بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الحُكْمِيَّةِ
أي: تطهيرِ مَواردِها.
(يُجْزِئُ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا)، ولو مِن كلبٍ أو خنزيرٍ (إِذَا كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ) وما اتَّصَل بها مِن الحيطانِ والأحواضِ والصخرِ؛ (غَسْلةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بَعَيْنِ النَّجَاسَةِ)، ويذهبُ لونُها وريحُها، فإن لم يذهبَا لم تَطهرْ، ما لم يَعجزْ.
وكذا إذا غُمِرت بماءِ المطرِ والسيول؛ لعدمِ اعتبارِ النيةِ لإزالتِها.
وإنما اكْتُفِيَ بالمرَّةِ ؛ دفعاً للحرجِ والمشقةِ؛ لقولِه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ» متفقٌ عليه .
فإن كانت النجاسةُ ذاتَ أجزاءٍ متفرِّقةٍ؛ كالرِّمَمِ، والدَّمِ الجافِّ، والرَّوثِ، واختلطت بأجزاءِ الأرضِ؛ لم تَطهُرْ بالغَسلِ، بل بإزالةِ أجزاءِ المكانِ، بحيثُ يُتَيقَّنُ زوالُ أجزاءِ النجاسةِ.
(وَ) يُجزئُ في نجاسةٍ (عَلَى غَيْرِهَا)، أي: غيرِ أرضٍ (سَبْعُ) غسلاتٍ، (إِحْدَاهَا، أي: إحدى الغسلاتِ - والأُولى أَوْلَى - (بِتُرَابٍ) طَهورٍ (فِي نَجَاسَةِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ) وما تَولَّد منهما، أو مِن أحدِهما؛ لحديثِ: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعاً، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رواه مسلمٌ عن أبي هريرةَ مرفوعاً .
ويُعْتبرُ ماءٌ يُوصِل الترابَ إلى المحلِّ ويستوعِبُه به، إلا فيما يَضُرَّ؛ فيكفي مُسَمَّاه.
(وَيُجْزِئُ عَنِ التُّرَابِ: أُشْنَانٌ وَنَحْوُهُ)، كالصابونِ والنُّخالةِ.
ويحرُمُ استعمالُ مطعومٍ في إزالتِها.
(وَ) يُجزئُ (فِي نَجَاسَةِ غَيْرِهِمَا)، أي: غيرِ الكلبِ والخنزيرِ أو ما تولَّد منهما أو مِن أحدِهما، (سَبْعُ) غسلاتٍ، بماءٍ طهورٍ، ولو غيرَ مُباحٍ، إن أنْقَتْ، وإلا فحتى تُنْقِي، مع حتٍّ وقرْصٍ لحاجةٍ،
وعَصْرٍ مع إمكانٍ، كلَّ مرةٍ خارِجَ الماءِ، فإن لم يُمكِن عصرُه فبِدقِّهِ وتَقْليبِه أو تَثْقيلِه كلَّ غسلةٍ حتى يذهبَ أكثرُ ما فيه مِن الماءِ، ولا يضرُّ بقاءُ لونٍ، أو ريحٍ، أو هما عجزاً، (بِلَا تُرَابٍ)؛ لقولِ ابنِ عمرَ: «أُمِرْنَا بِغَسْلِ الأَنْجَاسِ سَبْعاً»،
فيَنصرفُ إلى أمرِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قاله في المبدعِ وغيرِه .
وما تَنجَّس بغَسلةٍ يُغسلُ عددَ ما بَقي بعدَها مع ترابٍ في نحوِ نجاسةِ كلبٍ إن لم يَكُن استُعمل.
(وَلَا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ) ولو أرضاً (بِشَمْسٍ، وَلَا رِيْحٍ، وَلَا دَلْكٍ)، ولو أسفلَ خُفٍّ أو حذاءٍ، أو ذَيْلَ امرأةٍ، ولا صَقيلٌ بمَسْحٍ.
(وَلَا) يَطهرُ متنجِّسٌ بـ (اسْتِحَالَةٍ)، فرَمادُ النجاسةِ، وغبارُها، وبخارُها، ودودُ جُرُح، وصراصِرُ كُنُفٍ، وكلبٌ وَقَع في ملَاّحةٍ صار مِلحاً، ونحوُ ذلك؛ نَجِس، (غَيْرَ الخَمْرَةِ) إذا انقلبت بنفسِها خلًّا، أو بنقلٍ لا لقصدِ تخليلٍ، ودَنُّها مثلُها؛ لأنَّ نجاستَها لشدَّتِها المُسكِرةِ وقد زالت، كالماءِ الكثيرِ إذا زالَ تغيُّرُه بنفسِه، والعَلَقةِ إذا صارت حيواناً طاهراً.
(فَإِنْ خُلِّلَتْ)، أو نُقِلَت لقصدِ التخليلِ؛ لم تَطهرْ.
والخلُّ المباحُ: أن يُصَبَّ على العنبِ أو العصيرِ خلٌّ قبلَ غَليانِه حتى لا يَغْلي.
ويُمنَعُ غيرُ خَلَّالٍ مِن إمساكِ الخمرةِ لتُخَلَّل.