×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (2) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1181

الدرس (2) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

قال الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيرحمه الله تعالى:

(وما أَشْكَلَ مِنْ ذلك وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه، ونرُدُّ عِلْمَه إلى قائله، ونجعلُ عُهْدَتَهُ على ناقِلِه، اتِّباعا لطريقِ الرَّاسِخِين في العِلْمِ، الّذين أثْنَى اللهُ علَيْهِم في كتابِهِ المُبين بقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الألْبَابِ (7)﴾، [سورة : آل عمران (7).]وقالَ في ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ لمتشابِهِ تَنْزِيلِهِ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ﴾.[سورة : آل عمران (7).]

فَجَعَلَ ابْتِغَاءَ التَّأْويلِ علامَةً الزَّيْغِ وقَرَنَهُ بابْتِغَاءِ الفِتْنَةِ في الذَّمِّ، ثم حَجَبَهُمْ عمَّا أَمَّلُوهُ، وقَطَعَ أَطْمَاعَهُمْ عمَّا قَصَدُوهُ، بقوله سبحانه: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾.).[سورة : آل عمران (7).]

                                     بسم الله الرحمـٰن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فتقدم الكلام على جزء من هذا المقطع وقلنا:إن نصوص الكتاب تنقسم إلى قسمين من حيث الدلالة:

·       ماهو واضح الدلالة.

·       وماهو خفي الدلالة.

واضح الدلالة:الذي لايحتمل إلا معنًى واضحاً، وهو المحكم.

وأما ماخفيت دلالته أو احتمل أكثر من معنى فإنه المتشابه.

الواجب في المحكم الإيمان به والعمل،والواجب في المتشابه الإيمان به وردّمعناه إلى مادل عليه المحكم،وهذا هو سبيل الراسخين في العلم.

يقول رحمه الله: (وما أَشْكَلَ مِنْ ذلك)أي ماوقع فيهإشكال، (أَشْكَلَ)أي: اشتبه في دلالته ومعناه،(مِنْ ذلك)المشار إليه آيات الصفات،وهو منهج عام في آيات الصفات وفي غيرها؛لكن الكلام لما كان في هذا الموضع في آيات الصفات فإن البحث فيها بالذات والخصوص،أما من حيث الأصل فإنه يشمل البحث في آيات الصفات وفي غيرها.

يقول رحمه الله: (وما أَشْكَلَ مِنْ ذلك وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً)هـٰذا لا إشكال فيه، لايمكن أن يلغي أحد شيئاً من كتاب الله عز وجل، ولامن سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإذا ثبتت وصحت؛لكن البحث في المعنى.

يقول:(وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه)أي وجب إثبات اللفظ،وأما المعنى فيجب ترك التعرض لمعناه؛بمعنى أننا نُعْرض عن قول شيءلم يتبين لنا فيه حجة أو برهان.فلانقول في آيات الله ولا في ماجاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمن قِبَلِأنفسنا أو آرائنا؛بل ما أشكل علينا إذا أمكن أن نرده إلى المحكم فذاك المطلوب،وهذا الذي ينبغي أن يكون.

إذا لم نتمكن من ترجيح شيءفي معنى هذا المشكل،فالواجب ألانقول فيه شيئاً ليس لنا فيه حجةوليس لنا فيه برهان؛بل نقف ونقول:الله أعلم بمراده.وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله:(وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه)أي: يجب علينا أن نقف في المعنى،وليس مقصود المؤلف ومعنىكلامه أننا نقول:إنه ليس له معنى.

ليس في كلام الله -عز وجل- ما لا معنى له،كل كلام الله عز وجل له معنى؛لأن الله عز وجل خاطبنا بلسان عربي مبين يُدْرَك معناه ويُعْرف مبتغاه؛لكن إذا اشتبه علينا شيءمن المعنى وجب علينا الوقوف في هذا المعنى،الوقوف في تحديد المعنى،وليس أن نقول:إنه ليس له معنى.

إذاً ما أشكل من الآيات،ما أشكل من الأحاديث،فلم نفهم المعنى،يجب علينا إثبات ماجاء به النص،وأما معنى هذا النص فالواجب علينا أن نتوقّف فيه حتى يأتينا برهان أو حجةنستطيع من خلالها أن نقول:إن معنى الآية كذا وكذا.

هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه).

وبعض الناس ظن أن المؤلف -رحمه الله- أراد بقوله:(وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه)نفي المعنى؛أي: أنه ليس له معنى،وهذا يأباه سياق الكلام، فإن المؤلف –رحمه الله- يتكلم عن الآيات المشكلة،وإنما جاء الإشكال لكون المعنى فيها غير واضح،فهو لم يقل:ليس لها معنى.أو أنهاكلام لايقصد منه شيء، إنما أراد المؤلف أن المشتبه من المعاني الواجب فيه -إذا لم يتبين- التوقف.

إذاً إذا أشكل عليك شيءمن كلام الله ومن كلام رسوله فماهو الطريق الذي تسلكه؟

الطريق الذي تسلكه أن تطلب حل هذا الإشكال من كلام الله ومن كلام رسوله،إن وفقت إلى ذلك فالحمدلله وهذا المطلوب والمبتغى.

إذا حيل بينك وبين هذا ولم تتوصل إلى المعنى فعند ذلك تثبت أن الكلام له معنى؛لأن الله خاطبنا بما له معنى،نثبت هذا المعنى ونقول:الله أعلم بمراده،كما سيأتي في كلام الشافعي رحمه الله الذي نقله المؤلف،ليس في كلام الله ولافي كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَما لا معنى له.

ومن قال:إن آيات الصفات لامعنى لها.أو إن كلها معناهالانعلمه.فقد بخس القرآن حقه وجنىعلى النصوص.وهو ماأشار إليه ابن القيم رحمه الله في قوله:

والتجهيل ....................

 

فالجحـد والإعراض والتـأويل

 

أي أنه ليس له معنى،هذا معنى قوله رحمه الله:(والتجهيل)

.........حظ النص عند الجاني

 

...............................
 

 

 فكل من أعرض عن الكتاب،كل من جحد ما جاءت به النصوص من الصفات،كل من أول وحرّف كلام الله عن مواضعه،كل من قال:إن النصوص ليس لها معنى،أو إن لها معنى لانعلمه في جميع مواردها.فإنه قد جنى على النصوص،فكل هذا من أنواع الجنايات على كلام الله وكلام رسوله.

يقول رحمه الله:(ونرُدُّ عِلْمَه إلى قائله)يعني علم هذا المعنى،ومعنى أنه إذا كنا سنرد العلم إلىقائله معنى هذا أن الكلام له معنى أوليس له معنى؟ له معنى.

قال: (ونجعلُ عُهْدَتَهُ على ناقِلِه)،(العهدة)هي الدَّرَك ومايترتب على الشيء، فنجعل عهدةالكلام مايترتب عليه من إثبات مايُثْبَت ونفي مايُنْفَى ودَرَك هذا الكلام على ناقله الذي نقله إلينا،وهذا في نصوص السنةالنبوية.

قال:(اتِّباعا لطريقِ)يعني ونحن في هذا متبعون ولسنا مبتدعين،ولذلك يقول:(اتِّباعا لطريقِ الرَّاسِخِين في العِلْمِ)،والرسوخ في العلم هو أن يكون المرء مدركاً لمعاني كلام الله وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،عالماً بمقاصد الكتاب والسنة.

فكلما كان الإنسان راسخ القدم في فهم كلام الله وكلام رسوله فإنه من الراسخين في العلم؛لأن الرسوخ أصله الثبوت والقرار،ولايكون ذلك إلا لمن عقَل عن الله وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(اتِّباعا لطريقِ الرَّاسِخِين في العِلْمِ، الّذين أثْنَى اللهُ علَيْهِم في كتابِهِ المُبين بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)اللهم اجعلنا منهم (﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)[سورة : آل عمران (7).]﴿آمَنَّا بِهِ﴾أي آمنا بهذا القرآن،﴿كُلٌّ﴾أي كلّمافي هذا القرآن من محكم الآيات ومتشابهها ﴿مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾،فلانؤمن ببعض ونكفر ببعض سبيل الذينحرَّفوا الكلم عن مواضعه.إنما نؤمن بكل مافي القرآن ماعقَلنا معناه واتضح فالحمدلله، ومالم يتبين لنا معناه آمنا به على مراد الله وعلى مراد رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

يقول رحمهالله:(وقالَ في ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ)أي قال الله تعالى (في ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ)التحريف وطلب المعنى (لمتشابِهِ تَنْزِيلِهِ)يعني لما لم يتبين من القرآن ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌأي انحراف وميل عن الحق إلىالضلال ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾أي: يفرحون بالمتشابه ويتمسكون به ﴿ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ﴾أي هذا الفعل منهم إنما أرادوه وفعلوه لأجل أن يوقعواالفتنة،والفتنةمنها ما يتعلق بالشهوات ومنها مايتعلق بالشبهات.

وهنا المراد بالفتنةمايتعلق بالشبهات التي تُزيغ عن الحق وتصرف عن الهدى،﴿وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ﴾أي وطلب معناه،مع أنّمعناه ليس بميسورٍلهم،﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾أي وما يدرك معناه وتفسيره﴿إلاالله والراسخون في العلم﴾.فالراسخون في العلم يدركون تأويله،وعلى هذه الطريقة في القراءة يكون معنى التأويل في الآيةالتفسير،﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾أي تفسيره وكشف معناه وبيانه إلا الله والراسخون في العلم،فالراسخون في العلم يعلمون معنى كلام الله وكلام رسوله،ويردُّون ما اشتبه عليهم من المعاني إلىٰ مااتضح فيتبين لهم المعنى.

قال رحمه الله: (فَجَعَلَ ابْتِغَاءَ التَّأْويلِ)أي ابتغاء التفسير في المشكل مع عدم العلم علامة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم؛لأنه قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ﴾.

يقول:(ثم حَجَبَهُمْ عمَّا أَمَّلُوهُ)،(حَجَبَهُمْ)أي منعهم (عمَّا أَمَّلُوهُ)من إدراك المعاني مع الزيغ الذي في قلوبهم،(وقَطَعَ أَطْمَاعَهُمْ عمَّا قَصَدُوهُ، بقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾).[سورة : آل عمران (7).]أي مايعلم حقيقة ما أخبر الله به عن نفسه إلا الله.

وأما على القراءة الثانية:﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِهذا فيه أيضاً أن أصحاب الزيغ لايتوصَّلون إلىفهم المعاني؛لأنه لم تصح مقاصدهم؛بل مقاصدهم تحريف الكلم عن مواضعه،ولذلك لا يمكن أن يصل الإنسان إلىالحق بنية فاسدة؛بل لا بد في التوصل إلى الحق من نية صالحة وعقل سليم،فمن فقد النية الصالحة فمهما كان في العقل والنظر فإنه لايصيب الحق؛لأن النيات الفاسدة تحجب وتمنع من الوصول إلى الحق.

قال رحمه الله:

(فَجَعَلَ ابْتِغَاءَ التَّأْويلِ علامَةً عَلَى الزَّيْغِ وقَرَنَهُ بابْتِغَاءِ الفِتْنَةِ في الذَّمِّ، ثم حَجَبَهُمْ عمَّا أَمَّلُوهُ، وقَطَعَ أَطْمَاعَهُمْ عمَّا قَصَدُوهُ، بقوله سبحانه: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ.[سورة : آل عمران (7).]

قالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ حنبلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُفي قولِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إنَّ اللهَ ينزِلُ إلى سماءِ الدُّنْيَا))،[البخاري: كتاب التهجد، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل..، حديث رقم (1145).

    مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل.. حديث رقم (758).]و((إنَّ الله يُرى في القيامَةِ))[ مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حديث رقم (181)، بمعناه.]وما أشبه هذه الأحاديثَ، قال: نؤمِنُ بها ونُصَدِّقُ بها، لا كَيْفَ ولا مَعْنَى، ولا نَرُدُّ شيئاً منْها، ونَعْلَمُ أنَّ ما جاءَ به الرَّسولُ حقٌّ، ولا نَرُدُّ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ولا نَصِفُ اللهَ بأكْثَرَ مما وَصَفَ بِهِ نفسَهُ، بِلاَ حَدٍّ ولا غايَةٍ،﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.[سورة : الشورى (11).]ونقولُ كما قالَ، ونَصِفُهُ بما وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لا نَتَعَدَّى ذلك، ولا يَبْلُغُهُ وصفُ الواصِفِينَ، نُؤْمِنُ بالقرآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِومُتَشَابِهِهِ، ولا نُزِيلُ عَنْهُ صفةً مِنْ صفاتِه لشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ، ولا نَتَعَدَّى القرآنَ والحديثَ، ولا نَعْلَمُ كيفَ كُنْهُ ذلك إلاَّ بتصديقِ الرَّسولِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوتَثْبِيتِ القرآنِ).

هذا الكلام الذي نقله المؤلف -رحمه الله- عن الإمام أحمد بن حنبل بيان لمنهج أهل السنة والجماعة في آيات الصفات،وقد نقل رحمه الله عن جماعة من أئمة السلف في هذا لبيان القاعدة التي يسير عليها الإنسان في ما يتعلق بالأسماء والصفات.

الإمام أحمد -رحمه الله- قال في الأحاديث التي جاء فيها الخبر عن صفات الله عز وجل كحديث النزول ((إنَّ اللهَ ينزِلُ إلى سماءِ الدُّنْيَا)) وحديث ((إنَّ الله يُرى في القيامَةِ))قال رحمه الله: (نؤمِنُ بها ونُصَدِّقُ بها لا كَيْفَ ولا مَعْنَى)،فرح كثير من المبتدعةبهذا المنقول عن الإمام أحمد رحمه الله،وهو مما نقله حنبل عن الإمام أحمدرحمه الله (لا كَيْفَ ولا مَعْنَى)،(لا كَيْفَ)لا إشكال فيهاأي: إننا نثبت ما أخبر الله به من هذه الصفات دون النظر في كيفية ذلك،فإنّالكيفيات لاسبيل إلىٰ إدراكها ولا إلى علمها؛بل هي مما اختص الله بهانفسه،فلا سبيل إلى علم كيفية نزول الله عز وجل،ولاسبيل إلى معرفة كيفية سائر ما أخبر الله به من الصفات عن نفسه؛بل الواجب الإيمان بتلك الصفات دون التعرض للكيفيات؛لأن الكيفية كيفية الشيء فرع عن معرفة الشيء نفسه،فإذا كنت لاتعرف الشيء ولا تحيط به فأنت جاهل بكيفيته؛لأن الكلام في الكيفية فرع عن الكلام في الذات وفي الشيء نفسه.

فإذا قال لك قائل :كيف سمع الله؟ قل:كيف الله؟ فإذا قال:لا أعرف.وهو الذي لايمكن أن يتكلم الإنسان بغيره.فنقول: كذلك صفاته لا تُعْرَف.ولا يمكن أن يدركها الإنسان لقصر عقله وضعفه عن إدراك ذلك.

فإن الله لم يطلب منا الإيمان بكيفيات الصفات،إنما طلب منا الإيمان بالصفات نفسها لا بكيفياتها؛بل كيفياتها تدخل في قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ،[سورة : آل عمران (7).]أي حقيقة ما أخبر الله به عن نفسه لايُعلم إلا من طريق الله عز وجل، والله لم يعلمنا ذلك فلا سبيل إلى علم هذا.

ثم قوله:(ولا مَعْنَى)؛أي: لا تأويل،وليس المراد نفي المعنى مطلقاً،فإن هذا مما ينبغي أن يعرف وأن يعلم أن مراد الإمام أحمد رحمه الله بقوله:(لا مَعْنَى)؛أنّا لا نعرف معنى ما أخبر الله به عن نفسه من الصفات؛بل إن كلام الإمام أحمد رحمه الله صريح صراحة واضحةبأن آيات الصفات لها معانٍ،وقد صرح بذلك في مواضع عديدة،وقد بين -رحمه الله- أنه إنما ينكر تأويلات الجهمية وليس الإنكار للمعاني؛بل المعاني ثابتة.

المفوضةالذين قالوا:إن الله تكلم بكلام لانعلم ولا ندرك معناه أو أنه ليس له معنى،فرحوا بقول الإمام أحمد وما نقل عنه من قوله: (ولا مَعْنَى)، فظنوا أن المعنى المنفي هنا هو أصل المعنى والتفسير لآيات الصفات وأحاديثها،وخفي عليهم أن مانقل عن الإمام أحمد في هذا الكلام يرد عليهم-كما سيأتي بعد قليل-كما أن المنقول عن الإمام أحمد -رحمه الله- يدلّدلالة واضحة على أن مراده (ولا مَعْنَى)؛أي لاتأويل ولا تحريف للكلم عن مواضعه الذي يسلكه الجهمية ومؤولة الصفات.

فمعنى قوله: (لا كَيْفَ ولا مَعْنَى)أي لا نكيفها ولانحرّفها بالتأويل،فنقول:معناها كذا وكذا دون أن يكون عندنا من الله في ذلك برهان.

قال رحمه الله: (ولا نَرُدُّ شيئاً منْها، ونَعْلَمُ أنَّ ما جاءَ به الرَّسولُ حقٌّ، ولا نَرُدُّ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛بل الواجب فيما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان لا الرد، فكل من رد ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه قد زاغ عن الصراط المستقيم ووقع في مهلكة؛ لأن من رد قول الله -عز وجل- يوشك أن تدركه الفتنة كما قال الله جل وعلا: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوامِنكُمْ خَآصَّةً﴾،[سورة : الأنفال (25).]ومن أعظم الفتنة رد قول رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال -رحمه الله-: (ولا نَصِفُ اللهَ بأكْثَرَ مما وَصَفَ بِهِ نفسَهُ) وهذا لا إشكال فيه، فكل من وصف الله بأكثر مما وصف الله به نفسه فقد زاغ عن الصراط المستقيم؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة صفات الله إلا من طريق خبر الله عن نفسه أو خبر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، فلا نزيد في الصفات أكثر مما جاءت به النصوص، بل يجب التوقف والتزام ما جاءت به النصوص.

قال رحمه الله: (بِلاَ حَدٍّ ولا غايَةٍ)، (بِلاَ حَدٍّ) أي: إننا لا نحدّ لذلك حدًّا من قِبَل أنفسنا، (ولا غايَةٍ) أي: ولا نهاية من قِبَل أنفسنا؛ ولا يعني هذا الكلام أن صفات الله جل وعلا ليس لها حد، فإن أول من قال: إنه لا حد للصفات ولا غاية ولا نهاية جهم بن صفوان.

يقول أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي -رحمه الله- في كتابه "ردي على الجهمية": لم يعلم عن أحد من العالمين أنه تكلم بهذا الكلام قبل جهم بن صفوان.

ومراد جهم بن صفوان بقوله في الصفات : إنه لا حد لها ولا غاية، مراده تعطيل الله عن صفاته.

ولذلك قال: من قال: لا حد ولا غاية فقد قال بأنه لا إلـٰه، وأن الله لا شيء؛ لأنه ما من شيء إلا له حد وغاية.

وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن بعض صفات الله عز وجل فقيل له: بحد أو لا؟ قال: بحد. واستدل لذلك بقول الله تعالىٰ: ﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ[سورة : الزمر (75).]قال: ﴿حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾أي: محدقين، وهذا حد، وأهل السنة والجماعة متفقون على أن الله فوق سماواته على خلقه، بائن من خلقه سبحانه وتعالىٰ، ولاشك أن هذا حد.

ولذلك اتفق سلف الأمة على إثبات أن للصفات حدًّا، وأن لها غاية، لكنهم نفوا أن يكون لهذه الصفات حد يعلمه الإنسان، ولذلك قالوا: له حد لا يعلمه غيره.

كما ذكر ذلك أبو سعيد رحمه الله قال: ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية؛ ولكن نؤمن بالحد، ونكل علمه إلى الله تعالى، فافهم معنى قول الإمام أحمد رحمه الله: (بِلاَ حَدٍّ ولا غايَةٍ) مقصود الإمام أحمد من هذا أنه ليس لنا أن نحد حدًّا، أو أن نفرض منتهى لصفاته؛ لكن هل لصفاته حد أو ليس لها حد؟ لها حد كما اتفق على ذلك سلف الأمة، ونقل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، وأيضاً نقله قبله أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله، ونُقل عن ابن المبارك وعن الإمام أحمد وعن جماعة من أهل العلم.

قال رحمه الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.[سورة : الشورة (11).]يقول: (ونقولُ كما قالَ) أي كما قال الله تعالىٰ وكما قال رسوله، (ونَصِفُهُ بما وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لا نَتَعَدَّى ذلك) أي لا نتجاوز الكتاب والسنة، (ولا يَبْلُغُهُ وصفُ الواصِفِينَ) أي: لا يدرك حقيقة صفاته وما له من بديع الصفات وصف الواصفين؛ بل هو العليم الخبير، لا يحيط الخلق به سبحانه وبحمده.

قال رحمه الله: (نُؤْمِنُ بالقرآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِومُتَشَابِهِهِ) ، المؤلف -رحمه الله- قسم القرآن إلى قسمين: المحكم والمتشابه.

المحكم ما هو؟ المحكم هو الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً.

والمتشابه؟ ما فيه غموض وخفاء، أو أنه يحتمل أكثر من معنى.

طيب، قال رحمه الله: (ولا نُزِيلُ عَنْهُ صفةً مِنْ صفاتِه لشَنَاعَة شُنِّعَتْ) يعني لا نعطِّل الله عن صفاته لأجل ما يشنعه ويشغبه أهل التشبيه وأهل الزيغ الذين يصفون أهل السنة بصفات لينفّروا الناس عن الحق الذي جاؤوا به وقالوا به، حيث إنهم يصفون أهل السنة والجماعة بأنهم حشوية وأنهم مجسمة، وأنهم لا علم عندهم، وما أشبه ذلك من الأوصاف التي تنفر عن الحق.

ولا يغرينك ما يخلعه أهل الباطل على منهجهم من البهرج حيث يقولون: نحن أهل العقول والبصائر، أهل النظر والفكر والعلم، وأما الذين يثبتون الصفات فهم حشوية مجسمة مشبهة ممثلة، وما أشبه ذلك من الألفاظ التي ينفرون بها من ينفرون عن الحق.

هذا معنى قول الإمام أحمد: (لا نُزِيلُ عَنْهُ صفةً مِنْ صفاتِه) يعني لا يمكن أن نعطل الله عز وجل عما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله لأجل قول من يقول: إنكم مشبهة، إنكم مجسمة، إنكم، إنكم.

إنما نقول بما قال الله وبما قال رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(ولا نَتَعَدَّى القرآنَ والحديثَ، ولا نَعْلَمُ كيفَ كُنْهُ ذلك)؛ أي كيف حقيقة ذلك، الكنه هو الحقيقة، لا نعلم كيف كيفية الصفات ولا حقيقتها فإن علمها إلى الله عز وجل.

(ولا نَعْلَمُ كيفَ كُنْهُ ذلك إلاَّ بتصديقِ الرَّسولِ وتَثْبِيتِ القرآنِ). (إلاَّ) هنا منقطعة؛ يعني لكن نصدّق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونثبت القرآن؛ أي نثبت ما جاء في الكتاب والسنة من الخبر عن الله عز وجل دون أن نلج في معرفة كيفيات ذلك.

(قالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إدريسَ الشَّافعيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:آمنتُ باللهِ وبما جاءَ عَن اللهِ على مُرادِ اللهِ، وآمنتُ برسولِ اللهِ وبما جاءَ عَن رسولِ اللهِ على مُرادِ رسولِ اللهِ).

وهذا من عميق فقه الإمام الشافعي رحمه الله أنه يجب على المؤمن أن يَقَرَّ في قلبه وأن يطوي فؤاده على هذا العقد: (آمنتُ باللهِ وبما جاءَ عَن اللهِ على مُرادِ اللهِ)؛ يعني على مقصود الله جل وعلا، وعلى ما أراده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا على ما أتوهمه أو أظنه أو أتخيله، إنما على مراد الله عز وجل (وآمنتُ برسولِ اللهِ وبما جاءَ عَن رسولِ اللهِ على مُرادِ رسولِ اللهِ) وهكذا يجب أن يكون المؤمن في كلام الله عز وجل في المحكم وفي المتشابه.

وهذا هو معنى كلام المؤلف رحمه الله الذي تقدم معنا في قوله: (وما أَشْكَلَ مِنْ ذلك وَجَبَ إثْباتُه لفْظاً، وتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه) معنى (تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمعْناه) أن نقول: (آمنتُ باللهِ وبما جاءَ عَن اللهِ على مُرادِ اللهِ، وآمنتُ برسولِ اللهِ وبما جاءَ عَن رسولِ اللهِ على مُرادِ رسولِ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

يقول رحمه الله:

(وعلى هـٰذادَرَجَ السَّلَفُ وأَئِمَّةُ الخَلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم،كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ على الإقْرارِ، والإمْرارِ والإثْباتِ لما وَرَدَ مِن الصِّفاتِ في كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لتأْوِيلِهِ.

وقد أُمِرْنا بالاقْتِفَاءِ لآثارِهِمْ والاهتداءِ بمنارِهِم، وحُذِّرْنا المُحْدَثاتِ، وأُخْبِرْنا أنَّها مِنَ الضَّلالاتِ، فقالَ النبيُّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((عَلَيْكُم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاء الرّاشِدِينَ المَهْدِيّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضّوا عَلَيْهَا بِالنّوَاجِذِ، وَإِيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ، فَإِنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)).[سنن الترمذي: كتاب العلم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم 2676. وقال: حسن صحيح.سنن أبي داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حديث رقم 4607.

    سنن ابن ماجه: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث رقم 42، 43.قال الشيخ الألباني: صحيح.]

وقالَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ”اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ“).

يقول رحمه الله: (وعلى هـٰذا) أي ما تقدم من النقل عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله وأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، (وعلى هـٰذادَرَجَ السَّلَفُ وأَئِمَّةُ الخَلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم،كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ على الإقْرارِ) أي الإثبات، (والإمْرارِ) أي وعدم التعرض لما جاءت به النصوص برد أو تأويل أو تجهيل أو إعراض، (والإثْباتِ لما وَرَدَ مِن الصِّفاتِ في كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لتأْوِيلِهِ).

قوله رحمه الله: (مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لتأْوِيلِهِ) يحتمل معنيين:

المعنى الأول: من غير تعرض لطلب كيفيته وحقيقته، وهذا يشمل المحكم والمتشابه، ما أخبر الله به عن نفسه، وما أخبر به رسوله عنه نثبته دون التعرض لتأويله، ما معنى (التأويل)؟ دون طلب الكيفية، هذا المعنى الأول.

المعنى الثاني: (مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لتأْوِيلِهِ) أي: من غير تعرض لتفسيره، هل هذا في جميع آيات الصفات وأحاديث الصفات؟ في المتشابه فقط.

فانتبه إلىٰ الكلام: قوله رحمه الله: (مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لتأْوِيلِهِ) إن كان المقصود جميع آيات الصفات وجميع أحاديث الصفات فالمقصود بالتأويل هنا التكييف؛ علم الكيفيات، حقيقة ما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر عنه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

إن كان المقصود هنا بالتأويل التفسير فإن هذا يختص المتشابه من آيات وأحاديث الصفات لا الجميع.

قال رحمه الله: (وقد أُمِرْنا بالاقْتِفَاءِ لآثارِهِمْ) أي آثار السلف (والاهتداءِ بمنارِهِم،وحُذِّرْنا المُحْدَثاتِ، وأُخْبِرْنا أنَّها مِنَ الضَّلالاتِ) أين ذلك؟ قال رحمه الله: (فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((عَلَيْكُم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاء الرّاشِدِينَ المَهْدِيّينَ مِنْ بَعْدِي). ((عَلَيْكُم بِسُنّتِي)) أي: الزموا سنتي، وسنته هي طريقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هي هديه بأبي هو وأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ ((عَلَيْكُم بِسُنّتِي)) أي: الزموها وتمسكوا بها ((وَسُنّةِ الْخُلَفَاء الرّاشِدِينَ المَهْدِيّينَ)). (الْخُلَفَاء) هنا أول وأحق من يصدق عليه هذا الوصف هم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، ويدخل فيهم كل من تحقق بالرشد والهداية من علماء الأمة؛ لأن علماء الأمة خلفاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمته، فإنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((العلماء ورثة الأنبياء)).[سنن الترمذي: كتاب العلم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، حديث رقم 2682. سنن ابن ماجه: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، حديث رقم 223.قال الشيخ الألباني: صحيح.]فالعلماء هم خلفاء الرسل في أممهم.

يقول رحمه الله: نعم في الحديث: (فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((عَلَيْكُم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاء الرّاشِدِينَ المَهْدِيّينَ)))، وإنما يكون راشداً مهديًّا من سَلِمَ من الغي ومن سلم من الضلال.

فالراشد هو السالم من الغيّ.

والمهدي هو من سلم من الضلال.

ومن سلم من هاتين الآفتين الغي والضلال كمل علمه وصح عمله، فكمال العلم وكمال العمل في الرشد والهداية.

ولذلك كلّ من سلم من الغيّ وكل من سلم من الضلال فقد كمُل واستقام عمله؛ لأن المانع من الحق أحد وصفين أو أحد أمرين:

 الأمر الأول: عدم العلم.

الأمر الثاني: اتباع الهوى.

فمن كان مهديًّا فقد حصل العلم، ومن كان راشداً فقد سلم من اتباع الهوى، وإذا تحقق للإنسان الرشد والهدى فقد فاز بإصابة الحق وصلاح العمل، ولذلك ذكر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هـٰذين الوصفين، فذكر هـٰذين الوصفين ليس عبثاً ولا لغواً، وليست أوصافاً مترادفة، إنما هي أوصاف مقصودة لتكشف من هم الذين ينبغي للإنسان أن يسلك سبيلهم، وأن يتمسك بهديهم.

هذا الحديث يفيدنا أن سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تسع الإنسان في السّلامة من كل ضلال. فكل من لم يسعه هدي النبي ولم يسعه هدي الخلفاء الراشدين فإنه ضال لا محالة.

ولذلك ينبغي للمؤمن أن يقتصر في قوله وعند موارد الاشتباه على ما دلّ عليه الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة ما كان عليه الخلفاء الراشدون المهديون.

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيان عظيم وجوب التمسك بهذا، قال: ((عَضّوا عَلَيْهَا بِالنّوَاجِذِ)) أي الأضراس، ((وَإِيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ)) حذّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من محدثات الأمور، ((فَإِنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة يحصل بها الزيغ عن الصراط المستقيم والخروج عن هدي خير المرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم قال رحمه الله: (وقالَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ”اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ“). (اتَّبِعُوا) أي: اتبعوا سنة من قبلكم من الأئمة المهديين، (ولا تَبْتَدِعُوا) أي لا تحدثوا، (فَقَدْ كُفِيتُمْ) قد كفاكم الله أن تحدثوا شيئاً في الدين، أو أن تقولوا فيه ما لم يقل لكم، أو لم يأت به الخبر عن نبيكم، فإن الله قد أتم الدين وأكمله، قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا.[سورة : المائدة (3).]فكل من لم يقتصر على ذلك فإنه يزعم أن الدِّين لم يكتمل، وأنه بحاجة إلى مزيد.

قال رحمه الله:

(وقالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُكلامًا معناهُ:قِفْ حيثُ وَقَفَ القومُ، فَإِنَّهُم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا، وبِبَصَرٍ نافِذٍ كَفُّوا، وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِها كانوا أَقْوَى، وبالفَضْل لوْ كانَ فيها أَحْرَى، فَلَئِنْ قُلْتُمْ:حَدَثَ بَعْدَهُم.فَمَا أَحْدَثَهُ إلا مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُمْ، وَرَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِمْ، ولقَدْ وَصَفُوا مِنْهُ ما يشْفِي وتَكَلَّمُوا مِنْه بما يَكْفي، فَما فَوْقَهُم مُحَسِّرٌ، وما دونهم مُقَصِّرُ، لَقَدْ قَصَّرَ[ويمكن شكلها: قَصُرَ.]عَنْهُم قَوْمٌ فَجَفَوْا، وَتَجاوَزَهُمْ آخَرُون فَغَلَوْا، وإِنَّهُمْ فِيما بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مستقيمٍ.

وقالَ الإمامُ أبو عمْرٍو الأوزاعيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:عليْكَ بآثارِ مَنْ سَلَفَ وإنْ رَفَضَكَ النّاسُ، وإيّاك وآراءَ الرِّجالِ وإنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بالقوْلِ“.

وقالَ محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الأَدْرَمِيُّ لرَجُلٍ تكَلَّمَ ببدْعَةٍ وَدَعَا الناسَ إليها: هَلْ عَلِمَهَا رسولُ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوأبو بكْرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ أوْ لَم يعلَموها؟ قال: لَم يعلَموها، قال: فَشَيْءٌ لَم يعلَمْه هؤلاء أَعلِمْتَهُ أنتَ؟ قال الرَّجلُ: فإنِّي أقولُ: قدْ علِمُوها، قال: أَفَوَسِعَهُمْ أنْ لا يتَكَلَّمُوا به ولا يدْعُوا الناسَ إليه، أمْ لَم يَسَعْهُمْ؟ قال: بلى وَسِعهُمْ، قال: فَشَيْءٌ وَسِعَ رسولَ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوخلفاءَه، لا يَسَعُكَ أنتَ؟ فانْقَطَعَ الرَّجلُ، فقال الخليفةُ، وكان حاضِراً: لا وَسَّعَ اللهُ على مَنْ لَم يَسَعْهُ ما وَسِعَهُمْ).

هذه النّقول عن الأئمة -رحمهم الله- فيها تقرير ما تقدم من وجوب الوقوف في النصوص على ما كان عليه سلف الأمة رحمهم الله.

يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله كلاماً معناه: (قِفْ حيثُ وَقَفَ القومُ) القوم المراد بهم سلف الأمة وما كان عليه صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (فَإِنَّهُم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا) وهذا فيه الرد على الذين يقولون: إن طريق السلف أسلم وطريق الخلف أعلم وأحكم.

طريق السلف أعلم وأحكم وأسلم، وأما طريق الخلف فليس فيه علم ولا سلامة ولا حكمة؛ بل هو مخالف لما كان عليه سبيل الأقدمين من السلف الصالحين.

يقول رحمه الله: (فَإِنَّهُم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا) أي: لم يقفوا عجزاً ولا كما يزعمون اشتغالاً بالجهاد ونشر الدين إنما وقفوا عن علم، فوقوفهم وقوف بصيرة وليس وقوف عجز أو انشغال.

(وبِبَصَرٍ نافِذٍ كَفُّوا) أي ببصر بعيد النظر، كفوا عن التعرض للصفات بطلب كيفياتها وتحريفها عن ما دلت عليه النصوص.

(وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِها كانوا أَقْوَى، وبالفَضْل لوْ كانَ فيها أَحْرَى) يعني هم من القدرة والمكانة والقوة ما يتمكّنون به من كشف معاني تلك النصوص وبيان كيفياتها لو كان ذلك خيراً ولو كان ذلك فضلاً؛ لكنهم أعرضوا عن ذلك لأنهم يعلمون أنه لا سبيل إلى علم ذلك: هم أهل اللسان، هم شهدوا التنزيل، هم الذين تلقوا عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أعرضوا دل ذلك على أن إعراضهم هو الصواب وهو الصحيح.

(فَلَئِنْ قُلْتُمْ:حَدَثَ بَعْدَهُم.فَمَا أَحْدَثَهُ إلا مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُمْ، وَرَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِمْ، ولقَدْ وَصَفُوا مِنْهُ ما يَشْفِي، وتَكَلَّمُوا مِنْه بما يَكْفي) فالواجب الاقتصار على ما كانوا عليه.

(فَما فَوْقَهُم مُحَسِّرٌ، وما دونهم مُقَصِّرُ، لَقَدْ قَصَّرَ عَنْهُم قَوْمٌ فَجَفَوْا، وَتَجاوَزَهُمْ آخَرُون فَغَلَوْا، وإِنَّهُمْ فِيما بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مستقيمٍ) فالواجب لزوم طريقهم.

كذا ما نقله رحمه الله عن الأوزاعي، كذا ما نقله عن الأدرمي في المناظرة، فالواجب على المؤمن أن يقف حيث وقف أولئك، وقد أحسن الخليفة لما قال: (لا وَسَّعَ اللهُ على مَنْ لَم يَسَعْهُ ما وَسِعَهُمْ).كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاء الرّاشِدِينَ المَهْدِيّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضّوا عَلَيْهَا بِالنّوَاجِذِ)).[ تم تخريجه في الصفحة: (2).]

يقول:

(وهكذا مَنْ لَم يَسَعْهُ ما وَسِعَ رسولَ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوأصحابَه والتَّابعين لَهُم بإحسانٍ، والأئمةَ مِنْ بَعْدِهِمْ، والرّاسِخين في العِلْم، مِنْ تِلاوَةِ آيات الصِّفاتِ وقِراءَةِ أخْبارِها، وإِمْرارِها كما جاءَت، فلا وَسَّعَ اللهُ عليه).

هـٰذا فيه ما تقدم ونقف على هـٰذا، والله تعالىٰ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بهذا يكون المؤلف انتهى من المقدمة، يبدأ بعد هذا بذكر شيء من الصفات نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العلم النافع والعمل الصالح.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93554 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89258 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف