×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (1) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1538

قال الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيرحمه الله تعالى:

(بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمْدُ للهِ المحمُودِ بِكُلِّ لِسانٍ، المعبودِ في كُلِّ زَمانٍ، الَّذِي لا يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكانٌ، ولا يشغَلُه شانٌ عن شانٍ، جلَّ عَنِ الأشباهِ والأنْدادِ، وتَنَزَّهَ عَنِ الصَّاحِبَةِ والأولادِ، ونَفَذَ حُكمُهُ في جميعِ العبادِ، لا تُمَثِّلُهُ العقولُ بالتفكيرِ، ولا تَتَوَهَّمُهُ القلوبُ بالتصوير، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾،[سورة: الشورى (11).]لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَىوالصفاتُ العُلا، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَٰوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)﴾،[سورة: طـه (5-7).     ]﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾،[سورة: الطلاق (12).]وقَهَرَ كلَّ مخلوقٍ عِزَّةً وحُكْمًا، ووسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلمًا، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾، [سورة: طه (110)] مَوْصوفٌ بما وَصَفَ به نفسَهُ في كتابِهِ العظيمِ، وعلى لسانِ نَبِيِّهِ الكريمِ).

                                      بسم الله الرحمـٰن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين،وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا الدرس سنقرأ فيه -إن شاء الله تعالى- هذه العقيدة المباركة التي ألفها الإمام الموفق عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي -رحمه الله-في هذا المتن المختصر من متون الاعتقاد، وهو متن لمعة الاعتقاد.

هذا الكتاب كتاب مختصر في العقيدة ألفه مؤلفه-رحمه الله- وضمّنه مباحث فيما يتعلق بالإيمان بالله عز وجل،والإيمان بكتبه، والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر.هذا غالب ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب.

وقد جرت سنة أهل العلم من أهل السنة والجماعة فيما يؤلفونه من مؤلفات في الاعتقاد أن ينسجوا مؤلفاتهم ويرتِّبوا كتبهم فيما يكتبون في مسائل الاعتقاد على ضوء ما جاء في حديث جبريل[البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان..، حديث رقم (50).]في ذكر أصول الإيمان، حيث إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَسأله جبريل عن الإيمان فقال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)).

فإذا تأملت في المؤلفات والمتون والعقائد التي كتبها أهل العلم تجدها منسوجة على نحو هذه الأصول.

فإن العلماء يكتبون في الإيمان بالله، وفي الإيمان بالكتب، وفي الإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالقدر خيره وشرِّه.

قد يركزون في مؤلفاتهم على نوع من أنواع الإيمان نتيجة لشدة الحاجة إلى بيان ما يتعلّق بذلك الأصل،أو جواباً على شبَه شاعت في هذا الأصل؛لكنهم من حيث الأصل إذا تناولوا مسائل الاعتقاد يأتون ببيان أصول الإيمان التي جاءت في حديث جبريل.

ولا غرابة في هذا،فإن مباحث الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة مبنية على شرح الأصول الستة:  الإيمان بالله، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان بالملائكة، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر.لكن لما كان بعض هذه الأصول لم يكن فيه خلاف كبير، ولم تنتشر فيه المخالفات قلّكلام أهل العلم فيه في هذه المتون، وهذه العقائد، وهذه المؤلفات.

فمثلاً الإيمان بالملائكة لا يتكلم عنه المؤلفون في كتب الاعتقاد كلاماً موسعًا؛بل يختصرونه ويقتصرون على جمل فيه،وبعضهم قد لا يذكره بالكلية بناءًعلى وضوحه وظهوره.

وهكذا كل المؤلفات في العقيدة الغالب أنها جاءت استجابة لحاجةٍإلى التأليف:

إما بيان وتجلية منهج أهل السنةوالجماعة، وما كان عليه السلف الصالح ليتميّز عن طريق أهل البدعة.

وإما في الجواب والرد على الشُّبَه التي يثيرها خصوم هذا السبيل- خصوم أهل السنة والجماعة- فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد.

هذه العقيدة من العقائد المشهورةالمعروفة عند أهل العلم، وهي من تأليف الإمام عبد الله بن محمد بن قدامة،وهو من أئمة فقهاء الحنابلة وعلمائهم،له مؤلفات مشكورة مشهورة في الفقه؛لكن هذا المؤلف مما يتعلق بالاعتقاد،كما أنه -رحمه الله- كتب عدة كتابات في مسائل الاعتقاد في غير هذا المؤلَّف،فمما كتبه في ذلك ما اشتهر عنه في كتاب ذم التأويل؛فإنه من الكتب المشهورة التي يستفاد منها في رد وإبطال شبه المنحرفين عن أهل السنة والجماعة في مسائل الاعتقاد؛لأنه ألّفه في بيان ذم التأويل، وأدلة ذلك من الكتاب والسنةوما كان عليه سلف الأمة.

كذلك له رسالة في العلو.

كذلك له كتابباسم:"تحريم النظر في كتب أهل الأهواء".

هذا الاعتقاد الذي في هذه الرسالة اعتقاد مختصر،ولذلكسماه المؤلف -رحمه الله- بـ(لمعة الاعتقاد).

(لمعة)واللمعة هي البلغة والشيء اليسير من العيش،هذا من حيث اللغة. وهذه العقيدة نبذة وشيء يسير مما يعتقده أهل السنةوالجماعة،فهو نُبَذ مختصرة في مسائل الاعتقاد.

وقال بعض أهل العلم: إن تسمية المؤلف -رحمه الله- لهذا الكتاب بـ(لمعة الاعتقاد)؛ لأن ما ذكره من العقائد ظاهر واضح تدل عليه الأدلةمن الكتاب والسنة،فأدلته من أظهر ما يكون وأوضح ما يطلب،ولذلك سماها بـ(لمعة)من لمعان الشيء وهو ظهوره وعدم خفائه.

وعلى كل حال يصح أن يكون المقصود من هذا الاسم المعنيين؛ يصح أن يكون المقصود من تسمية الكتاب بلمعة الاعتقاد:

  • أنه نبذة مختصرة.
  • وأنه نبذة ظاهرة واضحة جلية في تقرير اعتقاد أهل السنة والجماعة.

أما (الاعتقاد)فمعنى الاعتقاد هو: الحكم الذهني الجازم، ولايلزم من الاعتقاد أن يكون صحيحاً؛لكنه اعتقاد وحكم ذهني جازم؛أي: لاتردد فيه ولا ارتياب،قد يكون مطابقاً للواقع فيكون اعتقاداً صحيحاً،وقد يكون مخالفاً للواقع، فيكون اعتقاداً فاسداً.

فالاعتقاد يصح أن يكون موافقاً للحق فيوصف بأنه اعتقاد صحيح،وقد يكون مجانباً للصراط المستقيم والحق فيكون اعتقاداً باطلاً فاسداً.

المراد أنه لا يلزم من الاعتقاد في جميع موارده أن يكون صحيحاً.

 قول المؤلف -رحمه الله- في تسمية هذا الكتاب:(لمعة الاعتقاد) أي: بيان ماظهر من مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة.

في قوله:(الهادي)، قال رحمه الله:(الهادي إلى سبيل الرشاد)في عنوان كتابه وعنوان هذه العقيدة المختصرة،(الهادي)أي: الدال والمبيِّن والموضِّح،(إلى سبيل الرشاد)يعني: إلى الطريق الذي يحصل به الرشد،وقوله:(الرشاد)ضد الغي والهداية ضد الضلال، فجمع المؤلف -رحمه الله- في وصف كتابه وتسميته بهذا الاسم، جمع فيه هذه الأوصاف وهي:الهداية والرشاد والوضوح والظهور.

 يقول -رحمه الله- في افتتاح هذه الرسالة المباركة:(بسم الله الرحمـٰن الرحيم)،وهذه الجملة جملة تامة،ومعنى جملة تامة أي: إنها كاملة يحصل بها الإفادة،مع أنه من حيث النظر الإعرابي للكلمات الموجودة لاتستقل الكلمات الموجودة بإفادة معنى إلا لابد فيه من تقدير،ولذلك (بسم الله الرحمـٰن الرحيم) لابد فيها من مُقَدَّر،هذا المقدر اختلف فيه العلماء -رحمهم الله- على قولين:

  • منهم من قدره باسم.
  • ومنهم من قدره بفعل.

 هذا التقدير وهذا الاختلاف ناشئعن الاختلاف:هل جملة البسملة جملة فعلية،أو جملة اسمية؟

فمن قال: إنها جملية فعلية قدره بفعل.

ومن قال: إنها جملة اسمية قدره باسم.

على كل حال كلا الوجهين صحيح، وكلا الوجهين مقبول،يصح أن يقدر باسم،ويصح أن يقدر بفعل، والمسألة قريبة، الاختلاف فيه ليس بكبير الشأن.

أكثر العلماء رجحوا تقديره بالفعل.

وذهب جماعة من العلماء إلى تقديره بالاسم.

لكن ينبغي في هذا المقدَّر أن يكون مناسباً، يعني أن يكون تقديره مناسباً لحال القائل، أو لحال الكاتب لهذه الجملة.

فمثلاً عند قراءةالكتاب ماذا نقدر؟ بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي أو أقرأ.

عند دخول المسجد بسم الله الرحمن الرحيم دخولي أو أدخل.

عند الذبح بسم الله الرحمن الرحيم أذبح وهلمّجرًّا.

عند الكتابة بسم الله الرحمن الرحيم كتابتي أو أكتب.

وهذا التقدير يناسب أن يكون في آخر الكلام لافي أوله تيمناً بالبداءة بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)ويصح أن يأتي مقدما ً كما في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[سورة: العلق (1).]ما قال: باسم ربك اقرأ؛لأن التقديم في هذه الصورة مناسب،وذلك أن المقصود الأكبر هو القراءة،فلذلك قدمه على البسملة.

لكن في غالب موارد البسملة ومجيئها الأنسب أن يكون المقدر المضمر مؤخراً،فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي،بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ.

قال المؤلف بعد ذلك: (الحَمْدُ للهِ المحمُودِ بِكُلِّ لِسانٍ)، وهذا شروع في الرسالة بالحمد بعد البسملة.

واعلم أن الرسائل والكتب ،الكلام يفتتح إما بالبسملة وإما بالحمد غالباً، وإما أن يفتتح بهما -يعني بالبسملة والحمد-كما فعل المؤلف -رحمه الله- في هذه الرسالة،فإنه افتتح هذه الرسالة بالبسملة وافتتحها أيضاً بالحمد.

و(الحمد)هو الإخبار بمحاسن المحمود محبةًوتعظيماً،فقول القائل: (الحمد لله)يخبر بمحاسن المحمود وهو الله -جل وعلا- محبة له وتعظيماً له جل وعلا.

ولذلك تلاحظ أنه بعد ذكر (الحمد)في كتاب الله -عزوجل- وفي غالب الكلام أن يأتي ذكر أوصاف المحمود أو ذكر أفعاله،والأفعال في معنى الصفات.

فهنا قال المؤلف -رحمه الله-: (الحَمْدُ للهِ المحمُودِ بِكُلِّ لِسانٍ) وهذا من صفاته -جل وعلا- أنه محمود بكل لسان،وهذا يدل على عظيم استحقاقه للحمد؛لأنه مامن لسان إلا حمد الله جل وعلا،واللسان هنا يشمل في الأصل والابتداء لسان المقال، ويشمل لسان الحال،فما من أحد إلا وهو حامد لله -عز وجل- بلسان الحال وبلسان المقال.

قال: (المعبودِ في كُلِّ زَمانٍ)،(المعبود)أي: المستحق للعبادة في كل زمان،فهو -جل وعلا- المعبود على مر العصور وتعاقب الدهور وتوالي الأيام وكرِّالليالي،فهو -جل وعلا- المستحق للعبادة الذي يعبده العابدون من الإنس والجن والملائكة وغيرهم من خلق الله عز وجل على توالي الزمان.

(الَّذِي لا يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكانٌ) أي: لايشغرولايتعطل مكان من الأمكنة عن علمه؛بل أحاط -جل وعلا- علمه بكل شيء،وسع كل شيء رحمة وعلماً.

قال: (ولا يشغَلُه شانٌ عن شانٍ) وهذا من بديع صفات الله -عز وجل- لايشغله أمر عن أمر (شأن)هنا بمعنى أمر،لايشغله أمر عن أمر؛بل هو -جل وعلا- الذي لاتكرثهالمسائل،ولاتشغله المطالب،يسمع سؤال كل سائل،ويعطي كل من سأله ودعاه،وهو جل وعلا يدبّر أمر الكون،فما من شيءإلا بمشيئته وتقديره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،لايشغله إعطاء هذا عن إعطاء غيره،ولا إحياء هذا عن إماتة غيره،ولاتدبير هذا عن تدبير غيره؛بل كل شيءبقضاء وقدر،وكل شيء بمشيئته وتقديره،فهو على كل شيءقدير،أحاط بكل شيءجل وعلا،فلا خروج لشيءمن خلقه عن قدره ومشيئته وعلمه جل وعلا،﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)﴾.[سورة: الحديد (3).]

(جلَّ عَنِ الأشباهِ)أي عظم عن الأشباه،فهو -جل وعلا- عظيم عن أن يشبهه شيء،أو أن يكون له ند،و(الأشباه)جمع شبيه،و(الأنْدادِ)جمع نِدّ.

فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-متعالٍعن أن يكون له مثيل،ومتعالٍ عنأن يكون له ند،والند يطلق على المِثْل ويطلق على الضد،فهو ليس له مثيل -جل وعلا- وليس له مضاد؛بل هو الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.

قال -رحمه الله-: (وتَنَزَّهَ) أي: تقدس (عَنِ الصَّاحِبَةِ والأولادِ)،(الصَّاحِبَةِ)يعني الزوجة، والأولاد يعني عن أن يتفرّع منه شيء -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-أن يكون له ولد،فليس له ولد جل وعلا: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾.[سورة: الإخلاص (1 -3).]

قال: (ونَفَذَ حُكمُهُ في جميعِ العبادِ)،(نَفَذَ)يعني مضى،والحكم هنا حكمه القدري،فحكم الله القدري -جل وعلا- نافذ في كل أحد،لاخروج لأحد عن حكم الله عز وجل،كل شيءبقضاء وقدر،مامن شيءإلا ويجري عليه حكم الله جل وعلا.

 (لا تُمَثِّلُهُ العقولُ بالتفكيرِ) أي: لا تدرك العقول مثالاً له مهما قضت من الوقت في النظر والتأمل والتفكر والتدبر،فإن العقول لاتصل إلى تمثيله،(لا تُمَثِّلُهُ العقولُ بالتفكيرِ)أي: لاتصل العقول إلى مثله بالتفكير.

(ولا تَتَوَهَّمُهُ القلوبُ بالتصوير) أي: لاتستطيع القلوب أن تدرك صورته جل وعلا؛أي: أن تجعله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-في صورة من الصور،فالعقول تعجز عن تصويره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،لماذا؟ قال:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[سورة: الشورى (11).]؛ لأنه --جل وعلا- ليس له مثيل، فليس له ما يمثَّل به، ولا ما يلحق به في الصورة،﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وقد قال الله -جـل وعلا- في نفـي المثل عنه: ﴿ِهَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً[سورة: مريم (65).]أي ليس له سمي؛ليس له نظير،﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ،[سورة: الإخلاص (4) .]﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً،[سورة: البقرة (22).]وما أشبه ذلك من الآيات التي نفى الله جل وعلا فيها عن نفسه الكفْووالند والنظير،له المثل الأعلى سبحانه وبحمده.

قال بعد هذا: (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى والصفاتُ العُلا) يعني ماتقدم من كونه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-ليس له شبيه، وليس له صاحبة ولاولد، وأنه لاتمثله العقول ولاتتوهمه القلوب بالتصوير،لايعني أنه لايوصف،لايعني أنه ليس له أسماء ولاصفات؛بل له -جل وعلا- الأسماء والصفات،ولذلك بعد أن ذكر ماتقدم من نفي المثل والند والشبيه، وأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-لاتمثله العقول، ولاتتوهمه القلوب بالتصوير،قال: (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى والصفاتُ العُلا) فذكر أسماءًوصفاتٍ،والله -جل وعلا- (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)أي البالغة في الحسن منتهاها،هذا معنى (الْحُسْنَى) أي:التي بلغت في الحسن المنتهى والغاية،فلا حسن فوق أسمائه،وقد انتهت أسماؤه إلى الحسن جل وعلا،فجمعت كمال المعنى وجمال اللفظ.قال: (والصفاتُ العُلا) فله -جل وعلا -الصفات العليا التي لاشيء فوقها.

قال الله تعالى في ذكر الأسماء: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَٰوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)،[سورة: طـه (5-7).]ذكر هذا المؤلف -رحمه الله- لبيان شيء من أسماء الله وصفاته التي يثبتها أهل السنة والجماعة.

ثبوت الأسماء لله -عز وجل- من أدلة كثيرة من ذلك قوله تعالىٰ:﴿وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.[سورة: الأعراف (180).]

ثبوت الصفات العلا له من أدلة كثيرة ومنها قوله تعالى:﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى﴾،[سورة : النحل (60).]المثل معناه الصفة،فقوله تعالىٰ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى﴾يعني له الصفة العليا.

فهذا دليل أن له الأسماء الحسنى، وله الصفات العلا.

قال -رحمه الله-: ﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا،[سورة: الطلاق (12).]أحاط الله -جل وعلا- بكل شيءعلماً،فما من شيءمن الخلق إلا وقد أحاط به علم الرب جل وعلا؛بل إنّعلم الله -جل وعلا- أحاط بكل شيء، فلا خروج لشيءعن علم الله،علم الله أحاط بالماضي والمستقبل،أحاط بالممكن والمستحيل.

لذلك قال العلماء: صفة العلم أعظم وأوسع الصفات تعلقاً.فهي تتعلق بكل شيء: تتعلق بالماضي والمستقبل،تتعلق بالممكن والواجب والمستحيل،تتعلق بما كان وبمالم يكن.

فالله -جل وعلا- أحاط علمه بكل شيء، فلاشيء يخرج عن علم الله عز وجل.

قال -رحمه الله-: (وقَهَرَ كلَّ مخلوقٍ عِزَّةً وحُكْمًا) وهذا فيه كمال صفاته،مع ماتقدم من الصفات، قهر كل مخلوق عزة وحكماً،فهو -جل وعلا- العزيز الحكيم،لاخروج لأحد عن عزته، ولا خروج لأحد عن حكمه (وسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلمًا، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).[سورة: طه (110).]

بعد هذه المقدمة التي ذكر المؤلف -رحمه الله- فيها الصفات العظيمة للرب -جل وعلا- على وجه الإجمال.

 قال -رحمه الله- في ابتداء ذكر مايتعلق بالأصل الأول من أصول الإيمان وهو الإيمان بالله عز وجل، قال: (مَوْصوفٌ بما وَصَفَ به نفسَهُ في كتابِهِ العظيمِ، وعلى لسانِ نَبِيِّهِ الكريمِ) هذا فيهإثبات الصفات على وجه الإجمال،وهذا المسلك تلاحظه في كلام العلماء في عديد من الكتب والمؤلفات:أنهم إذا ذكروا العقيدة يذكرون في أول اعتقادهم الإيمان المجمل،يعني الذي ينتظم كل شيء، الذي لايخرج عنه شيء، بحيث يكون كالمظلة التي يستظل بها جميع ماجاء من مسائل في هذا الأمر،ففيما يتعلق بالصفات يجب على المؤمن أن يؤمن بما وصف اللهُبه نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-في سنته،هذا إيمان مجمل يشمل كل مايتعلق بصفات الله -عز وجل- مما أدركه الإنسان وعلمه أو خفي عليه ولم يعلمه،أو أنه لم يتبين له معناه،فهذا هو الإيمان المجمل، وقد ذكر ذلك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-في حديث جبريل، فإن حديث جبريل تضمن الإيمان المجمل الذي يجب على كل أحد.

الإيمان ينقسم إلى قسمين من حيث الإجمال والتفصيل:

إيمان مجمل: وهو الإيمان بكل ماجاءت به الرسل.

إيمان مفصَّل: وهو الإيمان بتفاصيل ماجاءت به الرسل.

مثلاً إذا قال الإنسان في مثل ماذكر المؤلف -رحمه الله-: (مَوْصوفٌ بما وَصَفَ به نفسَهُ في كتابِهِ العظيمِ، وعلى لسانِ نَبِيِّهِ الكريمِ) هذا الإيمان بجميع الصفات،الإيمان بكل ما أخبر الله به عن نفسه،بكل ما أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن ربه.

أما الإيمان المفصل: فهو أن تعلم بأن الله سميع بصير قدير عليم قوي متين،أن له وجهاً،أن له يدين،وما إلى ذلك من سائر ماجاء به التفصيل في الكتاب والسنة.

في أول عتبات الإيمان يجب على المؤمن أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله مما يتعلق بالأسماء والصفات وغيرها؛لكن نحن نتكلم فيما يتكلم به المؤلف -رحمه الله- فيما يتعلق بالإيمان بالصفات،نؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله مما جاء في الكتاب أو صحت به السنة.

(وكلُّ ما جاءَ في القرآنِ أو صَحَّ عنِ المصطفى -عليه السلامُ- منْ صفاتِ الرحمـٰنِوَجَبَ الإيمانُ بِهِ وتَلَقِّيهِ بالتَّسْليمِ والقَبُولِ، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ بالرَّدِّ والتَّأْويلِ، والتَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ. وما أَشْكَلَ مِنْ ذلك وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه، ونرُدُّ عِلْمَه إلى قائله، ونجعلُ عُهْدَتَهُ على ناقِلِه،اتِّباعاً لطريقِ الرَّاسِخِين في العِلْمِ، الّذين أثْنَى اللهُ علَيْهِم في كتابِهِ المُبين بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الألْبَابِ (7)﴾،[سورة : آل عمران (7).] وقالَ في ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ لمتشابِهِ تَنْزِيلِهِ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ﴾،[سورة : آل عمران (7).] فَجَعَلَ ابْتِغَاءَ التَّأْويلِ علامَةً عَلَى الزَّيْغِ، وقَرَنَهُ بابْتِغَاءِ الفِتْنَةِ في الذَّمِّ، ثم حَجَبَهُمْ عمَّا أَمَّلُوهُ، وقَطَعَ أَطْمَاعَهُمْ عمَّا قَصَدُوهُ، بقوله سبحانه: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ).[سورة : آل عمران (7).]

المؤلف -رحمه الله- ذكر في هذا المقطع مايجب العمل به فيما يتعلق بالأسماء والصفات،فقال -رحمه الله-: (وكلُّ ما جاءَ في القرآنِ أو صَحَّ عنِ المصطفى عليه السلامُ منْ صفاتِ الرحمـٰنِوَجَبَ الإيمانُ بِهِ)أي: وجب اعتقاده، والإقرار به، والطمأنينة له.

الإيمان هو الإقرار المستلزم للإذعان والقبول، ولذلك قال:(وَجَبَ الإيمانُ بِهِ وتَلَقِّيهِ بالتَّسْليمِ والقَبُولِ، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ بالرَّدِّ والتَّأْويلِ، والتَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ).

فالواجب فيما يتعلق بخبر الله في كتابه، أو ما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمن صفات الله -عز وجل- يجب الإيمان بذلك،أن نقرَّ به، وأن نصدِّقه، وأن تطمئن قلوبنا له، وأن نقبله كما ذكر المؤلف رحمه الله،نتلقاه بالتسليم والقبول.

ثم بعد أن بيّن الواجب فيما يتعلق بالأسماء والصفات في كلام الله، وفي كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَذكر المؤلف -رحمه الله- ضلال من ضل وطريق من أخلّبمنهج أهل السنة والجماعة،منهج الصحابة الذين تلقوه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 قال -رحمه الله-: (وَجَبَ الإيمانُ بِهِ وتَلَقِّيهِ بالتَّسْليمِ والقَبُولِ، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ بالرَّدِّ والتَّأْويلِ، والتَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ).وهذه الطرق الذي ذكرها -رحمه الله- أربعة طرق:

  • الرد.
  • والتأويل.
  • والتشبيه.
  • والتمثيل.

 حقيقتها ترجع إلى طريقين:

  • التعطيل.
  • والتمثيل.

 فهذا التفصيل -الرد والتأويل والتشبيه والتمثيل-،يرجع إلى طريقين بهما يحصل الزيغ فيما يتعلق بخبر الله عن نفسه، أو خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن ربه.

التعطيل:وهو إبطال ماجاءت به النصوص إما إبطالاً كليًّا، أو إبطالاً جزئيًّا.

والثاني التمثيل:هو أن يجعل ما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن ربه نظير ومثل ما للمخلوق،وهذا لا شك أنه من أعظم المحرمات؛لأنه شرك بالله عز وجل.

فالمؤلف أحسن في بيان مايجب حيث قال: (وَجَبَ الإيمانُ بِهِ وتَلَقِّيهِ بالتَّسْليمِ والقَبُولِ)،ثم ذكر بعد ذلك طرق الغي والضلال والزيغ فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد،فقال: (وتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ بالرَّدِّ والتَّأْويلِ، والتَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ).

قال ابن القيم -رحمه الله- في نونيته، في بيان طريق أهل الضلال، وسلامة طريق أهل الحق:

 والتجهيل حظ النص عند الجاني

 

فالجحـد والإعراض والتـأويل

 

أربعة طرق:الجحد،والإعراض،والتأويل،والتجهيل،(حظ النص)يعني نصيب النص،هكذا يقابل أهل الزيغ نصوص الكتاب والسنة:إما بالجحد،وإما بالإعراض،وإما بالتأويل،وإما بالتجهيل.

 كل هذا مؤدَّاه واحد وهو عدم العمل بالنص،ترك العمل بالنصوص،هذا حظ النص عند الجناة من أهل التأويل الذين خالفوا طريق أهل السنة والجماعة -طريق سلف الأمة-في معرفة مايجب لله -عز وجل- وما أخبر الله به في كتابه، أو أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفي سنته.

عند أهل السنة والجماعة:

 حسن القبول وفهم ذي إحسان

 

لكن لدينا حظه التسليم مع

 

هكذا طريق أهل السنة والجماعة:التسليم مع حسن القبول،فهو ليس تسليماً مع ضيق وضجر وقلق ورفض؛بل تسليم مع قبول حسن،ولذلك قال بعد التسليم: (مع حسن القبول وفهم ذي إحسان):

حسن القبول وفهم ذي إحسان

 

لكن لدينا حظه التسليم مع

 

هكذا ينبغي أن نعامل النصوص.

يقول -رحمه الله-: (وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ بالرَّدِّ)،(الرد)منه التكذيب ومنه الإبطال،و(التأويل)صرف اللفظ عن ظاهره،تفسيره بما لم يرده الله ورسوله، هذا التأويل،معنى التأويل هنا تفسير النص بما لم يُرده الله ورسوله،(والتَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ)متقاربان،والمقصود بالتشبيه هو أن يجعل الله -عز وجل- شبيهاً فيما لايجوز أن يكون له فيه شبيه.

فالتشبيه: هو جعل الشبيه لله -عز وجل- فيما لا يجوز.وانظر إلى قولنا:(فيما لايجوز)؛لأنه ليس كل تشبيه ممنوعاً،ولذلك نهج بعض العلماء من المحققين استعمال (التمثيل)كماجاء في الكتاب والسنة ولم يستعملوا لفظ (التشبيه)؛لأن التشبيه لفظ غير مطابق للواقع،فإن ما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعنه لا بد فيه من قدر من المشابهة في المعنى العام الذي يحصل به فهم النص،فليست كل مشابهة منتفية،ولذلك ليس في القرآن أنه لاشبيه له؛بل الذي في القرآن ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[سورة: الشورى (11).]، والمماثلة أمر زائد على مطلق المشابهة.

لأن المماثلة هي المساواة من كل وجه،أما المشابهة فهي اتفاق من بعض الوجوه.

فمثلاً: علو الله -عز وجل-: العلو مفهوم المعنى،وهو الارتفاع على الغير؛لكن ما له من العلو ليس كما للمخلوق من العلو.

السمع مفهوم المعنى وهو إدراك الأصوات،فسمع الله معناه إدراك الأصوات؛لكن مايسمعه الله أو الصفة التي اتصف بها سبحانه وتعالى ليست كسمع المخلوق.

إذاً المحظور في التمثيل أو في التشبيه؟ المحظور في التمثيل،أما التشبيه فلا بد منه، لا بد منه في قدر،وهو الاشتراك في المعنى العام.

ونقول: إن مراد المؤلف -رحمه الله- بـ(التشبيه)هنا التمثيل، ولذلك فيما تقدم قال -رحمه الله-: (جلَّ عَنِ الأشباهِ والأنْدادِ)، فمقصوده أنه تعاظم عن أن يكون له مثيل سبحانه وتعالى.

فملخص مافي هذه النقطة أن نقول: إن طريق أهل السنة والجماعة إثبات للنصوص كما أثبتها الله أو أثبتها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،من غير تحريف ولاتعطيل،ومن غير تكييف ولاتمثيل،فلانكيِّف صفات الله، ولانمثل الله بخلقه، ولانعطل النصوص بتحريف أو تأويل؛بل نثبت النصوص كما جاءت في الكتاب والسنة من غير تحريف ولاتعطيل، ومن غيرتكييف ولاتمثيل.

بعد أن بين المؤلف -رحمه الله- الواجب في أسماء الله وصفاته،انتقل -رحمه الله- إلى بيان أن ما جاءت به النصوص مما يتعلق بصفات الله -عز وجل- منه ما هو مشكل، ولذلك قال: (وما أَشْكَلَ مِنْ ذلك وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً).

النصوص من حيث دلالتها تنقسم إلى قسمين:

نصوص واضحة الدلالة بينة؛مافيها لبس فهي واضحة في اللفظ،واضحة في المعنى،وهذهالتي تسمى المحكم.

القسم الثاني من النصوص مافيه اشتباه؛بمعنى أنّمعناه فيه نوع غموض وخفاء،هذا الغموض والخفاء شيء منه يرجع إلى اللفظ، كأن يكون اللفظ مجملاً مثلاً،وشيء منه يرجع إلى الفهم والعلم،فالمتشابه من النصوص هو ما احتمل أكثر من معنى.

ما الواجب في المحكم الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً؟ الواجب الإيمان به،وإثباته.

أما المتشابه، فالواجب ماذكره المؤلف -رحمه الله- مما سنقرؤه في كلامه.

لكن قبل أن نفرغ من هذه النقطة نقول: إن النصوص في القرآن والسنة تنقسم إلى قسمين من حيث الدلالة والمعنى:

منها ماهو محكم، هذا النوع هو الواضح الذي لايحتمل إلا معنى واحداً.

النوع الثاني من النصوص الذي يحتمل أكثر من معنى.

نمثل: قول الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[سورة : الإخلاص( 1).] هذا النص متشابه أو محكم؟ محكم،لماذا؟ لأنه يدل على معنى واحد، وهو أن الله أحد جل وعلا؛﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌهذا معناه واضح يدركه كل من عرف لسان العرب.

من النصوص المتشابهة التي يمثل بها العلماء للنص المتشابه قوله تعالىٰ:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[سورة : الحجر (9).  ]﴿إِنَّا نَحْنُ المتكلم بالقرآن من؟ المنزل له من؟ كم هو؟ واحد،هنا يقول:﴿إِنَّا نَحْنُفأتىبضمير الجمع،فهـٰذاالضمير يحتمل أن المنزل للقرآن أكثر من واحد، والمتكلم بالقرآن أكثر من واحد،أليس كذلك ؟ ويحتمل أنه أراد تعظيم نفسه وبيان عظيم قدره لمَّا أتىبهذا الضمير الذي يدل على الجمع؛لأن العرب تستعمل ضمير الجمع في حق من كان عظيم القدر رفيع المنزلةوالمكانة،فهذا يحتمل هذا المعنى ويحتمل هذا المعنى.

النصارى يقولون:إنكم تقرون التعدد، وأن الله ليس بواحد والدليل قولهفي كتابكم:  ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) [سورة : الحجر (9).  ]و(إِنَّا) مايمكن أن تدل على واحد،هذا من المتشابه أو من المحكم؟ من المتشابه،ماالواجب في المتشابه ؟ الواجب أن نرد هذا المتشابه إلى المحكم، ايش المحكم في كلامالله عز وجل؟ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[سورة : الإخلاص (1).]فنوقن أن قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَونظائر هذا من الألفاظ التي جاء فيها حديث كلام الله عز وجل عن نفسه بضمير الجمع أن ذلك على وجه التعظيم؛لأن العرب تستعمل هذا.

إذاً النصوص الواضحةيجب الإيمان بها والنصوص المتشابهةيجب ردها إلى المحكم والإيمان بها.

طيب هنا إشكال: القرآن وصفه الله بأنه حكيم كما قال الله تعالىٰ:﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ،[سورة : هود (1).وقال تعالى :يس(1)والقرآن الحكيم(2).سورة : هود(1-2).]فأخبر بأن القرآن محكم.

وأخبر أيضاً بأن القرآن متشابه: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً﴾.[سورة : الزمر (23).]

بينما في آية سورة آل عمران قسّم الله -عز وجل- القرآن إلى قسمين: إلى محكم ومتشابه،قال الله تعالى:﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾،[سورة : آل عمران: (07).]فقسم آيات القرآن إلى قسمين:محكم، ومتشابه.

فهل هنا تعارض ؟ الجواب:لا؛لأن الإحكام والتشابه ينقسم إلى قسمين:

  • إحكام عام، وتشابه عام.
  • والقسم الثاني: إحكام خاص وتشابه خاص.

 

 

الإحكام العام والتشابه العام المراد به إتقان الكلام وتصديق بعضه لبعض،مافيه تعارض،فقول الله تعالىٰ: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُأي أُتقنت آياته،وقوله تعالىٰ:﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا،[سورة : الزمر (23).]المقصود به إيش؟ أي: إنه يصدق بعضه بعضاً، مافيه تعارض مافيه أن آخره ينقض أوله أو أن بعضه يرد على بعض؛بل كله يصدق بعضه بعضاً ، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)﴾،[ سورة : النساء (82).]فالقرآن لا اختلاف فيه، يصدق بعضه بعضاً؛﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.[ سورة : فصلت (42).]كل هذا من حيث الوصف العام للقرآن؛لكن الآيات:منها ماهو محكم ومنها ماهو متشابه،فالإحكام والتشابه الخاص هو أن بعضها واضح المعنى جلي المقصد والغاية،ومنها مايحتمل أكثر من معنى، فلا تعارض بين الإحكام العام والتشابه العام، وبين الإحكام الخاص والتشابه الخاص.

فما أشكل يجب رده إلى ماتبين،والمشكل وغير المشكل هو في حق الآيات من حيث المعنى،أما من حيث تصديق الكلام بعضه لبعض، ومن حيث اتساقالمعاني وتوافقها فهذا وصف لكل القرآن.

نقتصر على هذا،ونكمل -إن شاء الله تعالى- بيان ماذكره المؤلف في قوله:(وما أَشْكَلَ)في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93555 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89258 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف