الدرس (13) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح
قال الإمام موفق الدِّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيرحمه الله تعالى:
(ومِنْ ذلك أشراطُ السّاعةِ، مِثْلُ خُروجِ الدَّجَّالِ، ونُزولِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلامُ فيَقْتُلُهُ، وخروجِ يأجوجَ ومأجوجَ، وخروج الدَّابّةِ، وطُلُوعِ الشَّمسِ مِنْ مغْرِبِهَا، وأشْباهِ ذلك مما صحَّ به النَّقْلُ).
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين و على آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الفصل كما بدأه المؤلف رحمه الله بقوله: (ويجبُ الإيمانُ بكلِّ مَا أَخبَرَ به النبيُّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوصَحَّ به النَّقلُ عَنْه فيما شَاهَدْناه ) علمنا أنه يتكلم فيما يتعلق بالإيمان بالغيب، وقلنا: إن الإيمان بالغيب من أصول أوصاف المتقين التي يجب على المؤمن أن يتحلى بها؛ فإنه لا تقوى ولا إيمان إلا لمن صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخبر به من أمر الغيب، سواءً أدرك حقيقته ومعناه، أولم يدرك حقيقته ولا معناه.
ومثّل المؤلف رحمه الله لما يجب الإيمان به مما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح به النقل عنه بالإسراء والمعراج، فإنّ حديث الإسراء والمعراج مما قد لا تدرك العقول حقيقته ويصعب عليها إدراك كيف كان ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكنه من آياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، كذلك ما جاء من الخبر في قصة مجيء ملك الموت لموسى عليه السلام.
يقول رحمه الله في صلة ما وقفنا عليه: (ومِنْ ذلك) أي ومما يجب الإيمان به مما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصح به النقل عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أشراطُ السّاعةِ) فقوله: (ذلك) المشار إليه ما تقدم في أول الفصل، (أشراطُ السّاعةِ) وأشراط جمع شرَط بفتح الراء وهو العلامة، والمقصود بـ(أشراط السّاعةِ) علاماتها التي تدل على قربها ودنوِّها.
وأعظم هذه العلامات وأولها ظهورًا بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ كما في الصحيحين قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ: ((بعثت أنا والساعة كهاتين))وأشار بالسبابة والتي تليها،[البخاري: كتاب التفسير، باب ، حديث رقم (4936).مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قرب الساعة، حديث رقم (2950).]وقد أشار الله جلّ وعلا إلى ذلك في قوله تعالىٰ: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)﴾،[سورة : القمر (1).]فجعل انشقاق القمر مقارناً لاقتراب الساعة، وانشقاق القمر هو ما جرى من الآية العظيمة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكة كما روى ذلك ابن مسعود وغيره في الصحيح وغيره: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شق الله له القمر فلقتين: فلقة على الجبل وفلقة دونه فرآه أهل مكة، فقالوا: سحرنا محمد، فهذا أيضاً من الآيات الدالة على قرب الساعة.
والأشراط تتنوع، أخبر بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحاديث كثيرة مستفيضة، فلا إشكال في ثبوت علامات الساعة وأشراطها، فإنه قد جاء الخبر عنها في كتاب الله عز وجل في قوله: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا﴾[سورة : محمد (18).]وكذلك قوله تعالىٰ: ﴿أَزِفَتِ الآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)﴾[ سورة : النجم (57-58).]فهاتان الآيتان في سورة النجم فيهما الدليل على قرب الساعة وقرب علاماتها؛ لأن الله عز وجل أخبر بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نذير من النذر الأولى ثم أخبر بقرب الساعة لما ذكر نذارة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ ورسالته.
فأشراط الساعة كثيرة متنوعة ثبتت بكتاب الله عز وجل وبسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، وهذه العلامات تنقسم إلى أقسام:
قسم منها ظهر وقت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبعثته وانشقاق القمر، وما أشبه ذلك من الآيات التي أخبر بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وظهرت في زمانه.
ومنها ما ظهر بعد موته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، وهذا ينقسم إلى قسمين:
آيات صغرى: وهي كثيرة لا حصر لها، منها ما رواه الشيخان في حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في سؤال جبريل عن الساعة حيث سأله عن الساعة، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جواب جبريل: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، ثم سأله عن أماراتها وعلاماتها فذكر من ذلك ((أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى العراة الحفاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان))[البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان..، حديث رقم (50).مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان.. حديث رقم (8).]. فهذا من العلامات التي أخبر بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاءت في حديث اتفقت الأمة على قبوله والعمل به، فهو من أصح الأحاديث، وهذا الذي تضمنه الحديث من علامات الساعة الصغرى.
القسم الثاني من علامات الساعة: العلامات الكبرى.
وهذه العلامات ليست على درجة واحدة؛ بل هي متفاوتة في الدلالة على قرب الساعة:
فمنها ما يكون بين يدي الساعة مباشرة، وهو ما أشار إليه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن أول ما يكون من الآيات خروج الدابة)) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ((طلوع الشمس من مغربها)) فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فأيهما كانت قبل كانت التي بعدها تليها))،[مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض.. حديث رقم (2941).]فهذا يدل على أن الأولية في أشراط الساعة الكبرى نسبية.
فمنها ما يكون قريباً مباشراً للساعة يدل على اختلال نظام الكون وقرب حصولها.
ومنها ما يكون من العلامات الكبار والأشراط البينة الكبرى؛ لكنها ليست قريبة بين يدي الساعة؛ يعني ليست في القرب كالتي أخبر بأنها أول ما يكون من شأن الساعة، وذلك كخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم، وما أشبه ذلك من الآيات التي أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها: كالخسف الذي يكون في المغرب، والخسف الذي يكون في المشرق، والخسف الذي يكون في جزيرة العرب.
هذه الأشراط كلها علامات تدل على الساعة وتبين وتوضح قربها.
والواجب على المؤمن أن يستشعر قرب الساعة لا بمجرد آية أو آيتين، بل بمجموع هذه الآيات ومنها بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد أخبر الله عز وجل بقرب الساعة ودنوها فقال: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)﴾،[سورة : القمر (1).]وقال: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1)﴾[سورة : الأنبياء (1).]﴿أَزِفَتِ الآزِفَةُ (57)﴾[ سورة : النجم (58).]وما إلى ذلك من الآيات التي يخبر الله عز وجل فيها بقرب وقوع الحساب وقرب قيام الساعة التي يقوم فيها الناس لرب العالمين.
فالواجب على المؤمن أن لا ينتظر آية معينة يستدل بها على قرب الساعة؛ بل الآيات كثيرة منتثرة، منتشرة، منها ما حصل، ومنها ما سيحصل، ومنها ما هو واقع وحاصل في دنيا الناس، فمن ذلك ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيحين: ((لا تقوم الساعة حتى يقل العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنى وتشرب الخمر))[البخاري: كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل، حديث رقم (80). مسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، حديث رقم (2671).]. هذه كلها علامات قائمة في حياة الناس اليوم، فإن العلم قليل والجهل منتشر والزنى فاشٍ، وإن كان لا يلزم من فشوه أن يكون فاشياً في كل بلاد العالم؛ لكن ظهور الزنى بما نسمعه ويُنقل إلينا من ظهوره في بلاد الكفار أمر واضح وجلي، وكذلك شرب الخمر استهان به كثير من الناس من المسلمين ومن غيرهم.
المراد أن العلامات منها ما هو يعايشه الناس ومنها ما جاء وفُرغ منه، ومنها ما هو مستقبل أي يستقبله الناس ولم يأتِ بعد.
فالواجب على المؤمن أن يستفيد من هذه الأشراط لا في حسِبها وعدهِا ووقعت أو لم تقع إنما في الاستعداد لليوم الآخر؛ لأن الله عز وجل إنما ذكرها في مساق التنبيه ولفت النظر إلى قرب الساعة الذي يوجب للإنسان العمل الصالح، ويوجب للإنسان استدراك ما مضى وما فات من صالح العمل؛ ولذلك قال الله عز وجل: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا﴾،[سورة : محمد (18).]وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: ((بادروا بالأعمال ستّاً: الدجال والدابة والدخان وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامة)) يعني يوم القيامة ((وخاصة أحدكم))[مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية من أحاديث الدجال، حديث رقم (2947).]يعني موته. هذه الست الذي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من علامات الساعة، فينبغي للإنسان أن يبادر منها ما هو من علامات الساعة كالأربع الأولى التي ذكرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالواجب على المؤمن أن يبادر؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بادروا بالأعمال))، فالفائدة المرجوة من أشراط الساعة لا ما يهتم به كثير من الناس اليوم من عدِها وهل وقعت؟ وهل حسر الفرات عن جبل من ذهب أو لم يحسر؟ وهل حصل خسف المشرق أو خسف المغرب وما إلى ذلك من خلاف ونزاع في تحديد بعض أشراط الساعة، إنما المقصود والمراد أن يتهيأ لها أهل الإسلام وأن يستعدوا لذلك اليوم.
ثم إن الساعة منها ما هو عام كالساعة التي تكون بالصعق وموت كل بني آدم وموت الخلق، ومنها ما يكون خاصًّا وهي موت الواحد منا، فإن الساعة وهي القيامة الصغرى هي أن تموت، وقد قرن الله جل وعلا في كتابه في كثير من المواضع ذكر القيامتين: القيامة الخاصة التي تتعلق بكل واحد منا، والقيامة العامة التي تعم الناس ويهلك فيها جميع الخلق.
إذاً فائدة بحث هذه الشروط لا مجرد عدِّها ومعرفتِها والنظر في وقوعها أو لا، إنما في المبادرة إلى العمل الصالح والاستعداد لها.
قال رحمه الله: (مِثْلُ خُروجِ الدَّجَّالِ) هذا من أشراط الساعة، وهو من أشراط الساعة الكبار. والدجال كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ما من نبي أرسله الله عز وجل إلا وأنذر أمته فتنة الدجال))[البخاري: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، حديث رقم (7131).مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، حديث رقم (2933).]. وجاء مزيد بيان في رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأنه وحاله وعمله ما لم يسبقه إليه أحد من الرسل المتقدمين.
وخروج الدجال أمر مُجمع عليه، وهو خروج حقيقي يحصل به من الفتنة والشر ما الله به عليم.
(ونُزولِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلامُ فيَقْتُلُهُ) هذا أيضاً مما جاء به الخبر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودلّت عليه آيات الكتاب فإن عيسى ابن مريم عليه السلام رفعه الله تعالىٰ إليه كما قال جل وعلا: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾[سورة : آل عمران (55).]. فهو مرفوع عند الله جلّ وعلا لم يمت، ثم يُنزله الله عز وجل متى شاء، فإذا نزل ينزل في وقت هذه الفتنة العظيمة فيكون على يديه نهايتها وإبطالها وقتل الدجال.
يقول: (وخروجِ يأجوجَ ومأجوجَ) وهذا دل عليه قول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾[سورة : الأنبياء (96-97).]. فجعل خروج يأجوج ومأجوج مقترناً باقتراب الوعد الحق.
ويأجوج ومأجوج خلق من بني آدم عظيم أخبر الله عز وجل في الكتاب بأنه بنى ذو القرنين سدّاً يمنعهم من الانتشار والإفساد في الأرض، فإذا أذِن الله خرجوا ووقع الفساد منهم ووقع ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأعمال التي تكون منهم من الكفر والشر الذي يعم الأرض، ثم تبطل فتنتهم ويذهب شرهم بإذن الله تعالىٰ.
قال: (وخروج الدَّابّةِ) وخروج الدابة أمر أخبر الله به في قوله: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾،[سورة : النمل (82).]فهذا هو ما أشار إليه المؤلف رحمه الله في قوله: (وخروج الدَّابّةِ)، وخروج الدابة ثابت في السنة في أحاديث لا مجال لردها، فهي تبلغ حد الاستفاضة والتواتر.
والدابة ليس هناك وصف دقيق لها ومتى تكون؛ ولكنْ هناك وصفٌ لما تخرج من أجله وهي أنها يحصل بها بيان وتمييز المؤمن من الكافر.
(وطُلُوعِ الشَّمسِ مِنْ مغْرِبِهَا) وهذه آية سماوية آفاقية تدل على انخرام نظام الكون، وقد جاءت الإشارة إليها في قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾[سورة : الأنعام (158).]. فهذه الآية دالة على خروج الشمس من مغربها، وهي آية عظيمة كبرى يبطُل بعدها التوبة ويُغلق بابُها ولا ينتفع أحد بعد ذلك بعمل لم يكن قد عمله وزلّفه من قبل، وهذه الآية من أوضح الآيات وأعمِّها وأظهرها دلالة على دنو الساعة وقربها.
قال رحمه الله بعد ذلك: (وأشْباهِ ذلك مما صحَّ به النَّقْلُ) وهو كثير من الآيات الصغرى والآيات الكبرى.
ثم قال رحمه الله: (وعذابُ القبْرِ ونعيمُه حقٌّ، وقد استعاذَ النبيُّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ)عذاب القبر ونعيمه، (عذابُ القبْرِ) أي ما يكون من العذاب الذي في القبر، (ونعيمُه) أي ما يكون من النعيم الذي في القبر. وعذاب القبر ونعيمه ثابت بالكتاب والسنة، وقد أجمع عليه سلف الأمة، فأدلة الكتاب وأدلة السنة في ثبوته كثيرة.
يقول المؤلف: (وقد استعاذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وأَمَرَ بِهِ في كلِّ صلاةٍ ) يعني وأمر بالاستعاذة منه في كل صلاة.
(عذابُ القبْرِ) أي العذاب الواقع في القبر فهذا من باب إضافة الشيء إلى محله، وليس هذا حصراً أو قصراً على القبور، فمن لم يُقبر فإنه يدركه عذاب القبر ونعيمه ولو لم يكن في قبر، فهو ذكر للعذاب بناءً على محله الغالب، و إلا فإن العذاب يكون للمقبور ويكون لغير المقبور.
دليله من الكتاب قول الله تعالىٰ في آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾[سورة : غافر (46).]. فأخبر الله عز وجل في هذه الآية بأن آل فرعون يُعرضون على النار غدوّاً وعشيّاً، ثم أخبر ما يكون من حالهم يوم القيامة فقال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾.
من الأدلة التي يستدل بها العلماء على عذاب القبر قول الله عز وجل: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)﴾.[سورة : نوح (25).]
من الأدلة أيضاً الدالة على عذاب القبر قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَوُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)﴾،[سورة : الأنفال (50).]فذكر الله عز وجل حالهم في العذاب وقت قبض أرواحهم ثم قال: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾فذكر بعد ذلك عذاب الحريق الذي هو العذاب بالنار، نسأل الله السلامة والعافية.
المراد أن الأدلة الدالة على هذا العذاب الواقع في القبر كثيرة، وكذلك النعيم فإن أدلته كثيرة في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
(وقد استعاذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ ) أي من عذاب القبر؛ وذلك فيما رواه أبو هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((استعيذوا بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال))[ البخاري: كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، حديث رقم (1377).
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، حديث رقم (589).].وقد قال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن.
وقالت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها كما في الصحيحين: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستعيذ بالله من أربع: ((من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال)).[البخاري: كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، حديث رقم (832).
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، حديث رقم (589).]
وهذا العذاب يستحقه كل من كان كافراً بالله العظيم فإنه يعذب في القبر عذاباً دائماً، كما قال تعالى في آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾،ولم يذكر لذلك منتهى ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾[سورة : غافر (46).]فَفُهم من هذا أن عذابهم مستديم ودائم ومستمر وليس له انقطاع.
النوع الثاني من العذاب: العذاب المنقطع، وهو ما يكون لبعض العصاة الذين يعذبون إزاء ما اقترفوا من جرم وما وقعوا فيه من ذنب ثم يُرفع عنهم هذا العذاب.
من أدلة أن العذاب متفاوت في القبر -متفاوت من حيث الدوام وعدمه، من حيث الشدة والخفة- حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قصة مرور النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على القبرين حيث قال -لما غرز في كل قبر جريدة أو القسم من الجريدة، قالوا: لم فعلت ذلك؟ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا))[البخاري: كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول، حديث رقم (218).
مسلم: كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، حديث رقم (292).]. فدل ذلك على أن عذاب القبر ليس على درجة واحدة؛ بل هو متفاوت من حيث الشدة والخفة، وهو أيضاً متفاوت من حيث الدوام والانقطاع: فالكفار عذابهم فيه غير منقطع، وأما أهل الإسلام الذين معهم من المعاصي ما قد يستحقون العقوبة من أجله في القبر فإنه قد يكون منقطعاً، وهذا العذاب الذي يصيب أهل الإسلام في القبر يُكفر الله به عنهم من الخطايا ويكون حاطًّا لهم من أن يعاقبوا بسببه في النار، فهو من جملة ما يصاب به المسلم ويُكفّر به من خطاياه وتمحّص به سيئاته ولا يعاقب به في الآخرة.
يقول رحمه الله:
(وعذابُ القبْرِ ونعيمُه حقٌّ، وقد استعاذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمِنْهُ، وأَمَرَ بِهِ في كلِّ صلاةٍ.
وفِتْنَةُ القَبْرِ حقٌّ، وسُؤالُ مُنْكَرِ ونَكيرٍ حقٌّ، والبَعْثُ بعْدَ الموْتِ حقٌّ وذلك حين يَنْفُخُ إسرافيلُ عليه السلامُ في الصُّورِ : ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾.[سورة : يس (51).]
ويُحْشَرُ النّاسُ يومَ القيّامةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً بُهْمًا، فيقِفونَ في موْقفِ القيامةِ، حتّى يَشْفَعَ فيهم نبيُّنَا محمدٌصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَويُحاسِبُهُم اللهُ تبارك وتعالىٰ، وتُنْصَبُ الموازينُ، وتُنْشَرُ الدَّواوينُ، وتَتَطايَرُ صَحَائف[في نسخة: صحف.]---الأَعْمالِ إلى الأَيْمانِ والشَّمائِلِ).
طيب، يقول رحمه الله -في بيان ما يجب الإيمان به واعتقاده مما يندرج تحت الإيمان باليوم الآخر-: (وفِتْنَةُ القَبْرِ حقٌّ) فتنة القبر الامتحان الواقع للموتى في قبورهم إذا دُفنوا، فإنّ أهل القبور إذا دُفِنُوا يُمتحنون ويُختبرون ويُسألون، ويقال لهم: من ربُّك؟ ما دينُك؟ من نبيك؟ وهذا السؤال يُسأله الإنسان سواء قُبِر أولم يُقبر؛ لكن من كان سيقبر فإنه يسأل في قبره؛ لحديث أنس وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إذا وضِع الرجل في قبره –أو: إذا وضِع الميت في قبره- أتاه ملكان))[البخاري: كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال، حديث رقم (1338).مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيما وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، حديث رقم (2870).]فإتيان الملكين وهو السؤال وهو الفتنة يكون ذلك في القبر، وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفتنة القبر وبينها في أحاديث مستفيضة تبلغ حد التواتر، فلا مجال لإنكارها ولا التكذيب بها.
وهذه الفتنة هي لجميع أهل التكليف، يعني لجميع من كان مكلّفاً، واختلفوا في الأنبياء هل يفتنون أو لا؟
والصحيح أنهم لا يفتنون؛ لأن الأنبياء هم المسؤول عنهم لا المسؤولون.
كما أنهم اختلفوا في الشهداء هل يفتنون أو لا؟
والصحيح أنهم لا يفتنون؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كفى ببارقة السيوف فوق رؤوسهم فتنة))[سنن النسائي: كتاب الجمعة، باب الشهيد، حديث رقم (2053). قال الشيخ الألباني: صحيح.]. فهذا مما يعطاه أهل الشهادة.
واختلفوا في من لم يبلغ أو من بلغ وهو مجنون أو معتوه لا عقل له، هل يفتن أو لا ؟
على قولين لأهل العلم:
فمنهم من قال: إنهم يفتنون ويمتحنون، وهذا قول أكثر أهل العلم.
والقول الثاني أنهم لا يفتنون ولا يمتحنون؛ لأنهم ليس معهم عقل، وليس عليهم تكليف في حق الصغار، من أجله تقع الفتنة والامتحان.
والذين قالوا بالفتنة استدلوا بما رواه مالك وأيضاً رواه غيره من أن أبا هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان إذا صلى على جنازة قال: اللهم قِهِ عذاب القبر أو وقه عذاب القبر.
ومن جملة ما يكون من عذاب القبر، ما يكون فيه من الفتنة؛ لأن الفتنة يترتب عليها العذاب، ويعقبها العذاب، فاستدلوا بهذا على أن الصغار ومن لا عقل له يفتن، والذي يظهر أنهم يفتنون والعلم عند الله، ولكن هذه الفتنة لا ظلم فيها عليهم؛ لأن من لا عقل له يمتحن يوم القيامة، فإن أجاب دخل الجنة، وإن امتنع ولم يجب فإنه يكون من أهل النار، والله حكم عدل: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾.[ سورة : يونس (44).]
يقول رحمه الله في بيان الفتنة: (وفِتْنَةُ القَبْرِ حقٌّ) أي ثابتة، لا مجال لإنكارها ولا ردها.
ومن أنكرها من المعتزلة وغيرهم إنما أنكروها لكون عقولهم قصرت عن إدراك هذه الفتنة العظيمة التي تكون في القبور.
وأيضاً قالوا: إننا نفتح القبر ولا نرى ملائكة تسأل ولا بدناً يقعد ويضرب بمرزبة من حديد وما أشبه ذلك مما جاء به الخبر من فتنة القبر.
فالجواب عن هذا أن يقال: إن ما ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الإقعاد والسؤال إنما هو في الأصل للروح لا للبدن، وذلك أن حكم الدار-دار البرزخ، الدار التي بين الدنيا والآخرة، الحكم فيها- على الأرواح لا على الأبدان، وما يكون مما ذُكر بلوغه للبدن أو ظهر أثره حسًّا على الأبدان إنما هو تبع، وإلا فالأصل، فإن أحكام دار البرزخ تتعلق بالأرواح لا تتعلق بالأبدان، فالبدن لا يظهر عليه إقعاد ولا يظهر أثر الضرب الذي أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن لم يجِب ولم يوفق في فتنة الملكين، فإنهما كما في حديث أنس في الصحيحين ((يضربانه بمرزبة بين أُذنيه أو بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح فيسمعه كل أحد إلا الثقلين))،[تم تخريجه صفحة (2). وهـٰذا القدر في البخاري دون مسلم، وليس فيه (بمرزبة).]فهذا لا يكون إلا على الروح، لا على البدن.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله وأيضاً ابن القيم أنه قد يظهر أثر ذلك على البدن، وقد يقوى اتصال الروح بالبدن فيُقعد البدن. ولا تقل كيف؟ إنما هذا أمر لا ندركه نحن، فإننا لو فتحنا القبر أو كما يقول وضعنا جهاز تصوير بعد الدفن لم نجد بدناً يقعد ولا ملَكاً يأتي؛ لأن الحكم متعلق بالروح، والآن الروح يحصل لها في حال المنام نظير ما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبر من الانتقال والسؤال وما إلى ذلك، ولا يظهر على البدن أثر، فالإنسان إذا نام ورأى في المنام أنه مثلاً يدخل في عراك أو قتال أو ما أشبه ذلك تجده يتأثر وقد يقوم فزعاً وقد يجد أثر هذا على بدنه وهو في منام، الروح مرتبطة بالجسد والحكم في الدنيا، الأصل فيه على أي شيء على الأجساد أو على الأرواح؟ على الأجساد، فكذلك في الآخرة ما يكون مما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عذاب القبر ونعيمه الأصل فيه أنه واقع على أي شيء؟ على الأرواح، وما يكون للأبدان إنما هو تابع، تماماً ما يكون من نعيم الروح في الدنيا فهو تابع لنعيم البدن.
أما الآخرة فتقترن الروح بالبدن اقتراناً تامًّا في التعذيب وفي النعيم؛ أي في العذاب والنعيم فيكون عليهما جميعاً.
فالذين أنكروا ما جاءت به الأخبار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فتنة القبر ومن عذاب القبر ومن سؤال منكر ونكير، وما أشبه ذلك إنما اعتمدوا في الإنكار على أي شيء؟ على العقل، ويقولون: الحس ما ندرك ذلك ولا نشاهده، نقول: نعم. أما العقل فلا مجال لإعماله فيما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون من أمر الغيب؛ لأنه بأي عقل يوزن خبر الله وخبر رسوله؟ كما قال الإمام مالك: ليت شعري! بأي عقل نزن الكتاب والسنة.
وأما الحس فنقول: إن الحكم ليس للأبدان حتى تعترضوا، وإنما الحكم في دار البرزخ على أي شيء ؟ الحكم للأرواح وعليها لا للأبدان.
ثم قال رحمه الله: (وسُؤالُ مُنْكَرِ ونَكيرٍ حقٌّ) هذا بيان لتفصيل الفتنة وأن الفتنة تكون بسؤال منكر ونكير. ومنكر ونكير ملكان كريمان، وإنما سميا بهذين الاسمين -منكَر بفتح الكاف ونكير بكسرها- لأنهما لا يعرفهما الإنسان، فهما غير معروفين لمن يأتيان إليه، فالنكارة هنا ليست لفعلهما ولا لحالهما، إنما النكارة لكون الإنسان يجهلهما. وقيل: إنهما أيضاً يأتيانه على صورة منكرة فظيعة تدهش العقول وتذهب الألباب وتزيغ القلوب، وهذا الذي يحصل به الفضل لأهل الفضل في قوله تعالىٰ: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾[سورة : إبراهيم (27).]. الثبات الذي يكون في الآخرة منه ما يكون في القبر عند سؤال منكر ونكير؛ بل هو سبب نزول الآية كما في الصحيح[البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، حديث رقم (1369).
مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، حديث رقم (2871).]. فهذان الاسمان لهذين الملكين إنما هما في الحقيقة وصف لحالهما وليس تقليلاً من شأنهما، فهما من الملائكة الكرام الذين سخرهم الله عز وجل لما شاء من تسخير.
وقد جاء إطلاق هذين الاسمين عليهما في السنة فيما رواه ابن حبان في صحيحه وأيضاً في مسند الإمام أحمد، فهذان الاسمان لهذين الملكين ثبتت بهما السنة، وإن كان بعض أهل العلم يضعف ما ورد في ذلك.
ثم قال: (والبَعْثُ بعْدَ الموْتِ حقٌّ). البعث هو ما أخبر الله عز وجل به وعنه من قيام الناس لرب العالمين. (حُفَاةً عُراةً غُرْلاً). ولعلنا نترك تفصيل ما يتعلق بالبعث إلى الدرس القادم.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.