×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (3) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1298

الدرس (3) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد  خالد المصلح

قال الإمام موفق الدِّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيرحمه الله تعالى:

(فمِمَّا جاءَ مِنْ آياتِ الصِّفاتِ قولُ الله عزّ وجل: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾،[سورة : الرحمـٰن (27).]وقولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾،[سورة : المائدة (64).]وقولُهُ تعالىٰإخْبارًاعنْ عيسى عليه السلامُ أنَّه قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾،[سورة : المائدة (116).]وقولُه سُبْحَانَهُ: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾،[ سورة : الفجر (22).]وقولُه تعالىٰ: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ﴾،[سورة : البقرة (210).]وقولُه: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.[سورة : المائدة (119).]

وقولُه تعالىٰ: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾،[سورة : المائدة (54).]وقولُه تعالىٰ في الكفّارِ: ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾،[سورة : الفتح (6)، المجادلة (14)، الممتحنة (13).] وقولُه تعالىٰ: ﴿اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾،[سورة : محمد (28).]وقولُه تعالىٰ: ﴿كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾).[سورة: التوبة (46).]

                                              بسم الله الرحمـٰن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وأصلّي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتّبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.

أما بعدُ:

ففي هذا المقطع الذي سمعناه ذكر المؤلف -رحمه الله- عدداً من آيات الصفات التي ذكر الله جل وعلا فيها شيئاً من صفاته، يقول المؤلف -رحمه الله- بعد أن فرغ من المقدمة التي بين فيها سبيل أهل السنة والجماعة في صفات الله -عز وجل- في آيات الصفات وأحاديثها قال -رحمه الله-: (فمِمَّا جاءَ مِنْ آياتِ الصِّفاتِ قولُ الله عزّ وجل: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ[سورة : الرحمـٰن (27).]) إلى آخر ما ذكر.

المؤلف -رحمه الله- الملاحظ فيما ذكره من آيات الصفات وفيما ذكره من أحاديثها أنه أتى بالآيات المتضمنة للصِّفات التي وقع فيها مخالفة لأهل السنة والجماعة، لطريق السلف الصالح؛ فإنه لم يذكر الصفات التي يثبتها مثبتة الصفات.

الناس من حيث إثبات الصفات ينقسمون في الجملة إلى قسمين:

قسم ينفي الصفات وهؤلاء هم المعطلة.

وقسم يثبت الصفات في الجملة وهؤلاء أقسام:

منهم- وهم أفضل الأمة وخيرها وأوفقها لطريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

القسم الثاني: هم الذين يثبتون بعض الصفات وينفون بعضها، وهؤلاء يسمون أو يطلق عليهم (مثبتة الصفات)؛ لأنهم يثبتونها في الجملة، وإن كانوا يخالفون أهل السنة والجماعة في إثبات كثير من الصفات حيث لا يثبتونها، ويخالفونهم أيضاً فيما يثبتون، حيث إنهم لا يثبتونه على الوجه الذي أثبته الصحابة رضي الله عنهم وسلف الأمة الصالح، ومن هؤلاء: الأشاعرة، ومنهم الماتريدية والكلابية، هؤلاء يثبتون الصفات.

هناك طائفة غلت في إثبات الصفات، وهم الممثلة الذين يثبتون الصفات ويقولون: هي مثل صفات المخلوقين، فهؤلاء من مثبتة الصفات؛ لكنهم غلوا في الإثبات.

المؤلف -رحمه الله- ذكر آيات الصفات وأحاديث الصفات التي خالف فيها مثبتة الصفات؛ يعني التي خالف فيها الأشاعرة والماتريدية والكلابية وأشباهُهم، فبحثه ليس مع الذين نفوا الصفات بالكلية؛ لأن أولئك البحث معهم ينحو منحى آخر، فيحتاجون إلى أن يناقشوا في أصل النفي، أما هؤلاء فمعهم شيء من الحق وهو فيما أثبتوه من الصفات؛ ولكنهم أخطؤوا في ما أولوه من الصفات، فنحتاج إلى أن نقول لهم: إنه يلزمكم فيما أثبتم من الصفات نظير ما نفيتم، نظير ما فررتم منه فيما نفيتم، فإما أن تثبتوا الجميع وإما أن تنفوا الجميع.

مقصودي من هذا الكلام أن نعرف لماذا ذكر المؤلف -رحمه الله- هذه الآيات وهذه الأحاديث المتضمنة للصفات الخبرية والصفات الفعلية، ولم يذكر شيئاً من الصفات المعنوية الذاتية، كصفة السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة والكلام.

فالجواب أن المؤلف -رحمه الله- أراد إثبات ما نفاه وتأخر عن إثباته مثبتة الصفات كالأشاعرة والماتريدية والكلابية.

ذكر أولاً فيما ذكر من آيات الصفات صفة الوجه، وصفة الوجه صفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، دليل ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27)﴾،[سورة : الرحمـٰن (27).]حيث أثبت الله -جل وعلا- لنفسه وجهاً، وأضافه إليه، والأصل فيما أضيف إلى الله عز وجل أنه إذا كان لا يقوم بنفسه أن يكون صفةً لله عز وجل؛ لأن المضاف إلى الله عز وجل نوعان:[يمكن تلخيص ذلك في أن ما يُضاف إلى الله جل وعلا -وهذه قاعدة-:

•تارة يكون معنًى. مثل: رضا الله، رحمة الله، كلام الله، ونحو ذلك.

•وتارة يكون ذاتاً. وإذا كان ذاتاً:

oفتارة تكون ذاتاً تقوم بنفسها. مثل: ناقة الله، بيت الله، فهذه إضافة تشريف، يعني إضافة مخلوق لله للتشريف والتعظيم.

oوتارة تكون ذاتاً لا تقوم بنفسها. مثل: يد الله، وجه الله، ساق الله، فهذه صفات لله فهي إذاً غير مخلوقة.

ملخصة من شرح الشيخ صالح آل الشيخ على لمعة الاعتقاد لموفق الدين ابن قدامة المقدسي.]

  • إما إضافة أعيان، تقوم بنفسها وتستقل.
  • وإما إضافة ما لا يقوم بنفسه ولا يستقل.

مثال الأول إضافة الناقة لله عز وجل كما في قوله تعالى: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)﴾،[ سورة : الشمس (13).]فالناقة عين مستقلة قائمة بذاتها أو لا؟ قائمة، الناقة عين قائمة، فإضافتها إلى الله عز وجل إضافة تشريف وتكريم.

ومثله أيضاً: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا[سورة : الإسراء (1).]فقوله: ﴿بِعَبْدِهِ﴾فهذا إضافة تشريف.

ومثلها أيضاً قوله تعالىٰ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ[ سورة : البقرة (114).]، فالإضافة هنا إضافة تشريف.

والملاحظ في جميع هذه الأنواع من الإضافات أنها إضافة أعيان مستقلة قائمة.

أما إذا كان المضاف لا يستقل ولا يقوم بنفسه فإنها تكون إضافة صفات، ومنه قوله تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27)﴾،[سورة : الرحمـٰن (27).]فالوجه لا يقوم بنفسه مستقلًّا؛ بل لا بد أن يكون قائماً بعين، وكذلك اليد، وكذلك سائر الأمور المعنوية التي أضافها الله عز وجل لنفسه.

والوجه يسميه العلماء صفة خبرية[هو من الصفات الذاتية الخبرية، التي تقابلها الصفات الذاتية المعنوية من وجه.

وبهذا تكون الصفات تنقسم إلىٰ قسمين:

القسم الأول: الصفات الذاتية: وهي الصفات التي لم يزل ولا يزال يتصف بها. والذاتية بدورها تنقسم إلىٰ قسمين:

الأول: خبرية: وهي التي مسماها بالنسبة إلينا أجزاء وأبعاض مثل الوجه والعين، لكن بالنسبة لله عز وجل لا يجوز أن نقول: إنها بعض من الله.

الثاني: معنوية مثل الحياة، الحلم.

القسم الثاني: الصفات الفعلية: وهي الأفعال الاختيارية. وكل صفة مقرونة بسبب هي صفة فعلية. مثل المجيء، الإتيان وغيرهما.

والله أعلم. ملخصة من شروح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله.]، في تصنيف الصفات يصنفونه ويجعلونه من جملة الصفات الخبرية، حيث إنهم يجعلون الصفات أقساماً.

وهذا التقسيم ليس من كلام السلف؛ يعني إذا طلبت في كلام الصحابة والتابعين صفة خبرية، صفة ذاتية، صفة فعلية، ما تجد؛ لكنه اصطلاح حادث دعت الحاجة إليه، فلذلك قبله أهل العلم واستعملوه.

الصفات الخبرية ما هي؟ الصفات الخبرية هي الصفات التي لا يستقل العقل بإثباتها؛ يعني هي الصفات التي لا يمكن أن يتوصل إليها إثباتاً من طريق العقل؛ بل لا بد من السمع؛ يعني لا بد من نقل، لا بد من نص، لا بد من وحي، في إثباتها.

فلو أن أحداً قال لك: أثبت لله وجهاً بالعقل، ما تمكنت؛ لأن العقل لا يستقل بمعرفة الغيبيات، ولذلك سمى العلماء -رحمهم الله- هذا النوع من الصفات: بالصفات السمعية أو الصفات الخبرية، معنى السمعية يعني التي جاءت بالسمع -الكتاب والسنة-، معنى الخبرية يعني التي جاء بها الخبر في كلام الله أو في كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

النوع الثاني من أنواع الصفات: الصفات الذاتية، وهي الصفات التي يتصف الله عز وجل بها أزلاً وأبداً، أزلاً يعني في القِدم، وأبداً يعني: في المستقبل، فهو لا ينفك عنها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

مثاله: الحياة، فإنه متصف بها -جل وعلا- أزلاً وأبداً، الدليل قوله الله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ[ سورة : الحديد (3).]الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، هذه صفة من صفاته الذاتية، ومعنى الذاتية يعني التي لا ينفكّ عن الاتصاف بها، فهو متصف بها دائماً أزلاً وأبداً واضح؟ واضح يا إخواني؟ طيب.

مثاله أيضاً: القيوم، مثاله: الحي، السميع، البصير، المتكلم، القادر، العليم، كل هذه من الصفات التي تسمى الصفات الذاتية.

القسم الثالث: الصفات الفعلية، وهي الصفات التي تتعلق بمشيئة الله عز وجل؛ يعني الصفات التي لا يتصف بها إلا متى شاء، كرضاه وغضبه ونزوله -جل وعلا- إلى السماء الدنيا، واستوائه على العرش، وما أشبه ذلك من الصفات. فهذه الصفات تسمى صفات فعلية.

لماذا تسمى صفات فعلية؟ لأنها متعلقة بالمشيئة، ويسميها بعض العلماء الصفات الاختيارية؛ لأنها متعلقة بالاختيار والمشيئة.

الذي بحثه المؤلف -رحمه الله- من هذه الأنواع أو ذكر له أمثلة في الآيات  التي ذكرها الصفات الفعلية والصفات الخبرية؛ لأنه هي التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم.

الوجه صفة خبرية ثبتت بالخبر، وأثبتها أهل السنة والجماعة، أما أهل التعطيل وأهل التأويل فإنهم نفوا هذه الصفة وقالوا: لا نثبت لله وجهاً. والمراد بالوجه هنا الأجر والثواب قالوا: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ[سورة : الرحمـٰن (27).]أي: يبقى ما قُصد به الله، وهذا صرف للفظ عن ظاهره من دون مرجح، فهو من التحريف الباطل الذي يسميه أهله تأويلاً.

إذاً الصفة الأولى التي ذكرها المؤلف رحمه الله قوله تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27)﴾،[سورة : الرحمـٰن (27).]وهذه الآية من أقوى الآيات التي يُثبت بها أهل السنة والجماعة الوجه لله عز وجل؛ وذلك أن الله سبحانه وتعالى وصف وجهه بصفتين ﴿ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ومثل هذا لا يسوغ أن يوصف به الأجر والثواب؛ لأن الأجر لا يوصف بأنه ذو جلال وذو إكرام، إنما الذي يوصف بهذا الوصف هو الله جل وعلا، ولذلك ذكر المؤلف رحمه الله هذه الآية لكونها من أصلح الآيات في إثبات صفة الوجه لله عز وجل.

ثم ذكر رحمه الله: (وقولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ[ سورة : المائدة (64).]) وهذا فيه إثبات صفة اليدين لله عز وجل، واليدان صفة للرب جل وعلا دل عليها الكتاب والسنة وأجمع عليها سلف الأمة، وهما يدان اثنتان كما دل عليهما قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾.

وقد جاء ذكر هذه الصفة في القرآن بعدة صيغ وعلى عدة أوجه: فجاءت مفردة، وجاءت مثناة، وجاءت مجموعة:

  • جاءت مفردة كقوله تعالىٰ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ﴾.[سورة : المائدة (64).]
  • جاءت مثناة: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾.
  • جاءت مجموعة: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا.[سورة : يس (71).]

أما الآية التي ذكرها أخونا وهي: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ[سورة : الذاريات (47)] فالأيد هنا ليست جمع يد، الأيد هنا القوة، من أَيِد إذا قوي. فهذا لا يصلح شاهداً. إنما ما جاء مجموعاً في مثل قوله تعالىٰ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا.[سورة : يس (71).]

فهل فيه تعارض بين الإفراد والجمع والتثنية؟

الجواب: لا تعارض، الدليل على أنه لا تعارض قول الله تعالىٰ: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)[سورة : يس (71).]، فلا يمكن أن يكون في كلام الله -عز وجل- تعارض أو تضارب، إنما التعارض والتضارب الذي يرد في النصوص، إنما هو من قبل الناظر لا من قبل النص، فالنص ليس فيه تعارض، بل هو محكم كما قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)،[سورة : هود (1).]وكما قال الله تعالىٰ: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)[سورة : فصلت (42).]﴿حَكِيمٍ﴾يعني مُحْكِم، فقد أحكم -جل وعلا- هذا الكتاب وهو محمود عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه أحكمه وأتقنه ولذلك قال: ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾إذاً لا تعارض بين الإفراد والتثنية والجمع.

فهل نقول: لله يد، أو نقول: لله أيدٍ، أو لله يدان؟

الجواب:أن لله يدين، أن لله جل وعلا يدين لا أكثر؛ لأن الله جل وعلا ذكر صفة يديه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثناة، والتثنية من أسماء الأعداد، وأسماء الأعداد لا يراد بها إلا العدد المذكور.

فإذا قال: جاء خمسة لا يمكن أن نقول هذا ستة في لسان العرب، وإذا قال قائل: أعطيته عشرة ما يمكن أن يقول: لا هو يريد تسعة أو يريد أحد عشر؛ لأن أسماء الأعداد نصوص لا تقبل الزيادة ولا النقص. طيب.

هل تعارض التثنية الإفراد والجمع؟

الجواب: لا، ما تعارض، لماذا لا تعارض؟

لأن الإفراد:

  • جاء ويراد به الجنس، يراد به الجنس هذا احتمال.
  • الاحتمال الثاني أن يراد به مطلق اليد، ثم جاءت النصوص مبينة لليد، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ﴾.[سورة : المائدة (64).]﴿يَدُ﴾مفرد أضافه إلى نفسه ومعلوم من قواعد اللغة أن المفرد المضاف يفيد العلوم، فيصدق عليه اليد واليدان والثلاث والعشر.

إذاً الإفراد لا يعارض التثنية، ولا يعارض الجمع، لماذا لا يعارض التثنية ولا يعارض الجمع؟

لأن الإفراد يراد به الجنس يعني إثبات جنس اليد لله عز وجل، دون التعرض للعدد، ويراد به أيضاً العموم حيث إنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يصدق عليه الواحد وما هو أكثر من الواحد.

إذاً يا إخواني الإفراد لا يعارض التثنية ولا يعارض الجمع، طيب.

الجمع هل يعارض الإفراد والتثنية؟

الجواب:لا يعارضهما؛ لأن الجمع يأتي للتعظيم كقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)[سورة : الحجر (9).]مع أن المنزل هو الله جل وعلا، فالقرآن نزل من عنده: ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)،[سورة : فصلت (42).]﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾،[سورة : هود (1).]فهو الذي فصّل وهو الذي أنزل -جل وعلا- ومع ذلك أخبر عن المنزل بصيغة الجمع: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)، فالجمع هنا الإتيان بصيغة الجمع في اليد فائدته التعظيم، طيب.[ضافة لما ذكر الشيخ من أوجه عدم معارضة الجمع للتثنية: فالجمع في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ فهنا جمع لأن العرب من لغتها أن المثنى إذا أضيف إلى ضمير جمع أو تثنية فإنه يُجمع لأجل خفة اللفظ.]

إذاً تلخص لنا من هذا أن ما جاء في القرآن في صفة اليد مثنىً لا يعارض الإفراد ولا يعارض الجمع، وكذلك الإفراد لا يعارض لا الجمع ولا التثنية، ولا الجمع يعارض الإفراد والتثنية.

أهل الكلام قالوا: إن قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾،[سورة : المائدة (64).]أي: نعمتاه، فأوّلوا اليد وحرفوها فقالوا: هي: القدرة والقوة والنعمة.

ونقول: هذا من تحريف الكلم عن مواضعه، ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾نقول: لا يمكن أن يُفهم منها غير اليد التي هي صفة الرب جل وعلا، وأما النعمة والقدرة فهذه من لوازم الصفة، فإنها من لوازم الصفة لكن لا يمكن أن نفسر الكلام بلوازمه ونترك ما دل عليه في الأصل؛ يعني نترك المعنى الأصلي ونذهب إلى اللوازم؛ بل نثبت المعنى الأصلي، ونثبت ما يلزم عن هذا اللفظ من اللوازم الصحيحة، ولا يمكن أن يلزم عن كلام الله عز وجل أو كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنى باطل بوجه من الوجوه.

إذاً ثاني ما ذكر المؤلف رحمه الله من الصفات صفة اليدين لله عز وجل: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾.[سورة : المائدة (64).]

ثم قال رحمه الله: (وقولُهُ تعالىٰ إخْبارًا عنْ عيسى عليه السلامُ أنَّه قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾،[سورة : المائدة (116).) هذا فيه إثبات أن الله جل وعلا له نفس، وأنه أضاف إليه النفس، فالنفس صفة من صفاته سبحانه وبحمده، وذلك لقوله: ﴿وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾.

لماذا قلنا: إنها صفة من صفاته، ولم نقل الإضافة هنا إضافة تشريف؟ الله هنا أضاف النفس إليه فقال: ﴿نَفْسِي[قوله: ﴿نَفْسِي﴾ هنا هي نفس عيسىٰ و قوله: ﴿نَفْسِكَ﴾ هي نفس الله جل وعلا.]الإضافة هنا ما نوعها؟

نحن ذكرنا أن الإضافة نوعان:

  • إما إضافة تشريف وخلق.
  • وإما إضافة صفة.

هذه من إضافة الصفات، أو من إضافة التشريف؟ من إضافة الصفات، دليل ذلك أن  النفس لا تقوم إلا بعين، فلما  أضافها إلى نفسه -جل وعلا- دل ذلك على أنها صفته.

واعلم أن النفس اختلف فيها العلماء -رحمهم الله- على قولين، من أهل السنة والجماعة اختلفوا فيها على قولين:

  • منهم من قال: إن النفس غير الذات؛ صفة زائدة غير الذات، كالسمع والبصر.
  • ومنهم من قال: إن النفس هي الذات.

وهذا الثاني هو الذي عليه جمهور أهل العلم من أهل السنة؛ الذي أضيف إلى الله هو قوله: ﴿وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾عيسى يقول للرب جل وعلا: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾،[ سورة : المائدة (116).]تعلم الذي عندي ولا أعلم الذي عندك، فالنفس هنا هي ذاته جل وعلا.

قال: (وقولُه سُبْحَانَهُ: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ[سورة : الفجر (22).]) انتقل المؤلف -رحمه الله- إلى ذكر الصفات الفعلية الاختيارية، فذكر صفة المجيء لله عز وجل.

واعلم أن الصفات الفعلية الاختيارية ينكرها غير أهل السنة والجماعة، ويؤولونها بمجيء الأمر أو بمجيء الرحمة، يؤولونها بشيء من مخلوقات الله عز وجل، ولا يقولون: إنها من صفاته.

لماذا؟ يقولون: لأن إثبات الصفات الفعلية يلزم منه أن تقوم به الحوادث، أن تقوم بالله عز وجل الحوادث، وقيام الحوادث بالأعيان يدل على أنها حادثة، هكذا زعموا في إبطال ما دلت عليه النصوص من إثبات صفات الفعل.

والصحيح أننا نثبت هذه الصفة لله عز وجل، ولا نقول ما يقوله هؤلاء من أنه جل وعلا حادث؛ بل هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، وكل من أبطل شيئاً من هذا فقد أبطل ما دلت عليه النصوص من أن الله فعال لما يريد كما قال -جل وعلا- في إثبات صفة الفعل قال: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16)﴾،[سورة : البروج (15-16).]وأتى بذكر صفة الفعل على صيغة وزن المبالغة للدلالة على كثرة فعله سبحانه وبحمده، فصفات الفعل يثبتها أهل السنة والجماعة؛ لأن الله أثبتها لنفسه في كتابه وأثبتها له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى هذا سار وأجمع سلف الأمة، لم يقل أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من أئمة المسلمين: إن قوله تعالىٰ: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾،[سورة : الفجر (22).]أي جاء أمره. ولا قال: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ[سورة : البقرة (210).]أن الذي يأتي الأمر أو الذي يأتي الملائكة، ولا يأتي الله جل وعلا، فإن هذا تكذيب للقرآن؛ بل الواجب إثبات صفات الفعل لله عز وجل كما أثبتها لنفسه في قوله: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾،[سورة : الفجر (22).]وكما قال: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ﴾ يعني ويأتي الملائكة، كما قال الله تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾.[سورة : الفجر (22).] فالمجيء والإتيان له سبحانه وبحمده يفعله متى شاء كيف شاء جل وعلا.

قال: (وقولُه: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.[سورة : المائدة (119).])هذا فيه إثبات صفة الرضا لله عز وجل، والرضا معناه القبول والمحبة للفعل.

وأهل الكلام يؤولون الرضا بالثواب فيقولون: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.أي: أثابهم، فرضاه ثوابه، أو إرادة ثوابه.

كذلك وقوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.[سورة : المائدة (54).] فيه إثبات صفة المحبة لله عز وجل، وأنه يحب. والمحبة صفة ما نوعها ؟ صفة فعلية اختيارية؛ لأنه يحب من يشاء متى شاء، وهو وصف معلق بمشيئة الله، فهو يحب من يحب ويبغض من يبغض جل وعلا.

قال: (وقولُه تعالىٰ في الكفّارِ: ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ[سورة : الفتح (6)، المجادلة (14)، الممتحنة (13).]) هذا فيه إثبات الغضب لله عز وجل، وهو صفة فعلية أيضاً.

 قال: (وقولُه تعالىٰ: ﴿اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ[ سورة : محمد (28).]) الشاهد إثبات صفة السخط له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. والسخط والغضب معناهما متقارب، وهما صفتان ثابتتان لله عز وجل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.

قال: (وقولُه تعالىٰ: ﴿كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ[ سورة: التوبة (46).]) فيه إثبات صفة الكره لله جل وعلا.

وهذه الصفات الفعلية لا يلزم عليها أي لازم باطل؛ بل هي صفات كمال؛ لأن من كمال الشيء أن يغضب إذا جاء موجب الغضب، وأن يسخط إذا جاء موجب يعني سبب السخط، وأن يكره إذا جاء موجب وسبب الكره والسخط.

قال بعد ذلك في ذكر ما جاء من الصفات في السنة.

(ومِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يَنزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلّ ليلةٍ إلى سماءِ الدّنيا))، [البخاري: كتاب التهجد، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل..، حديث رقم (1145).مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل.. حديث رقم (758).]وقولُه:((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ))، [أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2843). وذكر أنه رواه الروياني في مسنده والإمام أحمد وأبو يعلى وغيرهم.وقال علي حسن في الشريط الثاني الوجه الأول من أشرطة لمعة الاعتقاد: كان شيخنا الألباني يضعفه ثم من ثلاث أو أربع سنوات وقف له على بعض الشواهد التي تحسنه فمن رأى في أحد مؤلفات شيخنا أنه يضعف هـٰذا الحديث فليضرب على ذلك ويكتب بجانبه حديث ثابت أو حديث حسن.]

وقولُه:((يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَين قَتَلَ أحدُهما الآخرَثميَدخُلانِ الجنّة)).[البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الكافر يقتل المسلم..، حديث رقم (2826). مسلم: كتاب الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، حديث رقم (1890).]

فهذا وما أشْبَهَهُ مِمّا صَحَّ سَنَدُهُ، وعُدِّلَت رُواتُه، نُؤْمِنُ بِهِ، ولا نَرُدُّهُ، ولا نَجْحَدُهُ، ولا نَتَأَوَّلُهُ بِتَأْوِيلٍ يُخالِفُ ظاهِرَه، ولا نُشَبِّهُهُ بصفاتِ المخلوقين، ولا بِسِماتِ المُحْدَثِينَ، ونعلَمُ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىلا شبيهَ لَهُ، ولا نظيرَ:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾،[سورة : الشورى (11).]وكلُّ ما تخيّل في الذِّهْنِ أوْ خَطَرَ بالبَالِ، فإنَّ اللهَ تعالى بخلافِه).

يقول رحمه الله في ذكر ما جاء في السنة من الصفات: (ومِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يَنزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلّ ليلةٍ إلى سماءِ الدّنيا))) وهذا الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه الخبر عن صفة من صفات الله عز وجل وهي نزوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كل ليلة إلى السماء الدنيا. وهذا من أي أنواع الصفات؟ من الصفات الفعلية؛ لأنه يقع بمشيئته واختياره سبحانه وبحمده، ونزوله نزول حقيقي، لا تقل: كيف ينزل، ولا يشكل عليه ماهية ذلك وحقيقته وكنهه، فإنك لم تكلف بذلك، إنما كلفت بأن تؤمن بما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه.

ومن أوّل النزول بغير ما دلّ عليه ظاهر النص من أنه نزول الرحمة هم يقولون: ينزل ربك يعني تنزل رحمته، أو ينزل ملك من الملائكة، وهذا غلط كبير وتحريف خطير للنص؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟)). [تم تخريجه في الصفحة: (2).]هل يسوغ أن يقول ملك من الملائكة هذا القول؟ لا؛ لأنه لا يملك أن يجيب، ولا يملك أن يغفر، ولا يملك أن يعطي السائل سؤاله إلا الله جل وعلا. والرحمة لا يمكن أن تقول هذا ولا أن تفعله.

فهذا نزول مضاف إلى الله جل وعلا نؤمن به، ونتعبد الله به أن نتعرض لرحمته ونفحاته في مثل هذه الساعات، وفي مثل هذه الأوقات.

ثاني ما ذكر من أحاديث الصفات ما رواه الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وفيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ))، (يَعْجَبُ) فيه إثبات صفة العَجَب لله عز وجل.

والعجب له سببان:

إما أن يكون العجب ناشئاً عن جهل، وهذا حاشا أن يكون من وصف الله عز وجل فهو العليم الخبير جل وعلا، أحاط بكل شيء علماً، فهو بكل شيء عليم.

ثاني أسباب العجب التعظيم لخروج الشيء عن نظائره، مع عدم سبق جهل أو عدم علم، وهذا هو الذي يوصف به الله عز وجل.

فمعنى يعجب أي: يُعَظِّم هذه الحال لخروجها عن نظائرها، وقد جاء إثبات العجب لله -عز وجل- في الكتاب في قوله تعالى: ﴿بَلْ عَجِبْتُوَيَسْخَرُونَ (12)[سورة : الصافات (12).]في القراءة السبعية، والقراءة الأخرى: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)لكن القراءة التي فيها إضافة العجب إلى نفسه هي التي يستدل بها أهل السنة والجماعة على إثبات صفة العجب لله عز وجل من القرآن.

فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَعْجَبُ رَبُّكَ))هل هذا عجب ناشئ عن جهل وعدم علم؟ الجواب: لا، تعالى الله عن ذلك؛ إنما هو عجب ناشئ عن تعظيم ومحبة وإجلال هذه الحال.

((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ)) الشاب هو الناشئ، وهو من بلغ الحلم واختلفوا في منتهاه قيل: إلى الثلاثين وقيل: إلى الأربعين، والمقصود فورة الشباب وقت خفة العقل وسفه الحلم، ((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ))أي: ليس له ميل إلى الهوى هذا معنى الصبوة، الصبوة هي الميل إلى الهوى، الغالب في حال الشاب أن يكون ذا صبوة أي ذا ميل إلى الهوى، لكن الإنسان إذا أحكم نفسه وعودها على الخير، وربَّاها على البر وحبسها عن مشتهياتها في مثل هذا الزمن كان ذلك من دلائل كمال دينه ورجاحة عقله؛ لأنه لا يفعل ذلك إلا عن وازع عظيم يمنعه من الميل إلى الهوى واتباع الشهوات.

هذا الحديث كما ذكرنا رواه الإمام أحمد من حديث عقبة، وفي سنده عبد الله بن لهيعة، رواه عنه قتيبة ابن سعيد، والحديث ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة؛ فإنه قد اختلط في آخره. [قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة تحت هـٰذا الحديث برقم (2843): التضعيف هو الجادة في حديث ابن لهيعة؛ لكن رواه الروياني من طريق ابن وهب وهو أحد العبادلة، فصح الحديث والحمد لله.

ويمكن أن يلحق بالعبادلة قتيبة بن سعيد فقد رواه عن ابن لهيعة كما رأيت وذلك لما ذكره الذهبي في ترجمة قتيبة من سير أعلام النبلاء من رواية جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح. فقلت: لأننا كنا نكتب من كتاب ابن وهب ثم نسمعه من ابن لهيعة.

قلت: بل بهي في ترجمة ابن لهيعة في سير أعلام النبلاء.]

لكن الصفة هل تبطل بهذا الضعف؟ الجواب: لا؛ لأنها جاءت في الكتاب ودلت عليها نصوص أخرى.

(وقولُه:((يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَين قَتَلَ أحدُهما الآخرَثميَدخُلانِ الجنّة))).هذا الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ((يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَين)) فيه إثبات صفة الضحك لله جل وعلا.

والضحك صفة كمال، هؤلاء الذين عطّلوا الصفات، قالوا: كيف يضحك الله، الضحك خفة، والله تعالىٰ يتعالى عن هـٰذا.

نقول: هذا جهل منكم؛ لأن الضحك ليس خفة في كل موارده، من الضحك ما هو كمال، وهو الضحك عند ورود سببه الذي يدعو إليه.

ثم إن ضحك الله -عز وجل- ليس كضحك المخلوقين.

هٰؤلاء إنما قالوا: الضحك خفة لما مثلوا ضحك الله بضحك المخلوق.

ونحن نقول: إن ضحك الله -جل وعلا- ليس كضحك المخلوق؛ لأنه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[سورة : الشورى (11).]فليس كمثله شيء في شيء من صفاته سبحانه وبحمده.

وقد روى الإمام أحمد وغيره في حديث أبي رزين العقيلي أن أعرابيًّا سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ضحك الله جل وعلا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ))، قال الأعرابي: أوَيضحك ربنا يا رسول الله؟ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نعم)). فقال الأعرابي: لا عدمنا الخير من رب يضحك.[سنن ابن ماجه: كتاب المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، حديث رقم (181).

وأورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2810) وقال: حديث حسن.

 وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية.] فاستدل بضحك الله على كمال صفاته وقرب خيره وأن من يضحك فالخير منه قريب، والبر والإحسان منه متوقع.

وهٰؤلاء يقولون: لا نصف الله بالضحك؛ لأن الضحك خفة. خفت عقولهم فردوا ما دلت عليه النصوص، ولو أنهم اتبعوا سبيل السلف الصالح لما قالوا مثل هذا القول.

قال -رحمه الله- في بيان القاعدة العامة بعد ذكر الأمثلة قال: (فهذا وما أشْبَهَهُ مِمّا صَحَّ سَنَدُهُ، وعُدِّلَت رُواتُه)أي مما ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤمن به ولا نرده. هذا هو الواجب على كل مؤمن أن يؤمن بما دلت عليه النصوص، وألا يرد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله، فإنّ من رد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله فقد رد ما يجب قبوله وعرض نفسه للفتنة. كما قال الله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾،[سورة : النور (63).]وأي فتنة أعظم من أن يرد قول الله أو قول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

(نُؤْمِنُ بِهِ، ولا نَرُدُّهُ، ولا نَجْحَدُهُ، ولا نَتَأَوَّلُهُ بِتَأْوِيلٍ يُخالِفُ ظاهِرَه):

الردهنا فيما يظهر أنه الإعراض.

والجحد هو التكذيب مع الإيقان بصدق ما أخبر به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والتأويل هنا التحريف.

فنفى المؤلف -رحمه الله- عن طريق أهل السنة والجماعة التكذيب والإعراض والتحريف.

قال: (ولا نُشَبِّهُهُ بصفاتِ المخلوقين) أي لا نقول: إن ضحكه كضحكنا. ولا نقول: إن عجبه كعجبنا. ولا نقول: إن مجيئه كمجيئنا؛ بل الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء، (ولا نُشَبِّهُهُ بصفاتِ المخلوقين، ولا بِسِماتِ المُحْدَثِينَ)؛ يعني الخلق الذين أحدثوا، (ونعلَمُ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا شبيهَ لَهُ) يعني لا مثيل، فنفي الشبيه هنا معناه نفي المثيل، وهذا في كلام كثير من أهل العلم ينفون الشبيه ويريدون به المثيل لا مجرد المشابهة أو لا مطلق المشابهة، فإن المشابهة المطلقة ثابتة كما تقدم.

قال: (ولا نظيرَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾).[سورة : الشورى (11).]

ثم قال -رحمه الله- في نفي أن يصوِّر الإنسان صفات الله -عز وجل- أو أن يكيفها، قال: (وكلُّ ما تُخُيِّلَ في الذِّهْنِ أوْ خَطَرَ بالبَالِ، فإنَّ اللهَ تعالى بخلافِه).أي على خلاف هذه الصورة التي جاءت في خلدك، ودارت في بالك، وتحرك بها خاطرك، فالله -جل وعلا- على خلاف ذلك.

هذه الجملة يمكن أن يراد بها معنى صحيح، ويمكن أن يراد بها معنى باطل قوله: (فإنَّ اللهَ تعالى بخلافِه) لكن مراد المؤلف هنا صحيح، مراده أن الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء.

وأحسن من هذا في العبارة أن يقال: فإن الله تعالى أعظم منه وأجل من أن يكون كذلك.

 ثم قال -رحمه الله- بعد هذا التمثيل:

(ومِنْ ذَلكَ قولُه تعالىٰ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾.[سورة : طه (5).]

وقولُه تعالىٰ: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء،[سورة : الملك (16).] وقولُ النبيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((رَبَّنَا الله الّذِي في السّماءِ تَقَدّسَ اسْمُكَ)).[سنن أبي داوود: كتاب الطب، باب كيف الرقى؟ حديث رقم (3892). وحسنه شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية.قال الشيخ الألباني: ضعيف.]وقال للجاريَة:((أيْنَ الله؟))،قالتْ: في السَّماءِ قال:((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)). رواه مالكُ بنُ أنَسٍ ومسلمٌ وغيرُهما مِنَ الأئمة.[ مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، حديث رقم (537).]

وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُصَيْنٍ: ((كَمْ إلهًا تَعْبُدُ؟))قال: سبْعةً: سِتَّةً في الأرضِ وواحِدًا في السَّماءِ، قالَ:((مَنْ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟))،قالَ: الّذي في السَّماء، قالَ: ((فَاتْرُكِ السِّتَّةَ وَاعْبُدِ الذِي في السَّماءِ وَأَنَا أُعَلِّمُكَ دَعْوَتَيْن))،فَأَسْلَمَ وَعَلَّمَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَنْ يَقُولَ:((اللَّهُمَّ ألْهِمْنيِ رُشْدِي، وَقِنيِ شَرَّ نَفْسِي)).[سنن الترمذي: كتاب الدعوات، باب (70)، حديث رقم (3483). وقال: حديث حسن غريب. قال الشيخ الألباني: ضعيف.]

وَفيمَا نُقِلَ مِنْ عَلاماتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأصحابِهِ في الكُتُبِ المتقدِّمةِ أنَّهم يَسْجُدون بالأرْضِ، ويَزْعُمون أنَّ إلـٰهَهمْ في السَّماءِ.

وَرَوَى أبو داودَ في سُننه أنَّ النبيَّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقالَ:((إنَّ مَا بَيْنَ سمَاءٍ إلىَ سَمَاءٍ مَسِيرَةَ كذَا وَكذَا -وذَكَرَ الخَبَرَ إلى قَوْلهِ:- وَفَوْقَ ذَلِكَ العَرْشُ، وَالله سُبْحَانَهُ فَوْقَ ذَلِكَ)).[سنن أبي داوود: كتاب السنة، باب في الجهمية، حديث رقم (4723). سنن الترمذي: كتاب التفسير، باب ومن سورة الحديد، حديث رقم (3298).سنن ابن ماجه: كتاب في المقدمة ، باب فيما أنكرت الجهمية، حديث رقم (193).]

فَهَذَا وَمَا أشْبَهَهُ مِمَّا أَجْمَعَ السَّلَفُ -رَحِمَهم اللهُ- على نَقْلِهِ وقَبُولِهِ، ولم يَتَعَرَّضُوا لِرَدِّهِ ولا تَأْوِيلِهِ، ولا تَشْبِيهِهِ ولا تَمْثِيلِه.

سُئِلَ الإمامُ مالك بنُ أنسٍ رَحمه اللهُ فَقِيلَ: يا أبَا عبدِ الله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[سورة : طه (5).]كيْف استوى؟ فقال: الاسْتِواءُ غيْرُ مجهولٍ، والكيْفُ غيْرُ معْقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنْه بدعةٌ، ثُمّ أَمَرَ بالرَّجُلِ فأُخْرِجَ).

 هذا المقطع عاد فيه المؤلف رحمه الله إلى ذكر مثال من الأمثلة لصفات الله عز وجل التي جاءت في الكتاب والسنة وأثبتها سلف الأمة فذكر صفتين:

  • صفة الاستواء.
  • وصفة العلو.

ولاحظ يا أخي أن الاستواء والعلو صفتان مقترنتان في كلام أهل العلم كثيراً؛ وذلك أن الاستواء من أدلة العلو، السبب في الاقتران بين الاستواء والعلو أن الاستواء من أدلة العلو، وهو علو خاص.

يقول رحمه الله: (ومِنْ ذَلكَ قولُه تعالىٰ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[سورة : طه (5).]) أي من آيات الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله عز وجل صفة الاستواء في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾وقد ذكر الله جل وعلا هذا في آيات عديدة من كتابه.

لم يأتِ في آية من هذه الآيات أن الاستواء بمعنى الاستيلاء، أو أن الاستواء له معنى مخالف لما تكلم به سلف الأمة من أنه العلو والصعود والاستقرار؛ فإن سلف الأمة تكلموا في معنى الاستواء بهذه الكلمات كما قال ابن القيم:

 قد حُصِّلت للفارس الطعان

 

ولهم عبارات عليه أربع

 ارتفع الذي ما فيه من نكران

 

وهي استقر، وقد علا، وكذلك

 ............................

 

وكذاك قد صعد الذي هو رابع

 

 فهذه أربعة معانٍ ذكرها العلماء في معنى الاستواء، وهي ثابتة عن  السلف الصالح.

الذين خالفوا منهج أهل السنة والجماعة قالوا: الاستواء معناه الاستيلاء، واستدلوا لذلك ببيت مهلهل محدث مصنوع: 

 من غير سيف ودم مهراق

 

قد استوى بشر على العراق

 

وهذا إبطال لما كان عليه سلف الأمة بما لا دليل فيه، وبما يلزم عليه من اللوازم الباطلة ما لا يلزم على إثبات الاستواء.

فهذه الآية فيها إثبات استواء الله عز وجل على عرشه، وهذا أمر دل عليه كتاب الله وسنة رسوله وأجمع عليه سلف الأمة.

لم ينقل عن أحد من الأمة أن الله لم يستوِ على عرشه؛ بل إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الاستواء مذكور في كل كتاب من كتب الرسل، جاء به كل رسول، ولعظيم شأن هذه الصفة ذكرها الله في كتابه في سبعة مواضع، فلا يسوغ مع هذا التعدد والتكرار في ذكر هذه الصفة أن يقال: إن استوى بمعنى استولى. فإن هذا من تحريف الكلم عن مواضعه.

أما صفة العلو التي ذكر المؤلف رحمه الله أدلتها فهي ثابتة بالكتاب وبالسنة وبإجماع سلف الأمة والعقل دال عليها والفطرة المركوزة في نفوس الناس وفي خلق الله تدل عليها.

ولذلك يقول شيخ الإسلام: صفة العلو أجمع عليها الناس جميعاً مسلمهم وكافرهم. ولذلك فرعون لما أراد طلب الرب جل وعلا ماذا قال لهامان؟ ﴿ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَٰوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾،[سورة : غافر (36-37).]فلم يطلب الله عز وجل في يمين ولا في شمال ولا في خلف ولا في أمام، إنما طلبه في العلو، وهذا يدل على أن الإقرار بالعلو أمر مركوز في الفطر، حتى في فطر البهائم.

ولذلك لما ناقش الهمداني الجويني وهو يقرر العرش وعدم علو الله عز وجل، جاء قال: يا أستاذ وهو على المنبر يتكلم الجويني وهو من أئمة الأشاعرة، قال: يا أستاذ دع عنا العرش وذكره، وأخبرني عن شيء في قلوبنا، ما قال داع قط: يا الله إلا وجد من قلبه طلب العلو. فجعل الجويني رحمه الله يضرب على رأسه ويقول: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني؛ لأن هذا مهما ناقشنا، ومهما حاولنا وحاول المحاولون أن يبطلوه -نعوذ بالله أن نحاول أو نفكر في ذلك- لكن مهما حاول المحاولون أن يبطلوا هذا فإنه تأباه فطرهم.

ولذلك هم عند الضرورات ما يتوجهون لا إلى يمين ولا إلى يسار، ويذوب هذا التنظير وهذه المجادلة والمناقشة، ويرجعون إلى ما دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة من أنهم يقرّون بعلو الرب جل وعلا، فتجد الذي ينكر علو الرب يشير بإصبعه إلى العلو عند الإشارة إلى الله عز وجل، وهذا أمر فطر الله القلوب عليه فلا سبيل إلى إنكاره.

المؤلف رحمه الله ذكر من الأدلة الدالة على علو الله عز وجل عدة أدلة، فمن الكتاب: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾.[سورة : طه (5).]واقتصر عليه لأنه علو خاص، و إلا فمن الأدلة: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ[سورة : آل عمران (55).]﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[سورة : فاطر (10).]وما إلى ذلك، ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء﴾وقد ذكرها المؤلف رحمه الله، والأدلة على علو الله عز وجل كثيرة.

أما الأحاديث فذكر: (( رَبَّنَا الله الّذِي في السّماءِ تَقَدّسَ اسْمُكَ )) وهـٰذا الحديث رواه أبو داود وغيره بسند حسن كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، وهو حديث مشهور بأنه حديث رقية المريض فإنه يقرأ على المريض.

الشاهد فيه قوله: ((رَبَّنَا الله الّذِي في السّماءِ تَقَدّسَ اسْمُكَ))(ربَّنا) بالنصب لأنه دعاء (يا ربنا) تقدير يا النداء: يا ربنا (((رَبَّنَا الله الّذِي في السّماءِ تَقَدّسَ اسْمُكَ))، وقال للجاريَّة:((أيْنَ الله؟))،قالتْ: في السَّماءِ)أي في العلو، (في السَّماءِ) أي في العلو؛ لأن السماء يطلق على العالي، فهو اسم جنس لما علا، السماء اسم جنس لما علا، ويمكن أن يقال: في السماء أي سماء السقف المحفوظ، وتكون في هنا بمعنى على. كما قال تعالى في قول فرعون: ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ[سورة : طه (71).]﴿فِي جُذُوعِ﴾وهو معلوم أن التصليب لا يكون في بطن الجذوع، إنما يكون عليها، فكانت في هنا بمعنى على، وكقوله تعالىٰ: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾،[سورة : الملك (15).]الناس لا يمشون في الأرض داخلها إنما عليها، فـ(في) تأتي بمعنى (على) فقول الله تعالى: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء،[سورة : الملك (16).]وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَبَّنَا الله الّذِي في السّماءِ)). معناه إما أنه الذي في العلو، وإما أن يكون المراد بالسماء السقف المحفوظ، فتكون (في) هنا بمعنى إيش؟ واضح الكلام أو لا يا إخوان ؟ أو تعبتم؟ نقف على هذا ونكمل حتى ما نشق عليكم ونعيد هذا غداً إن شاء الله.

والله تعالىٰ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف