بقال الله، قال الرسول.

(وهؤلاء لا يحتجون بالقدرمطلقاً، بل عمدتهم اتباع آرائهم وأهوائهم، وجعلهم لما يرونه ويهوونه حقيقة، وأمرهم باتباعها دون اتباع أمر الله ورسوله، نظير بدع أهل الكلام من الجهمية وغيرهم الذين يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المخالفة للكتاب والسنة، حقائق عقلية يجب اعتقادها دونما دلت عليه السمعيات).

نعم هذا تنظير لبدعتهم، يقول -رحمه الله-: [بعضهم، بعض] (هؤلاء لا يحتجون بالقدرمطلقاً)يعني: لا يطردون القول في الاحتجاج بالقدر، بل يجعلون الاحتجاج بالقدر تابعاً لأهوائهم وآرائهم. فإذا كان ينفعهم ويحصل مقصودهم بالاحتجاج بالقدر؛ احتجوا به. وإذا كان الاحتجاج بالقدر لا يحقق لهم ما يريدون؛لم يحتجوا به. ثم إنهم يتعبدون الناس،أي يطلبون من الناس التعبد لله -عز وجل- وفق ما يشتهون وما يجربون، وما يرون أنه صالح مصلح لقلوبهم.

وهم في الحقيقة مخالفون للشريعة؛ لأن الشريعة لم تكن في زمن من الأزمان موكولة إلى آراء الناس، ولا إلى أهوائهم، ولا إلى أذواقهم، ولا إلى ما يحبون، ولا إلى ما يكرهون.

إنما الشريعة شرع من رب العالمين، أمر ونهي يبلغه الرسل إلى أقوامهم ويلزمهم؛ أي يلزم الأقوام اتباع ما جاءت به الرسل. يقول -رحمه الله-: (وهؤلاء لا يحتجون بالقدرمطلقاً، بل عمدتهم اتباع آرائهم وأهوائهم، وجعلهم ما يرونه ويهوونه حقيقة، ويأمرون باتباعها دون اتباع أمر الله ورسوله). وكل قول لا يَطَّرِد، فإن عدم اطَّرَادِهِ دليل على فساده.

وهذه قاعدة من القواعد التي تبطل بها الأقوال، فإن عدم الاطراد يدل على فساد القول.

يقول -رحمه الله-: (نظير بدع أهل الكلام) نظير يعني مثل. فكما أن هؤلاء تناقضوا واضطربوا فلم يُعْمِلُوا مسألة الاحتجاج بالقدر، وإثبات القدر في كل الموارد ؛ بل حكّموا أهواءهم فأعملوها في مواضع وعطلوها في مواضع. فكذلك أهل الأقوال المبتدعة في صفات الله عز وجل.

يقول: (نظير بدع أهل الكلام من الجهمية وغيرهم) كالمعتزلة، والأشاعرة، وغيرهم من مثبتة الصفات(الذين يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المخالفة للكتاب والسنة حقائق عقلية) أي يجعلونها حقائق ثابتة بالعقل (يجب اعتقادها) ويحكمون بهذه الحقائق وهذه القواعد على الكتاب والسنة.

فمثلاً يقولون: يمتنع على الله أن تحله الحوادث، الله –جل وعلا- لا تحله الحوادث.

قيل لهم: ما دليلكم على أنه لا تحله الحوادث؟ قالوا: لأنه لا تحل الحوادث إلا في حادث، جعلوا هذه القاعدة -الحقيقة العقلية عندهم-  حاكمة على نصوص الأفعال الاختيارية، فكل نص فيه أن الله يفعل عطلوه؛ لأن الفعل يقتضي الحدوث، والحدوث لا يكون إلا في حادث.

إذاً لا يغضب، ولا يرحم، ولا يعذِّب، ولا... كل الصفات الفعلية لرب العالمين، عطلوها استناداً إلى ماذا؟ إلى أن الله -جل وعلا- لا تحله الحوادث.

وقس على هذا كل القواعد المبتدعة التي جعلوها حقائق يحكمون بها على النصوص من الكتاب والسنة.

يقول -رحمه الله-: (يجب اعتقادها دونما دلت عليه السمعيات.ثم الكتاب والسنة). السمعيات جمع سمعي، والمراد بالدليل السمعي: ما جاء في الكتاب والسنة والإجماع.

الإجماع ـ يا إخواني ـ دليل سمعي؛ لأنه لا بد أن يستند الإجماع إلى دليل من الكتاب والسنة، لا يكون إجماع بلا دليل.

فالمقصود أنهم حكموا هذه القواعد على نصوص الوحيين، فعطلوا ما شاؤوا وأمضوا ما وافق عقولهم وقواعدهم. والواجب على المؤمن ماذا؟ أن يكون عقله حاكماً على نصوص الوحيين، أو تابعاً لنصوص الوحيين؟الواجب أن يكون تابعاً؛بل كل من ادعى أن العقل يعارض هذا- مما جاء في الكتاب والسنة- فإن البلاء، والآفة، والعطب في عقله، أما الكتاب والسنة فهو من لدن حكيم خبير: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ[سورة: فصلت (42)] هذا في القرآن.

وأما في السنة، فقد قال الله -جل وعلا- في وصف نبيه: ﴿وَمَا يَنطِقُعَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)[سورة: النجم (3-4)]. نعم.

يقول -رحمه الله- في جملة مستقلة:(ثم الكتاب والسنة)يعني الشيخ الآن يبين كيف يتعاملون مع الكتاب والسنة إذا خالف هذه الحقائق التي عندهم، كيف يتعاملون مع الكتاب والسنة إذا جاء ما يثبت أن الله يرحم، وأن الله يفعل مايشاء -جل وعلا- كيف يتعاملون مع هذه النصوص التي تثبت الفعل لرب العالمين، ويوفقون بينها وبين ما عندهم من قواعد مبتدعة؟يقول رحمه الله: (ثم الكتاب والسنة، إما أن يحرفوا القول فيهما عن مواضعه).

هذا طريق من طرقهم:التحريف. ويشمل التحريفُ:

  • التحريفَ اللفظي.
  • والتحريف المعنوي.

وأيهما أكثر؟ التحريف المعنوي هو الأكثر، وهو ما يسميه أصحابه تأويلاً، وهو التأويل المذموم الذي ذمه السلف.

إذاً الطريق الأول في معالجة النصوص المخالفة لما هم عليه من باطل،ماذا؟ التحريف. والتحريف  قسمان:  تحريف لفظي،وتحريف معنوي.

 أيهما أكثر؟ التحريف المعنوي.

ماهو التحريف اللفظي؟ التحريف اللفظي تغيير النص، مثاله ما اقترحه أحد المبتدعة على أحد القراء قال: اقرأ قول الله ـ تعالى ـ: (وَكَلَّمَ اللّهَمُوسَى تَكْلِيمًاهذا تحريف لفظي؛ لأنه غير في بناء الكلمة ما يغير المعنى، فقال له:إن غيرت هذا فكيف أصنع بقوله: ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ[سورة: الأعراف (143)]؟ ما يمكن هنا، مايمكن أن يغير.

أيضاً من التحريف اللفظي الذي وقع فيه هؤلاء اقتراح ابن أبي دؤاد على المأمون أن يزيل من ستار الكعبة قوله  ـ تعالى ـ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[سورة: الشورى (11)]. قال: أزل السميع البصير واجعل بدلها العزيز الحكيم.

ومنه أيضاً -من التحريف اللفظي- قول جهم بن صفوان: وددت لو أن أحك من المصحف، يعني يزيل ويمسح قوله ـ تعالى ـ:﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[سورة: طه (5)]. ضاق عقله وقلبه عن الإيمان باستواء رب العالمين.

هذا القسم الأول من التحريف وهو التحريف ماذا؟ اللفظي، تحريف لفظي،وهو قليل لكنه موجود.

القسم الثاني: التحريف المعنوي وهو الكثير، كتحريفهم قوله ـ تعالى ـ:﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5)حيث قالوا: استوى بمعنى استولى، وكتحريفهم قوله ـ تعالى ـ:﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[سورة: النساء (164)]. قالوا: أي إنه جرَّحه من الكَلْمِ، جرحه بأظافير الحكمة تجريحاً. هذا من التحريف المعنوي، وكثير في كلامهم هذا النوع من التحريف.

إذاً المبتدعة بل كل من خالف الكتاب والسنة -مهما كانت بدعته- فطريق معاملته للقرآن والسنة، النصوص، إما أن يحرف القول فيهما عن مواضعه. هذا الأول.

الثاني: (وإما أن يعرضوا عنه بالكلية، فلا يتدبرونه ولا يعقلونه، بل يقولون: نفوض معناه إلى الله مع اعتقادهم نقيض مدلوله).

وهذا طريق المُفَوَّضَة الذين عطلوا هذه النصوص عن المعاني. قالوا:ماندري ما المراد.

طيب، إذا كنت لا تدري؛ فالواجب أن تتوقف حتى تعلم. أمّا أن تعتقد، ثم إذا جاء ما يخالف اعتقادك؛ تعطله وتقول:لا، أنا لا أنظر إلاّ إلى ما سبق اعتقاده، وأما مادلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، فأنا لا أعقله، أحتاج أني أتأمل وأعرف. هذا كذب! هذا كذب وتعطيل للنصوص. الله -عز وجل- جعل النصوص هادية دالة على الحق مبينة للخلق، وهؤلاء عطلوها، فجعلوا القرآن لا يدل على معناها.

وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أن بدعة المفوضة أعظم البدع وشر البدع؛ لأنّمقتضاها أن يكون الله –جل وعلا-خاطب الناس بما لا يعقلون، وكلفهم ما لا يطيقون.

(وإذا حُقِّق على هؤلاء ما يزعمونه من العقليات المخالفة للكتاب والسنة؛ وجدت جهليات واعتقادات فاسدة. وكذلك أولئك، إذا حقق عليهم ما يزعمونه من حقائق أولياء الله المخالفة للكتاب والسنة؛ وجدت من الأهواء التي يتبعها أعداء الله لا أولياؤه).

يعني مراد الشيخ -رحمه الله- أن هذه الحقائق والقواعد والأصول التي حكَمُوا بها على النصوص، إذا تأملتها ونظرت إليها وحققتها؛ وجدتها أنها جهليات وليست قواعد وكليات، إنما هي ناشئة عن جهل وليس لها مستند، لا من النص الصحيح، ولا من العقل الصريح.

فإذا كانت كذلك؛ فالواجب أن يعرض عنها، وأن يتلقى عن الكتاب والسنة. نعم.

(وأصل ضلال من ضل هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله، وتقديم اتباع الهوى على اتباع أمر الله).

هذان الأصلان أصلاَ الضلال:

  • القياس.
  • واتباع الهوى.

واتباع الهوى يفضي بالإنسان إلى أن يستعمل القياس في غير موضعه. ولذلك ذكر الإمام أحمد-رحمه الله- لما ذكر ضلال الناس قال: أكثر ما يضل الناس بأمرين: التأويل والقياس.

والمقصود بالقياس، القياس الفاسد، وليس القياس الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة.

فالقياس الذي ذمه الإمام أحمد وأشار إليه الشيخ -رحمه الله- هنا هو القياس المعارض للنص، فإن القياس إذا كان في معارضة النصوص؛ فهو فاسد مردود على صاحبه. نعم.

(فإن الذوق، والوجد، ونحو ذلك هو بحسب ما يحبه العبد. فكل محب له ذوق ووجد بحسب محبته، فأهل الإيمان لهم من الذوق والوَجد).

(الوجد)هذه كلمة تكثر عند الصوفية، والمراد بها المحبة. الوجد، المراد بها عندهم المحبة. ولم يرد في كلام الله وكلام رسوله ما يدل عليها، بخلاف الذوق، فإنه سيذكر المؤلف -رحمه الله- ما يدل على مجيئها في النصوص.

ومن الألفاظ الشائعة التي يستعملها الناس إذا أرادوا أن يخبروا بوجود شخص في مكان معين قالوا: فلان متواجد. هذا غلط. الصحيح أن يقول: فلان موجود، أما متواجد يعني بلغ به الوجد حالة من حالات الصوفية. فهذا ليس بصحيح لا من جهة الاشتقاق ولا من جهة المعنى.

فإذا أردت أن تخبر عن شخص بأنه في المكان الفلاني، فقل: فلان موجود في المكان الفلاني، ولا تقل: فلان متواجد في المكان الفلاني؛ لأن متواجد تنسبه إلى فرق الصوفية. نعم.

(فأهل الإيمان لهم من الذوق والوجد مثل ما بينه النبي-صلى الله عليه وسلم- بقوله في الحديث الصحيح: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)).[صحيح البخاري(16)، ومسلم(43)]

الوجد المذكور في الحديث، (وَجَدَ حلاوة الإيمان). أي حَصَّلَ، وليس الوجد الصوفي. نعم وهذه الثلاثة: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان))، إذا تأملتها وجدتها متلازمة، وكلها دائرة على تحقيق المحبة لله -جل وعلا-،وبه تعلم منزلة المحبة في العبادة، وأنها الأصل الذي لا يستقيم إيمان أحد ولا تصلح عبادته إلا به. ((منكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) فيجب أن يحب الله ورسوله أعظم مما يحب غيره.

واعلم أنّمحبة الله هي الأصل ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تابعة، فإن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- تابعة لمحبة الله.

 قوله: ((وأن يحب المرءلا يحبه إلا لله))أي: أن يجعل محبته لمن يحب تابعة لمحبة الله، وهذا معنى الولاء. فإنه إنّما يحب من يحبه الله، لا يحب من يخالف أمر الله جل وعلا.

 الثالث: ((وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذْ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار))وهذا لأجل أي شيء؟ لعظيم محبته للحق.

فكل هذه الأمور الثلاثة دائرة على محبة الله -سبحانه وتعالى- الأصل محبة الله، فإذا أحب الله صادقاً أحب رسوله؛ لأنه المبلغ عنه، وإذا أحب الله ورسوله فإنه سيحب ما يحبه الله ورسوله؛ فيكون حبه لله وبغضه لله، عطاؤه لله ومنعه لله. وإذا صدق في محبة الله ورسوله، وكانت محبته لما يحب الله ورسوله؛ فإنه سيكره ما يكرهه الله ورسوله، وهو كراهية ما يكرهه الله ورسوله وهو الكفر والمعصية.

فقوله:((وأن يحب المرءلا يحبه إلا لله ،وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه))هذا من ثمار ومن كمال المحبة لله -عز وجل- طيب، اقرأ الحديث الثاني.

(وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «ذاق طعم الإيمان من رضيبالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيّاً».[صحيح مسلم(34)]

اللهم صلّوسلم عليه، وهذا فيه عظيم التصديق لهذه الأمور. (ذاق طعم الإيمان)، أي حصّله ووجد لذته في الدنيا قبل الآخرة (من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا)،وبهذه الأصول الثلاثة يكمل للإنسان سعادة الدنيا والآخرة: أن يرضى بالله ربًّا، وأن يرضى بالشرع وما حكم الله به شرعاً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا.

وهذه الجمل المختصرة الثلاث، على اختصارها وقلة ألفاظها، إلا أنها تجمع أصول الدين وجماع اليقين الذي إذا حصّله الإنسان؛ فاز بسعادة الدارين.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف