×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (12) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1244

الدرس (12) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

قال الإمام موفق الدِّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:

(فصل

والإيمانُ قوْلٌ باللسانِ وعمَلٌ بالأرْكانِ وعَقْدٌ بالجَنَانِ، يزيدُ بالطاعةِ وينْقُصُ بالعصيانِ.

قال الله تعالىٰ:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾،[سورة : البينة (5).]فجعَلَ عبادَةَ اللهِ تعالىٰوإخلاصَ القلبِ، وإقامَ الصَّلاةِ، وإيتاءَ الزَّكاةِ، كُلَّهُ مِنَ الدِّينِ.

وقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطّرِيقِ)).[ مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان، حديث رقم (35).]

فجعَلَ القَوْلَ والعَمَلَ مِنَ الإيمانِ. وقال تعالىٰ: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾،[سورة : آل عمران (173).]وقالتعالىٰ: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا﴾.[سورة : الفتح (4).]

وقال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله. وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ أَوْ ذَرَّةٍ مِنَ الإيمانِ))،[البخاري: كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، حديث رقم (44).مسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، حديث رقم (193).]فجعَلَهُ متفاضلاً).

                                         بسم الله الرحمـٰن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد تقدم الكلام على ما في هذا الفصل، وذكرنا أنّ الإيمان الذي ذكره المؤلف رحمه الله بقوله: (والإيمانُ قوْلٌ باللسانِ وعمَلٌ بالأرْكانِ وعَقْدٌ بالجَنَانِ) أنّ هذا عقد أهل السنّة والجماعة في بيان معنى الإيمان، وأن لهم على ذلك عبارات متعددة منها هذه العبارة، ومنها أن (الإيمان قول وعمل)، ومنها أن (الإيمان قول وعمل ونية)، كل هذا مما جاء عن سلف الأمة ومعناه متفق وإن اختلف لفظه.

وقول المؤلف رحمه الله فيالإيمان: (قوْلٌ باللسانِ وعمَلٌ بالأرْكانِ وعَقْدٌ بالجَنَانِ) به رد على أنواع البدع الطارئة فيما يتعلق بالإيمان، فإن المخالفين في الإيمان على طرق:

أشدهم مخالفة الجهمية الذين يقولون: الإيمان هو معرفة القلب. هذا قول جهم ومن أخذ بقوله؛ أن الإيمان معرفة القلب فقط.

معنى هذا أنه لا يحتاج إلى قول، لا يحتاج إلى عمل، لا يحتاج إلى إقرار بالقلب، مجرد المعرفة.

والقول الثاني هو قول مرجئة الفقهاء، الذين قالوا: الإيمان قول باللسان وعقدٌ بالجنان. فتركوا ذكر العمل، أخّروا العمل عن مسمى الإيمان، وهؤلاء يسمون بمرجئة الفقهاء، وهم الذين عابهم سلف الأمة وذَمُّوا قولَهم، فإن هذا القول متقدم على قول الجهمية؛ أي قول مرجئة الفقهاء سابق لقول الجهمية الذين قالوا: إن الإيمان مجرد معرفة القلب. فما جاء من ذم السلف للإرجاء إنما هو ذم لما أحدثه مرجئة الفقهاء من تأخير العمل وإخراجه عن مسمى الإيمان.

وقد تزعم هذا القول وتكلم به جماعة من الفقهاء، من أوائلهم حماد بن أبي سليمان، وممن نسب إليه الأولية في هذا القول ذر بن عبد الله الهمداني وهو من العباد النساك، ونسب هذا القول إلى غير هذين، لكنه اشتهر في فقهاء الكوفة وهم من كان على طريقة أبي حنيفة رحمه الله؛ ولذلك يُنسب هذا القول إلى الحنفية لأنه كثُر فيهم.

وقد اختلف العلماء: هل هو قول أبي حنيفة أو لا؟

فمنهم من قال: إنه قول أبي حنيفة، وهو المشهور عند نقلة الأقوال.

ومنهم من قال: إن أبا حنيفة قال به ثم رجع عنه.

وليس هناك في كلام منقول عنه ما يشهد لقوله به أو رجوعه عنه، والذي يظهر أنه جارٍ على ما كان عليه السلف من أن الإيمان قول وعمل واعتقاد؛ أي قول باللسان وعمل بالأركان وعقدٌ بالجنان.

وأما ما حدث من مرجئة الفقهاء فإنه قول انتشر في الحنفية فنُسب إلى مذهب أبي حنيفة، وهو قول مخالف لقول أهل السنة والجماعة.

وجه المخالفة بين قول مرجئة الفقهاء وبين قول أهل السنة والجماعة إخراج العمل؛ أنهم لم يدخلوا العمل في الإيمان.

وقد اضطرب قولهم؛ يعني نظراً لكون هذا القول فيه نوع إشكال من حيث العمل هل هو من الإيمان أو لا؟ عمل القلب هل هو من الإيمان أو لا؟

فبعضهم قال: عمل القلب من الإيمان، وعلى هذا يلزمهم أن يدخل عمل الجوارح.

وبعضهم أخرج عمل القلب عن مسمى الإيمان. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ويلزمهم على هذا أن يوافقوا جهماً في قوله، وأن الإيمان مجرد المعرفة.

والخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي وليس خلافاً لفظيّاً كما ذكر ذلك ابن أبي العز رحمه الله في شرحه للطحاوية، فالخلاف حقيقي يترتب عليه خلاف معنوي؛ ليس مجرد خلاف لفظي، فإن جمهور العلماء وأهل السنة والجماعة يقولون: إن الصلاة والزكاة -وهما رأس العمل- من الإيمان، ومرجئة الفقهاء يقولون: إنهما ليسا من الإيمان. ويرد عليهم بقول الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾،[سورة : البينة (5).]  فجعلها الله من الدين، فدل ذلك على أنها داخلة في الإيمان، وأنها من الإيمان.

فعُلم بهذا أن الخلاف الواقع بين أهل السنة والجماعة هو خلاف حقيقي، وإنما قال من قال بأنه خلاف لفظي بناءً على: هل العمل- عمل القلب- داخل أو لا؟ هل يؤثر في زيادة الإيمان أو لا؟

وقد ذكر الطحاوي رحمه الله في متن الطحاوية ما يدل على أن هذا القول مضطرب فقال رحمه الله: (وَالإِيمَانُ: هُوَ الإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ) ثم لم يذكر العمل، قال: (وَجَمِيعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ كُلُّهُ حَقٌّ. وَالإِيمَانُ وَاحِدٌ وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ) ثم قال: (وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ) فجعل الإيمان متفاضلاً حيث قال: (وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ وَالتُّقَى، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَمُلازَمَةِ الْأَوْلَى)، هكذا قال رحمه الله في متن الطحاوية.

وهذا يدلك على أن هذا القول فيه من الاضطراب ما فيه، إذ كيف يقول: (وَالإِيمَانُ وَاحِدٌ) ثم يقول: (وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ)؛ لأنه لو كان الإيمان واحداً لكان (وأهله فيه سواء) وليس (وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ)؛ لأن إيحاءه بأن له أصلاً وفروعاً يدل على أن العمل داخل، ثم يقول: (وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ وَالتُّقَى، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَمُلازَمَةِ الْأَوْلَى) يدل على أنه يثبت تفاضلاً، ومرجئة الفقهاء الإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص، بناءً على أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان، والزيادة والنقصان إنما هي في الأعمال.

فهذا القول الذي ذكره المؤلف رحمه الله في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة انتظم الرد على هذه الطوائف كلها، سواء الجهمية أو مرجئة الفقهاء أو أيضاً الكَرَّامِيَّة، فالكَرَّامِيَّة -وإنما لم نذكره لأنه قول مندثر لا قائل به- يقولون: الإيمان قول اللسان فقط.

والصحيح ما دلت عليه النصوص من أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقدٌ بالجنان.

يترتب على هذا الاعتقاد اعتقاد أن الإيمان يزيد وينقص؛ ولذلك قال: (يزيدُ بالطاعةِ وينْقُصُ بالعصيانِ)، وهذا يخالف فيه كل الفرق التي خالفت في حقيقة الإيمان.

فيخالف فيه الجهمية.

ويخالف فيه مرجئة الفقهاء.

ويخالف فيه الكرامية.

ويخالف فيه الخوارج والمعتزلة؛ لأن الخوارج والمعتزلة -وإن كانوا يقولون كما يقول أهل السنة والجماعة: الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقدٌ للجنان؛ لكنهم- يخالفون في زيادة الإيمان ونقصانه؛ ويقولون: الإيمان شيء واحد إما أن يثبت جميعاً وإما أن ينتفي جميعاً، هذا قولهم فيما يتعلق بالإيمان.

(قال الله تعالىٰ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾،[سورة : البينة (5).]) وهذا فيه الدليل على ما تقدم من أن الإيمان مركّب من قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان، وبيَّن ذلك المؤلف رحمه الله فيما ذكر قال: (فجعَلَ عبادَةَ اللهِ تعالىٰوإخلاصَ القلبِ، وإقامَ الصَّلاةِ، وإيتاءَ الزَّكاةِ، كُلَّهُ مِنَ الدِّينِ).

وقالَ رسولُ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاَهَا شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطّرِيقِ))[تم تخريجه صفحة (2).]) وقد تكلمنا عن هـٰذا.

(فجعَلَ القَوْلَ والعَمَلَ مِنَ الإيمانِ. وقال تعالىٰ: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾،[سورة :آل عمران (173).]) إذاً الآن فرغ من الاستدلال لأي شيء؟ لبيان حقيقة الإيمان وأنها قول باللسان وعمل بالأركان وعقدٌ بالجنان.

ثم انتقل إلى بيان دليل الزيادة والنقصان (وقال تعالىٰ: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناًوقال: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا﴾.[سورة : الفتح (4).]وقال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله. وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ أَوْ ذَرَّةٍ مِنَ الإيمانِ))،فجعَلَهُ متفاضلاً).وهذا دليل على أي شيء؟ على أن الإيمان يزيد وينقص.

أما الزيادة فبالنص.

وأما النقصان فبالمفهوم كما قال سفيان ابن عُيينة لما سُئل: أينقص الإيمان؟ قال: إنه لا يزيد شيء إلا ينقص.

ثم اعلم أن من المسائل التي يكثُر الكلام فيها دخول جنس العمل في مسمى الإيمان؛ يعني إذا لم يعمل الإنسان شيئاً بالكلية، وإنما قال بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقر بقلبه -بالإلهية لله وبالرسالة لمحمد- هل يكفي في الإسلام وتحقق الإيمان؟

الجواب: لا يكفي. خالف في هذا مرجئة الفقهاء، وتبعهم بعض من تبعهم ممن ينتسب إلى السلف، ويقول: إن هذا هو عقيدة السلف، وهذا غلط وخطأ وجناية على السلف فيما قالوه، فليس في كلام السلف شيءٌ يدل على ما ذكروا من أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان؛ بل كلامهم واضح وجلي في خلاف هذا وأن العمل من الإيمان.

فقول من يقول: إن تخلف جنس العمل لا يؤثر، قول محدث، تكذِّبه الأدلة من الكتاب والسنة ويكذبه ما نُقل عن سلف الأمة من أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقدٌ بالجنان، ومن قال هذا القول فإنما تأثّر بقول من قال من مرجئة الفقهاء: إن العمل ليس من الإيمان. ولا فرق بين هذا وذاك في الحقيقة. إذا تأمّل الإنسان لا فرق بين من يخرج جنس العمل من مسمى الإيمان وبين من يقول: إن الإيمان قول باللسان وإقرار بالقلب كما هو قول مرجئة الفقهاء.

المشكلة أن الذين يقولون بهذا القول إنما قالوا به نتيجة الفرار من التكفير في بعض الأعمال، وهذا هو منشأ القول، منشأ قول مرجئة الفقهاء أنه ردة فعل على الخوارج الذين كانوا يكفِّرون الأئمة ويكفِّرون المسلمين بكبائر الذنوب، فلما كان الإيمان عندهم أصلاً واحداً وأشكل عليهم ما يقوله الخوارج من أنه إذا كان الإيمان شيئاً واحداً فإنه إما أن يثبت جميعاً أو أن ينتفي جميعاً قال مرجئة الفقهاء: إن الإيمان شيء واحد إما أن يثبت جميعاً وإما أن ينتفي جميعاً وليس منه العمل. فأخرجوا العمل حتى يسلم لهم الإيمان بقاءً فيما إذا خالف الإنسان بسرقة أو بزنى أو بشرب خمر أو بغير ذلك من الأعمال المحرمة التي نفى الله ورسوله الإيمان عن فاعلها.

فلما كان قولهم ردة فعل تشكل بعد ذلك المذهب وتكوّن وهو مذهب المرجئة.

أما من ينصر هذا وينسبه إلى السلف من المتأخرين فكذلك تكرر الأمر، هناك من يكفر مثلاً بترك الصلاة، من يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله، فلما رأى هؤلاء أن التكفير بهذه المسائل خلافي وسّعوا الخلاف، وجعلوا المسألة لا تتعلق بهذين العملين والتكفير بهما أو بأشباههما، إنما قالوا: لا نكفر بعمل إلا باستحلال أو انتفاء عقد الجنان أو ترك عقد القلب أو ترك قول اللسان، فوقعوا فيما وقع فيه سلفهم من مرجئة الفقهاء.

فالواجب على المؤمن أن يتحرّى في عقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وألا يكون عقده ودينه عُرضة لردود الأفعال، فإن من كان كذلك يوشك أن يرد الباطل بالباطل.

والواجب على المؤمن أن يرد الباطل بالحق، لا أن يرده بباطل مثله، فإنه لا ينفع نفسه ولا يرد الشر عن المسلمين برده الباطل بالباطل.

وهذه المسألة أُلِّف فيها مؤلفات وكتب فيها كتابات، إنما أحببنا أن نشير إلى بعض ما في هذه المسألة، ومن طلب المزيد فليرجع إلى ما ذكره العلماء في ذلك.

(فصل

ويجبُ الإيمانُ بكلِّ مَا أَخبَرَ به النبيُّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوصَحَّ به النَّقلُ عَنْه فيما شَاهَدْناه أو غابَ عَنّا، نَعْلَمُ أنَّه حَقٌّ وصِدقٌ، وسواءٌ في ذلك ما عقَلْناهُ وجَهِلناهُ، ولم نَطَّلِعْ على حقيقةِ معناهُ، مِثْل حديثِ الإسْراءِ والمِعراجِ وكان يَقَظَةً لا مَنامًا، فإنَّ قُريْشًا أنْكَرَتْهُ وأَكْبَرَتْهُ ولمتكنتُنْكِرُ المناماتِ.

ومِنْ ذلك أنَّ ملَكَ الموْتِ لمَّا جاءَ إلى موسى عليه السلامُ ليَقْبِضَ روحَهُ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إلى ربِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ).

طيب، المؤلف رحمه الله ابتدأ هذا الفصل المتعلق بالإيمان بالغيب مما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون في الدنيا ومما يكون في الآخرة بقوله رحمه الله: (ويجبُ الإيمانُ بكلِّ مَا أَخبَرَ به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوصَحَّ به النَّقلُ عَنْه فيما شَاهَدْناه أو غابَ عَنّا) هذا الإيمان يسمى الإيمان المجمل الذي يجب أن يقرّ في قلب كل مؤمن: أن يعتقد ما قاله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويؤمن به ويصدق به وأنه حق على حقيقته، هذا هو الواجب على أهل الإيمان، سواء علموه أو لم يعلموه، أدركوه أو لم يدركوه، ظهر لهم أو خفي، من عالم الغيب أو من عالم الشهادة، يجب عليهم أن يؤمنوا بذلك.

ومن خصائص أهل الإسلام وأهل الإيمان أنهم يؤمنون بالغيب، ولذلك قال الله تعالىٰ -في أول صفة ذكرها لأهل الإيمان في كتابه-: ﴿الۤمۤ (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ[سورة : البقرة (1-3).]فأول صفة ذكرها لعباده المتقين الذين يهتدون بالقرآن أنهم يؤمنون بالغيب، وهو الذي يميز بين أهل التقوى والدين وأهل الإيمان وبين أهل الكفر والجحود والإعراض.

يجب على المؤمن أن يؤمن بكل ما أخبر به الله تعالى في كتابه، أو أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيماناً جازماً لا يدخله ريب ولا شك، هذا هو الإيمان المجمل.

ولذلك قال: (ويجبُ الإيمانُ بكلِّ مَا أَخبَرَ به) سواء علمناه أو لم نعلمه بلغنا أو لم يبلغنا، (ويجبُ الإيمانُ بكلِّ مَا أَخبَرَ به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصَحَّ به النَّقلُ عَنْه) ما أخبر به في الكتاب وصح به النقل عنه الأول يشمل الكتاب والسنة ، وأما قوله: (وصَحَّ به النَّقلُ عَنْه) فهذا يختص السنة؛ لأن النقل إنما تطلب صحته فيما كان من خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غير كتاب الله عز وجل، (فيما شَاهَدْناه) أي فيما أدركناه ووقع عليه بصرنا وهو من عالم الشهادة (أو غابَ عَنّا) يعني ما لم ندركه ولم نشاهده، (نَعْلَمُ أنَّه حَقٌّ وصِدقٌ، وسواءٌ في ذلك ما عقَلْناهُ وجَهِلناهُ)، (ما عقَلْناهُ) يعني ما أدركته عقولنا وفهمته، وما لم تدركه عقولنا ولم تفهمه، الواجب الإيمان بجميع هذا ولا يوقف الإنسان إيمانه بما أخبر الله به ورسوله على إدراك العقل وفهمه، فإن العقل قد يحار في إدراك خبر من الأخبار أو إدراك أمر من الأمور؛ لكنه لا يجوز له أن يتوقف في إيمانه بذلك؛ بل يجب عليه أن يؤمن بما أخبر الله به ورسوله.

الشريعة تأتي بما يحار فيه الإنسان؛ لكنها لا تأتي بما تحيله العقول، الشريعة تأتي بما تحار فيه العقول؛ يعني تتحير في إدراكه وكيفيته وحقيقته؛ لكن لا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول؛ يعني بما تمنعه العقول وتقول: إنه مستحيل، فيجب الإيمان بما أخبرت به الشريعة سواء أدركنا ذلك بعقولنا أو لم ندركه؛ يعني أدركنا حقيقته بعقولنا أو لم ندرك ذلك.

يقول رحمه الله: (ولم نَطَّلِعْ على حقيقةِ معناهُ) مَثَّل ذلك بأمثلة قال: (مِثْل حديثِ الإسْراءِ والمِعراجِ) الإسراء انتقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى بيت المقدس ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَاالَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ[سورة : الإسراء (1).]فأسرى الله عز وجل برسوله ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، هذا هو الإسراء.

وقد أخبر الله عز وجل به في كتابه وسبّح نفسه عليه فدلّ ذلك على أنه من عظيم قدرته ودال على عظيم صفاته وكمال قوته جلّ وعلا ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَاالَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا[سورة : الإسراء (1).]أي ليرى ويشهد من آياتنا الدالة على صدق خبرنا ما وقع له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أما المعراج فكذلك جاء ذكره في القرآن الكريم في سورة النجم في قوله تعالىٰ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُعَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)[ سورة : النجم (1-9).]كل هذا في وصف ما كان في تلك الليلة ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)[ سورة : النجم (10-12).]أي أتجادلونه وتناقشونه على ما رأى من تلك الآيات العظيمة الكبيرة التي تجلّت له وشاهدها في تلك الليلة في معراجه؟ فالمعراج ثابت بالقرآن أيضاً، وثبوته بالسنة لا مجال لإنكاره ولا الشك فيه ولا الرّيب، فإن السنة قد دلت على ذلك دلالة واضحة جلية يُدركها كل عقل مؤمن وقلب سليم؛ لكن هل نحن ندرك كيف كان ذلك؟ ما ندرك كيفية ذلك؛ لأن إدراك الكيفيات أمره زائد على التصديق بالخبر، فنحن نصدق بالخبر لكننا لا ندرك كيفية ذلك.

ولذلك مثّل به من الأمور التي يجب الإيمان بها وإن كنا لا نعقل ولم نطلع ولم نشاهد كيف أُسري به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى بيت المقدس، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به من المسجد الأقصى إلى سابع سماء، ثم عاد في ليلة واحدة. كل هذا جرى له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة واحدة، يقول المؤلف رحمه الله: (وكان يَقَظَةً لا مَنامًا) هذا الذي عليه جمهور أهل العلم، ودل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإن الإسراء والمعراج كانا بالجسدِ والروح، لا بالروح وحدها كما يقوله من يقوله؛ بل كانا بهما جميعاً كما دلت على ذلك النصوص، وهو ظاهر كتاب الله وظاهر سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(وكان يَقَظَةً لا مَنامًا، فإنَّ قُريْشًا أنْكَرَتْهُ وأَكْبَرَتْهُ) أنكرت ماذا؟ الإسراء والمعراج (وأَكْبَرَتْهُ) يعني عدته من أكبر دلائل كذب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك فرحوا به وشنّعوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، حتى إن بعض أهل الإسلام ممن آمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتد بسبب ما وقع في قلبه من شك وريب وشبهةٍ من خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثَبَّتَ الله من ثَبَّتَ، وكان على رأسهم أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حيث قال لما قالوا له ذلك: إن كان قد قال لكم ذلك فهو صادق، إنني لأصدقه فيما هو أعظم من ذلك: أصدقه في خبر السماء يأتيه في ساعة من ليل أو نهار.

ثم قال: (ولم تكن تُنْكِرُ المناماتِ) يعني لو كان الإسراء مناماً لما كان هناك وجه لإنكار قريش؛ لأن قريشاً لا تنكر المنامات، إنما أنكرت وشنعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذبت وجادلت في الإسراء الذي كان بالروح والجسد لا بالروح فقط، والذي كان يقظةً لا مناماً.

(ومِنْ ذلك أنَّ ملَكَ الموْتِ) يعني مما يجب التصديق به -وإن لم ندرك حقيقته ولم نعقل كيفيته- ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من (أنَّ ملَكَ الموْتِ لمَّا جاءَ إلى موسى عليه السلامُ ليَقْبِضَ روحَهُ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إلى ربِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ).وهذا مما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إن الله بعث ملك الموت لموسى عليه السلام ليقبض روحه فجاءه فقال له: إن الله أمرني بقبض روحك. فلطمه موسىٰ عليه السلام ففقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى الله جلّ وعلا وقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت. فرد الله عز وجل على ملك الموت عينه، وأمره بأن يذهب إلى موسى وأن يضع يده على جلد ثور، فما وقع تحت يده من الشعر فله به سنوات من العمر))[البخاري: كتاب الجنائز، باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة، حديث رقم (1339)

     مسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل موسىٰ  عليه السلام، حديث رقم (2372).]. الشاهد في هذا الحديث هو ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فقْء عين الملَك، فإن هذا مما أخبر به، وقد لا يدركه كثير من الناس، فعدم إدراكهم له وعدم تصورهم لذلك لا يعني أنه يسوغ لهم أن ينكروه أو يردوه؛ بل الواجب عليهم أن يؤمنوا به ويقبلوه.

هذا مثال آخر ذكره المؤلف رحمه الله لما يجب الإيمان به مما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح به النقل مما غاب عنا ولم نعلم حقيقته وكيفيته.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله بعد ذلك أشراط الساعة، وهو مبدأ ما ذكره المؤلف رحمه الله من الإيمان باليوم الآخر، فإن الإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون بعد الموت.

وأيضاً يدخل فيه ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون بين يدي الساعة من علاماتها وأشراطها التي تدل على قربها وأوان دنوها ووقوعها.

 

ونجعل إن شاء الله تعالىٰ البحث فيها -لأنها متصلة- في الدرس القادم.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93555 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89258 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف