(وَهُوَ)، أي: الطَّهورُ: (البَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ)، أي: صفتِه التي خُلِق عليها، إما حقيقةً: بأن يَبْقى على ما وُجِد عليه مِن برودةٍ، أو حرارةٍ، أو مُلوحةٍ ونحوِها، أو حُكْماً: كالمُتغيّرِ بِمُكثٍ، أو طُحْلبٍ، ونحوِه مما يأتي ذِكْرُه.
(فَإِنْ تَغَيَّرَ بِغَيْرِ مُمَازِجٍ)، أي: مخاِلطٍ؛ (كَقِطَعِ كَافُورٍ)، وعُودٍ قِمَاريٍّ، (وَدُهْنٍ) طاهرٍ على اختلافِ أنواعِه، قال في الشَّرحِ: (وفي معناه: ما تَغيَّر بالقَطِرانِ والزِّفْتِ والشَّمْعِ؛ لأنَّ فيه دُهنيةً يتغيَّرُ بها الماءُ)، (أَوْ بِمِلْحٍ مَائِيٍّ) لا مَعدِنيٍّ فيسلُبُه الطَّهوريةُ، (أَوْ سُخِّنَ بِنَجسٍ ؛ كُرِهَ) مُطلقاً إن لم يُحتجْ إليه، سواءٌ ظُنَّ وصولُها إليه، أو كان الحائلُ حصيناً أوْ لا، ولو بعْد أنْ يَبرُدَ؛ لأنَّه لا يَسلَمُ غالِباً مِن صعودِ أجزاءٍ لطيفةٍ إليه.
وكذا ما سُخِّنَ بمغصوبٍ، وماءُ بئرٍ بمقبرةٍ، وبقلُها، وشوكُها، واستعمالُ ماءِ زمزمَ في إزالةِ خبثٍ، لا وضوءٍ وغسلٍ.
(وَإِنْ تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ)، أي: بطولِ إقامتِه في مقرِّه -وهو الآجِنُ-؛ لم يُكره؛ «لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ آجِنٍ»، وحكاه ابنُ المنذرِ إجماعَ مَن يحفظُ قولَه مِنْ أهلِ العِلْمِ سوى ابنِ سيرينَ .
(أَوْ بِمَا)، أي: بطاهرٍ (يَشُقُّ صَوْنُ المَاءِ عَنْهُ، مِنْ نَابِتٍ فِيهِ، وَوَرَقِ شَجَرٍ)، وسَمَكٍ، وما تُلْقيه الرِّيحُ أو السيولُ مِنْ تِبْنٍ ونحوِه، وطُحْلبٍ، فإن وُضِع فيه قَصْداً، وتغيَّرُ به الماءُ عن ممازجةٍ؛ سَلَبه الطَّهوريةَ.
(أَوْ) تغيَّرَ (بِمُجَاوَرَةِ مَيْتَةٍ)، أي: بريحِ ميتةٍ إلى جانبِه؛ فلا يُكره، قال في المبدعِ: (بغيرِ خلافٍ نعلمُه) .
(أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ، أَوْ بِطَاهِرٍ) مُباحٍ ولم يَشْتَدَّ حَرُّه؛ (لَمْ يُكْرَهْ)؛ لأنَّ الصحابةَ رضي الله تعالى عنهم دخلوا الحمَّام ورخَّصوا فيه، ذكره في المبدعِ، ومَن كَرِه الحمَّامَ فعِلَّة الكراهة: خوفُ مشاهدةِ العَورةَ، أو قَصْدُ التَّنَعُّمِ بدخولِه، لا كونُ الماءِ مُسخَّناً.
فإن اشتدَّ حرُّهُ أو بَردُهُ كُرِه؛ لمنعِه كمالَ الطَّهارةِ.
(وإِنِ اسْتُعْمِلَ) قليلٌ (فِي طَهارَةٍ مُسْتَحبَّةٍ؛ كَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ، وَغُسْلِ جُمُعَةٍ) أو عيدٍ ونحوِه، (وَغَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَثالِثَةٍ) في وُضوءٍ أو غُسْلٍ؛ (كُرِهَ)؛ للخلافِ في سَلْبِه الطَّهوريةَ
فإن لم تَكُن الطَّهارةُ مشروعةً؛ كالتَّبرُّدِ؛ لم يُكره.