(وَالمُسْتَحَاضَةُ المُعْتَادَةُ) التي تَعرِف شهرَها، ووقتَ حيضِها، وطُهرِها منه، (وَلَوْ) كانت (مُميِّزَةً؛ تَجْلِسُ عَادَتَهَا)، ثمُّ تَغتسلُ بعدَها وتُصلِّي، (وَإِنْ نَسِيَتْهَا)، أي: نسيت عادتَها (عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ الصَّالِحِ)، بألا ينقُصَ الدمُ الأسودُ ونحوُه عن يومٍ وليلةٍ، ولا يَزيدُ على خمسةَ عشرَ، ولو تَنَقَّل أو لم يَتَكرَّرْ.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ) صالحٌ، ونسِيَت عدَدَه ووقتَه؛ (فَغَالِبُ الحَيْضِ)، تجلِسُه مِن أوَّلِ كلِّ مدَّةٍ عُلِم الحيضُ فيها وضاعَ موضِعُه، وإلا فمِن أوَّل كلِّ هلالي، (كَالعَالِمَةِ بِمَوْضِعِهِ)، أي: موضعِ الحيضِ، (النَّاسِيَةِ لِعَدَدِهِ)، فتجلِسُ غالبَ الحيضِ في موضعِه.
(وَإِنْ عَلِمَتْ) المستحاضَةُ (عَدَدَهُ)، أي: عدَدَ أيامِ حيضِها، (وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهُ مِنَ الشَّهْرِ، وَلَوْ) كان موضِعُه مِن الشهرِ (فِي نِصْفِهِ؛ جَلَسَتْهَا)، أي: جلست أيامَ عادتِها (مِنْ أَوَّلِهِ)، أي: أوَّل الوقْتِ الذي كان الحيضُ يأتِيها فيهِ، (كَمَنْ)، أي: كمُبْتَدَأةٍ (لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ)، فتجلِسُ مِن أوَّلِ وقتِ ابتدائِها، كما تقدَّم.
(وَمَنْ زَادَتْ عَادَتُهَا)، مثلَ: أن يكونَ حيضُها خمسةً مِن كلِّ شهرٍ، فيصيرُ ستَّةً، (أَوْ تَقَدَّمَتْ)، مثلَ: أن يكونَ عادتُها مِن أوَّلِ الشهرِ فتراه في آخرِه، (أَوْ تَأَخَّرَتْ)، عكسُ التي قبلَها؛ (فَمَا تَكَرَّرَ) مِن ذلك (ثَلَاثًا) فهو (حَيْضٌ).
ولا تَلتفِتُ إلى ما خَرَج عن العادَةِ قبلَ تَكرُّرِه؛ كدمِ المبتدأةِ الزائدِ على أقلِّ الحيضِ، فتصومُ فيه وتُصلِّي قبلَ التِّكرارِ، وتَغتسِل عندَ انقطاعِه ثانياً، فإذا تكرَّر ثلاثاً صار عادةً، فتُعِيدُ ما صامته ونحوَه مِن فرضٍ.
(وَمَا نَقَصَ عَنِ العَادَةِ طُهْرٌ)، فإنْ كانت عادتُها ستًّا فانقطع لخمسٍ؛ اغتسلت عندَ انقطاعِه وصَلَّت؛ لأنَّها طاهرةٌ.
(وَمَا عَادَ فِيهَا)، أي: في أيامِ عادتِها؛ كما لو كانت عشراً فرأت الدمَ ستًّا، ثم انقطع يومين، ثم عاد في التاسعِ والعاشرِ؛ (جَلَسَتْهُ) فيهما؛ لأنَّه صادَفَ زمنَ العادةِ؛ كما لو لم يَنقطِعْ.
(وَالصُّفْرَةُ وَالكُدْرَةُ فِي زَمَنِ العَادَةِ حَيْضٌ)، فتجلسُهما، لا بعدَ العادةِ، ولو تكرَّرتا؛ لقولِ أُمِّ عطيةَ: «كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئاً» رواه أبو داودَ .
(وَمَنْ رَأَتْ يَوْماً) أو أقلَّ أو أكثرَ (دَماً، وَيوَمًا) أو أقلَّ أو أكثرَ (نقَاءً؛ فَالدَّمُ حَيْضٌ) حيثُ بلَغَ مجموعُه أقلَّ الحيضِ، (وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ)، تغتسلُ فيه، وتصومُ وتصلي، ويُكره وطؤها فيه، (مَا لَمْ يَعْبُرْ)، أي: يُجاوزْ مجموعُهما (أَكْثَرَهُ)، أي: أكثرَ الحيضِ، فيكونُ استحاضةً.
(وَالمُسْتَحَاضَةُ وَنَحْوُها) مِمَّن به سلسُ بولٍ أو مذيٍ أو ريحٍ، أو جُرحٌ لا يَرْقَأُ دَمُه، أو رُعافٌ دائمٌ:
(تَغْسِلُ فَرْجَهَا)؛ لإزالةِ ما عليه مِن الحدَثِ .
(وَتَعْصِبُهُ) عَصْباً يَمنعُ الخارجَ حسبَ الإمكانِ، فإنْ لم يُمْكِنْ عَصْبُه كالبَاسورِ؛ صلَّى على حَسَبِ حالِه، ولا يَلزمُ إعادتُهما لكلِّ صلاةٍ إنْ لم يُفَرِّطْ.
(وَتَتَوَضَّأُ لِـ) دخولِ (وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) إن خَرَج شيءٌ، (وَتُصَلِّي) ما دام الوقتُ
(فُرُوضاً وَنَوافِلَ)، فإنْ لم يَخرجْ شيءٌ لم يَجبْ وضوءٌ.
وإن اعْتِيد انقطاعُه زمناً يتَّسِعُ للوضوءِ والصلاةِ؛ تعَيَّن؛ لأنَّه أمْكَن الإتيانُ بها كاملةً.
ومَن يَلحقُه السلسُ قائماً صلَّى قاعداً، وراكعاً أو ساجداً يركعُ ويسجدُ.
(وَلَا تُوطَأُ) المستحاضةُ (إِلَّا مَعَ خَوْفِ العَنَتِ منه أو منها، ولا كفارةَ فيه.
(وَيُسْتَحبُ غُسْلُهَا)، أي: غُسلُ المستحاضةِ (لِكُلِّ صَلَاةٍ)؛ لأنَّ
«أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَكَانَتْ تَغْتَسِل عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» متفقٌ عليه .