×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (5) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1235

الدرس (5) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

قال الإمام موفق الدِّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي-رحمه الله تعالى-:

(وَرَوى عبدُ الله بْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قالَ:((يَحْشُرُ الله الخلائِقَ يوْمَ القيامَةِ عُرَاةً حُفاةً غُرْلاً بُهْمًا، فَيُنَادِيهم بصوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الملِكُ، أنَا الدَّيَّان))رواهُ الأئمةُ[أخرجه الإمام أحمد في مسنده. والبخاري في الأدب المفرد.]، واسْتَشْهَدَ به البخاريُّ.[استشهد به البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تعالىٰ: ﴿ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له﴾[سبأ:23].]

وفي بعْضِ الآثارِ أنَّ موسى -عليْه السلامُ- ليْلةَ رأى النّارَ فَهَالَتْهُ، فَفَزِعَ منْها، فَنَاداهُ رَبُّهُ: يا موسى! فأجابَ سريعًا اسْتِئْناسًا بالصَّوْتِ، فَقَالَ: لبَّيْكَ لبَّيْكَ أسْمَعُ صوْتَكَ ولا أَرَى مكانَكَ، فأين أنتَ؟ فقال: أنا فَوْقَكَ، وَأَمَامَكَ، وعَنْ يَمِينِكَ، وعَنْ شِمَالِكَ، فَعَلِمَ أنَّ هذِهِ الصِّفَةَ لا تَنْبَغِي إلاَّ للهِ تَعالى. قال: كَذَلِكَ أنْتَ يَا إِلهي أفَكلامَك أسمعُ أمْ كلامَ رسولِك؟ قال: بلْ كلامي يا موسى).

                                        بسم الله الرحمـٰن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.

أما بعد:

فهذا تتمة الفصل الذي بدأنا فيه، والذي جعله المؤلف -رحمه الله- لتقرير عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بصفة الكلام لله عز وجل، في إثبات الكلام لله جل وعلا، وذكرنا في درس الأمس أن صفة الكلام صفة ثابتة له -عز وجل- بالكتاب والسنة وبإجماع سلف الأمة؛ فإن الأمة أجمعت على إثبات هذه الصفة للرب جلّ وعلا؛ بل إن الكتب كلها تثبت هذه الصفة، والرسل جميعهم جاؤوا مخبرين بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوحى إليهم وكلمهم، وأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بعث إليهم، وأنه بعثهم إلى الناس وأنزل عليهم كتباً تكلم بها.

فهذه الصفة ثابتة أجمع عليها أهل الإيمان وأهل الإسلام على مر العصور، ومن أنكر صفة الكلام فقد شابه أهل الكفر، وذلك أنّ الكفار كما ذكرنا في الدرس السابق أنكروا إرسال الله عز وجل الرسل وسلكوا في ذلك طريقين:

إما تكذيب أن يكلم الله عز وجل أحداً من رسله.

أو أنهم قالوا: ﴿مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ﴾.[سورة : الأنعام (91).]

فسلكوا في تكذيب رسالات الرسل هذين المسلكين:

إما تكذيب أن يبعث الله إلىٰ الناس رسولاً: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ،[ سورة : يونس (2).]﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة : الأعراف (63).] ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ[سورة : الأنعام (91).]فهذه مسالكهم في إبطال الرسالة، سلكوا في ذلك مسلكين:

تكذيب أن يكون الله أوحى أو أنزل كتاباً على أحد من الرسل.

وتكذيب أن يكون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلم أحداً من رسله أو أوحى إليه، إما تكذيب التكليم وإما تكذيب الإنزال.

ولذلك قال العلماء: إن إنكار صفة الكلام حقيقته التطرق والتوصل والتوسل إلى إنكار بعثة الله عز وجل للرسل.

وتقدم لنا أن موسى -عليه السلام- كلمه الله جلّ وعلا، وأن ما خص الله به موسى من الكلام فارق به سائر الأنبياء والرسل، كما قال الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾،[سورة : النساء (164).]

وكما قال -جلّ وعلا- في خطابه لموسى: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾،[سورة : الأعراف (144).]كل هذا مما تقدم.

ثم قال المؤلف -رحمه الله- في الاستدلال على هذه الصفة: (وَرَوى عبدُ الله بْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قالَ:((يَحْشُرُ الله الخلائِقَ يوْمَ القيامَةِ) وذكر صفة الحشر -حشر بني آدم- قال: (عُرَاةً حُفاةً غُرْلاً بُهْمًا) فذكر أربعة أوصاف، الذي في الصحيح ذكر الأوصاف الثلاثة الأولى: (عُرَاةً حُفاةً غُرْلاً) وأما الصفة الرابعة (بُهْمًا) فقد جاءت في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن أنيس الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- قالوا: يا رسول الله، وما (بُهْمًا)؟ يعني ما معنى (بُهْمًا)؛ قال: ((ليس معهم شيء)) فمعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُهْمًا) أي: ليس معهم شيء كما بين ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُنَادِيهم بصوْتٍ) وهذا محل الشاهد من الحديث ((فَيُنَادِيهم بصوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الملِكُ، أنَا الدَّيَّان)) وهذا الحديث رواه جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن عبد الله ابن أنيس، وهو الحديث الذي رحل جابر من المدينة إلى الشام في طلبه، فإنه بلغه أن رجلاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدث عن فصل القضاء والحكم بين الناس، فرحل فاشترى بعيراً فشد عليه رحله، ثم ذهب إلى الشام فطرق على عبد الله بن أنيس فقال: إنه بلغني أنك تحدث حديثاً عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أسمعه، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه. فأخذه منه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وفيه ما ساقه المؤلف -رحمه الله- هنا من حشر الخلائق.

قال المؤلف -رحمه الله-: (رواهُ الأئمةُ واسْتَشْهَدَ به البخاريُّ) وأصل الحديث في الصحيحين من حيث ثبوت صفة الحشر فهذا في الصحيحين،[البخاري: كتاب الرقاق، باب الحشر.

     مسلم: كتاب الجنة، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة.]وكذلك نداء الله عز وجل في الصحيح -في صحيح الإمام مسلم- وكذلك نداء عز وجل للخلائق يوم المحشر.[مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار ، الحديثان رقم (2787، 2788).]

ثم قال -رحمه الله-: (وفي بعْضِ الآثارِ) أي: الآثار عن الأنبياء المتقدمين (أنَّ موسى ليْلةَ رأى النّارَ) هـٰذا الأثر رواه ابن أبي عاصم في كتاب الزهد بسنده إلى وهب بن منبه، ووهب بن مُنَبِّهٍ أو ابن مَنْبَهٍ من الرواة الذين أكثروا النقل عن بني إسرائيل. قال الذهبي -رحمه الله- في ترجمته: غزارة علمه في الإسرائيليات ومن صحائف أهل الكتاب. يعني غالب ما عنده من العلم إنما هو من الإسرائيليات ومن صحائف أهل الكتاب. وهذا من ذلك والله أعلم. له رواية عن ابن عباس، وله رواية عن أبي هريرة؛ لكن هذا من روايته عن أهل الكتاب من الإسرائيليات أو من صحائف أهل الكتاب.

يقول: (وفي بعْضِ الآثارِ أنَّ موسى عليْه السلامُ ليْلةَ رأى النّارَ هَالَتْهُ، فَفَزِعَ منْها، فَنَاداهُ رَبُّهُ: يا موسى! فأجابَ سريعًا اسْتِئْناسًا بالصَّوْتِ، فَقَالَ: لبَّيْكَ لبَّيْكَ) أي: أجيبك إجابة بعد إجابة (أسْمَعُ صوْتَكَ ولا أَرَى مكانَكَ، فأين أنتَ؟) وهذا فيه أنه سأل عن الله عز وجل بـ(أين) التي هي من أعظم الكبائر عند أهل الكلام أن تسأل عن الله -عز وجل- بـ(أين) مع أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل الجارية فقال لها: ((أين الله؟))[مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، حديث رقم (537).]وموسى في هذه الأثر الإسرائيلي قال: (فأين أنتَ؟ فقال: أنا فَوْقَكَ، وَأَمَامَكَ، وعَنْ يَمِينِكَ، وعَنْ شِمَالِكَ)وهذا ليس فيه أنّ الله مخالط للخلق؛ بل هذا لا ينافي ما تقدم مما نعتقده، ودل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة من أن الله -جلّ وعلا- بائن من خلقه، ليس فيه شيء من خلقه، ولا هو في شيء من خلقه؛ بل هو العلي الأعلى -جلّ وعلا- مستوٍ على عرشه بائن من خلقه، وإنما هـٰذه الإحاطة المذكورة هنا هي إحاطة العلم والقرب، وليست إحاطة المخالطة والممازجة تعالىٰ الله عن ذلك علوًّا كبيراً، (فَعَلِمَ أنَّ هذِهِ الصِّفَةَ لا تَنْبَغِي إلاَّ للهِ تَعالى. قال: كَذَلِكَ أنْتَ يَا إِلهي) يعني هكذا صفة الإلـٰه (أفَكلامَك أسمعُ) يعني هذا الكلام الذي أسمع وهو النداء (يا موسىٰ) هو كلامك؟ (أمْ كلامَ رسولِك؟ قال: بلْ كلامي يا موسى)ولا شك أن الكلام الذي سمعه موسى -عليه السلام- في تلك الليلة هو كلام رب العالمين، لا يمتري في ذلك صاحب عقل سليم وقلب من الشبه سليم؛ لأن الله -جلّ وعلا- قال في تلك الليلة: ﴿يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ[ سورة : طه (11-12).]وقال: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾،[سورة : طه (14).]، ولا يمكن أن يكون هذا صادراً عن غير الله جلّ وعلا؛ لأنه لا يجوز لملك ولا لمخلوق من خلق الله -عز وجل- أن يقول: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾.

فعُلم بهذا أن الكلام الذي سمعه موسى -عليه السلام- هو كلام رب العالمين، وهذا واضح جلي يدركه كل أحد يطلع على كلام الله عز وجل، ويقرأ ما جاء في شأن هذه القصة من كلام الله عز وجل، وما جاء في السنة النبوية من ذلك.

لكن هؤلاء لما انحرفت قلوبهم وانصرفت عن الحق شبَّهوا فشبِّه عليهم وخلّطوا فاختلط عليهم الأمر فكانوا كما قال الله -عز وجل-: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)[سورة : البقرة (176).] أي: لفي اختلاف ونزاع وتفرق واضطراب، كما قال الله -جلّ وعلا-: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ (5)﴾،[سورة : ق (5).]أي: هم في أمر مضطرب مختلط فاسد، هكذا هي حال كلِّ من خالف الكتاب أو أعرض عنه أو لم يقبل ما جاء فيه.

ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله:

فصل

(ومِنْ كلامِ الله سبْحانه القرآنُ العظيمُ، وهو كتابُ الله المبينُ، وحَبْلُه المتينُ، وصراطُهُ المستقيمُ، وتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ المرسَلِينَ بلسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ،[قال تعالىٰ: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)﴾.[الشعراء:192-195].]مُنَزَّلٌ غيْرُ مخلوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وإِليْهِ يَعُودُ.

وهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ، وآياتٌ بَيِّنَاتٌ، وحُرُوفٌ وكَلِماتٌمَنْ قَرَأَهُ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عشْرُ حسَناتٍ. لَهُ أَوَّلٌ وآخِرٌ، وأجْزاءٌ وأَبْعاضٌ، مَتْلُوٌ بالألسِنَةِ محْفوظٌ في الصُّدورِ، مَسْمُوع بالآذانِ، مَكْتوبٌ في المصاحِفِ)

يقول المؤلف -رحمه الله- في هذا الفصل: (ومِنْ كلامِ الله سبْحانه القرآنُ العظيمُ) بعد أن قرّر المؤلف رحمه الله في الفصل السابق إثبات صفة الكلام لله جلّ وعلا من الكتاب والسنة والآثار انتقل إلى الحديث عن القرآن الذي وقع الخلاف فيه بين طوائف من أهل الإسلام، فأنكروا أن يكون القرآن كلام الله جلّ وعلا، كما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الدِّين من بعدهم.

يقول رحمه الله: (ومِنْ كلامِ الله سبْحانه القرآنُ العظيمُ)، (مِن) هنا للتبعيض؛ لأنّ كلام الله -جلّ وعلا- لا يختصّ القرآن؛ أي إن كلام الله -جلّ وعلا- كثير، كما قال الله -جلّ وعلا-: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾،[سورة : الكهف (109).]فكلام الله -جلّ وعلا- كثير متنوع:

  • منه ما يتعلق بالخلق.
  • ومنه ما يتعلق بالشرع.

فكلامه الشرعي هو الذي أوحاه إلى رسله.

وكلامه الكوني الخَلْقي هو الذي يوجد به ما يوجد ويحدث به ما يحدث من أمر خلقه سبحانه وبحمده، فبه يدبر أمر مملكته جلّ وعلا.

قوله -رحمه الله-: (ومِنْ كلامِ الله) أي: من كلامه الشرعي الذي تكلم به فيما يتعلق بالشرائع والأديان (ومِنْ كلامِ الله سبْحانه القرآنُ العظيمُ) القرآن هو كتاب الله الحكيم الذي أنزله على النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حجة الله على هذه الأمة، وهو أعظم آيات الأنبياء، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح الإمام مسلم وغيره: ((ما من نبي إلا وأوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي)) يعني كان أعظم وأجل ما أوتيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الآيات القرآن، ولذلك لم يذكر غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ((وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي))، ثم بين عظيم أثر هذا الذي خُص به -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ((فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً))[ البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي؟ وأول ما نزل، حديث رقم (4981).مسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلىٰ جميع الناس، حديث رقم (152).]لعظيم بركة القرآن وأثره، وأنه آية ممتدة، ليست آية محصورة في زمان أو مكان؛ بل هي ممتدة في كل زمان، وفي كل مكان، فهي آية باقية، ولذلك كان تأثيره وأثره من أعظم ما يكون.

المراد أن هذا القرآن كلام الله جلّ وعلا، ما الدليل على هـٰذا؟

الأدلة على هذا تفوق الحصر، فإن الله -سبحانه وتعالى- أخبر بأنه أنزل القرآن من لدنه جلّ وعلا، وأخبر -جلّ وعلا- أنه تكلم به، ووصفه بأنه كلامه،كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ،[سورة : التوبة (6).]، ولا خلاف بين أهل التفسير أنّ المراد بكلام الله في الآية القرآن، فالأدلة من الكتاب ومن السنة على أن القرآن كلام الله أكثر من أن تحصى.

وهذا من الأمر الذي أجمع عليه السلف وهو معلوم من الدين بالضرورة، ولذلك من جحد أن القرآن كلام الله فهو كافر، وقد تكلم بهذا سلف الأمة فقالوا: من جحد أن القرآن كلام الله كفر.

لماذا قالوا هـٰذا؟ لأن الأدلة على هذا من أوضح ما يكون، ومن أكثر ما يكون، ولذلك قالوا: القرآن كلام الله مما يعلم من الدين بالضرورة؛ يعني لا يحتاج الإنسان إلى أن يصل إلى هذه النتيجة من خلال التفكير والنظر والتدبر وإعادة الفكر في النصوص حتى يستنتج وحتى يتوصل إلى أن القرآن كلام الله؛ بل إنه يصل إلىٰ ذلك بأدنى نظر في كلام الله عز وجل، وفي كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي آثار الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالحين.

فإن كون القرآن من كلام الله من أظهر ما يكون.

يقول -رحمه الله-: (وهو كتابُ الله المبينُ) كتاب الله أضافه إلى نفسه؛ لأنه هو الذي تكلم به، ووصفه بأنه المبين؛ لأنه أبان السبل: هدى الله به من الضلالة وأخرج به من الظلمات إلى النور، وهو الكتاب الذي يهدي إلىٰ الصراط المستقيم.

قال: (وحَبْلُه المتينُ) أي: حبله جلّ وعلا المتين، حبله الممدود منه جلّ وعلا بينه وبين خلقه، وقد روى الترمذي من حديث زيد بن أرقم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصف الكتاب بأنه: ((حبل ممدود من السماء))،[أورده الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (2024).]والمقصود بالحبل الممدود من السماء القرآن، حيث قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله حبله الممدود من السماء ))،[سنن الترمذي: كتاب المناقب، باب مناقب أهل البيت، حديث رقم  (3788). قال الشيخ الألباني: صحيح.]وقد جاء هذا عن عبد الله بن مسعود وعن غيره، وقد فسر جماعة من أهل العلم قول الله تعالىٰ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا[سورة : آل عمران (103).]بأنه القرآن، وقيل: الإسلام، وقيل: عهد الله، وقيل: طاعته وأمره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكل هذا حق. يعني كله مما يجب الاعتصام به، وكله من حبل الله عز وجل، ويجمع هذا أن يقال: إن حبله القرآن؛ لأنه إذا اعتصم بالقرآن فقد اعتصم بطاعة الله وأمره، إذا اعتصم بالقرآن فقد اعتصم بعهده، إذا اعتصم بالقرآن فقد اعتصم بدين الإسلام. فالقرآن هو أجمع هذه المعاني، ولذلك قال رحمه الله: وكل هذا حق.

المراد أن المقصود بقوله: (وحَبْلُه المتينُ) أي: حبله الشديد القرآن الكريم، (وحَبْلُه) وقد وصفه الله بذلك وجاء وصفه في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ذكرنا في حديث الترمذي من حديث زيد بن أرقم.

قال: (وصراطُهُ المستقيمُ) وصف القرآن بأنه الصراط المستقيم، والصراط هو الطريق الواسع في لغة العرب. وقد فسّر جماعة من العلماء قول الله تعالىٰ: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)[سورة : الفاتحة (6).]بأنه القرآن.

وقد قال الله عز وجل في وصفه لرسوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)[سورة : الشورى (52).]، فالصراط المستقيم هو كتاب الله الحكيم.

قال -رحمه الله-: (وتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ)، لا إشكال أنّ القرآن تنزيل رب العالمين، يدل لذلك الآيات الكثيرة التي أخبر الله فيها بتنزيل الكتاب:

 ﴿حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)﴾،[سورة : الأحقاف (1-2)، الجاثية (1-2).]﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ[سورة : السجدة (1-2).]،﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) ﴾،[سورة : فصلت (2).]وما إلى ذلك من الآيات الكثيرة التي يخبر الله -جلّ وعلا- فيها بتنزيل الكتاب من لدنه جلّ وعلا، فالقرآن منزل من الله سبحانه وتعالىٰ.

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ) أي: جبريل، (عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ المرسَلِينَ) أي على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد المرسلين.

(بلسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ). قال الله تعالىٰ: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)﴾،[سورة : النحل (102).]، فأنزل الله عز وجل هذا القرآن على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال المؤلف رحمه الله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ) أي جبريل (عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ المرسَلِينَ بلسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ولا إشكال أنه نزل بلسان عربي؛ أي بكلام (عَرَبِيٍّ) ليس فيه اشتباه ولا التباس، (مُبِينٍ) أي ظاهر واضح الدلالة، واضح المعاني.

قال -رحمه الله-: (مُنَزَّلٌ غيْرُ مخلوقٍ) وهذا فيه الرد على الجهمية والمعتزلة، قال: (مُنَزَّلٌ) ردًّا على من قال: إن القرآن ليس من لدن الله جلّ وعلا، وقال: (غيْرُ مخلوقٍ) رد به على من قال: إنه منزل من الله وهو كلام الله لكنه مخلوق، وهذا قول الجهمية الذين جرت منهم فتنة عظيمة على أهل الإسلام في أوائل القرن الثالث الهجري؛ حيث فتنوا الناس وعذبوا العلماء في مسألة خلق القرآن وآزرهم في ذلك وبدأ شر هـٰذه الفتنة في زمن المأمون فلما توفي سنة (218هـ) ثماني عشرة ومائتين للهجرة تولى كبر هذه الفتنة بعده أخوه المعتصم، واستمرت الفتنة حتى رفعها الله، وأنقذ الأمة بالإمام أحمد بن حنبل كما قال علي بن المديني -رحمه الله-: إن الله أنقذ هذا الدين بأبي بكر في الردة وبأحمد أي ابن حنبل -رحمه الله- يوم الفتنة أو يوم المحنة. فإن الله ثبّت الإمام أحمد على الحق والهدى حتى غدا إمام الدنيا في زمانه ومن بعده؛ حيث ربط الله على قلبه وسدده ووفقه إلى التمسك بما دلّ عليه الكتاب والسنة من أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

فقول المؤلف -رحمه الله-: (مُنَزَّلٌ غيْرُ مخلوقٍ) يرد على من؟ على الجهمية الذين قالوا: القرآن كلام الله؛ لكنه مخلوق فقال: (مُنَزَّلٌ) كما يعتقد أهل السنة والجماعة، وكما يقول الجهمية لكنه (غيْرُ مخلوقٍ)، فكلام الله صفة من صفاته ليس خلقاً من خلقه.

قال -رحمه الله-: (مِنْهُ بَدَأَ) وهذه اللفظة جاءت عن جماعة من السلف الصالحين (مِنْهُ بَدَأَ)، ومعنى قولهم: (مِنْهُ بَدَأَ) أي هو المتكلم به، لم يبتدئ من غيره، (مِنْهُ بَدَأَ) معناها أي هو المتكلم به؛ أي هو المتكلم بالقرآن سبحانه وبحمده، لم يبتدئ من غيره، فقوله: (مِنْهُ) (من) هنا لابتداء الغاية، والضمير يعود إلى الله جلّ وعلا، (بَدَأَ) أي: هو الذي ابتدأه وتكلم به، لم يكن من غيره ولم يبدأ من غيره؛ لأن الجهمية يقولون: كلام الله لكنه بدأ من غيره. ففي قصة موسى يقولون: بدأ من الشجرة وأن الشجرة هي التي تكلمت، أو من ملك فهو الذي تكلم. وهم بهذا كاذبون مكذِّبون للقرآن الكريم، مكذبون لما عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصحابة والتابعون.

يقول رحمه الله: (مِنْهُ بَدَأَ) عرفنا معنى (مِنْهُ بَدَأَ)، ما معناها ؟ أي إنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو الذي تكلم به، ما دليل ذلك ؟ ما دليل أنه منه بدأ ؟ الآيات الكثيرة في كلام الله عز وجل في الكتاب الحكيم التي تخبر بأن القرآن تكلم به الرب.

من ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)﴾،[ سورة : النمل (6).]﴿مِن لَّدُنْ﴾فـ﴿مِنْ﴾ هنا لابتداء الغاية ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾،ومنه قول الله تعالىٰ: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي.[سورة : السجدة (13).]

وكذلك قوله تعالىٰ: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)[سورة : هود (1).]ومنه قول الله تعالىٰ:﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)﴾،[سورة : الزمر (1)، الجاثية (2)، الأحقاف (2).]فـ(من) في هذه الآيات كلها وفيما يشابهها ما معناها؟ ابتدائية؛ تفيد ابتداء الغاية، وهذا دليل قول المؤلف رحمه الله: (مِنْهُ بَدَأَ)، يعبر بعض السلف بقولهم: (منه خرج) ويريدون بهذا أن الكلام من الله -جلّ وعلا- ابتدأ، وقد جاء ذلك في بعض الأحاديث، ففي جامع الترمذي من حديث أبي أمامة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه)) يريد ماذا ؟ يريد القرآن، ((وما تقرب العباد إلىٰ الله بمثل ما خرج منه))، هكذا جاء في جامع الترمذي، وقال أبو النضر أحد رواة الحديث: يعني القرآن، وهذا الحديث قال عنه الترمذي: غريب؛[سنن الترمذي: كتاب ثواب القرآن، باب (17)، حديث رقم (2911). قال الشيخ الألباني: ضعيف.]لكن على كل حال جاء ما يعضده من طريق جبير بن نفير مرسلاً في مسند الإمام أحمد وأيضاً ذكره الترمذي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه))،[سنن الترمذي: كتاب ثواب القرآن، باب (17)، حديث رقم (2912). قال الشيخ الألباني: ضعيف.]وقد تكلم بهذا السلف.

ومرادهم بهذه العبارة أن الكلام من الله -جلّ وعلا- ابتدأ ولم يخلقه في غيره كما تقول المعتزلة والجهمية، ومرادهم أيضاً من هذه العبارة أن الكلام صفة الله عز وجل.

فالمتكلم إذا خرج منه الكلام، هل يخرج مخلوق أو هو صفة له؟ صفة له، ولذلك قال الله جلّ وعلا: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾،[ سورة : الكهف (5).]هل يخرج من كلام الإنسان خلق وعين أم الكلام صفة له وإن تكلم به وظهر منه؟ الكلام صفة له وإن ظهر منه وخرج منه؛ لكنه يكون على وجه الصفة.

قال رحمه الله: (وإِليْهِ يَعُودُ) (إِليْهِ) أي إلى الله جلّ وعلا يعود، ما الذي يعود؟ الفاعل ما هو؟ القرآن، إليه يعود أي إليه يرجع، وقد جاء ذلك في عدة آثار:

من ذلك ما جاء عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يسرى على القرآن في ليلة يوشك أن ينزع القرآن منكم)) قالوا: يا رسول الله كيف ينزع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في كتبنا؟ فقال: ((يسرى على في ليلة فلا يبقى في الصدور منه كلمة، ولا في الصحف منه آية ويصبح الناس منه فقراء)) أي: ليس معهم منه شيء.

وهذا معنى ما ذكره السلف رحمهم الله من قولهم: (وإِليْهِ يَعُودُ) أي إليه يرجع، فالقرآن يرجع إلى الله عز وجل؛ لكن متى؟ لما يتعطل العمل به ولا ينتفع الناس منه، وذلك في آخر الزمان. وهذا لعظيم مكانة القرآن عند الرب جلّ وعلا، كما أن البيت يُرفع وهو القبلة، فكذلك القرآن يرفع وهو صفة الله عز وجل؛ لأن الناس يُعرضون عنه، فإذا أعرضوا عنه رفعه الله عز وجل لعدم انتفاع الناس به.

قال -رحمه الله-: (وهُوَ) أي القرآن (سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ) الدليل على ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)[سورة : هود (1).]فالإحكام هنا في قوله رحمه الله: (وهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ) أي سور متقنات ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [سورة : فصلت (42).]فليس فيه اضطراب ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)[سورة : النساء (82).]وهذا هو الإحكام الذي يوصف به القرآن كله.

ومنه قول الله تعالىٰ: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا[سورة : الزمر (23).]فمعنى المتشابه أي الذي يصدق بعضه بعضاً، ما فيه اعتراض، لا ينقض آخره أوله ولا يكذب بعضه بعضاً؛ بل يصدق بعضه بعضاً، وهذا من الإحكام.

إذاً قوله رحمه الله: (وهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ) ماذا يريد ؟ أنه متقن، يصدق بعضه بعضاً، لا فيه خلل ولا عيب ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾.[سورة : فصلت (42).]---

قال رحمه الله: (وآياتٌ بَيِّنَاتٌ). المؤلف رحمه الله بين لنا مم يتكون القرآن: من سور، وهذا أكبر ما يكون من الاجتماعات في القرآن، أكبر التقسيمات للقرآن سور، ثم آيات، ثم أحرف، ولذلك قال: (وهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ، وآياتٌ بَيِّنَاتٌ) ومعنى (بَيِّنَاتٌ) أي واضحات الدلالة، لا لبس فيها ولا غموض لمن فتح الله بصيرته وهدى قلبه.

قال: (وحُرُوفٌ وكَلِماتٌ) المراد بالحروف هنا:

إما أن يريد بالحروف الكلمات؛ يعني إما أن يريد بالحرف الكلمة، وهـٰذا هو الاستعمال العربي الأول الفصيح الذي جاءت به السنة، أن الحرف يطلق على الكلمة لا على المفرد الهجائي، ومنه ما رواه ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنه))، المراد بالحرف هنا ليس المفرد الهجائي، إنما المراد بالحرف الكلمة، ولذلك قال: ((لا أقول ﴿الم﴾ حرف، بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف))؛[سنن الترمذي: كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ما له من الأجر، حديث رقم (2910). وقال الترمذي: هـٰذا حديث حسن صحيح غريب من هـٰذا الوجه.قال الشيخ الألباني: صحيح. وأورده في السلسلة الصحيحة برقم (3327).]لأن القارئ إذا قرأ ﴿ألم﴾ ماذا يقرأ؟ يقول: أَلَمْ؟ اقرأ أول سورة البقرة كيف تقرؤها؟ (ألف، لام، ميم) فكل حرف من هذه الأحرف هو كلمة؛ لأنه لا يُنطق حرف ما تقول (أَ لَـ مْ)  إنما تقرؤها (ألف، لام، ميم)، فالحرف في كلام العرب بمعني الكلمة.

فمثلاً قول الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)[سورة : الإخلاص (1).]كم فيها من حرف؟ أربعة أحرف؛ لأن الحرف هو الكلمة، ﴿قُلْ... هُوَ... اللَّهُ... أَحَدٌ﴾.

هذا هو الحرف في كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسان العرب.

الاصطلاح الحادث بعد ذلك أن الحرف هو المفرد الهجائي فـ﴿قل﴾ فيها حرفان، ﴿الله فيها  أربعة، أو خمسة إذا حسبنا التشديد، ﴿أحد فيها ثلاثة أحرف.

فهل المقصود بالكلمة في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((من قرأ حرفاً من كتاب الله)) أن الهمزة والحاء والدال ثلاثة حروف في قوله: ﴿أحد  أم أن ﴿أحد  هي حرف واحد؟ ﴿أحد هي حرف واحد.

فقول المؤلف رحمه الله: (وحُرُوفٌ وكَلِماتٌ) قد يكون هذا من عطف الترادف؛ لأن الحروف هي الكلمات.

وقد يكون مراده بالحروف الحرف الهجائي؛ لأن الكلمة تتكون من حروف هجائية، فيكون بهذا قد جرى على أي شيء؟ على الاصطلاح الحادث.

يقول رحمه الله: (مَنْ قَرَأَهُ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عشْرُ حسَناتٍ) ما معنى (فَأَعْرَبَهُ)؟ يعني قال: هذا مبتدأ وهذا خبر وهذا فعل وهذا فاعل وهذا حرف جر وهذا مجرور؟ لا؛ معنى (أَعْرَبَهُ) أي إما أن يكون أتقن قراءته فيكون المعنى أعربه أي رتله؛ لأن قول الله تعالىٰ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)[سورة : المزمل (4).]قيل: الترتيل هو أن تقرأ القرآن كما أنزل معرباً، ما تجر المنصوب وتكسر المفتوح أو ما أشبه ذلك من التحريفات التي تجري بسبب ضعف اللسان.

فقوله رحمه الله: (فَأَعْرَبَهُ) أي إنه أتقن قراءته على الوجه الذي نزل به، (مَنْ قَرَأَهُ) أي من قرأ القرآن (فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ) حرف هجائي أو كلمة؟ بكل كلمة (عشْرُ حسَناتٍ) كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه الترمذي من حديث ابن مسعود: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: ألم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))، قال الترمذي رحمه الله: حديث حسنٌ صحيح.[ تم تخريجه صفحة (2).]

ثم قال: (لَهُ أَوَّلٌ وآخِرٌ) لا إشكال أن القرآن له أول وآخر، فأوله بسم الله الرحمن الرحيم في سورة الفاتحة وآخره آخر ما ذكر الله في سورة الناس:﴿مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾، ف(لَهُ أَوَّلٌ وآخِرٌ).

يقول رحمه الله: (وأجْزاءٌ وأَبْعاضٌ) هذا يرد به على الذين قالوا: إن كلام الله معنىً قائم بالنفس، ليس له حرف ولا أجزاء ولا أبعاض، فهو بهذا يرد على الأشاعرة والكُلابية الذين قالوا: كلام الله معنىً يقوم بالنفس. ما فيه أحرف ولا كلمات وليس أجزاءً ولا أبعاضاً؛ بل حتى الذين قالوا: إنه معنىً واحد، أو ثلاثة معانٍ أو خمسة معانٍ، يقولون: هذا التقسيم ليس أجزاءً ولا أبعاضاً؛ بل الكلام الذي يصفون به الله عز وجل معنىً قائم بالنفس أبدي أزلي، فهو في الأزل والأبد لا يتبين منه حرف ولا صوت، معناه واحد، إن عُبِّر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عُبِّر عنه بغير ذلك كان على حسب ما عُبِّر عنه، إما توراةً وإما إنجيلاً، هكذا قالوا، وهم بهذا يكذِّبون القرآن ويكذبون ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأجمعت عليه الأمة.

إذاً مراد المؤلف رحمه الله من قوله: (وأجْزاءٌ وأَبْعاضٌ) أي: إن كلام الله مكون من حروف وكلمات كما تقدم، فليس معنىً قائماً في النفس.

قال: (مَتْلُوٌّ بالألسِنَةِ) أي تقرؤه ألسنة المسلمين (محْفوظٌ في الصُّدورِ) فلا يخرج بكونه متلوًّا بالألسنة وبكونه محفوظاً في الصدور، عن أن يكون القرآن كلام رب العالمين، لا يخرج، بل هو كلام الله عز وجل، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور.

لماذا ذكر المؤلف هذا؟ ذكر المؤلف هذا حتى لا يقول قائل: القرآن الذي بين أيدينا ليس كلام الله.

نقول: الكلام الذي بين أيدينا والذي في صدور من حفظ، وفي صحف من كتب، وفي ألسنة من قرأ هو كلام الله جلّ وعلا؛ لأن الكلام يضاف إلى من تكلّم به ابتداءً، لا إلى من قرأه أو كتبه أو حفظه.

فالآن نحن نقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))[ البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... حديث رقم (1).مسلم: كتاب الإمارة باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال. حديث رقم (1907).]هذا كلام من؟ كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرواة الذين نقلوه عمر ومن بعده رَضِيَ اللهُ عَنْهُم هل نقلوا ذلك على أنه كلامهم أو أنه كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أنه كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الأمة لما تلقت هذا الحديث عنهم تلقته على أنه منهم أو من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو كلام النبي، تلفظ به من تلفظ وكتبه من كتبه، وحفظه من حفظه، لا يخرجه هذا كله عن أن يكون كلام رب العالمين.

وهذا مراد المؤلف رحمه الله بقوله: (مَتْلُوٌّ بالألسِنَةِ محْفوظٌ في الصُّدورِ، مَسْمُوع بالآذانِ، مَكْتوبٌ في المصاحِفِ) فكل هذا لا يخرجه عن كلام رب العالمين، فهو كلام الله عز وجل كان كذا أو كذا أو كذا.

قال المؤلف رحمه الله:(فِيهِ مُحْكَمٌ ومُتَشابِهٌ، ونَاسِخٌ ومنْسُوخٌ، وخاصٌّ وعامٌّ، وأمْرٌ ونَهْيٌ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾،[سورة : فصلت (42).]﴿قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾.[سورة : الإسراء (88).]

وهُوَ هَذَا الكتابُ العربيُّ الّذي قال فِيهِ الذين كَفَرُوا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾،[سورة : سبأ (31).]وقال بعضُهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾،[سورة : المذثر (25).]---فَقال الله سُبْحانه: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾،[سورة : المدثر (26).]وقَالَ بَعْضُهم:هو شِعْرٌ. فقال الله تعالىٰ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ[سورة : يس (69).]).

يقول المؤلف رحمه الله: (فِيهِ مُحْكَمٌ ومُتَشابِهٌ(فيه) الضمير يعود إلى القرآن (فِيهِ مُحْكَمٌ ومُتَشابِهٌدليل ذلك قول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِيعني هُن أصله ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ[سورة : آل عمران (7).]فالقرآن فيه محكم ومتشابه، ما معنى قوله تعالىٰ: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ﴾ما معنى الإحكام هنا؟ الإتقان يصف كل القرآن، صفة لجميع القرآن؛ لكن هنا قال في تقسيم القرآن: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾فما معنى الإحكام والتشابه هنا؟ تذكروا ما تكلمنا عنه سابقاً من الإحكام الخاص والتشابه الخاص.

الإحكام هنا هو الآيات التي ليس فيها إلا معنىً واحد فهي آيات واضحة المعاني ليس فيها التباس ولا اشتباه.

والتشابه ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌأي آيات تحتمل أكثر من معنى.

فقوله رحمه الله: (فِيهِ مُحْكَمٌ ومُتَشابِهٌ) أي فيه ما معناه واضح لا التباس فيه ولا لبس، وفيه ما خفي معناه واحتمل أكثر من معنى، وهذا القسم نصل إلى فهمه برده إلى أي شيء؟ برده إلى المحكم.

قال رحمه الله: (ونَاسِخٌ ومنْسُوخٌ) (نَاسِخٌ) أي ناقل للحكم السابق إلى حكم جديد.

النسخ في اللغة: النقل والإزالة، تقول: نسخت الشمس الظل أي أزالته. وتقول: نسخت الكتاب أي نقلته، فالنسخ في اللغة بمعنى النقل والإزالة.

أما في الاصطلاح: فهو رفع حكم شرعي أو لفظه بحكم آخر متأخر، رفع دلالة لفظه بحكم آخر متأخر، ومن هذا نفهم أن النسخ يكون للألفاظ ويكون للأحكام دون الألفاظ.

المؤلف يقول: (ونَاسِخٌ ومنْسُوخٌ) أي فيه ناسخ رافع للحكم ومنسوخ.

مثال الناسخ في كلام الله عز وجل قوله تعالىٰ: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ[سورة : البقرة (149، 150).]فإن هذه الآية ناسخة ، ناسخة لأي شيء؟ ناسخة للتوجه في القبلة إلى بيت المقدس.

(ومنْسُوخٌ) أي ومرفوع الحكم، مثاله في كتاب الله عز وجل: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[سورة : النساء (11).]هذا ناسخ أو منسوخ؟ هذه الآية ناسخة نسخت قول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ[سورة : البقرة (180).]فإن الله في هذه الآية فرض الوصية للوالدين، وفي آيات المواريث بيّن نصيب الوالدين، فنسخت آيات المواريث الآية في قوله تعالىٰ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ﴾فهذا مثال للناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل.

قال: (وخاصٌّ وعامٌّ) فيه خاص وعام.

الخاص: ما كانت دلالته قاصرة على حكم معين.

والعام: هو اللفظ الذي يدخل ويندرج تحته أفراد متعددة.

وهذا يؤخذ ويتوصل إليه على وجه التفصيل في كتب الأصول ودراستها.

قال: (وأمْرٌ ونَهْيٌ) أي وفيه أمر ونهي.

طيب، نأخذ مثالاً للعام والخاص:

مثال الخاص قول الله تعالى: ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ[سورة : الأحزاب (50).]هذا حكم خاص بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشركه فيه أحد.

أما العام فأكثر آيات الكتاب آيات عامة منها قول الله تعالىٰ: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ[سورة : النساء (11).]هذه تعم كل من مات وترك ولداً من أهل الإسلام، فهي آية عامة، الآيات العامة كثيرة.

قال رحمه الله:  (وأمْرٌ ونَهْيٌ) أي فيه أمر ونهي.

الأمر كقول الله تعالىٰ: ﴿وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[ سورة : النساء (36).]هذا مثال للأمر والنهي ﴿اعْبُدُوا اللّهَ﴾هذا أمر، ﴿وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾نهي.

مراد المؤلف رحمه الله بهذا أن القرآن ليس كما يقولون: معنىً واحد. إنما هو معانٍ، فإن الأشاعرة قالوا: القرآن معنىً واحد فيه أمر، وفيه نهي، وفيه زجر، وفيه قصص، وفيه حِكَم. المهم أنهم جعلوا القرآن الذي فيه من المعاني ما فيه معنىً واحداً، وهذا تكذيب لما في القرآن من المعاني المتعددة.

وهذا مراد المؤلف رحمه الله في قوله: (وخاصٌّ وعامٌّ، وأمْرٌ ونَهْيٌ).

ثم قال -رحمه الله-: (﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾،[سورة : فصلت (42).]) يعني هو في هذا كله متفق مؤتلف لا يعتريه باطل، ولا يتسرب إليه خلل؛ بل ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾؛يعني لا من أمامه ولا من خلفه ﴿تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾هذا فيه أن القرآن منزل من الله جلّ وعلا.

 

 يقول: (وقوله: ﴿قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ﴾)نقف على هـٰذا، ونكمل إن شاء الله تعالىٰ بقية البحث في الدرس القادم. والله تعالىٰ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93554 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89258 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف